MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



علم المشارك في جنحة الخيانة الزوجية بزواج الفاعل الأصلي

     

النواصرية جلال
طالب بـ جامعة محمد الخامس
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا الجديدة



علم المشارك في جنحة الخيانة الزوجية بزواج الفاعل الأصلي
في غالِبِ الأحيانِ يكونُ الكَمُّ العَدَدِيُّ مَصْدَرَ صِحَّةٍ ويَقينٍ دُونَ الرُّجوعِ إلى إعمالِ العَقْلِ والمَنْطِقِ، والشَّيء نَفْسُهُ اجتاحَ عَدَداً مُهِمّاً من دارِسِي القانونِ، جاعِلاً إِيّاهُم يَسْتَقُونَ كَمّاً من المَعْلوماتِ ويَتَبَنّوها على الرَّغْمِ من مُخالَفَتِها للصَّوابِ، وذلكَ فَقَطْ لكونِها مُتَبَنّاةً من قِبَلِ عَدَدٍ كَبيرٍ منهم وصادِرَةً من أغلبهم. ولَعَلَّ ما جَعَلَنا نَقولُ هذا الكَلامَ هو أنَّ هذا قد شابَ مَواضيعَ كَثيرةٍ من بَيْنِها أَحَدُ المَواضيعِ المُعالَجةِ ضِمْنَ مَجْموعَةِ القانونِ الجِنائِيِّ، ويَتَعَلَّقُ الأَمرُ بِقَضِيَّةِ "المُشارِكِ في جُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ"، والمَسْؤُولِيَّةِ القائِمَةِ في حَقِّهِ في حالِ انتِفاءِ عِلْمِهِ بِزَواجِ الفاعِلِ الأَصْلِيِّ. لِنَجِدَ الآراءَ، وإنْ فَطِنَ بَعْضُها، تَتَّجِهُ صَوْبَ مُتابَعَتِهِ بِجَريمَةِ الفَسادِ لا الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ، ويَسْتَدِلّونَ على ذلكَ بِكونِهِ لا يَعْلَمُ بِوُجودِ عَقْدِ الزَّواجِ الذي يَنْقُلُ الجَريمَةَ من فَسادٍ إلى خِيانَةٍ زَوْجِيَّةٍ، وبالتّالي يَنْتَفِي في حَقِّهِ الرُّكْنُ المَعنَوِيُّ لِجَريمَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ وتَسْقُطُ عُقوبَتُها، في حينِ تَظَلُّ جَريمَةُ الفَسادِ قائِمَةً لِتَوَفُّرِ أَرْكانِها. وفي هذا الإِطارِ، سَنُحاوِلُ أنْ نُبَيِّنَ لِماذا لا يُمْكِنُ مُتابَعَةُ المُشارِكِ في جُنْحَةِ الخِيانَةِ إلا بِتُهْمَةِ المُشارَكَةِ في الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ لا الفَسادِ وإنِ انتَفى عِلْمُهُ بِزَواجِ الفاعِلِ الأَصْلِيِّ؟ وذلكَ من خِلالِ ما جاءَتْ بِهِ النُّصوصُ المُؤَطِّرَةُ، وَمَا جادَتْ بِهِ الاِجْتِهاداتُ القَضائِيَّةُ، وكذا ما اطَّلَعْنا عَلَيْهِ من كُتُبٍ وكِتاباتٍ فِقْهِيَّةٍ.

        عندَ اسْتِقْرائِنا لِلنُّصوصِ المُؤَطِّرَةِ لِجَريمَتَيِ الفَسادِ والخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ المَنْصوصِ عَلَيْهِما في الفُصولِ الممتدة من: (490 إلى 493)، نَسْتَشِفُّ أنَّ المُشَرِّعَ قد خَرَجَ عن القاعِدَةِ الأصلِ، لِكونِهُ لا يَعُرِّفُ الأفعالَ التي يُعدها جرائمَ، لكنهُ عَرَّفَ هنا، جَريمَةَ الفَسادِ في الفصل 490 لِيُقِرَّ بأنَّ "كُلَّ عَلاقَةٍ جِنْسِيَّةٍ بَيْنَ رَجُلٍ وامْرَأَةٍ لا تَرْبُطُ بَيْنَهُما عَلاقَةُ الزَّواجِ تَكونُ جَريمَةُ الفَسادِ ويُعاقَبُ عَلَيْها بِالحَبْسِ من شَهْرٍ واحِدٍ إلى سَنَةٍ". ثُمَّ إنَّ المُشرعَ تَطَرَّقَ كَذلِكَ إلى أَرْكانِ هذِهِ الجَريمَةِ، من قَبيلِ: الرُّكْنِ المادِّيِّ المُتَمَثِّلِ في الاِتِّصالِ الجِنْسِيِّ وغِيابِ الرّابِطَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وكذا الرُّكْنِ المَعنَوِيِّ الذي يَتَجَلَّى في العِلْمِ والإِرادَةِ ثمَّ النِّيَّةِ الإِجْرامِيَّةِ؛ أي أنْ يكونَ الفاعِلُ عالِماً بأنَّ فِعْلَهُ مُجَرَّمٌ قانوناً، وعالِماً كَذلِكَ بكونِهِ غيرَ مُتَزَوِّجٍ إذا كُنّا نَتَكَلَّمُ عن جُنْحَةِ الفَسادِ، أو مُتَزَوِّجٍ حينَ الحَديثِ عن جُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ، مُؤَكِّداً بشكلٍ ضِمْنِيٍّ في الفَصْلِ 491 من القانون الجنائي على أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الجُنْحَتَيْنِ إلا بوُجود الرّابِطَةِ الشَّرْعِيَّةِ أوْ انتِفائِها، بِما مَفادُهُ أنَّ كِلْتا الجَريمَتَيْنِ تَشْتَرِكانِ في الأَرْكانِ نفسها؛ حيثُ لا فَرْقَ بَيْنَهُما إلا في وُجودِ عَقْدِ الزَّواجِ الذي يَنْقُلُ الجَريمَةَ من فَسادٍ إلى خِيانَةٍ زَوْجِيَّةٍ.

        بعد تَمْحيصِ ما جادَتْ بهِ هَذِهِ النُّصوصُ المُؤَطِّرَةُ، نَسْتَشِفُّ أنَّ المُشَرِّعَ قَدْ أَهْمَلَ التَّطَرُّقَ إلى المُشارِكِ في الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ إلا فيما يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الاسْتِفادَةِ من تَنازُلِ الزَّوْجِ المُتَضَرِّرِ أو الزَّوْجَةِ المُتَضَرِّرَةِ مِنَ الشَّكْوى؛ إذْ أنَّ هَذَا التَّنازُلَ لا يَمْتَدُّ إليهِ ولا يَسْتَفِيدُ مُطْلَقاً مِنهُ عَمَلاً بِالفَصْلِ 492 من ق.ج. وَلَعَلَّ هَذَا الإِهْمالَ، هو ما خَلَقَ الإِبْهامَ حَوْلَ أَيِّ مَسْؤُولِيَّةٍ قائِمَةٍ في حَقِّ المُشارِكِ في جَريمَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ في حالِ انْتِفاءِ عِلْمِهِ بِزَواجِ الفاعِلِ الأَصْلِيِّ، بِمَعْنى آخر: هَلْ تَقومُ في حَقِّهِ المَسْؤُولِيَّةُ عنِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ أم عنِ الفَسادِ إذا انْتَفى العِلْمُ لَدَيْهِ؟ وفي هَذَا الإِطارِ، بِرُجوعِنا إلى الفَصْلِ 491 من القانونِ الجِنائِيِّ الذي جاءَ فيهِ أنَّهُ "يُعاقَبُ بِالحَبْسِ من سَنَةٍ إلى سَنَتَيْنِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الذي يَرْتَكِبُ جَريمَةَ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ"، يَتَّضِحُ بِالمَلْموسِ أنَّ القانونَ المَغْرِبِيَّ يُعاقِبُ على فِعْلِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِشَكْلٍ مُحَدَّدٍ، كونَهُ لَمْ يَتَوَسَّعْ سَواءٌ في هَذَا الفَصْلِ، أوْ فِي الفُصولُ الأُخْرى المُنَظِّمَةُ لِهَذِهِ الجُنْحَةِ، إلى عُقوبَةِ المُشارِكِ فيها بِحَسَبِ تَكْيِيفِهِ القانونِيِّ. كَما يَتَّضِحُ، أيضاً، مِنْ خِلالِ الفَصْلِ نَفْسِهِ، أنَّ المُشَرِّعَ اعْتَبَرَ الصِّفَةَ الزَّوْجِيَّةَ ظَرْفاً مادِّيّاً في الجَريمَةِ من جِهَةٍ، لِكونِها تَحوَّلَت من جُنْحَةِ فَسادٍ إلى خِيانَةٍ زَوْجِيَّةٍ، ثُمَّ اعْتَبَرَها في الوَقْتِ نَفْسِهِ، ظَرْفاً شَخْصِيًّا مُرْتَبِطاً بِذاتِ الفاعِلِ تُشَدِّدُ من عُقوبَتِهِ، بِما مَفادُهُ أنَّها ظَرْفٌ مُخْتَلِطٌ، وبالتَّالي فإنَّها تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الظُّروفِ العَيْنِيَّةِ من حيثُ أَثَرُها على المُساهِمِينَ والمُشارِكِينَ سَيْراً على نَهْجِ القَضاءِ.

        أمّا فيما يَخُصُّ المُشارَكَةَ في جُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وإنْ جاءَتْ في صُورَةِ مُساهَمَةٍ، كونُها تَتَطابِقُ والصُّورَةُ الوارِدَةُ في الفَصْلَ 128 من مَجْموعَةِ القانونِ الجِنائِيِّ، إلا أنَّ المُشَرِّعَ قَيَّدَنا بِمُصْطَلَحِ المُشارَكَةِ، وهذا ما يَدْفَعُنا دائماً لِلرُّجوعِ إلى الفَصْلِ 130 من مَجْموعَةِ القانونِ الجِنائِيِّ، لِنَجِدَ أنَّهُ قَدْ نَصَّ على أنَّ المُشارِكَ في جِنايَةٍ أو جُنْحَةٍ يُعاقَبُ بِالعُقوبَةِ المُقَرَّرَةِ لِهَذِهِ الجِنايَةِ أو الجُنْحَةِ، الشَّيْءُ الذي يُؤكِّدُ ما قُلْناهُ سابِقاً؛ لِكونِ المُشَرِّعِ قَدَّمَ الظَّرْفَ العَيْنِيَّ لِجُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ على الظَّرْفِ الشَّخْصِيِّ لِلْمُشارِكِ فيها. ثُمَّ إنَّهُ جاءَ في الفَقْرَةِ الثَّانِيَةِ من الفَصْلِ نفسِهِ، لِيُؤَكِّدَ على أنَّ الظُّروفَ العَيْنِيَّةَ المُتَعَلِّقَةَ بِالجَريمَةِ تُنْتِجُ مَفْعولَها بِالنِّسْبَةِ لِجَميعِ المُساهِمِينَ كانوا أو مُشارِكِينَ، ولَوْ كانوا يَجْهَلُونَها. هذا يُظْهِرُ بِوُضوحٍ، أنَّ المُشَرِّعَ لَمْ يَأْخُذْ بِعينِ الاعْتِبارِ عِلْمَ المُشارِكِ في جُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ، لِيُمَيِّزَ ما إذا كانَ سيُتابِعُهُ بِجَريمَةِ فَسادٍ أمْ خِيانَةٍ زَوْجِيَّةٍ، يَكْفِي فَقَطْ أنَّ الصِّفَةَ الزَّوْجِيَّةَ ظَرْفٌ مُخْتَلِطٌ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الظَّرْفِ العَيْنِيِّ، وبالتَّالِي يَسْرِي عَلَيْها ما جاءَتْ بِهِ الفَقْرَةُ الأَخِيرَةُ من الفَصْلِ 130 من مَجْموعَةِ القانونِ الجِنائِيِّ. هذا وإنَّ الفَصْلَ 132 من القانونِ نَفْسِهِ، عزَّزَ ما اُسْتُخْلِصَ لِحَدِّ الآنَ؛ حيثُ يَعْتَبِرُ أنَّ كُلَّ شَخْصٍ سَليمِ العَقْلِ قادِرٍ على التَّمْيِيز، يَكونُ مَسْؤُولاً عنِ الجِناياتِ أو الجُنَحِ التي يَكونُ مُشارِكاً في ارْتِكابِها، إذَنْ بِمَفْهومِ المُخالَفَةِ لا يُمْكِنُ أنْ تَنْتَفِيَ مَسْؤُولِيَّةُ الجاني عنِ المُشارَكَةِ في الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ إلا إذا لَمْ يَكُنْ سَليمَ العَقْلِ قادِراً على التَّمْيِيزِ، وبالتَّالِي سَتَقومُ مَسْؤُولِيَّتُهُ عن جَريمَةٍ غَيْرِ الجُنْحَةِ المذكورَةِ. 

        ولعل ما زادَ قَناعَتَنا تأكيدا حِيالَ القَضِيَّةِ المَدْروسةِ، هِيَ الكِتاباتُ الفِقْهِيةُ ـــ على الرَّغْمِ من نُدْرَتِها في هذا الموضوع ـــ بحيث أن ما وَجَدْناه فيها زادَ من تثْمينِ وِجْهَةِ نَظَرِنا في القضية، وإن كانَ في الحَقِيقَةِ  شِقٌّ من الفِقْهِ ذَهَبَ إلى اعْتِبارِ العِلْمِ لَدَى المُشارِكِ في جُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ أَمْراً لا مَحِيدَ عَنْهُ في تَحْدِيدِ المَسْؤُولِيَّةِ القائِمَةِ في حَقِّهِ، ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَنْطِقِ هَذا التِّيَارِ تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ الزَّوْجِيَّةُ ظَرْفاً شَخْصِيًّا وَالحَقِيقَةُ على غَيْرِ ذَلِكَ؛ حَيْثُ إنَّ أَغْلَبَ ما تَوَصَّلْنا إليهِ، يُفيدُ بِأَنَّ الفِقْهَ المَغْرِبِيَّ يَتَّجِهُ إلى اعْتِبارِ المَسْؤُولِيَّةِ القائِمَةِ في حَقِّ المُشارِكِ في جُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ هِيَ المَسْؤُولِيَّةُ عن هَذِهِ الجُنْحَةِ ولَيْسَ عن الفَسادِ، على الرَّغْمِ من انْتِفاءِ عِلْمِهِ بِزَواجِ الفاعِلِ الأَصْلِيِّ؛ حَيْثُ إنَّ عَدَداً من فُقَهاءِ القانونِ الجِنائِيِّ المَغْرِبِيِّ - على رَأْسِهِمُ الدُّكتورُ أَحْمَد الخَمْلِيشِي من خِلالِ مُؤَلَّفِهِ: "القانونُ الجِنائِيُّ الخَاصُّ" ـ يرى أَنَّ تَكْيِيفَ العَلاقَةِ الجِنْسِيَّةِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ بِالخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ ناتِجٌ عن وَصْفِ الزَّوْجِيَّةِ وَهُوَ ظَرْفٌ شَخْصِيٌّ بِلا جِدالٍ، ولكِنَّهُ في الوَقْتِ نَفْسِهِ لا يَقْتَصِرُ على تَشْدِيدِ العُقوبَةِ دُونَ المَساسِ بِالوَصْفِ الإِجْرامِيِّ لِلأَفْعالِ، وإنَّما يُؤَثِّرُ على هَذا الوَصْفِ أَيْضًا وَيَنْقُلُ الجَرِيمَةَ من الفَسادِ إلى الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ. وَهَذَا النَّوْعُ من الظُّروفِ يُسَمّى بِالظُّروفِ المُخْتَلِطَةِ؛ لأَنَّها من جِهَةٍ ظَرْفٌ شَخْصِيٌّ ناتِجٌ عن صِفَةٍ شَخْصِيَّةٍ في الجانِي، ومن جِهَةٍ ثانِيَةٍ تُضْفِي على الأَفْعالِ وَصْفًا إِجْرامِيًّا جَديدًا، الأَمْرُ الذي تُصْبِحُ مَعَهُ العُقوبَةُ مُرْتَبِطَةً بِهَذا الوَصْفِ الجَديدِ؛ أَي بِظَرْفٍ عَيْنِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِالجَرِيمَةِ ذاتِها. ومن أَجْلِ ذَلِكَ، فَإنَّهُ يُلْحِقُ الظُّروفَ المُخْتَلِطَةَ بِالظُّروفِ العَيْنِيَّةِ في الأَحْكامِ التي يُقَرِّرُها القانونُ لِهَذِهِ الظُّروفِ الأَخِيرَةِ، وبِالتَّالِي يَسْرِي عَلَيْها ما جاءَ في الفَصْلِ 130 من مَجْموعَةِ القانونِ الجِنائِيِّ، وتَحْدِيداً الفَقْرَةُ الأَخِيرَةُ منه التي نَصَّتْ على أَنَّ "الظُّروفَ المُتَعَلِّقَةَ بِالجَرِيمَةِ وَالتي تُغَلِّطُ العُقوبَةَ أو تُخَفِّفُها، فَإِنَّها تُنْتِجُ مَفْعولَها بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ المُساهِمِينَ والمُشارِكِينَ في الجَرِيمَةِ ولَوْ كانوا يَجْهَلُونَها" .

        وهَذا ما أَكَّدَهُ الدُّكتورُ عَبْدُ الوَاحِدِ العَلَمِيِّ هُوَ الآخَرُ؛ حيث اتَّجَهَ من خِلالِ مُؤَلَّفِهِ: "القانونُ الجِنائِيُّ الخَاصُّ" في إِطارِ مُعالَجَتِهِ لِجَرِيمَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ إلى اعْتِبارِ صِفَةِ الزَّوْجِيَّةِ من الظُّروفِ المُخْتَلِطَةِ، وبِالتَّالِي يَنْطَبِقُ عَلَيْها ما قُلْناهُ في بِدايَةِ المَوْضوعِ . ثم إنَّ الفَقِيهَيْنِ اعْتَبَرا أَنَّ الخِيانَةَ الزَّوْجِيَّةَ تَشْتَمِلُ على عُنْصُرٍ أَخْلاقِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِالعَلاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وبِالتَّالِي فَإنَّ المُشارَكَةَ فيها تَسْتَوْجِبُ نَفْسَ العُقوبَةِ بِغَضِّ النَّظَرِ عن عِلْمِ المُشارِكِ بِزَواجِ الفاعِلِ الأَصْلِيِّ، كَما أَكَّدَا في الكِتابِ ذاته، أَنَّ القانونَ المَغْرِبِيَّ يَعْتَبِرُ كُلَّ مَنْ ساهمَ في فِعْلِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ مُشارِكًا فيها، ولا يُفَرِّقُ في ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ بِزَواجِ الفاعِلِ الأَصْلِيِّ وَمَنْ لا يَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الهَدَفَ هُوَ حِمايَةُ كِيانِ الأُسْرَةِ من أَيِّ اعْتِداءٍ خارِجِيٍّ.

        كَما تَناولتْ العَدِيدُ من الكِتاباتِ الأُخْرى هَذا المَوْضوعِ بالمنوالِ نَفْسِهِ، من بَيْنِها كتابات الأُسْتاذَيْنِ: “امْحَمَّدِ اَقْبَلِي" و"عابِدِ العُمْرانِيِّ المِيلودِيِّ" في كتابهما: "شَرْحِ القانونِ الجِنائِيِّ المُعَمَّقِ"، مُعْتَبِرَيْنِ أَنَّ صِفَةَ الزَّوْجِيَّةِ من جِهَةٍ تُشَكِّلُ ظَرْفًا مادِّيًّا في الجَرِيمَةِ؛ لأَنَّها تُغَيِّرُ من وَصْفِها من جُنْحَةِ الفَسادِ إلى جُنْحَةِ الخِيانَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وبالتالي تُشَدِّدُ عِقابَها. وفي الوَقْتِ نفسهِ، تُشَكِّلُ الصِّفَةُ ذاتُها ظَرْفًا شَخْصِيًّا مُتَشَدِّدًا لِلْعُقوبَةِ يَرْتَبِطُ بِشَخْصِ الفاعِلِ، وبِالتَّالِي فَإنَّهُ يَسْرِي عَلَيْها ما سَبَقَ ذِكْرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلظُّروفِ المُخْتَلِطَةِ، ثُمَّ إِنَّهُما تَطَرَّقَا إلى كونِ المُشَرِّعِ حِينَما اشْتَرَطَ القَصْدَ الجِنائِيَّ العامَّ، كانَ يَقْصِدُ الفاعِلَ الأَصْلِيَّ لا المُشارِكِ، بِمَعْنَى أَنَّ الحالَةَ الوَحِيدَةَ التي يُمْكِنُ أَنْ يُتابَعَ فيها المُشارِكُ بِجَرِيمَةِ الفَسادِ، هِيَ حِينَما يَنْتَفِي العِلْمُ بِوُجُودِ العَقْدِ لَدَى الفاعِلِ الأَصْلِيِّ، أَي أَنَّ العِلْمَ من عَدَمِهِ لَدَى المُشارِكِينَ، لا يُغْنِي ولا يُسْمِنُ في الجُنْحَةِ شَيْئًا، مُسْتَنِدِينَ في هَذا التَوَجُّهِ إلى جُمْلَةٍ من القَراراتِ القَضائِيَّةِ، مِنْها ما صَدَرَ عنِ المَجْلِسِ الأَعْلَى سابِقاً، ومِنْها ما صَدَرَ عن مَحْكَمَةِ النَّقْضِ حالِيًّا .

        أمّا برُجوعِنا للقضاءِ لاعتبارهِ المرجعَ الحاسمَ في هذهِ القضيَّةِ، فقد عزَّزَ هذا الطَّرح بشكلٍ واضحٍ؛ إذْ اعتبرَ أنَّ مسؤوليَّةَ المُشارِكِ في جُنحةِ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ لا يُمكِنُ إلا أن تكونَ مسؤوليَّةً عن المُشارَكةِ في الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ لا الفَسادِ، حتَّى وإنِ انتفى علمُه بزَواجِ الفاعِلِ الأصليِّ، وقد بُنِيَ هذا الرَّأيُّ على عدَّةِ قراراتٍ قَضائيَّةٍ، بعضها تطرَّقَ بشكلٍ مُباشرٍ للقَصدِ الجِنائيِّ، وسنَتَطرَّقُ إلى نَموذجٍ منها فيما بعدُ، وبعضُها استُنتِجَ منهُ أنَّ العلمَ لدى المُشارِكِ في جُنحةِ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ ليسَ ضروريًّا لتحديدِ المسؤوليَّةِ القائمةِ في حَقِّهِ، ويَعدُّ هذا التَّوجُّهُ القَضائيُّ دَليلًا واضِحًا على نِيَّةِ المُشرِّعِ في تَشديدِ العُقوبةِ حتَّى على المُشارِكِ في الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ، بغَضِّ النَّظرِ عن علمِهِ بكونِ الفاعِلِ الأصليِّ مُتزوِّجًا أم لا؛ حيث أكَّدَتْ محكَمَةُ النَّقض هذا التَّوجهَ في العديدِ من القَرارات، أبرزها: القَرارُ الصَّادِرُ في 11/11/2015، والمُتعلِّقُ بالقَصدِ الجِنائيِّ العامِّ لدى المُشارِكِ في جُنحةِ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ، فقد جاءَ فيه قولهم: "إذا كانَ المُتفَقُ عليهِ فقهًا وقضاءً أنَّ الجَرائِمَ العَمديَّةَ تَستلزِمُ فِعلًا لتحقُّقِها تَوفُّرَ القَصدِ الجِنائيِّ العامِّ، فإنَّ في جَريمةَ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ يكتَسِي هذا القَصدُ طابَعًا خاصًّا؛ ذلكَ أنَّ العَلاقةَ الجِنسيَّةَ خارِجَ إطارِ الزَّواجِ تُعْتَبَرُ في حدِّ ذاتِها عملًا غيرَ مَشْروعٍ وفِعلًا مُجرَّمًا قانونًا" .

        كما أكَّدَتِ المحكَمَةُ في القَرارِ ذَاتِهِ، أنَّ "فِعلَ المُشارَكةِ في جَريمةِ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ مَنصوصٌ عليهِ بشكلٍ خاصٍّ في المادَّةِ 492 من القانونِ الجِنائيِّ، ويَخرُجُ عن القَواعِدِ المُشتَرَكةِ المَنصوصِ عليها في الفَصلِ 120 من القانونِ الجِنائيِّ فيما يَخصُّ تَوقيتَ ارتِكابِ الفِعلِ؛ ذلكَ أنَّهُ إذا كانَ أحدُ الطَّرفَينِ مُتزوِّجًا ومارَسَ الجِنسَ مع الطَّرفِ الآخَرِ غيرِ المُتزوِّجِ، فإنَّ فِعلَ هذا الأخيرِ المُتمثِّلَ في المُمارَسَةِ الجِنسيَّةِ ـــ أي ارتِكابَ جُزءٍ من الفِعلِ المادِّيِّ للجَريمةِ بشكلٍ مُتزامِنٍ مع ارتِكابِ الفِعلِ من قِبَلِ الطَّرفِ الآخَرِ ـــ يَعتبَرُ مُشارَكةً في رَأيِ المُشرِّعِ المَغرِبيِّ"، وقد أكَّدَتِ المحكَمَةُ في قَرارِها هذا على أنَّ "المُشارَكَةَ في جَريمةِ الخِيانةِ الزَّوجيَّةِ لا تتغيَّرُ بتغيُّرِ علمِ المُشارِكِ بزَواجِ الفاعِلِ الأصليِّ أو عَدَمِهِ، مُعتَبِرَةً أنَّ العِبرةَ بتَوافُرِ نِيَّةِ الاشتِراكِ في الجَريمةِ وليسَ بالعِلمِ بتَفاصيلِ الحياةِ الشَّخصيَّةِ للفَاعِلِ الأصليِّ".

        بعد كُلِّ مَا تَمَّ الْتَّطرُّقُ لَهُ فِي سَبِيلِ تِبيان عدم إمكانية مُتَابَعَةُ المُشارَكِ فِي جُنحَةِ الخِيَانَةِ الْزوجِيَّةِ إِلَّا بِهِذِهِ التُّهَمَةِ، تَجْدُرُ الإِشارةُ كَذلِكَ إلى أنَّ المُشرِّعَ حِينَما تَطَرَّق إلى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ أَظْهَرَ بِوضوحٍ أنَّ الْفَاصِلَ بَينَ جَرِيمَتَي الخِيَانَةِ الْزوجِيَّةِ والفَسادِ هو وجود عَقدِ الزَّواجِ. وبالتالي: ما الجَدوَى مِن مُعاقَبَةِ الجاني على جُنحةٍ لم تعد مَوْجُودَةً؟ ذَلِكَ أَنَّ تَوْفُّر العَقدِ لدَى الْفَاعِلِ الْأَصِيلِ نَقَلَهَا مِن فَسَادٍ إِلَى خِيَانَةٍ زَوْجِيَّةٍ. وعليه، ما دام القَصدُ الجِنائي ــ العَامُّ والخَاصُّ ــ لِلمُشارَكَ يَتَّجِهُ نَحْوَ مُواقَعَةِ الفَاعِلِ الأَصْلِيِّ المُتَزَوِّجِ، فَهَذَا يُغْنِي عَنِ علمِهِ بتوفّرِ العقدِ من عدمِهِ. أمّا من جهةٍ أخرى، وبطبيعةِ الحالِ في التوجّه نفسِهِ، ما الجدوى من مُتابعةِ جانٍ عن جُنحةٍ لم يُشاركْ فيها؟؛ بحيثُ إنّه من غير المعقولِ أن يُشاركَ الجانِي في جُنحةِ خيانةٍ زوجيةٍ، وبالتالي يجبُ أن تُطبّقَ عليه أحكامُ المشاركةِ في الجُنحةِ المنصوصِ عليها في الفصلِ 130 من مجموعةِ القانونِ الجنائيّ، ونحنُ نُطبّقُ عليه ما جاءَ في الفصلِ 490 من مجموعةِ القانونِ الجنائيّ، باعتبارهِ فاعلاً أصلياً في جُنحةِ الفسادِ التي لم تعد موجودةً، وهو في حقيقةِ الأمرِ مشاركٌ في جُنحةِ خيانةٍ زوجيةٍ.

        إضافة إلى ما سبق، فما عَزَّزَ مَنَظُورَنا في هذا الإطار هو ضُعفُ الحُجّةِ بأنَّ المُشارِكَ في الخِيَانَةِ الزَّوْجِيَّةِ يُتابَعُ بِجَرِيمَةِ الفَسَادِ إنْ لَم يَعْلَم بِزَواجِ الْفَاعِلِ الأَصِلِيِّ، عَلَى اعَتِبَارِ أَنْ مَن تَبَنَّى هَذَا الطَّرَحَ يَعُودُ إِلَى كَونِ صِفَةِ الزَّواجِ ظَرْفًا شَخْصِيًّا، وهذا ما لا يَنسَجِمُ مع النَّصِّ الجِنائيِّ؛ حيثُ إنَّ الفَصِلَ 130 مِن مَجمُوعَةِ الْقَانُونِ الجِنائيِّ نص صراحة على أن الظُّروفِ الشَّخصِيَّةِ لا تُؤثِّرُ إلَّا في مَن وُجِدتْ فيهِم. وبِالتَّالي، وإنْ اعتبرنا  صِفَة الزَّوجية  ظَرفًا شَخصيًّا، فإنَّها في الحَقيقة ظَرفٌ شَخصِيٌّ بالنسبة للطَّرْفِ المُتَزَوِّجِ؛ أي أنَّ العِلمَ بالزَّواج يُشَتَرَطُ لَدَى الفاعِلِ الأصلي وليسَ المُشارِكِ، وهذا ما يُفيدُ أنَّه خارِجٌ عن القاعدة المذكورة في الفصل؛ حَيثُ إِنِّ صِفَةَ الزَّوَاجِ مِن جِهَةِ المُشارِكِ تَعَتَبرُ ظَرفًا عَينِيًّا وَشخَصِيَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلِ الأَصِلِي، وَبِالتَّالِي فَإن  الْمُشارِكَ فِي الْخِيَانَةِ الزَّوْجِيَّةِ تسري عليه ما جاء في الفقرة الثانية من الْفَصِلِ الْمُذْكُورِ، على اعتبار أن الظُّروفُ الْعَينِيَّةِ تَسْرِي عَلَى المُشارِكِينَ وَالْمُسَاهِمِينَ حَتَّى إِنْ كَانُوا يَجْهَلُونَها.

        كانَ هذا فيما يتعلّقُ بِصِفةِ الزوجيّةِ وتأثيرِها على المُشاركِ، أمّا فيما يخصُّ التكييفَ القانونيَّ له، فإنَّ مُرتكبَ جريمةِ الخيانةِ معَ الطّرفِ المُتزوّجِ يتعرّضُ لأحكامٍ ناتجةٍ عن تَصرّفِه هو وعن صِفتهِ الشخصيّةِ باعتبارِه مُشارِكًا في نظرِ المُشرّعِ. وبالتّالي، فإنَّنا في هذه الحالةِ أعطينا لهذا الجاني وصْفًا بناءً على النّصوصِ القانونيّةِ المُنظِّمةِ دون النّظرِ إلى نِيَّتِه؛ أيْ إنَّ المُشرّعَ حينما كَيَّفَ المُشاركةَ في جُنحةِ الخيانةِ الزّوجيّةِ لمْ يَكترثْ إلى القصدِ الجنائيِّ العامِّ لَدَيه؛ بحيثُ جَعَلَ هذا التّكييفَ تَسري عليه أحكامٌ يَستقيها من الطّرفِ الآخرِ في العلاقةِ المُجرَّمةِ التي مارسها، على اعتِبارِ أنّه يَظلُّ دومًا مُرتبطًا بالطّرفِ الأصليِّ من حيثُ سَريانُ الوَصفِ الجنائيِّ عليهِ وكذا تَقديمُ الشّكاياتِ وغيرِها، وإنْ كان المُشرّعُ قد حَرَمَه من الاستفادةِ من التّنازلِ عن الشّكايةِ من قِبَلِ الزّوجِ المُتضرِّرِ أو الزوجةِ المُتضرّرةِ.

        وعليه نقول: لا يُمكِنُنا إلّا أنْ نَجزِمَ بعدَ كُلِّ ما تَطرّقْنا له من نّصوصِ تّشريعيّةِ وكِتاباتِ فقهيّةِ، وكذا اجتهاداتِ قضائيّةِ، بأنّ المُشاركَ في الخيانةِ الزوجيّةِ لا يُمكِنُ إلّا أنْ يُتابَعَ وتُقامَ في حَقّه المسؤوليّةُ عن المُشاركةِ في الخيانةِ الزوجيّةِ لا الفسادِ، ثم إن متابعته بجنحة الفساد حين انتفاء علمه بزواج الفاعل الأصلي لا يصب في صالح المشرع ولا المجتمع ولا الأسرة على حد سواء، بحيث إنْ أخذنا للصفة الزوجية ظرفا شخصيا فإنها لن تكون إلا مطية للعقاب حتى يتسنى للمشارك أن يستفيد من العقوبة المخففة للفساد؛ ذلك فقط لادعائه عدم العلم بزواج الفاعل الأصلي، خصوصا أن العلم مسألة باطنية دفينة في نفسِ الجاني يصعب إثباتها.



السبت 24 غشت 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter