أثار انتشار فيديو لمشاهد العنف في اجتماع لأحد الجماعات الترابية بإقليم مراكش، نقاشا بوسائل التواصل الاجتماعي، حول خلفيات و أسباب تكرار مثل هذه الأحداث في الاجتماعات التي تعقدها الجماعات الترابية ببلادنا، ومن خلال استقراء بعض التعليقات التي صاحبت الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع قبل أسبوعين، يلاحظ أن معظم الآراء اعتبرت مثل هذه السلوكيات ناتجة عن تدني التكوين السياسي والثقافي والأخلاقي للمنتخبين، ولم يتم بالمقابل استحضار العوامل القانونية والسياسية التي قد تشكل إلى جانب العوامل الذاتية، بيئة محفزة لإفراز مثل هذه الاشتباكات بين المنتخبين، ومن ثمة، ارتأت هذه المقالة التطرق إلى أحد الآليات القانونية ذات البعد السياسي، التي أقرها المشرع المغربي في القانون المنظم للجماعات، والتي في زعمنا، تساهم بشكل فعال في خلق توترات داخل المجالس المحلية، تفضي أحيانا إلى أحداث عنف، في حالة ما إذا اقترنت بتدني المستوى الأخلاقي والسياسي للفاعل السياسي المحلي. كيف ذلك؟
من المعلوم أن الجماعة المحلية في المغرب لها صبغة دستورية، ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام المباشر، و يعقد مجلسها وجوبا ثلاث دورات عادية في السنة، (، فبراير، ماي، أكتوبر) ويمكنها عقد دورات استثنائية إذا دعت الضرورة لذلك، و للتوضيح فإن هذه الدورات هي عبارة عن اجتماعات يعقدها المجلس الجماعي و يتم خلالها التداول واتخاذ القرارات في جميع القضايا المحلية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي و المالي التي تدخل في نطاق اختصاصات الجماعة، ورغم أن القانون ينص على مبدأ التدبير الحر لشؤون الجماعة، فإن ذلك لا يعني غياب المراقبة على قرارات وأعمال المجالس الترابية، فمع وجود الرقابة الإدارية التي أسندت إلى العمال والولاة، أرسى المشرع آليات رقابة سياسية، أهمها ما نصت عليه المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14 الخاص بالجماعات، فقد قررت هذه المادة "على أنه يجوز لثلثي (2\3) الاعضاء المزاولين مهامهم تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بتقديم استقالته"، "ولا يقدم طلب الإقالة إلا مرة واحدة خلال مدة انتداب المجلس"، وبما أن الانتخابات الجماعية الأخيرة نظمت سنة 2021، فإن جميع الجماعات الترابية خلال هذه السنة، استوفت نصف مدة انتدابها المحددة في 6 سنوات، ولهذا من المفترض أن تكون دورات المجالس الجماعية المنعقدة خلال الشهر الجاري، محطة لتقييم عمل الجماعة وتفعيل المراقبة السياسية على التدبير العمومي لرؤساء الجماعات، فضلا عن ما يمكن أن تسفر عنه هذه الدورات من تغييرات للخريطة السياسية بالمدن والقرى .
ورغم ما قد يبدو نظريا من صعوبة في تحقيق النصاب الذي أوجبه المشرع لإقالة الرئيس، وتغيير التشكيل السياسي القائم، إلا أن التجربة العملية أثبتت إمكانية اكتمال النصاب المفضي إلى عزل رئيس الجماعة من منصبه، آخرها على سبيل المثال لا الحصر، ما جرى خلال هذا الشهر بجماعة "لوجان"، التابعة لإقليم "تيزنيت"، حيث تقدم 14 عضو من أصل 16 بملتمس إقالة الرئيس، ورغم أن رئيس الجماعة رفض إدراج هذا الملتمس ضمن جدول الدورة، إلا أنه توصل بمراسلة من سلطات الوصاية الإدارية، تدعوه إلى تطبيق القانون بضرورة ادراج ملتمس الإقالة في دورة أكتوبر، تحت طائلة العزل في حالة الرفض، ونفس الشيء حدث بجماعة "البركانيين" بإقليم "الناظور"، حينما صوت 14 عضو جماعي من أصل 16، على ملتمس إقالة الرئيس، إذ لم يتحلف عن التصويت سوى الرئيس و عضو آخر غادر التراب الوطني.
وتحدث مثل هذه السيناريوهات في حالات كثيرة لا يمكن حصرها، سنحاول تقديم أبرزها في المثالين الآتيين:
ــ إقالة الرئيس و تغيير التوازنات السياسية : وهي الحالة التي تتمكن المعارضة من استقطاب أحزاب من الأغلبية وضمها في إطار تحالف سياسي أغلبي جديد، ويقع ذلك غالبا في حالة المجالس التي يستند فيها الرئيس على أغلبية هشة وهجينة سياسيا، تتألف من عدة أحزاب، وغير مريحة عدديا، لانعدام وجود فارق عددي كبير بينها وبين معارضة منسجمة سياسيا، مثل مجلس جماعي يتشكل من 30 عضو، تقوده أغلبية تتشكل من 16 عضو ينتمون إلى تحالف سياسي من 4 أحزاب ، بينما تتشكل المعارضة من حزب واحد أو حزبين لديهم 14 مستشار جماعي، فيسهل على فريق المعارضة استقطاب أحد الاحزاب إلى صفوفها، مستغلة الانقسامات داخل الأغلبية القائمة.
ــ إقالة الرئيس دون تغيير بالتوازنات السياسية: وهي الحالة التي لا يترتب عن إقالة رئيس الجماعة، تغيير في التركيبة السياسية للمجلس، ويمكن أن يحدث هذا التغيير بشكل توافقي داخل أحزاب الأغلبية.
فهنا يستطيع الحزب الذي يسير المجلس الجماعي بأغلبية عددية مريحة، إما بشكل انفرادي أو في إطار تحالف مع حزب آخر، أن يقيل رئيس الجماعة مع الاحتفاظ بمنصب الرئاسة، وذلك لقدرته على تأمين فوز مرشحه الجديد بمنصب الرئاسة، ويتم اتخاذ هذا القرار في الغالب بسبب تشكل شبه إجماع لدى الحزب الذي يتحمل مسؤولية التسيير، بعدم الرضا عن مردودية الرئيس وأداءه التدبيري، لما صار يشكله من إضرار بصورة الحزب الذي ينتمي اليه، أو من تهديد للتماسك التنظيمي للحزب أو لتأثيره سلبا على علاقة الحزب بشركائه في الأغلبية، فيضطر الحزب حفاظا على موقعه السياسي ومنصبه الرئاسي، إلى تعبأة أعضائه من أجل إقالة الرئيس وانتخاب رئيس جديد من بين صفوفه، فيما يشبهه عملية انقلاب داخلي اقتضته المصلحة الحزبية.
وعليه فقد باتت معظم الدورات التي تنعقد تزامنا مع نهاية نصف المدة الانتدابية، تجرى في أجواء مشحونة ومتوترة، بفعل التحركات والتقاطبات السياسية التي تسبق هذه الدورة، سواء تلك التي ترمي إلى إسقاط الأغلبية القائمة وتشكيل تحالفات سياسية جديدة، أو تلك التي تسعى للحفاظ على نفس التشكيل السياسي الذي يقود العمل الجماعي وتحصينه من التفكك، الشيء الذي يفضي في الغالب الى العنف والفوضى والاشتباك بين المستشارين داخل الدورة.
وفي أحيان كثيرة تكون هذه التحركات التي تسبق الدورة أو العنف المحدث خلالها، مجرد وسيلة ضغط وابتزاز سياسي مسلط على رئيس الجماعة، بهدف الحصول على بعض الامتيازات، التي تكون إما على شكل امتيازات قانونية وإدارية: مثل الحصول على تفويض بعض الاختصاصات، أو رئاسة بعض اللجان، تدبير التراخيص في مجال تدبير الملك العمومي، ومجال التعمير، في مجال المحلات الصناعية والتجارية الخ...
أو منافع وامتيازات مادية: محروقات، دعم مالي لجمعيات محددة، سيارة المصلحة، الصفقات ..)
أو امتيازات ذات عائدات سياسية: حق الاستفادة من وسائل الجماعة بغرض تسخيرها في خدمة ساكنة الدائرة الانتخابية التي ينتمي إليها المنتخب المحلي
وفي الغالب يجد رئيس الجماعة نفسه مضطرا مع اقتراب نهاية الشطر الأول من ولايته، للخضوع إلى كل هذه الابتزازات وتوزيع هذه الامتيازات، لأجل إرضاء الطموحات الشخصية والسياسية للمستشارين الجماعيين الذين يملكون تأثيرا على المستشارين الآخرين.
ومن ثمة فقد صار المقتضى القانوني المنصوص عليه في المادة 70، سيفا مسلطا على أعناق الرؤساء، يوظف على نقيض مقصده، إذ في الوقت الذي كان يرمي المشرع من خلال هذه الآلية، منح فرصة ثانية لإصلاح أو تدارك الاختلالات التدبيرية أو السياسية التي قد تظهر أثناء النصف الأول من مدة الولاية الانتخابية، أو الخروج من وضعية انسداد سياسي قد يقع فيها المجلس الجماعي، صارت هذه الآلية، وسيلة شحن وتعبأة وأداة ضغط وابتزاز لإعادة توزيع المنافع، وهو ما يظهر بجلاء من خلال النقاشات و الصراعات التي تسود خلال هذه الدورات، والتي لا تطرح في الغالب رؤى تنموية، وبرامج بديلة أو مقترحات جادة.
من المعلوم أن الجماعة المحلية في المغرب لها صبغة دستورية، ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام المباشر، و يعقد مجلسها وجوبا ثلاث دورات عادية في السنة، (، فبراير، ماي، أكتوبر) ويمكنها عقد دورات استثنائية إذا دعت الضرورة لذلك، و للتوضيح فإن هذه الدورات هي عبارة عن اجتماعات يعقدها المجلس الجماعي و يتم خلالها التداول واتخاذ القرارات في جميع القضايا المحلية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي و المالي التي تدخل في نطاق اختصاصات الجماعة، ورغم أن القانون ينص على مبدأ التدبير الحر لشؤون الجماعة، فإن ذلك لا يعني غياب المراقبة على قرارات وأعمال المجالس الترابية، فمع وجود الرقابة الإدارية التي أسندت إلى العمال والولاة، أرسى المشرع آليات رقابة سياسية، أهمها ما نصت عليه المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14 الخاص بالجماعات، فقد قررت هذه المادة "على أنه يجوز لثلثي (2\3) الاعضاء المزاولين مهامهم تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بتقديم استقالته"، "ولا يقدم طلب الإقالة إلا مرة واحدة خلال مدة انتداب المجلس"، وبما أن الانتخابات الجماعية الأخيرة نظمت سنة 2021، فإن جميع الجماعات الترابية خلال هذه السنة، استوفت نصف مدة انتدابها المحددة في 6 سنوات، ولهذا من المفترض أن تكون دورات المجالس الجماعية المنعقدة خلال الشهر الجاري، محطة لتقييم عمل الجماعة وتفعيل المراقبة السياسية على التدبير العمومي لرؤساء الجماعات، فضلا عن ما يمكن أن تسفر عنه هذه الدورات من تغييرات للخريطة السياسية بالمدن والقرى .
ورغم ما قد يبدو نظريا من صعوبة في تحقيق النصاب الذي أوجبه المشرع لإقالة الرئيس، وتغيير التشكيل السياسي القائم، إلا أن التجربة العملية أثبتت إمكانية اكتمال النصاب المفضي إلى عزل رئيس الجماعة من منصبه، آخرها على سبيل المثال لا الحصر، ما جرى خلال هذا الشهر بجماعة "لوجان"، التابعة لإقليم "تيزنيت"، حيث تقدم 14 عضو من أصل 16 بملتمس إقالة الرئيس، ورغم أن رئيس الجماعة رفض إدراج هذا الملتمس ضمن جدول الدورة، إلا أنه توصل بمراسلة من سلطات الوصاية الإدارية، تدعوه إلى تطبيق القانون بضرورة ادراج ملتمس الإقالة في دورة أكتوبر، تحت طائلة العزل في حالة الرفض، ونفس الشيء حدث بجماعة "البركانيين" بإقليم "الناظور"، حينما صوت 14 عضو جماعي من أصل 16، على ملتمس إقالة الرئيس، إذ لم يتحلف عن التصويت سوى الرئيس و عضو آخر غادر التراب الوطني.
وتحدث مثل هذه السيناريوهات في حالات كثيرة لا يمكن حصرها، سنحاول تقديم أبرزها في المثالين الآتيين:
ــ إقالة الرئيس و تغيير التوازنات السياسية : وهي الحالة التي تتمكن المعارضة من استقطاب أحزاب من الأغلبية وضمها في إطار تحالف سياسي أغلبي جديد، ويقع ذلك غالبا في حالة المجالس التي يستند فيها الرئيس على أغلبية هشة وهجينة سياسيا، تتألف من عدة أحزاب، وغير مريحة عدديا، لانعدام وجود فارق عددي كبير بينها وبين معارضة منسجمة سياسيا، مثل مجلس جماعي يتشكل من 30 عضو، تقوده أغلبية تتشكل من 16 عضو ينتمون إلى تحالف سياسي من 4 أحزاب ، بينما تتشكل المعارضة من حزب واحد أو حزبين لديهم 14 مستشار جماعي، فيسهل على فريق المعارضة استقطاب أحد الاحزاب إلى صفوفها، مستغلة الانقسامات داخل الأغلبية القائمة.
ــ إقالة الرئيس دون تغيير بالتوازنات السياسية: وهي الحالة التي لا يترتب عن إقالة رئيس الجماعة، تغيير في التركيبة السياسية للمجلس، ويمكن أن يحدث هذا التغيير بشكل توافقي داخل أحزاب الأغلبية.
فهنا يستطيع الحزب الذي يسير المجلس الجماعي بأغلبية عددية مريحة، إما بشكل انفرادي أو في إطار تحالف مع حزب آخر، أن يقيل رئيس الجماعة مع الاحتفاظ بمنصب الرئاسة، وذلك لقدرته على تأمين فوز مرشحه الجديد بمنصب الرئاسة، ويتم اتخاذ هذا القرار في الغالب بسبب تشكل شبه إجماع لدى الحزب الذي يتحمل مسؤولية التسيير، بعدم الرضا عن مردودية الرئيس وأداءه التدبيري، لما صار يشكله من إضرار بصورة الحزب الذي ينتمي اليه، أو من تهديد للتماسك التنظيمي للحزب أو لتأثيره سلبا على علاقة الحزب بشركائه في الأغلبية، فيضطر الحزب حفاظا على موقعه السياسي ومنصبه الرئاسي، إلى تعبأة أعضائه من أجل إقالة الرئيس وانتخاب رئيس جديد من بين صفوفه، فيما يشبهه عملية انقلاب داخلي اقتضته المصلحة الحزبية.
وعليه فقد باتت معظم الدورات التي تنعقد تزامنا مع نهاية نصف المدة الانتدابية، تجرى في أجواء مشحونة ومتوترة، بفعل التحركات والتقاطبات السياسية التي تسبق هذه الدورة، سواء تلك التي ترمي إلى إسقاط الأغلبية القائمة وتشكيل تحالفات سياسية جديدة، أو تلك التي تسعى للحفاظ على نفس التشكيل السياسي الذي يقود العمل الجماعي وتحصينه من التفكك، الشيء الذي يفضي في الغالب الى العنف والفوضى والاشتباك بين المستشارين داخل الدورة.
وفي أحيان كثيرة تكون هذه التحركات التي تسبق الدورة أو العنف المحدث خلالها، مجرد وسيلة ضغط وابتزاز سياسي مسلط على رئيس الجماعة، بهدف الحصول على بعض الامتيازات، التي تكون إما على شكل امتيازات قانونية وإدارية: مثل الحصول على تفويض بعض الاختصاصات، أو رئاسة بعض اللجان، تدبير التراخيص في مجال تدبير الملك العمومي، ومجال التعمير، في مجال المحلات الصناعية والتجارية الخ...
أو منافع وامتيازات مادية: محروقات، دعم مالي لجمعيات محددة، سيارة المصلحة، الصفقات ..)
أو امتيازات ذات عائدات سياسية: حق الاستفادة من وسائل الجماعة بغرض تسخيرها في خدمة ساكنة الدائرة الانتخابية التي ينتمي إليها المنتخب المحلي
وفي الغالب يجد رئيس الجماعة نفسه مضطرا مع اقتراب نهاية الشطر الأول من ولايته، للخضوع إلى كل هذه الابتزازات وتوزيع هذه الامتيازات، لأجل إرضاء الطموحات الشخصية والسياسية للمستشارين الجماعيين الذين يملكون تأثيرا على المستشارين الآخرين.
ومن ثمة فقد صار المقتضى القانوني المنصوص عليه في المادة 70، سيفا مسلطا على أعناق الرؤساء، يوظف على نقيض مقصده، إذ في الوقت الذي كان يرمي المشرع من خلال هذه الآلية، منح فرصة ثانية لإصلاح أو تدارك الاختلالات التدبيرية أو السياسية التي قد تظهر أثناء النصف الأول من مدة الولاية الانتخابية، أو الخروج من وضعية انسداد سياسي قد يقع فيها المجلس الجماعي، صارت هذه الآلية، وسيلة شحن وتعبأة وأداة ضغط وابتزاز لإعادة توزيع المنافع، وهو ما يظهر بجلاء من خلال النقاشات و الصراعات التي تسود خلال هذه الدورات، والتي لا تطرح في الغالب رؤى تنموية، وبرامج بديلة أو مقترحات جادة.