دعا الملك في خطاب العرش الاخير إلى تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها، مشيرا إلى أنه إذا كانت مدونة الأسرة شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق تقف أمام استكمال هذه المسيرة.
لا نجادل في كون قانون الاسرة الصادر سنة 2004 يعتبر قفزة نوعية في مجال تعزيز الحقوق الانسانية ، وبناء مجتمع ديموقراطي حديث منفتح على القيم الكونية ومتشبت بقيمه الدينية والثقافية ، قانون كان الهدف من سنه رفع الحيف عن النساء وصيانة كرامة الرجال وحماية حقوق الأطفال ، ومسايرة تحولات الواقع المجتمعي وتحول الاسرة المغربية من هرمية قائمة على أساس سلطوي الى بنيان يوزع الحقوق والواجبات على كل فرد ويقر مبدأ العدل متصديا للظلم بجميع اشكاله .
وفي هذا الاطار ذهبت المادة 24 من مدونة الأسرة الى الحد من مفهوم قصور المرأة من خلال التنصيص على ان الولاية حق للمراة تمارسه الراشدة حسب اختيارها ومصلحتها وأكدت المادة 25 ان للمرأة الراشدة ان تعقد زواجها بنفسها او تفوض ذلك لأبيها او لاحد اقاربها.
كما ان الحقوق والواجبات أصبحت متبادلة بين الزوجين
وفِي هذا الصدد استحضر مقتطفا من الخطاب الملكي السامي بمناسبة استقبال جلالته لرئيسي مجلسي البرلمان وتسليمهما قانون مدونة الاسرة بعد المصادقة عليه بالإجماع بتاريخ 2004/2/3 والذي يؤكد فيه جلالته على تفعيل المدونة على الوجه الأمثل من طرف قضاء مؤهل مستقل ومنصف : ” ومهما تكن اهمية المكاسب المحققة ، والتي نتوجها اليوم بوضع طابعنا الشريف على قانون مدونة الاسرة وإصدار الامر بتنفيذه ، فإننا لن نذخر جهدا لتفعيلها على الوجه الأمثل من خلال قضاء مؤهل ومستقل وفعال ومنصف ، وبواسطة كافة المنابر والهيئات لتحسيس عامة الشعب بها ليس باعتبارها مكسبا للمرأة وحدها بل بكونها دعامة للأسرة المغربية المتوازنة المتشبعة بها ثقافة وممارسة وسلوكا تلقائيا ” انتهى مقتطف من نص خطاب صاحب الجلالة
المشرع مطالب اذن بتعديل العديد من مواد مدونة الاسرة وقد اظهرت التجربة منذ 2004 الى سنة 2022ضرورة ادخال تعديلات على المدونة خصوصا ان الاجتهاذ نسف النص القانوني بخصوص طلب مستحقات المتعة ، ذلك ان المدونة تنص على اداء مستحقات المتعة لطالبة التطليق للشقاق في حين اصدرت محكمة النقض قرارا يناقض النص ويحرم المرأة من واجب المتعة في حالة مطالبتها بالطلاق للشقاق , علما ان هناك تباين واختلاف بين محاكم المملكة في اعتماد المعيار المحدد لاحتساب هذه المبالغ
، كما ان تزويج القاصرات لا زال لم يحسم فيه رغم تقديم مقترح قانون من طرف الفريق الاشتراكي خلال الولاية البرلمانية 2011-2016 علما ان عدد القضايا المتعلقة بتزويج القاصر لا زال في تزايد مستمر وما يستتبع ذلك من الفشل الذريع في تحمل مسؤولية الاسرة وتكاثرطلبات التطليق للشقاق
وللاشارة و من خلال الحضور في ندوات ومناقشة بعض القضايا المطروحة للنقاش تبين ان أصوات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية ،ارتفعت معبرة عن استيائها و ادانتها لأحكام تقضي بتزويج القاصرات من جهة او سلوك البعض مسطرة البينة الشرعية في ثبوت الزوجية من جهة اخرى ، علمًا ان الإشكال ليس مطروح قضائيًا لوجود نصوص قانونية يعتمد عليها المتقاضون ويلتمسون الحكم وفقها وبالتالي فإن القضاء لا يد له في تفشي ظاهرة تزويج القاصرات اذا كان المشرع لا زال يقر بوجود المادة 20 من مدونة الاسرة والتي تسمح استثناء بهذا التزويج في حالة توفر الشروط لان دور القاضي ينحصر في تطبيق القانون لا تعديل او تتميم القوانين ،. لذلك فان عدم قبول المجتمع ببعض النصوص القانونية التي أصبحت اما متجاوزة ، لمساسها بالحقوق والحريات ، او أصبحت موضوع تنديد من طرف شرائح المجتمع ، يتطلب تدخل المشرع لتغيير او تعديل او حذف او سن مقتضيات قانونية تتلاءم مع حاجيات المجتمع ، وهذا ما
تطرق اليه ملك البلاد في خطاب العرش الاخير
مثلا لما وقعت مطالبة المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية بإلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي تبعا لوفاة المرحومة آمنة الفيلالي سنة 2012, والذي كان يبيح للمغرر الزواج بالقاصر المغرر بها لإعفائه من العقاب ، تدخل المشرع وحذف الفقرة الثانية من الفصل المذكور ،وتحلل القضاء من تطبيق هذا النص الذي اعتبر مجحفا وغاصبا للطفولة ، لذلك اصبح لزاما ، تدخل المشرع من اجل تغيير وتعديل وتجويد النصوص القانونية التي لا او لم تعد تتلاءم مع متطلبات المجتمع او تحدث الظلم اكثر مما تشيعه من
العدل ، او من شأنها المساس بالحقوق والحريات
من جهة اخرى من جهة اخرى فقد انتهى العمل بالمادة 16من مدونة الاسرة سنة 2019 المتعلقة بسماع دعوى الزوجية والتي تم العمل بها في اطار فترة انتقالية مدتها عشر سنوات انتهت شهر فبراير 2014 ثم تقرر تمديدها خلال الولاية التشريعية السابقة لمدة خمس سنوات مع رفض تعديلات المعارضة انذاك في لجنة العدل والتشريع الرامية الى تقييد المادة بعدم استغلالها و الالتفاف عليها لتزويج القاصر وتعدد الزوجات ، وان الخمس سنوات وصلت الى نهايتها خلال شهر فبراير 2019 لتصل الفترة الانتقالية الى 15 سنة ، علما ان الأصل في ميثاق الزواج هو كونه موثقا كتابة بمقتضى الوثيقة المحررة من العدلين السامعين للإيجاب والقبول الصادرين عن الزوجين في مجلس واحد بعد استيفاء الأركان والشروط والاجراءات الادارية ،والمخاطب عليها من طرف القاضي المكلف بالتوثيق ،
وان المادة 16 المشكلة للإطار القانوني لسماع دعوى الزوجية اشارت صراحة ان الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج هي عقد الزواج ،لكن اضافت انه اذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الاثبات وكذا الخبرة ، وتأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال او حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما اذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين. علما ان القصد من سن هذه المادة ليس هو فتح المجال للتحايل على مواد اخرى نصت عليها المدونة وانما نظرا لوجود أسباب وعوامل قد تكون نتيجتها عزوف بعض الازواج عن توثيق زيجاتهم ،من هذه الأسباب،
العادات والتقاليد في بعض المناطق النائية التي تجعل عقد الزواج يعتمد على إجراءات شفوية وطقوس عرفية بعيدة عن المفاهيم الحديثة لتوثيق العقد ، او عدم التوفر على الوثائق الادارية لتوثيق عقد الزواج ، او التهاون واللامبالاة التي يبديها البعض كلما تعلق الامر بالإجراءات والشروط الشكلية لتوثيق عقد الزواج او عدم وجود عدول في بعض المناطق النائية المعزولة ، او بكل بساطة وهذا ما اصبح يلجأ اليه جل سالكي المسطرة بمقتضى المادة 16 المتحايلون حتى من ساكنة المدن ومن المثقفين وجميع الشرائح لابرام بعض الزيجات التي تتطلب إذنا مسبقا من طرف المحكمة وبالطبع القصد في هذا المجال يتعلق بتزويج القاصر اي الزواج دون سن الأهلية ، او تعدد الزوجات ،تفاديا والتفافا وقفزا على الاذن المسبق وعلى المواد من 40 التي تمنع التعدد اذا خيف عدم العدل بين الزوجات الى 46 من مدونة الاسرة ،
وجعل المحكمة مضطرة الى الرضوخ للطلب خاصة في حالة وجود أطفال ، علما ان مسطرة التعدد أصبحت بعد دخول المدونة حيز التنفيذ خاضعة لقيود صارمة اذ لا يأذن القاضي بالتعدد الا بعد التأكد من قدرة الزوج على توفير العدل بين الزوجة الاولى و الزوجة الثانية ووجود مبرر استثنائي كسند لطلب التعدد، الشيء الذي جعل الاحكام الصادرة برفض طلبات التعدد اكبر من عدد الاحكام الصادرة بمنح الإذن بالتعدد ،بل ان رسوم زواج التعدد منذ تطبيق المدونة لم تتجاوز 0,34 في المائة الى حدود سنة 2014. وتُظهر الإحصائيات الأخيرة أن حالات الطلاق تتزايد بشكل مثير للقلق في المغرب، لاسيما بعد التعديلات التي شملت مدونة الأسرة.. ووفقا للمعطيات ذاتها، شهدت مدينة الدار البيضاء وحدها 15956 حالة طلاق في العام 2020..وشهد عدد قرارات الطلاق النهائية الصادرة عن المحاكم زيادات مقلقة، إذ انتقل من 44408 عام 2014 إلى 55.470 عام 2019. فيما بلغ عدد حالات ”الطلاق”، وهو فسخ شرعي للزواج جاء أصلاً بقرار من الزوج فقط، 26914 حالة..وفي مجموع حالات الطلاق بالمغرب، انتقل العدد من 26914 حالة في 2004 إلى 25852 في 2018، وارتفع إلى 55470 حالة
في 2019
وقد اقتضى التحايل على القانون استعمال المادة 16 من اجل الالتفاف على المقتضيات المتعلقة بالتعدد والحصول على الإذن باستعمال مادة قانونية قفزا وتطاولا والتفافا على المادة التي تنظم هذا المقتضى المهم والذي قد يضرب في الصميم كرامة الزوجة الاولى واحيانا الثانية ، اذ قد تعتقد ان من تعاشره معاشرة الازواج غير متزوج او تتواطأ معه من اجل العيش سويا بدون عقد , وتعتقد الاولى ان الزوج غير متزوج شرعا ( بالفاتحة ) من غيرها الى ان يتم سلوك مسطرة سماع دعوى الزوجية ، ولعل ذاك هو السبب الذي جعل مساطر التعدد في تراجع ومساطر دعوى سماع الزوجية في ارتفاع مضطرد منذ 2004 تاريخ تقييد المدونة لمسطرة التعدد الى غاية 2011 التي بلغ عدد الاحكام خلالها 38952 ، بل وهذا هو السبب الذي حدا ببعض الفرق البرلمانية قبل اعادة تمديد العمل بالمادة 16 الى ضرورة تقييدها بعدم استعمالها من اجل تزويج القاصر ، وكذلك عدم استعمالها لطلب الإذن بتعدد الزوجات ، لكن رفضت الحكومة التعديلات واستمرت الاحكام تصدر رغم التحايل والالتفاف على القانون،
ويجدر التذكير ان المشرع لما سن المادة 16 اتجهت نيته الى تسوية كل زواج غير موثق نظرا لوجود أسباب قاهرة حالت دون توثيقه ، مثلا تواجد المعنيين بالأمر في مناطق جبلية معزولة ونائية او عدم وجود عدول بها لذلك انخرطت المحاكم الابتدائية عبر أقسام قضاء الاسرة خلال عدة سنوات في تنظيم جلسات تنقلية في دوائر نفوذها في اطار تقريب القضاء من المواطنين المقيمين في البادية والمناطق النائية من اجل توثيق زيجاتهم ،
خصوصا في حالة وجود الأطفال المعنيين بحماية المدونة من جهة واعتبار الإطار العالمي الذي يلزم المغرب باتفاقيات دولية تهدف حماية الأطفال من جهة اخرى ، لذلك نلاحظ مقالات افتتاحية ترفع حاليا الى المحاكم في اطار سماع دعوى الزوجية المنظمة بمقتضى المادة 16 ، بدل الاذن بالتعدد الذي يخضع للمواد من 40 الى 46 من المدونة والتي تقيد المساطر بصرامة ، من طرف ساكني المدينة وثلة من المثقفين وشريحة من الميسورين واخرين لا علاقة لهم بالمناطق النائية المعزولة ،ولا وجود لأسباب قاهرة حالت دون توثيقهم للعقود ولهم عدول في مدنهم لا ينتظرون سوى تحرير العقود بفرح وابتهاج ، لذلك نتساءل و نطرح علامات الاستفهام حول القبول بالتحايل على المادة من اجل التعدد و تزويج القاصر وما يستتبع ذلك من مآسي اجتماعية، او يكون للمشرع جرأة نسخها ، او على الأقل تعديلها ، بحكم انها شرعت لفترة انتقالية وخضعت للتمديد عدة مرات ولا ندري هل سيرفع المنتصرون للتمديد فيتو حماية الاطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج الموثق بعقد ؟او يتم نسخ المادة او اقرارها ؟
علما انه اذا تشجع المشرع وحذف المادة 20 التي تخول زواج القاصر استثناء لتبقى المادة 19 هي وحدها السارية المفعول اذ تحدد سن الزواج بالنسبة للفتى والفتاة في سن 18 سنة فان زواج القاصر لن يطرح للنقاش مستقبلا .