MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




مشروع الربط القاري بين المغرب واسبانيا

     

مينة عميمي

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه



مشروع الربط القاري بين المغرب واسبانيا
رغم الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها القرب الجغرافي بين البلدين، يعد مشروع الربط القاري، أحد رهانات التقارب المغربي الإسباني الجديد، حيث سيعطي لا محالة بعدا آخر لعلاقات التعاون وآفاق الشراكة مع المغرب، إضافة إلى الآفاق الجديدة التي سيفتحها في وجه مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي يتم إعدادها لتنمية مناطق شمال المغرب، والتي يتم اتخاذها على مستوى واسع ضمن المجموعات الإقليمية الكبرى، المتوسطية المغاربية والعربية والأوروإفريقية[1].

إن المشروع يعتبر مرتكزا أساسيا في النهوض بمستقبل القارتين (إفريقيا وأوروبا) وليس فقط بين إسبانيا والمغرب، ويلعب دورا محوريا في هذه النهضة المستقبلية على اعتباره بوابة نحو القارة الإفريقية وبالتالي أصبح المغرب يشكل قطبا قاريا أساسيا نحو إفريقيا.

وبالتالي يبقى ضرورة تفعيل هذا المشروع لما له من أبعادا جيواستراتيجية وحضارية اقتصادية، هذا ما سوف نقف عنده من خلال نقطتين، الأولى: تفعيل مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا، والنقطة الموالية: دور مشروع الربط القاري في إنماء الشراكة المغربية الإسبانية.

اولا: تفعيل مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا.

يعد مشروع الربط القاري من أهم المشاريع التي يمكن أن تساهم وبشكل كبير في تعزيز علاقات المغرب وإسبانيا من جهة، وإرساء فضاء اقتصادي أورومتوسطي من جهة أخرى.
فقد مهد كل من الملك الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس لهذه الفكرة رسميا منذ منتصف العام 1979، بتوقيع اتفاق ثنائي لدراسة المشروع، حيث أسس المغرب بنية إدارية خاصة بهذا المشروع تحمل اسم "الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق"، بينما تتوفر إسبانيا على بنية مماثلة هي: "الشركة الإسبانية لدراسة الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق"[2].
وباعتبار مضيق جبل طارق صلة للتقارب والتعاون بين إسبانيا والمغرب ومن خلالهما إلى أوروبا وإفريقيا والعالم العربي[3]، فقد شكل ومازال يشكل المجال الذي مكن المغرب وإسبانيا من التعامل والاحتكاك مع بعضهما البعض، هذا الاحتكاك والتفاعل اللذان خلق تراثا مشتركا، هو اليوم تراث حضاري إنساني يستحق تفعيله وإحياءه عبر المنجزات الحضارية المشتركة التي يدخل مشروع الربط القاري ضمنها.
وقد ظل هذا المشروع يراود أذهان مجموعة من المهندسين والقادة السياسيين والعسكريين الذين حلموا بمد جسور قارية بين ضفتي المضيق، ووضعوا مجموعة من الدراسات والتصورات التي تفي بالمشروع وتخرج الحلم إلى الواقع.
إن خطة إنشاء هذا النفق تأتي في إطار خطة الاتحاد الأوروبي للتوسع جنوبا نحو قارة إفريقية وبناء شراكة اقتصادية واسعة مع دول شمال إفريقيا العربية، وباقي الدول الإفريقية، علاوة على أن تنفيذ مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق، سيعزز من موقع المغرب ويجعله أكثر أوربيا من اليونان[4].
لقد توالت الدراسات حول أهمية الحلول التقنية لإقامة ربط قاري عبر مضيق جبل طارق، وقد تراوحت ما بين النفق والجسر، إلا أن كل ما كان ينقص هاته الدراسات ومشاريع الربط المقترحة عبرها، هو غياب المعرفة الدقيقة لجيولوجية المضيق وطبيعة التنوعات الصخرية والإمدادات القارية لقعر البحر من وإلى ضفتي المضيق الشمالية والجنوبية، إذ في غياب مثل هذه المعرفة الدقيقة، فإنه يستحيل إقامة أي مشروع كيفما كانت متغيراته التقنية[5].
وقد أفضت الدراسات التي تمت على امتداد عدة سنوات إلى نتائج مشجعة، جعلت المشروع يحظى باهتمام وتشجيع الأمم المتحدة ومجلس أوروبا، مما دفع بالمغرب وإسبانيا إلى تفعيل هذا المشروع خاصة بعد إعلان اختيار الملف المشترك لمونديال 2030 بين كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال، برز من جديد الحديث عن مشروع الربط القاري بين البلدين، الذي يخص بناء نفق بحري ممتد عبر مضيق جبل طارق.
أجل هذا المشروع منذ ثمانينيات القرن الماضي مرات عدة لأسباب لوجستية وسياسية، وأصبح حلما يراود كثيرين لعدة عقود.

مشروع إستراتيجي

تعد كل الاستعدادات جاهزة في انتظار موافقة اللجنة المشتركة المغربية الإسبانية المسؤولة عن "المشروع الإستراتيجي"، كما يوصف في الرباط ومدريد.
وفي تعبيرها عند اهتمامها بالمشروع، كانت الحكومة المغربية صادقت يوم 3 نونبر 2022، على تعيين عبد الكبير زاهود مديرا عاما للشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق المختصة بمتابعة مشروع الربط البحري بين المغرب وإسبانيا.
ويتوقع أن ينجز مشروع الربط بطول 28 كيلومترا، وسيربط "مالاباطا" طنجة، بشمال المغرب ب "بونتابالوما" القريبة من مدينة طريفة الإسبانية"[6].
أشار وزير النقل الإسباني، أوسكار بوينتي، إلى اهتمام بعض الشركات الإسبانية بالاستثمار في هذا النفق علاوة على ذلك، فإن مساهمة السكك الحديدية الإسبانية في الشبكة المغربية يمكن أن تكون أكبر بكثير مما كان متوقعا، حسب قوله.
وتطمح إسبانيا إلى لعب دور مهم، وقال الوزير الإسباني "نحن دولة رائدة في مجال السكك الحديدية، وسرعتنا مهمة للغاية لأننا الدولة الأولى في العالم من حيث الاتصال عالي السرعة لكل عدد السكان والثانية بالكيلومترات بعد الصين".
وتبقي النقطة الأكثر جدلا التي لم يتم حلها بعد هي مسار النفق، وهو أمر ضروري لاستمرار تطويره.
وحسب الدراسات التي تم إجراؤها ونقلتها الصحافة الفرنسية، فإن أضيق نقطة بين إسبانيا والمغرب هي تلك التي تمتد من مدينة "لابونتادي أو ليفيروس" في طريفة إلى مالاباطا في طنجة، أما المسار فيبلغ طوله 42 كيلومترا تحت الأرض، وأقصى عمق يبلغ 300 متر وأقصى انحدرا يقدر بـ 3 بالمائة.
ومن المتوقع أن يتم تنفيذ النفق وتشغيله على مرحلتين: الأولى بنفق سكة حديدية أحادي الأنبوب يتم من خلاله دوران القطارات في كلا الاتجاهين بالتناوب على دفعات من 12 قافلة، والثانية بنفق سكة حديدية أحادي الأنبوب مع نفقين للسكك الحديدية في اتجاه واحد يمكن تشغيلها عندما يتطلب الأمر ذلك[7].
وبالتالي فإن تفعيل هذا المشروع يبقى رهين تجاوز صعوبات تنفيذه من الناحية الجيولوجية والأوقيانوغرافية والزلزالية والأرصاد الجوية، إذ يتميز مضيق جبل طارق بقياسات أعماق معاكسة وبيئات بحرية وجوية وجيولوجية معقدة".
بالإضافة إلى تحديات المادية، بحيث تبلغ كلفة تنفيذه حوالي 10 مليارات دولار، علاوة على وجود تحديات جيوفيزيائية تواجه تنفيذ المشروع رغم قصر المسافة الذي تفصل البلدين والتي لا تتجاوز 14 كيلومتر، إلا أن هذه التحديات يمكن تجاوزها بالنظر إلى التقنيات الحديثة لأن المكاسب التي سيحققها المغرب وإسبانيا من المشروع كثيرة ومتنوعة وتشجع البلدين معا على الاستثمار في تنفيذ المشروع.
بناءا على ذلك نتساءل عن أي دور لهذا المشروع في إنماء الشراكة بين البلدين هذا ما سوف نقف عنده في النقطة الموالية.

ثانيا: دور مشروع الربط القاري في إنماء الشراكة المغربية الإسبانية.

يعد مشروع الربط الثابت بين المغرب وإسبانيا أحد المشاريع الإستراتيجية المندرجة في إطار خارطة الطريق الجديدة المعتمدة، بحيث يهدف هذا المشروع إلى إرساء فضاء اقتصادي أورومتوسطي مندمج، كما يهدف إلى خلق حركية اقتصادية مهمة بدول المنطقة، والاستجابة لمتطلبات حركة نقل في ظروف أمنية ملائمة، وفي إطار احترام البيئة.
حيث تشير التوقعات الأولى إلى أن العائد الاقتصادي لهذا المشروع سيبلغ 13 في المائة سنويا من الكلفة الإجمالية، مما سيكون حافزا للشركات الإقليمية والعالمية للمساهمة في تنفيذ هذا المشروع الاقتصادي الإستراتيجي.
كما أنه سيكون حلقة ضرورية في تصميم شبكة النقل البرية بين أوروبا وإفريقيا، خصوصا المنطقة الغربية المتوسطية، وسيلعب دورا هاما في رواج البضائع والمسافرين بين ضفتي المتوسط، وتدعيم الخطوط البريدية والشبكة الحديدية المرتبطين بالمشروع[8].
حيث أن من الآفاق الجديدة التي سيفتحها مشروع الربط القاري عبر مضيق جبل طارق في وجه المخططات التنموية، أنه سيفعل من إستراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمناطق شمال المغرب، كما سيغير من إمكانياتها المادية والبشرية في حدود ما سيسمح به المشروع في تنمية الأنشطة الاقتصادية المتكاملة بين مناطق شمال المغرب وجنوب إسبانيا، ومن تم مشاريع الشراكة الضخمة في شتى المجالات الاقتصادية والإنتاجية والخدماتية.
كما سيفتح المشروع أبواب الاستثمار في شمال المغرب على المقاول الإسباني بشكل سيتيح تنمية حقيقية بهاته المناطق، إضافة إلى حجم المردودية السوسيواقتصادية للمشروع على قطاع السياحة بالمنطقة الشمالية المغربية.
حيث أن المشروع سيشكل في حد ذاته معلمة سياحية وحضارية بشمال المغرب وجنوب إسبانيا، لا شك أنها ستثير فضول السياحة العالمية واجتذاب جانب من الحركة السياحية بالمنطقة نحو موقع المشروع.
فمشروع الربط القاري قابل لمنح فرصة لا تعوض لتقارب المغرب وإسبانيا، وتكثيف مجالات التعاون بينهما.
كما أنه سيعمل على التنسيق بين البلدين حول المشاريع ذات الاهتمام المشترك والمنفعة المتبادلة، وإزالة الخلافات حول الملفات العالقة بين البلدين في انتظار تعميق المعرفة بين الشعبين المغربي والإسباني في إطار من الثقة والاحترام المتبادل لخصوصيات ومصالح الطرف الآخر، عبر جسر آخر عماده المجتمع المدني من أجل تأسيس علاقات إستراتيجية بين البلدين.
 
[1] - محمد الهلالي: العلاقات المغربية الإسبانية جدلية التعاون والتوتر، مرجع سابق، ص 321.
[2] - سوني الجيلالي: الجوانب القانونية لمشروع الربط القاري بين إفريقيا وأوروبا عبر مضيق جبل طارق، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد 19، السنة 1989، ص 88.
[3] - Mustapha SHEMI, Liaison fixe enfin le bout du tunnel, Maroc Hebdo n° 899 du 17 à 23 septembre 2010, p 15.
[4] - أنظر استجواب الملك الراحل الحسن الثاني مع جريدة لومند الفرنسية بتاريخ 07/11/1984.
[5] - جعفر بنموسى: "الفضاء القانوني والبعد التنموي لمشروع الربط القاري بين المغربي وإسبانيا"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق الرباط، السنة الجامعية 2000-2001، ص 84.
[6] - تقول النائبة عضو لجنة البنيات الأساسية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، نعيمة فتحاوي: "يدخل مشروع الربط القاري بين إسبانيا والمغرب عبر مضيق جبل طارق ضمن المشاريع الإستراتيجية المدرجة في إطار خارطة الطريق الجديدة المعتمدة خلال أبريل 2022، عقب الزيارة التي أجراها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى العاصمة المغربية الرباط ولقائه العاهل المغربي الملك محمد السادس".
أنظر الموقع الإلكتروني: مونديال 2030...هل عجل بمشروع الربط القاضي بين المغرب وإسبانيا؟ https://www.trtarbi.com.explainers بتاريخ 2024/05/4/ t: 2031
[7] - أمال كنين: تفاصيل جديدة بشأن مشروع نفق السكك الحديدية بين المغرب وإسبانيا، الأحد 17 مارس 2024 -15:00 على الموقع الإلكتروني https://wwwhespress.com تاريخ زيارة الموقع 2024/05/14 -21:16.
[8] - محمد الهلالي: العلاقات المغربية الإسبانية جدلية التعاون والتوتر، مرجع سابق، ص 327.



السبت 15 يونيو 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter