MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



قرار محكمة العدل الأوروبية.

     

د محمد بوبوش
أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، جامعة محمد الأول، وجدة، المغرب



قرار محكمة العدل الأوروبية.

الثروات الطبيعية بالصحراء ملف قانوني وسياسي هام في قضيتنا الوطنية، وقد عكفت جبهة البوليساريو وداعموها بمحاولات حثيثة على توظيفه لأجل التضييق على المغرب، حيث رفعت شكاوى ضد المكتب الشريف للفوسفات، الذي يستغل منجم فوسبوكراع في الصحراء، وضمت بعض المتضامنين الأجانب معها لأجل منع استيراد دول أوروبية منتجات الصحراء البحرية الزراعية، كما أسست هيئات سياسية وقانونية لمتابعة الملف في تيندوف، جنوب غرب الجزائر، وفي الخارج أيضاً. ورغم ذلك، فقد حقق المغرب انتصارات دبلوماسية كان من نتائجها انتكاسات قانونية لخصوم المغرب.

محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي (European Court of Justice – ECJ) التي شغلت الرأي العام الأوروبي والمغربي بقرارها الأخير، هي واحدة من أهم المؤسسات القضائية الفوقية في الاتحاد الأوروبي. تأسست المحكمة في عام 1952 كجزء من المعاهدات الأوروبية الأولية التي أنشأت المجتمعات الأوروبية. يقع مقرها في لوكسمبورغ وتعتبر الذراع القضائي الأعلى للاتحاد الأوروبي، حيث تفسر القوانين الأوروبية وتضمن تطبيقها بشكل صحيح في الدول الأعضاء.

محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي جانبت الصواب في قرارها بدعمها الصريح للانفصاليين واختلط على قضاتها الأوراق… فسيسوا قرارهم إرضاء للوبيات وجهات أجنبية…

في الوقت الذي يسعى فيه المغرب إلى إخراج الملف من أيدي المنظمات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي وحصره في أيدي الأمم المتحدة، تدخل محكمة العدل الأوروبية على الخط وتنصب نفسها كمحامية عن الطرف الآخر… واقعة في أخطاء قانونية معروفة منها تصوير المغرب كدولة احتلال وإضفاء صفة “الشعب” على “ساكنة الصحراء”، واتهام المغرب بعدم احترامه لمبدأ حق تقرير المصير القائم على استشارة السكان فيما يخص استغلال الثروات الطبيعية.

أولا: مرتكزات قرار محكمة العدل الأوروبية: مغالطات قانونية
مردودة

1- الوضع القانوني للصحراء حسب المحكمة كإقليم غير متمتع
 بالحكم الذاتي:

المحكمة أكدت مراراً في قراراتها أن الصحراء هي إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، ووفقًا للقانون الدولي، الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي لها وضع قانوني خاص، ولا يجوز لدولة أن توقع اتفاقيات دولية تشمل استغلال موارد هذه الأقاليم إلا بموافقة شعبها أو ممثليهم الشرعيين.

غير أن جدول الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي الوارد في موقع الأمم المتحدة لا يعتبر المغرب “قوة إدارية”، كما أن المغرب لا يقوم بإرسال تقارير عن وضع الإقليم إلى الأمم المتحدة (وفق الفصل 73 من الميثاق)، لأن القوة الاستعمارية السابقة (إسبانيا) هي من تولت إدارة الإقليم وإرسال تقارير دورية عن التطورات السياسية والاقتصادية بإقليم الصحراء كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي (Non-Self-Governing Territory). وهذا يقودنا إلى القول بأنه حان الوقت لإخراج القضية من أجندة أعمال اللجنة الرابعة.

وما يجب التأكيد عليه أيضاً أن وضع المغرب تجاه الصحراء ليس علاقة دولة أجنبية أو “قوة محتلة”، حيث سبق للرئيس الجزائري الراحل “عبد العزيز بوتفليقة” استخدام هذا المصطلح (ولازال يستخدم من قبل الطغمة الحاكمة في الجزائر) في رسالته الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة والمنشورة في 18 غشت 2004 كوثيقة رسمية للجمعية العامة (A/58/873) وإلى مجلس الأمن (S/653/2004). وبوصفها المغرب بـ “القوة المحتلة” فإن الجزائر لا تولي اهتماماً كبيراً لحقيقة الموقف في الصحراء ولا لتعريف مفهوم “القوة المحتلة” كما هو محدد في القانون الدولي والوضعي والعرفي.

فمصطلح «القوة المحتلة» كما تم تعريفه بوضوح في معاهدة 1907 وفي اتفاقية جنيف الرابعة بتاريخ 12 أغسطس 1949، في المادة 42 ينطبق على احتلال إقليم دولة قائمة أثناء نزاع مسلح دولي، في حين أنه عند استرجاع الصحراء لم توجد أي دولة مستقلة عدا المغرب.

كما أنه لا يوجد أي تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أو قرار لمجلس الأمن أو رأي قانوني للأمم المتحدة يصف المغرب بأنه «قوة محتلة»، وخلال الثلاثين سنة الماضية لم يصدر عن الجمعية العامة أي توصية تصف المغرب بتلك الصفة خلافاً لادعاءات الأطراف الأخرى.

2- مصطلح الشعب مرتبط بمفهوم الدولة: يُرد عليه بافتقار البوليساريو للشخصية القانونية الدولية:

من المعلوم أن الدولة هي وحدة القانون الدولي والعلاقات الدولية، أي أن الدولة هي الشخص الرئيسي للقانون الدولي، فمن أجل الدول وجد هذا القانون، وتبعاً لذلك فإن الدولة تتمتع بالشخصية القانونية الدولية التي تعد أثراً من آثار السيادة، بحيث أن كل دولة ذات سيادة تعد شخصاً قانونياً دولياً.

ويقصد بالشخصية القانونية الدولية التمتع بصفة شخص للقانون (Sujet de droit) في نطاق القانون الدولي (l’ordre juridique international)، فهي الفكرة التي تدل على الوضعية القانونية التي يتمتع بها أشخاص القانون الدولي، والتي تؤهلهم لاكتساب الحقوق والالتزامات الدولية.

ويترتب عن الاعتراف للدولة بالشخصية القانونية كل الآثار القانونية المرتبطة بالدولة من زاوية حقوقها والتزاماتها ومسؤولياتها عن الأفعال والتصرفات التي تقوم بها على المستوى الدولي، إن ذلك يعني:

أن الدولة وحدة قانونية مستقلة عن أشخاص الحكام الذين يمارسون السلطة.

تمتع الدولة بالدوام والاستمرار بحيث لا يمكن اعتبار زوالها بزوال الحكام.

خضوع الدولة للقانون فما يصدر عنها من أعمال باعتبارها شخصية قانونية دائمة.

هذا ويترتب على اعتبار الدولة شخصاً دائماً النتائج التالية:

المعاهدات والاتفاقات التي تبرمها الدولة نافذة بالرغم من انقراض الأشخاص الذين تعاقدوا باسم الدولة، وحتى لو تغير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها، فالدولة مادامت باقية، فإن حقوقها والتزاماتها تستمر كذلك حتى نهاية المدة المحددة لها.

اعتبار الشخصية القانونية الدولية كأساس لتحريك نظام المسؤولية الدولية الذي ينظم العلاقات بين الدول في ميدان الخطأ أو المخاطر، والضرر الناتج عنها حتى في حالة تضرر أشخاص طبيعيين أو مرافق أو مشروعات خاصة.

الدولة تتمتع بسيادتها على إقليمها، وتتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مع مختلف البلدان على قدم المساواة، وتقرر سياستها الخارجية وشؤون الدفاع، وكل ما اصطلاح على تسميته في الأدبيات القانونية الدولية بصلاحيات السياسة (والدفاع، الخارجية، قوانين الجنسية، عقد الاتفاقيات الدولية…).

وإذا كانت البوليساريو تدعي أنها قد حصلت على الاعتراف بها من أكثر من سبعين دولة، وأكدت على كينونتها كدولة (وهمية) من خلال المصادقة على الاتفاقيات الإقليمية لمنظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي، فإن جبهة البوليساريو لا تتمتع حتى بصفة المراقب في الأمم المتحدة أو إحدى وكالاتها المتخصصة، ولا بأي شكل كان من الصفة الرسمية أو الاعتراف الرسمي في الأمم المتحدة، وذلك بخلاف منظمة التحرير الفلسطينية مثلاً، التي أقامت علاقات دبلوماسية وحصلت على صفة المراقب في الأمم المتحدة.

وفي حين أن جبهة البوليساريو قد أعلنت نفسها دولة بشكل أحادي الأجانب، فقد سقطت في تناقض قانوني واضح بمطالبتها بحق تقرير المصير لتأسيس دولة، فهي تصنف على أنها فاعلاً عنيفاً من غير الدول (Violent Non-State Actor – VNSAs) أو فاعلاً مسلحاً من غير الدول (Non-state armed actors or non-state armed groups – NSAGs) من وجهة نظر عدد من المراقبين الدوليين، وبذلك هي تفتقر للأهلية القانونية لتوقيع اتفاقية 1997 حول حظر استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد وتكديسها، وانتاجها ونقلها، وضرورة تدميرها (المعروفة باتفاقية أوتاوا)، ونظراً لعدم اعتراف الأمم المتحدة بها كدولة، فقد وقعت جبهة البوليساريو عام 2005 على الآلية التكميلية المتوافرة حول الفاعلين من غير الدول والمعروفة باسم صك الالتزام الذي وضعته منظمة نداء جنيف بهدف تمكين الالتزام بالحظر الكامل على الألغام المضادة للأفراد والتعاون في مجال نزع الألغام.

وبالتالي، فإن مصطلح “الشعب الصحراوي” المستخدم من طرف قضاة المحكمة غير واقعي ولا أساس قانوني له، فساكنة الصحراء جزء من الشعب المغربي الغني بتعدد ثقافاته وهوياته… والشعب ركن من أركان الدولة وأساس وجودها.. والحالة هذه… فلسنا أمام دولة.

وقد سبق للمحكمة الكندية العليا أثناء النظر في إمكانية انفصال مقاطعة كيبك أن قالت: “لا يوجد في القانون الدولي ما يسمى حق فصيلة من الشعب في الانفصال عن وطنها بإرادتها الانفرادية.”

وفي معرض حكمها، قالت المحكمة إن حق تقرير المصير الذي ينص عليه القانون الدولي لا ينشئ سوى حق تقرير للمصير الخارجي في حالات المستعمرات السابقة، والاحتلال العسكري الأجنبي، أو حينما يحال بين مجموعة محددة وحقها في الوصول إلى الحكم على نحو مجدٍ للسعي نحو النمو السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وأثار قرار المحكمة إشكالية تعريف «الشعب» الذي لم ينتهِ القانون الدولي إلى تعريف المراد منه. وقال إنه لا يمكن أن يعتبر شعباً فصيلة منه تعمل بإرادتها المنفردة للانفصال عن شعبها الكبير الذي تؤطره دولة ذات سيادة وينتشر على تراب وطني واسع. لذلك كله، حظرت المحكمة الكندية العليا على الحكومة الكندية المركزية أن تقبل هذا الانفصال أو تسلمه أو تساعد عليه.

وجاء في ختام قرار المحكمة الكندية ما يلي: «أن أية دولة تدير شؤونها حكومة لا تفرق بين فصائل شعبها المنتشرة على ترابها الوطني الواحد، ولا تقيم بينها تمييزاً عنصرياً، وتعامل شعبها بمبادئ المساواة، لا يجوز لها بمقتضى القانون الدولي أن تقبل الانفصال أو تساعد عليه، وإنما يكون واجبها الوحيد هو المحافظة على ترابها وسيادتها الوطنية على هذا التراب.»

3- افتقاد صفة حركة التحرر والصفة التمثيلية لجبهة البوليساريو (حركة انفصالية)

إن الاختلاف الجوهري بين حركات التحرير الوطني وحركات الانفصال يتمثل في النقاط التالية:

أن حركة التحرير الوطني تمثل الشعب، أما حركة الانفصال فتمثل أقلية فقط من الشعب.

أن حركة التحرير الوطني تخوض الكفاح المسلح ضد قوة أجنبية (احتلال أجنبي، تسلط استعماري، تمييز عنصري)، أما حركة الانفصال فتخوض كفاحها ضد الحكومة الشرعية في الدولة.

تهدف حركات التحرير الوطني إلى تحقيق هدف مشروع دولياً، وهو تقرير المصير، بينما تهدف حركات الانفصال إلى تحقيق هدف غير مشروع دولياً، وهو الانفصال عن الحكومة الشرعية في الدولة المر التي أكدتها العديد من المواثيق الدولية التي نصت على عدم شرعية حركات الانفصال، لنها تهدف إلى تقسيم كيان الدولة وتهدد وحدة أراضيها.

تفتقر جبهة البوليساريو إذن، لصفة “حركة التحرر”، فهي لا تمثل دولة معينة ولا شعب معين، مقارنة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل دولة فلسطين والشعب الفلسطيني بأكمله.

على المستوى السياسي، تتناقض تمثيلية الصحراويين التي تدعيها جبهة البوليساريو الانفصالية مع البيانات والمعطيات الملموسة، بحيث لا تمثل هذه الميليشيا سوى جزء من سكان المخيمات المقامة فوق دولة تدعي أنها ليست طرفاً أو معنية بالقضية، وهو جزء يجهل عدده بدقة ولا يشكل في كل الأحوال سوى أقلية قليلة من ساكنة الصحراء المغربية.

وكما ذكرنا ذلك آنفاً، اختارت الغالبية العظمى من هؤلاء الأشخاص العيش بكرامة في الأقاليم الجنوبية للمغرب، والمشاركة في الانتخابات كلها وتقلد مناصب المسؤولية على المستويات الوطنية والجهوية والإقليمية والجماعية والمهنية، ويعتبرون ناطقاً حقيقياً باسمهم.

على المستوى الاقتصادي، تواجه جبهة البوليساريو الانفصالية انتكاسة أخرى على مستوى الأمم المتحدة حيث أعلنت فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، عن خطط للاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمغرب.

رد ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في 3 أبريل 2024، على سؤال حول ما إذا كانت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء (مينورسو) قد أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً بأي أخبار عن اهتمام فرنسا بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية المغربية، ورداً على ذلك، شدد “دوجاريك” على أن دور بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء “الغربية” ليس مراقبة الاستثمارات الاقتصادية. قائلاً: “لا. بعثة المينورسو ليست هناك لمراقبة الاستثمارات الاقتصادية، إن وجدت.”

وجاءت تصريحات دوجاريك في الوقت الذي أشارت فيه تقارير متقاربة إلى أن فرنسا تسعى إلى المساهمة في خطط التنمية المغربية في الداخلة والعيون المغربية.

لسنوات، ادعت جبهة البوليساريو الانفصالية أنها الممثل الشرعي الوحيد للصحراويين وأعلنت أن جميع الأنشطة التنموية في الداخلة والعيون غير قانونية و”انتهاك للقانون الدولي”.

المحكمة شددت على ضرورة وجود موافقة مشروعة من قبل (شعب الصحراء الغربية) أو ممثليه الشرعيين على أي اتفاقيات تتعلق بأراضيهم ومواردهم.

لكن التمثيلية الحقيقية والمعبر عنها بإرادة أغلبية أبناء الصحراء أنفسهم تجسدها ممثلوهم بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وبالجهات والعمالات والجماعات الذين تم اختيارهم بأنفسهم بطريقة ديمقراطية لتدبير شؤونهم المحلية في انتخابات نزيهة وشفافة تشهد عليها عدد من التقارير ولجان المراقبة الدولية.

في هذا السياق، استندت المحكمة إلى أنه لم يتم استشارة شعب الصحراء “الغربية” حسب قولها أو الحصول على موافقتهم على الاتفاقيات الزراعية والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مما يجعل هذه الاتفاقيات غير شرعية فيما يتعلق بالصحراء “الغربية”.

ومع ذلك، فقد تم فضح هذه الادعاءات مراراً وتكراراً على مستوى الأمم المتحدة والمستوى الدولي، كما أضحت تمثيلية البوليساريو المزيفة موضوع مساءلة وشكوك داخل صفوفها نفسها. وتواجه الجبهة انتقادات متزايدة في المخيمات حيث يطالب جيل جديد بإصلاحات ديمقراطية وبمشاركة سياسية أكبر للمعارضة، على اعتبار أن الجبهة لا تملك الإرادة لتسوية النزاع في الصحراء لأنها تستفيد من الوضع الراهن ولأنها تذعن لإرادة الجزائر. وأضحى هذا الفصيل الآن يدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي الموسع في الصحراء.

إن قرار المحكمة، ولا شك، سيغذي شهية الحركات الانفصالية النائمة في أوروبا التي تتغذى من روافدها اللغوية والثقافية وتسعى في كل مناسبة وكل استفتاء إلى جر الانتباه إليها وانتقاد عملية التكامل الأوروبي (أوروبا الشرقية.. شمال إيطاليا… اسكتلندا.. كتالانيا….). وبالتالي ينقلب السحر على الساحر.

4- شرط التمتع بالموافقة المشروعة لما يسمى (شعب الصحراء الغربية) لا يعكس الواقع:

إن الإشارة في قرار المحكمة إلى أن المغرب يستغل ثروات الصحراء (الصيد البحري والزراعة…) بدون استشارة ما يسمى بالشعب الصحراوي… غير صحيح.. وقد سبق لمستشار الأمم المتحدة هانس كوريل في رأيه الاستشاري في 29 يناير 2002 بطلب من مجلس الأمن سنة 2001، إلى أنه إذا تم استشارة سكان وليس الشعب في مسألة استغلال الثروات الطبيعية فهي غير مخالفة للقانون الدولي… وقد أكدت أيضاً المفوضية الأوروبية على مسألة استطلاع رأي الساكنة الصحراوية في الموضوع… في حين قالت المحكمة إن استشارة السكان في الصحراء كانت جزئية بمعنى أن معظم سكان الصحراء في مخيمات تندوف لم تتم استشارتهم… حسب المحكمة، وإذا افترضنا أن هذا صحيحاً، فكيف يمكن استشارة سكان محتجزين لا حول لهم ولا قوة في مخيمات الريح لا تتوفر على العناصر الدنيا للعيش الكريم.

ثانياً: الأبعاد الاستراتيجية للرد المغربي: ثالوث الدبلوماسية والقانون والاقتصاد

رد المغرب على قرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بشأن عدم شرعية شمول الصحراء الغربية (المصطلح المستخدم من قبل المحكمة) في الاتفاقيات الزراعية والصيد البحري يتطلب استراتيجيات متعددة، تجمع بين الأساليب القانونية والدبلوماسية والاقتصادية. فيما يلي بعض الخطوات المحتملة التي يمكن للمغرب اتخاذها:

تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي

المغرب يمكنه توسيع الحوار الدبلوماسي مع الاتحاد الأوروبي لضمان استمرار التعاون الاقتصادي والسياسي بين الطرفين، مع التركيز على:

إبراز الدور الاستراتيجي للمغرب في المنطقة على المستوى الأمني، خاصة في مجالات مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

استغلال علاقاته الثنائية مع دول رئيسية في الاتحاد الأوروبي (مثل فرنسا وإسبانيا) لتعزيز موقفه والدفع نحو اتفاقيات محدثة تراعي مصالح الطرفين.

إشراك السكان المحليين في الصحراء المغربية

قد يتجه المغرب إلى إشراك المجالس المحلية والمنتخبين في الصحراء في عملية التفاوض وتطبيق الاتفاقيات، وذلك لضمان أن هناك شكلاً من أشكال “الموافقة” من السكان المحليين، وهو ما قد يساهم في تجاوز بعض الجوانب القانونية التي تركز عليها المحكمة. وبإمكان المغرب تقديم هذه الخطوة كإثبات على أن سكان الأقاليم الجنوبية يستفيدون من الاتفاقيات ويشاركون في اتخاذ القرارات المتعلقة بها.

يمارس المغرب سيادته على أرضه، كما أن القانون الدولي يؤكد على إشراك الساكنة المحلية وتحت مسؤوليتها في تدبير الثروات، وهو ما يتم في المنطقة عبر بنية واسعة من الهيئات المنتخبة سواء محلياً أو وطنياً، والتي تضم وفقاً للانتخابات التشريعية لسنة 2016، 37 منتخبا صحراوياً مغربياً يمثلون الجهات الصحراوية الثلاث في البرلمان، و1340 مستشاراً محلياً على مستوى 86 جماعة، و116 عضواً بمجالس العمالات والأقاليم، و111 عضواً بمجالس هذه الجهات الثلاث.

الطعن أو إعادة تفسير قرار المحكمة

المغرب يمكنه، بالتعاون مع حلفائه الأوروبيين، محاولة إعادة تفسير أو الطعن في بعض جوانب قرار المحكمة من خلال تقديم طلبات قانونية جديدة أو محاولة استصدار أحكام تفسيرية إضافية، كما يمكن التركيز على القضايا الفنية في القرار، مثل حدود الصلاحيات القضائية للمحكمة أو الآليات التي يمكن اعتمادها لتجاوز التعارضات القانونية.

التوجه نحو شركاء اقتصاديين آخرين

في حال تصاعدت الضغوط أو التوترات مع الاتحاد الأوروبي، قد يتجه المغرب إلى تعزيز علاقاته التجارية مع شركاء اقتصاديين آخرين، خاصة في أفريقيا، الشرق الأوسط، وآسيا، كاستراتيجية لتقليل الاعتماد الاقتصادي على الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن هذا قد يعطي للمغرب أدوات تفاوضية إضافية في حواراته مع الاتحاد الأوروبي، حيث يمكنه إظهار قدرته على تنويع شراكاته الاقتصادية.

التواصل مع المؤسسات الأوروبية والشعب الأوروبي

المغرب يمكنه تعزيز حملات التواصل والإعلام مع المؤسسات الأوروبية والرأي العام الأوروبي لتسليط الضوء على أهمية العلاقات المغربية الأوروبية ومنافع الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة، سواء للمغرب أو للاتحاد الأوروبي.

من الممكن الترويج لفكرة أن استقرار المنطقة يعتمد بشكل كبير على التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وأن تقييد هذه العلاقات قد يؤثر سلباً على المصالح الأوروبية في مجالات مثل الأمن، الهجرة، والتنمية المستدامة.

الدفع نحو الاعتراف بموقف المغرب في الصحراء

المغرب قد يستغل هذه الفرصة لتكثيف جهوده الدبلوماسية لحشد الدعم الدولي والإقليمي لموقفه في قضية الصحراء، هذه الجهود قد تشمل:

إقناع المزيد من الدول الأوروبية بالاعتراف بمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كحل سياسي بناء وواقعي للنزاع المفتعل.

التأكيد على الشرعية الديمقراطية لممثلي الصحراء المنتخبين في المؤسسات المغربية، وإبراز أن هذه المؤسسات تعكس إرادة السكان المحليين.

دعم السفارات المغربية في مختلف الدول الصديقة بمحامين وأكاديميين متخصصين في القانون الدولي للترافع عن موقف المغرب في الصحراء.

التركيز على التطورات التنموية في الصحراء المغربية

للتأكيد على أن الصحراء المغربية جزء من الأوراش التنموية المغربية، يمكن للمغرب أن يبرز مشاريع البنية التحتية والتطورات الاقتصادية في المنطقة. يمكن أن يُظهر أن السكان المحليين يستفيدون بشكل كبير من هذه الاتفاقيات، وبالتالي فإن أي قرار يتعارض مع هذا الاستغلال سيضر بالسكان أنفسهم.

استمرار التعاون في ملفات أخرى مع الاتحاد الأوروبي

المغرب يمكنه الاستمرار في تعزيز التعاون في ملفات أخرى مثل مكافحة الإرهاب، مراقبة الحدود، والتعاون الأمني، وذلك لتعزيز موقعه كحليف استراتيجي لا غنى عنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

الحفاظ على سياسة حوار هادئ وحذر

رد فعل المغرب على قرار المحكمة يمكن أن يتميز بالهدوء والحذر، وهو ما تجلى في بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والجالية المقيمة بالخارج، الذي تجنب التصعيد مع الاتحاد الأوروبي وحرص على الحفاظ على علاقة متينة. هذا قد يساهم في ضمان أن القرارات المستقبلية تأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

خلاصة القول

تستمر المعركة القانونية بين المغرب والخصوم حول تأكيد شرعية سيادته على الصحراء، وتتطلب نفساً طويلاً وصبراً استراتيجياً مادام المغرب يدفع بحل قضية الصحراء عبر تمتيع تلك الأقاليم بحكم ذاتي تحت سيادته، مراعياً في ذلك قواعد القانون الدولي ومحترماً لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، رافضاً كل تفسير مصلحي ضيق يخندق المبدأ في خيار الاستقلال وتفكيك الوحدة الترابية للدول مادام قرارات مجلس الأمن تدعم مبادرة الحكم الذاتي ومادام أغلب التوصيات الأممية تنتصر لمبدأ السلامة الإقليمية على حساب تفتيت الوحدة الترابية للدول.

إن قرار المحكمة سيغذي شهية الحركات الانفصالية في أوروبا التي تتغذى من روافدها اللغوية والثقافية وتسعى في كل مناسبة وكل استفتاء إلى جر الانتباه إليها وانتقاد عملية التكامل الأوروبي (أوروبا الشرقية.. شمال إيطاليا… اسكتلندا.. كتالانيا….). وبالتالي ينقلب السحر على الساحر.

 




الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter