يعتبر الإكراه البدني آلية لتحصيل الغرامات والإدانات النقدية في الميدان الجمركي، على اعتبارها درجة من درجات التحصيل الجبري، وإن لم يفرد لها المشرع المغربي تعريفا في الفصول من 633 إلى 653 في قانون المسطرة الجنائية، معتبرا أن التعريف من اختصاص الفقه، وفتح باب التفسير والتأويل أمام القضاء فقد اعتبر ذلك التهديد الجسماني للمدين، بحبسه لفائدة الدائن مدة تحدد بمقتضى القانون، لينفذ ما حكم به عليه.
وحيث إن الإكراه البدني آلية قانونية ترمي لحمل المدين على التنفيذ وإكراهه، من خلال الضغط عليه لتنفيذ تعهداته، فإن حرمانه من حريته يكون مؤقتا، إذ يتم بناء على طلب من الدائن المستفيد من الحكم، وعلى المدين غير المعسر، الذاتي، المماطل، أو الممتنع عن تنفيذ مقتضيات الحكم الصادر بشأنه، بأداء الدين الذي بذمته، ذلك مراعاة الاستثناءات المقررة بموجب القانون، حيث الوسيلة الوحيدة للضغط الجبائي لجبر الملزم تجاه إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، لأداء ما بذمته، ولبيان أغراض قد يكون أخفاها وهي قابلة للحجز.
كما أضحت وسيلة للضغط الجبائي لاستخلاص الغرامات الجمركية، خصوصا في المخالفات الجمركية التي لا تتضمن عقوبة حبسية، إذ تبقى أداة الضغط الوحيدة لاستخلاص المحاسب المكلف بالتحصيل ما بذمة الملزم، في حالة عدم تواجد ما يحجز عليه، ولم يتم إعلان إعسار المدين. كما تنصرف إلى الملزم جميع الآثار القانونية لإرغامه على تبرئة ذمته المالية اتجاه الدائن المستفيد من الحكم، ذلك بعد استنفاد جميع طرق التنفيذ العادية في حقه، والتي فشلت في تحقيق الغاية منها، بعد سبقية توجيه الإنذار بصفة قانونية.
فإلى أي حد استطاع الإكراه البدني تحقيق غاية المشرع منه، في تحصيل الغرامات الجمركية والإدانات النقدية، في ظل احترام حماية الحقوق والحريات؟
أولا: مسطرة الإكراه البدني في ميدان الغرامات الجمركية بين النص القانوني والعمل القضائي
إن مسطرة الإكراه البدني، يتعين قبل مباشرتها توفر شروطها القانونية، وذلك في مواجهة الشخص الصادر في حقه حكم قضائي، بأداء غرامات مالية لفائدة إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بعد أن كانت موضوع مراقبة سابقة من طرف قاضي تطبيق العقوبة.
ويقصد بتلك الشروط المحددة على سبيل الحصر في عدم إثبات إعسار المدين المزمع إكراهه بدنيا، وأن يكون الحكم الصادر بالأداء حكما نهائيا، وأن يكون المطلوب في الإكراه البدني شخصا طبيعيا، وثبوت الامتناع الصريح للمكره بدنيا، وعدم ملاءة ذمته المالية، على اعتبار أن العسر عارض قانوني، يحول دون إعمال بعض المقتضيات القانونية وخاصة تلك المتعلقة بأحكام التنفيذ.
وعلى من يدعي كونه معسرا أن يثبت ذلك إعمالا بمقتضيات المادة 635 من ق م ج، وأن يكون الحكم الصادر بالأداء حكما نهائيا، حيث يقصد به الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به، أي حكما غير قابل للطعن بطرق الطعن العادية، وإن كان يقبله بالطرق غير العادية، حيث نص الفصل 264 من مدونة الجمارك على: “أن الإكراه البدني ينفذ رغم الطعن بالطرق غير العادية بمجرد صيرورة الحكم نهائيا”.
فإذا كان العسر استثناء لملاءة الذمة، فشرط شمولية الحكم الصادر بالأداء حكما نهائيا، جاء لحماية المدين المزمع إكراهه بدنيا، طبقا لمقتضيات الفصل 598 من ق م ج الذي ينص على أنه: “لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا إذا اكتسب المقرر المذكور قوة الشيء المقضي به”، وحيث أن الإكراه البدني وسيلة لإجبار المدين على تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة بالأداء موضوع طلب التنفيذ، فإن الحكم يصبح نهائيا، وهو المنحى الذي تبناه العمل القضائي المغربي في الأحكام الصادرة عنه ، جوابا عن سؤال إمكانية إثبات العسر بواسطة حكم قضائي.
إضافة إلى أن يكون المطلوب في الإكراه البدني شخصا طبيعيا حيث تتمثل خصوصية هذا الشرط، في اعتباره شرطا يمس المدين في شخصه وتقييد حريته، ولا مجال لتحديد الإكراه البدني في حق شخص معنوي، حيث أن الدين بذمة المطلوب في الإكراه البدني لكونه شخصا طبيعيا، وثبوت الامتناع الصريح للمكره بدنيا من خلال محضر التحري الذي يباشره تحريره عون التنفيذ، المشفوع بمحضر بعدم وجود ما يحجز، وعدم ملاءة الذمة المالية للمكره بدنيا.
ثم تحديد مدة الإكراه البدني إما في الحد الأدنى أو الأقصى أو التحديد الحصري لمدة الإكراه، تطبيقا لمقتضيات الفصل 262 من مدونة الجمارك، التي تحدد مدة الإكراه البدني من سنة إلى سنتين بالنسبة للجنح الجمركية، ومن ستة أشهر إلى سنة بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الأولى والثانية، ومن شهر إلى ستة أشهر بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الثالثة والرابعة. كما أنه لا يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني، إلا بعد سبقية تحديد مدته، فالمحكمة الزجرية وهي بصدد إصدارها للحكم في الموضوع، يتعين عليها أن تحكم بموازاة مع الحكم بالغرامات الجمركية، بتحديد مدة الإكراه البدني.
كما يتعين التمييز بين حالتين الحالة التي يكون فيها المحكوم عليه الموجود في حالة سراح، وعندما يكون في حالة اعتقال، في الأولى تباشر المسطرة بإيداع طلب الإكراه البدني لدى النيابة العامة تطبيقا لمقتضيات الفصل 640 من ق م ج، إذ لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي، إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات، والذي يتحقق من توفر الشروط المتمثلة في توجيه إنذار، وتقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني، بعد توصله بالملف من وكيل الملك، ولا يتعين أن يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك، عن قاضي تطبيق العقوبات مع مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده.
فيما تباشر الحالة الثانية بإيداع الطلب لدى رئيس المؤسسة السجنية، طبقا للمقتضيات الفصل 641 من ق م ج، الذي ينص على انه إذا كان المحكوم عليه لا يزال معتقلا، وأصبح الحكم الصادر في حقه مكتسبًا لقوة الشيء المقضي به، فإن رئيس المؤسسة السجنية المقدم إليه الطلب من طالب الإكراه البدني يوجه إلى المحكوم عليه إنذارا كتابيا لأداء دينه، ويجب أن يشمل إضافة إلى التذكير بموجز مقرر الإدانة، مبلغ العقوبة المالية، والمصاريف، ومدة الإكراه المأمور بها، فالمحكوم عليه إما سوف يؤدي ما بذمته من دين، أو يصرح بعدم القدرة عن الوفاء بالدين الذي بذمته، ويحرر ذلك بمحضر يوجه إلى النيابة العامة.
ويلعب قسم المنازعات بإدارة الجمارك دورا هاما في دراسة طلبات الإكراه البدني، حيث يعتمد ضرورة الإدلاء بالنسخ الأصلية عند توجيه الإنذار، حين تعذر التنفيذ على المحكوم عليه، كما يحرص قسم المنازعات على توصل المدين المكره بتبرئة ذمته تجاه إدارة الجمارك، من خلال حصوله على مقرر الصلح من المصلحة المذكورة لإبرام مسطرة الصلح.
ثانيا: الإكراه البدني كآلية للضغط الجبائي ومتطلبات حماية حقوق وحريات الأفراد
فإذا كان الإكراه البدني في ميدان تحصيل الغرامات الجمركية، آلية للضغط الجبائي، فإن النقاش القانوني يستمر حول تثمين الترسانة التشريعية التي تدعوا لاستمرارية فعالية الإكراه في ميدان تحصيل الغرامات والإدانات النقدية المحكوم بها على المحكوم عليه لفائدة إدارة الجمارك، ومساسه بحقوق وحريات الأفراد.
وتلعب مؤسسة الصلح كآلية من آليات تسوية النزاعات المتمثلة في المخالفات والجنح الجمركية، والتي نظمها المشرع في المواد من 273 إلى 277 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بحيث يتم تسوية الغرامات المستخلصة، لكن تبقى مسطرة الصلح بدون فعالية لولا نظام الإكراه البدني في الجنح الجمركية المرتبطة بجرائم الحق العام، والمخالفات الجمركية التي لا تتضمن عقوبات حبسية. ويحصل المدين على مقرر الصلح من مصلحة المنازعات مما يخول له إبرام المسطرة، تفاديا لإخضاعه للإكراه البدني، تفاديا لضياع حقوق الدولة والإدارة في آن واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن لإدارة الجمارك صلاحية واسعة في إبرام الصلح قبل وبعد صدور حكم قضائي، حيث يترتب عليه سقوط دعوى الإدارة والحق العام قبل صدور حكم قضائي، فيما إذا وقع الصلح بعد صدور حكم قضائي يترتب عنه سقوط دعوى الإدارة دون دعوى الحق العام. كما أثبت العمل القضائي أن النزاعات المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك، يتم تسويتها في أقرب الآجال لتبرئة الذمة المالية تجاه الإدارة عبر آلية الصلح، مقابل حصوله على تنازل يخوله عدم إخضاعه لمسطرة الإكراه البدني، وقضاء مدته السجنية.
وتماشيا مع مستجدات ترؤس الحكومة المغربية للجنة حقوق الإنسان، ولأن المغرب انخرط في اتفاقيات دولية لضمان الحقوق والحريات، والاحترام التام لضمانات المحاكمة العادلة، فتبقى حرية الأفراد من أبرز صور مبادئ حقوق الإنسان، وبالنظر إلى المكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان والحريات الفردية، لا يجوز الحد من الحرية أو تقييدها، بأي شكل من أشكال الحرمان من الحرية، إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون، وهو ما أكدته مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، إذ لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.
وطبقا لمقتضيات الفصـل 23 من الدستور، يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، طبقا للقانون، وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان. كما يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف اعتقال إنسانية، ويأتي في الفقرة الأخيرة على أنه يُعاقب القانون على كافة الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان كما يكرسه دستور 2011، ونظم المشرع أحكام إلقاء القبض ومشتملاته ونطاقه في القانون الجنائي المسطري، مما أكدته المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه: “لا يجوز اعتقال أي أحد أو احتجازه تعسفا ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه”.
كما تعرضت مسطرة الإكراه البدني للنقد من طرف الباحثين، والتي كانت ترى فيها هدرا للمكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان، من خلال الحد من حرية الأشخاص بإصدار تعليمات ترمي للاعتقال، كإحدى العقوبات السالبة للحرية التي تحد من حرية الشخص المدين الملزم، مما اعتبره الباحثون يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، هذا بالإضافة إلى أن الإكراه البدني لم يعد مجرد وسيلة جبرية لتحصيل الغرامات الجمركية لصالح إدارة الجمارك.
– في الختام، تجدر الإشارة إلى أن الإكراه البدني مادام يعتبر درجة من درجات التحصيل الجبري، فإنه يخضع من حيث الغرامات والإدانات النقدية لمقتضيات ق م ج، مع مراعات خصوصية المسطرة وإجراءاتها التقنية، والتي تتبعها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في تطبيق الإكراه البدني على المستوى العملي.
– وفي إطار حماية مصالح المدين، نسجل بخصوص الحكم الصادر بالأداء كونه حكما نهائيا، إذ لا يعقل إكراه المدين المطلوب في التنفيذ، وهو مازالت أمامه فرصة تعديل الحكم الصادر ضده، أو إلغاؤه، حيث إذ له الاستفادة من أحقية إتمام نفاذ درجات التقاضي.
– كما لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط بعد توصله بالملف من وكيل الملك.
– ونستنتج أنه لولا نظام الإكراه البدني لكانت الغرامات الجمركية المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك غير مستخلصة، وبدون فعالية مسطرة الصلح في الجنح الجمركية المرتبطة بجرائم الحق العام، والمخالفات الجمركية التي لا تتضمن عقوبات حبسية.
وحيث إن الإكراه البدني آلية قانونية ترمي لحمل المدين على التنفيذ وإكراهه، من خلال الضغط عليه لتنفيذ تعهداته، فإن حرمانه من حريته يكون مؤقتا، إذ يتم بناء على طلب من الدائن المستفيد من الحكم، وعلى المدين غير المعسر، الذاتي، المماطل، أو الممتنع عن تنفيذ مقتضيات الحكم الصادر بشأنه، بأداء الدين الذي بذمته، ذلك مراعاة الاستثناءات المقررة بموجب القانون، حيث الوسيلة الوحيدة للضغط الجبائي لجبر الملزم تجاه إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، لأداء ما بذمته، ولبيان أغراض قد يكون أخفاها وهي قابلة للحجز.
كما أضحت وسيلة للضغط الجبائي لاستخلاص الغرامات الجمركية، خصوصا في المخالفات الجمركية التي لا تتضمن عقوبة حبسية، إذ تبقى أداة الضغط الوحيدة لاستخلاص المحاسب المكلف بالتحصيل ما بذمة الملزم، في حالة عدم تواجد ما يحجز عليه، ولم يتم إعلان إعسار المدين. كما تنصرف إلى الملزم جميع الآثار القانونية لإرغامه على تبرئة ذمته المالية اتجاه الدائن المستفيد من الحكم، ذلك بعد استنفاد جميع طرق التنفيذ العادية في حقه، والتي فشلت في تحقيق الغاية منها، بعد سبقية توجيه الإنذار بصفة قانونية.
فإلى أي حد استطاع الإكراه البدني تحقيق غاية المشرع منه، في تحصيل الغرامات الجمركية والإدانات النقدية، في ظل احترام حماية الحقوق والحريات؟
أولا: مسطرة الإكراه البدني في ميدان الغرامات الجمركية بين النص القانوني والعمل القضائي
إن مسطرة الإكراه البدني، يتعين قبل مباشرتها توفر شروطها القانونية، وذلك في مواجهة الشخص الصادر في حقه حكم قضائي، بأداء غرامات مالية لفائدة إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بعد أن كانت موضوع مراقبة سابقة من طرف قاضي تطبيق العقوبة.
ويقصد بتلك الشروط المحددة على سبيل الحصر في عدم إثبات إعسار المدين المزمع إكراهه بدنيا، وأن يكون الحكم الصادر بالأداء حكما نهائيا، وأن يكون المطلوب في الإكراه البدني شخصا طبيعيا، وثبوت الامتناع الصريح للمكره بدنيا، وعدم ملاءة ذمته المالية، على اعتبار أن العسر عارض قانوني، يحول دون إعمال بعض المقتضيات القانونية وخاصة تلك المتعلقة بأحكام التنفيذ.
وعلى من يدعي كونه معسرا أن يثبت ذلك إعمالا بمقتضيات المادة 635 من ق م ج، وأن يكون الحكم الصادر بالأداء حكما نهائيا، حيث يقصد به الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به، أي حكما غير قابل للطعن بطرق الطعن العادية، وإن كان يقبله بالطرق غير العادية، حيث نص الفصل 264 من مدونة الجمارك على: “أن الإكراه البدني ينفذ رغم الطعن بالطرق غير العادية بمجرد صيرورة الحكم نهائيا”.
فإذا كان العسر استثناء لملاءة الذمة، فشرط شمولية الحكم الصادر بالأداء حكما نهائيا، جاء لحماية المدين المزمع إكراهه بدنيا، طبقا لمقتضيات الفصل 598 من ق م ج الذي ينص على أنه: “لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا إذا اكتسب المقرر المذكور قوة الشيء المقضي به”، وحيث أن الإكراه البدني وسيلة لإجبار المدين على تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة بالأداء موضوع طلب التنفيذ، فإن الحكم يصبح نهائيا، وهو المنحى الذي تبناه العمل القضائي المغربي في الأحكام الصادرة عنه ، جوابا عن سؤال إمكانية إثبات العسر بواسطة حكم قضائي.
إضافة إلى أن يكون المطلوب في الإكراه البدني شخصا طبيعيا حيث تتمثل خصوصية هذا الشرط، في اعتباره شرطا يمس المدين في شخصه وتقييد حريته، ولا مجال لتحديد الإكراه البدني في حق شخص معنوي، حيث أن الدين بذمة المطلوب في الإكراه البدني لكونه شخصا طبيعيا، وثبوت الامتناع الصريح للمكره بدنيا من خلال محضر التحري الذي يباشره تحريره عون التنفيذ، المشفوع بمحضر بعدم وجود ما يحجز، وعدم ملاءة الذمة المالية للمكره بدنيا.
ثم تحديد مدة الإكراه البدني إما في الحد الأدنى أو الأقصى أو التحديد الحصري لمدة الإكراه، تطبيقا لمقتضيات الفصل 262 من مدونة الجمارك، التي تحدد مدة الإكراه البدني من سنة إلى سنتين بالنسبة للجنح الجمركية، ومن ستة أشهر إلى سنة بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الأولى والثانية، ومن شهر إلى ستة أشهر بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الثالثة والرابعة. كما أنه لا يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني، إلا بعد سبقية تحديد مدته، فالمحكمة الزجرية وهي بصدد إصدارها للحكم في الموضوع، يتعين عليها أن تحكم بموازاة مع الحكم بالغرامات الجمركية، بتحديد مدة الإكراه البدني.
كما يتعين التمييز بين حالتين الحالة التي يكون فيها المحكوم عليه الموجود في حالة سراح، وعندما يكون في حالة اعتقال، في الأولى تباشر المسطرة بإيداع طلب الإكراه البدني لدى النيابة العامة تطبيقا لمقتضيات الفصل 640 من ق م ج، إذ لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي، إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات، والذي يتحقق من توفر الشروط المتمثلة في توجيه إنذار، وتقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني، بعد توصله بالملف من وكيل الملك، ولا يتعين أن يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك، عن قاضي تطبيق العقوبات مع مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده.
فيما تباشر الحالة الثانية بإيداع الطلب لدى رئيس المؤسسة السجنية، طبقا للمقتضيات الفصل 641 من ق م ج، الذي ينص على انه إذا كان المحكوم عليه لا يزال معتقلا، وأصبح الحكم الصادر في حقه مكتسبًا لقوة الشيء المقضي به، فإن رئيس المؤسسة السجنية المقدم إليه الطلب من طالب الإكراه البدني يوجه إلى المحكوم عليه إنذارا كتابيا لأداء دينه، ويجب أن يشمل إضافة إلى التذكير بموجز مقرر الإدانة، مبلغ العقوبة المالية، والمصاريف، ومدة الإكراه المأمور بها، فالمحكوم عليه إما سوف يؤدي ما بذمته من دين، أو يصرح بعدم القدرة عن الوفاء بالدين الذي بذمته، ويحرر ذلك بمحضر يوجه إلى النيابة العامة.
ويلعب قسم المنازعات بإدارة الجمارك دورا هاما في دراسة طلبات الإكراه البدني، حيث يعتمد ضرورة الإدلاء بالنسخ الأصلية عند توجيه الإنذار، حين تعذر التنفيذ على المحكوم عليه، كما يحرص قسم المنازعات على توصل المدين المكره بتبرئة ذمته تجاه إدارة الجمارك، من خلال حصوله على مقرر الصلح من المصلحة المذكورة لإبرام مسطرة الصلح.
ثانيا: الإكراه البدني كآلية للضغط الجبائي ومتطلبات حماية حقوق وحريات الأفراد
فإذا كان الإكراه البدني في ميدان تحصيل الغرامات الجمركية، آلية للضغط الجبائي، فإن النقاش القانوني يستمر حول تثمين الترسانة التشريعية التي تدعوا لاستمرارية فعالية الإكراه في ميدان تحصيل الغرامات والإدانات النقدية المحكوم بها على المحكوم عليه لفائدة إدارة الجمارك، ومساسه بحقوق وحريات الأفراد.
وتلعب مؤسسة الصلح كآلية من آليات تسوية النزاعات المتمثلة في المخالفات والجنح الجمركية، والتي نظمها المشرع في المواد من 273 إلى 277 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بحيث يتم تسوية الغرامات المستخلصة، لكن تبقى مسطرة الصلح بدون فعالية لولا نظام الإكراه البدني في الجنح الجمركية المرتبطة بجرائم الحق العام، والمخالفات الجمركية التي لا تتضمن عقوبات حبسية. ويحصل المدين على مقرر الصلح من مصلحة المنازعات مما يخول له إبرام المسطرة، تفاديا لإخضاعه للإكراه البدني، تفاديا لضياع حقوق الدولة والإدارة في آن واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن لإدارة الجمارك صلاحية واسعة في إبرام الصلح قبل وبعد صدور حكم قضائي، حيث يترتب عليه سقوط دعوى الإدارة والحق العام قبل صدور حكم قضائي، فيما إذا وقع الصلح بعد صدور حكم قضائي يترتب عنه سقوط دعوى الإدارة دون دعوى الحق العام. كما أثبت العمل القضائي أن النزاعات المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك، يتم تسويتها في أقرب الآجال لتبرئة الذمة المالية تجاه الإدارة عبر آلية الصلح، مقابل حصوله على تنازل يخوله عدم إخضاعه لمسطرة الإكراه البدني، وقضاء مدته السجنية.
وتماشيا مع مستجدات ترؤس الحكومة المغربية للجنة حقوق الإنسان، ولأن المغرب انخرط في اتفاقيات دولية لضمان الحقوق والحريات، والاحترام التام لضمانات المحاكمة العادلة، فتبقى حرية الأفراد من أبرز صور مبادئ حقوق الإنسان، وبالنظر إلى المكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان والحريات الفردية، لا يجوز الحد من الحرية أو تقييدها، بأي شكل من أشكال الحرمان من الحرية، إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون، وهو ما أكدته مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، إذ لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.
وطبقا لمقتضيات الفصـل 23 من الدستور، يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، طبقا للقانون، وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان. كما يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف اعتقال إنسانية، ويأتي في الفقرة الأخيرة على أنه يُعاقب القانون على كافة الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان كما يكرسه دستور 2011، ونظم المشرع أحكام إلقاء القبض ومشتملاته ونطاقه في القانون الجنائي المسطري، مما أكدته المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه: “لا يجوز اعتقال أي أحد أو احتجازه تعسفا ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه”.
كما تعرضت مسطرة الإكراه البدني للنقد من طرف الباحثين، والتي كانت ترى فيها هدرا للمكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان، من خلال الحد من حرية الأشخاص بإصدار تعليمات ترمي للاعتقال، كإحدى العقوبات السالبة للحرية التي تحد من حرية الشخص المدين الملزم، مما اعتبره الباحثون يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، هذا بالإضافة إلى أن الإكراه البدني لم يعد مجرد وسيلة جبرية لتحصيل الغرامات الجمركية لصالح إدارة الجمارك.
– في الختام، تجدر الإشارة إلى أن الإكراه البدني مادام يعتبر درجة من درجات التحصيل الجبري، فإنه يخضع من حيث الغرامات والإدانات النقدية لمقتضيات ق م ج، مع مراعات خصوصية المسطرة وإجراءاتها التقنية، والتي تتبعها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في تطبيق الإكراه البدني على المستوى العملي.
– وفي إطار حماية مصالح المدين، نسجل بخصوص الحكم الصادر بالأداء كونه حكما نهائيا، إذ لا يعقل إكراه المدين المطلوب في التنفيذ، وهو مازالت أمامه فرصة تعديل الحكم الصادر ضده، أو إلغاؤه، حيث إذ له الاستفادة من أحقية إتمام نفاذ درجات التقاضي.
– كما لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط بعد توصله بالملف من وكيل الملك.
– ونستنتج أنه لولا نظام الإكراه البدني لكانت الغرامات الجمركية المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك غير مستخلصة، وبدون فعالية مسطرة الصلح في الجنح الجمركية المرتبطة بجرائم الحق العام، والمخالفات الجمركية التي لا تتضمن عقوبات حبسية.