خلصت أشغال الندوة الدولية التي نظمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، حول " الذكاء الاصطناعي: رافعة لتحويل التربية والتكوين والبحث العلمي" يومي 12 و13 دجنبر 2023 الى إيلاء موضوع الذكاء الاصطناعي أهمية قصوى، ليس كلحظة عابرة، وانما كضرورة لإحداث ثورة تكنولوجية اجتماعية ومجتمعية في المغرب وفي العالم.
وقد أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة –اليونسكو- مع المغرب في 23 أكتوبر 2023، في اطار شراكتهما الاستراتيجية، تفكيرا وطنيا حول " استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول في المغرب"، مع رسم مبادئ توجيهية واسعة النطاق لرؤية وطنية حول " استخدام الذكاء الاصطناعي المسؤول وتطويره في المغرب".
وفي كلمة لها خلال افتتاح الندوة الوطنية حول " استعمال وتطوير ومسؤول للذكاء الاصطناعي بالمغرب، نحو رؤية مشتركة وشاملة" بمدينة سلا، أشارت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالتحول الرقمي وإصلاح الإدارة، غيثة مزور، على ضرورة الاستعمال والتطوير المسؤولين للذكاء الاصطناعي في إطار أخلاقي، بما من شأنه أن يمكن بلادنا من تحقيق الاستفادة المثالية من الذكاء الاصطناعي.
كما نوهت بالمبادرات المتنوعة الرامية الى تعزيز حضور المغرب في هذا المجال، ومن بينها مراكز البحث والتطوير التي تم احداثها في عدد من مدن المملكة، والتي تهتم بالذكاء الاصطناعي.
وأضافت أن المغرب يعد من أوائل الدول التي نفذت توصيات المنظمة المتعلقة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتي تم اعتمادها خلال الدورة 41 للمؤتمر العام لليونسكو، شهر نونبر 2021 بباريس، مشيرة الى أن الوزارة تتماشى مع الديناميكية الحالية للذكاء الاصطناعي في المملكة، بتمكين عدد معين من القطاعات من الاستفادة من الثورة التكنولوجية، خاصة في مجالات نقل الخدمات.
وبذلك، يتبين مدى الاهتمام والاهمية التي بدأ الذكاء الاصطناعي يكتسبها في بلادنا ان في مجال العام أو الخاص" النقل، الطب، الأبناك، المحاكم...." الامر الذي يدفعنا الى التساؤل عن المسؤولية الناجمة عن هذا الاستخدام، أم أنه يجب إقرار قواعد جديدة تتعلق بالذكاء الاصطناعي؟
لكن، قبل الجواب على هذا التساؤل، سنحاول بيان مفهوم الذكاء الاصطناعي كفقرة أولى، على أن نخصص الفقرة الأخيرة للحديث عن مدى استيعاب القانون لمعالجة إشكالات المسؤولية الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي.
الفقرة الأولى: الجانب القانوني للذكاء الاصطناعي
تعددت تعاريف الذكاء الاصطناعي، وهكذا عرفته اللجنة الاوربية بأنه نظم برمجيات وأجهزة صممها البشر ذات هدف معقد، وتعمل في العالم الحقيقي أو الرقمي من خلال ادراك البينة، بواسطة الحصول على المعلومات، ومن خلال تفسير البيانات المهيكلة أو غير المهيكلة المجمعة، وتطبيق تحليل على المعارف أو معالجة المعلومات المستمدة من تلك
البيانات ،وتقرير الاجراء أو الإجراءات الأفضل الواجب اتخاذها من أجل تطبيق هدف معين.-1-
البيانات ،وتقرير الاجراء أو الإجراءات الأفضل الواجب اتخاذها من أجل تطبيق هدف معين.-1-
وبذلك، يمكن القول بأن الذكاء الاصطناعي ظاهرة معلوماتية يتم تطبيقه حاليا في جميع المجالات نظرا للمزايا التي يقدمها من سرعة ودقة النتائج التي يوفرها. فمجال تطبيقه أضحى واسعا، فمن سيارات ذاتية القيادة، و الروبوتات الجراحية في بعض المستشفيات الى التوقع بالجرائم المستقبلية، من خلال تطبيق تقنية BIG DATA التي تهدف الى مساعدة الشرطة في أمريكا والدول الاوربية على استشعار الجرائم المستقبلية، هذا دون اغفال استخدام الذكاء الاصطناعي في تحصيل الالي للديون العمومية، كما هو الشأن في
المانيا مثلا، أو في مجال المال والاعمال.-2-
المانيا مثلا، أو في مجال المال والاعمال.-2-
وطالما أن الأنظمة الذكية لا يمكن تصورها بمعزل عن القواعد القانونية التي تحكم البلاد ، فان السؤال المثار هو ما الطبيعة القانونية للذكاء الاصطناعي؟.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي، هو نظام من نظم البرمجيات، اي شيء قانوني، من صنع الانسان، وبالتالي تطبق عليه أحكام قانون الملكية الفكرية والصناعية، من براءة الاختراع وحقوق المؤلف وغيرها. فأهمية تحديد الطبيعة القانونية للذكاء الاصطناعي، تأتي بغرض تحديد المسؤولية عن الاضرار التي يمكن أن يتسبب فيها.
لذا، فقد أكد تقرير الصادر عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 12 فبراير 2017 بأن الذكاء الاصطناعي أو الانسان الالي له الشخصية القانونية ويتمتع بالمسؤولية القانونية بشكل مستقل عن مصممه أو مستخدمه، طالما أنه يأخذ قرارات مستقلة، ويتصرف بطريقة مستقلة مع الغير-3-.
وهو ما يفهم منه أن الاعتراف للإنسان الالي بالشخصية القانونية يشبه الاعتراف بالشخصية القانونية للشخص المعنوي.
فيما رفض المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأوروبي فكرة إعطاء الشخصية القانونية للإنسان الالي أو الذكاء الاصطناعي، بسبب المخاطر المعنوية غير المقبولة والمتعلقة بهذه الخطوة. -4-
نفس الامر بالنسبة للمكتب البرلماني للاختيارات العلمية والتكنولوجيا في البرلمان الفرنسي الذي رفض الاقتراح، مؤكدا بأنه لا يتوافر على أي أساس، أو أنه ما يزال سابقا لاوانه.-5-.
ونرى بأن الاعتراف بالشخصية القانونية للإنسان الالي أو الذكاء الاصطناعي والقاء المسؤولية عليه بدلا من مصممه أو مستخدمه، من شأنه أن يحدث مشكلة قانونية، بل قد يكون سببا لإنتاج وتشجيع روبوتات ذكية وخطيرة، مادام أن منتجيها لا يتحملون اية مسؤولية عن الاضرار التي قد تسبب فيها.
هذا بالنسبة للتشريع المقارن، أما بالنسبة للقانون المغربي، فيلاحظ غياب نصوص قانونية تؤطر الذكاء الاصطناعي، مما يدفعنا الى القول بأنه شيء يقع تحت مسؤولية مصممه أو منتجه أو مستخدمه.
الفقرة الثانية: المسؤولية القانونية الناتجة عن استعمال الذكاء الاصطناعي
لا غرو أن الذكاء الاصطناعي اقتحم جميع مناحي الحياة، وأضحى يحل محل الانسان تدريجيا بقيامه بجميع أعماله.
لكن، مهمها بلغت دقته وتطوره ، فلا بد من ارتكاب أخطاء قد تصل الى جرائم ترتب ضررا للغير. وهنا يثار التساؤل عن نوع المسؤولية وأساسها؟ وهو ما سنحاول بيانه.
• مسؤولية شخصية قائمة على الخطأ:
وفقا للقواعد العامة، فقيام المسؤولية المدنية تستوجب اثبات الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية. ومن ثمة وجب اثبات خطأ المبرمج أو خطأ المستخدم في الاستعمال، نتج عنه ضرر، وسواء كان الخطأ عمديا أو غير عمدي، طبقا للفصلين 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود.
• مسؤولية على أساس حارس الشيء
أطر قانون الالتزامات والعقود مسؤولية حراسة الأشياء في الفصل 88 الذي جاء فيه" أن كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته، إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر، وذلك مالم يثبت:
1 –أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
2-وأن الضرر يرجع اما لحادث فجائي، أو لقوة قاهرة، أو لخطأ المتضرر."، ومؤدى ذلك أن حارس الذكاء الاصطناعي هو المسؤول عن الاضرار التي يحدثها للغير، كخطأ في الاستعمال أو التوجيه أو الرقابة، وتنتفي المسؤولية عنه إذا أثبت أن الضرر كان لسبب أجنبي أو خطأ المضرور.
• مسؤولية المنتج عن منتجاته المعيبة:
جاء في الفصل 106 -1 من قانون الالتزامات والعقود أنه " يعتبر المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه". ويشترط لقيام المسؤولية أن يكون: هناك عيب في أنظمة الذكاء الاصطناعي، تم حدوث ضرر، وأخيرا قيام علاقة سببية بين الخطأ والضرر الواجب اثباته.
ويمكن للمنتج أن يتنصل من المسؤولية إذا أثبت أن الضرر راجع لسبب أجنبي لا يد له فيه، أو وفق ما جاء في الفصل 106-9 من قانون الالتزامات والعقود:
أ- أنه لم يقم بعرض المنتوج في السوق.
ب- أن العيب الذي تسبب في الضرر لم يكن موجودا أثناء عرضه للمنتوج في السوق أو أن هذا العيب ظهر لاحقا.
ج-أن المنتوج لم يتم صنعه بهدف البيع أو أي شكل اخر من أشكال التوزيع لأغراض تجارية ولم يتم صنعه أو توزيعه في إطار نشاطه التجاري.
د-أن العيب راجع لمطابقة المنتوج للقواعد الإلزامية الصادرة عن السلطات العمومية.
ه-أنه لم يكن ممكنا اكتشاف العيب بالنظر الى ما وصلت اليه حالة المعرفة العلمية والتقنية أثناء عرض هذا المنتوج في السوق....
وصفوة القول، أن القواعد القانونية الحالية غير مؤهلة حاليا لاستيعاب التطورات المتسارعة للذكاء الاصطناعي، الذي وصل حتى الى المجال القانوني بالدول الغربية، بصياغة المذكرات القانونية والبحث القانوني الالي، ومراجعة المستندات وغيرها، مما ساهم في القضاء على البطء في الكثير من الإجراءات القانونية والقضائية.
وقد نص مشروع قانون المسطرة المدنية على ادماج وسائل التواصل الالكتروني في الإجراءات القضائية المدنية وتوظيف التبادل الالكتروني للمعطيات في تعامل المحاكم مع المحامين والخبراء والمفوضين القضائيين والأطراف، بل انه أكد على استعمال نظام الذكاء الالكتروني باعتماد التوزيع الالي للملفات بين القضاة بدلا من مؤسسة الرئيس.
المراجع:
1- Commission européenne, lignes directrice en matière d'éthique pour une intelligence artificielle digne de confiance,8 avr.2019§143,p8.
2- www.aljami3a.com/1525/
3 -A.BENSOUSSAN,DROIT DES ROBOTS/science-fiction ou anticipation§D.2015.1640.A-S.chone-grimaldi et ph. Glaser. Responsabilité civil du fait du robot doué d intelligence artificielle§ faut-il créer une responsabilité robotique?
4-G.LOSEAU. M. BOURGEOIS.du robot en droit a un droit des robots; jcp G N*48. NOV.2014.doctr.1231.16 v.not; A.BENSOUSSAN
5-OPECST. Rapport *pour une intelligence artificielle maitrisee. Utile et demystifiee* t.1.15 mars 2017;p.129