مقدمة:
يعتبر تعدّد الزوجات من العادات القديمة التي ظهرت قبل الإسلام، وأبقى الشرع الإسلامي على قضية تعدد الزوجات وأباحها، ويُقصد بتعدد الزوجات هو أن يتزوج الرجل بأكثر من زوجة في وقت واحد، لكن حدد الإسلام عدد الزوجات بأربع فقط أي لا يجوز الزواج بزوجة خامسة إلا إذا طلق واحدة من زوجاته أو توفت، وأشار الله تعالى إلى تعدد الزوجات في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا) [النساء: 3
ويعتبر الزواج الوسيلة الوحيدة لتكثير النسل، فالرجل يفضل أن يكون له الكثير من الأبناء والبنات، فمن خلال الزواج بأكثر من واحدة يستطيع تحقيق غايته، وقد تكون زوجته عقيمة أو مريضة؛ لهذا أُبيح له أن يتزوج بأخرى كي ينجب منها دون أن يطلق الزوجة الأولى، وبهذا التعدد يجد الرجل مخرجاً في فرصة الإنجاب وتكثير ذريته، وأيضاً فإنّ تعدد الزوجات سبب لتكثير الأمة الإسلاميّة حتى تكون أمة قوية لها أفرادها الذين يدافعون عنها ويديرونها كما يعدّ وسيلة للقضاء على معدلات عنوسة النساء، فعدد النساء يفوق عدد الرجال في أي مجتمع، فالزواج يحمي المرأة من الانحراف والضياع، وقد تكون المرأة العانس من أقارب الرجل لا مُعيل لها، فمع التعدد يمكن له أن يتزوجها من باب الستر والإنفاق عليها. كما يكون الرجل قوي الشهوة، لكن لا يجوز له معاشرة زوجته في فترة الحيض أو النفاس، لهذا يجوز له أن يتزوج أكثر من واحدة لقضاء غايته صوناً له من ألا يسلك طريقاً محرماً. إذن فما هي وضعية تعدد الزوجات في القانون المغربي؟ وماهي إكراهاته على أرض الواقع؟
وهذا ما سأتناوله على الشكل التالي:
المطلب الأول: تعدد الزوجات في النص القانوني
المطلب الثاني: واقع تعدد الزوجات
المطلب الأول: تعدد الزوجات في النص القانوني
نظم المشرع المغربي التعدد في الباب الثاني من مدونة الأسرة وقد خصصت له المواد من 40 إلى 46 من مدونة الأسرة وبقراءتنا لهذه المواد نستخرج الأحكام الأتية:
المادة 40 من مدونة الأسرة تنص على انه يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات ، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها” ثم إن الفقرة الأولى من المادة 42 تنص على ما يلي في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد يقدم الراغب فيه طلب الإذن بدلك إلى المحكمة.
وكنتيجة حتمية فإذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها فإن مسألة التعدد تكون قد حسمت إذ الزوج في هذه الحالة يمنع من التعدد مادام مرتبطا بالزوجة التي وضعت الشرط على زوجها .
أما فيما يخص شروط التعدد في حالة عدم وجود شرط الامتناع من الزوجة يمكن للزوج أن يتزوج بزوجة ثانية بشروط حددها المشرع وهي كما يلي:
طلب الإذن من المحكمة
على من يريد الزواج بزوجة ثانية أن يقدم طلبا بذلك إلى قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية المختصة مكاتبا للنظر في هذا الطلب وحسب المادة 65 من مدونة الأسرة فالإذن بالتعدد عنصرا أساسي من عناصر ملف الزواج يقد طلب الإذن إلى المحكمة وفق الإجراءات العادية التي تحكم الطلبات القضائية كما ينظمها قانون المسطرة المدنية .
إثبات المبرر الموضوعي الاستثنائي
فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 41 من مدونة الأسرة أنه: ” لا تأذن المحكمة بالتعدد:
-إذ لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي … ”
-المشرع لم يقم بتحديد ما المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي والزوج هو المكلف بإثبات المبرر الموضوعي الاستثنائي والمحكمة هي التي تكيفه وهل هو فعلا مبرر موضوعي استثنائي أم لا ؟ وهنا يظهر لنا الاجتهاد القضائي مع وجوب التطبيق ما أمكن في ذلك التكييف لأننا أمام رخصة تحمل طابع الاستثناء وسواء قبلت المحكمة المبرر الموضوعي الاستثنائي المدعى به أو رفضته فيجب عليها أن تعلل موقفها أو قرارها سواء بالرفض أو القبول .
وجود الموارد الكافية لأعالة الاسرتين
فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة 41 ” لا تأذن المحكمة بالتعدد:
-إذا لم تكن الضابطة الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة.
واثبات شرط القدرة على إعالة أسرتين يعتمد على الوضعية الاقتصادية للزوج الراغب في التعدد ويتم الإثبات بشهادة تثبت دخل الفرد أو رقم معاملاته التجارية أو حجم ممتلكاته العقارية وقد قررت المادة 42 من مدونة الأسرة أن يكون طلب الإذن بالتعدد مرفوقا بإقرار عن الوضعية المادية لمن يريد التعدد .
وأخيرا فوجود القدرة الكافية لإعالة أسرتين إضافة إلى توفر الشروط الموضوعية للتعدد يستتبعه الدخول في الإجراءات الموالية .
فالمادة 43 من مدونة الأسرة تنص على الآتي:” تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور ، فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت من تسلم الاستدعاء توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بانها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذاز فسيبت في طلب الزوج في غيابها .
كما يمكن البث في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه.
إذا كان سبب عدم توصل الزوجة بالاستدعاء ناتجا عن تقديم الزوج بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تصريف في اسم الزوجة تطبق على الزوج العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي بطلب الزوجة المتضررة “.
وإذا علمنا أن هذه العقوبة لا تطبق إلا إذا طلبت الزوجة ذلك فهي الوحيدة المخول لها هذا الحق دون غيرها أما الفصل 361 من القانون الجنائي فينص على أنه ” يعاقب من 3 أشهر إلى 3 سنوات بالحبس وغرامة مالية من 120 إلى 300 درهم ، رغم هذا كله فقد ظهرت بعض الممارسات التي يتم بواسطتها لتحايل على القضاء لإبرام عقود زواج مع قاصرات او لتحقيق التعدد وذلك عن طريق ما يسمى بإثبات الزوجية أي اللجوء إلى علاقة غير شرعية والوصول على ظهور علامات الحمل لدى القاصرة او لدى البالغة من أجل الحكم بالإذن بزواج القاصرة أو الإذن بالتعدد.
أما فيما يخص المادة 44 فإنها تقول بان المحكمة ملزمة بإجراء مقابلة بين الزوجين بشأن التعدد وتجري تلك المقابلة في غرفة المشورة بعيدا عن الحضور للإطلاع على موقف كل منهما عن التعدد ، بعد استقصاء الوقائع وتقديم البيانات المطلوبة .
للمحكمة أن تأذن بالتعدد ويجب أن يكون الإذن بالتعدد معللا .
لا يقبل الإذن بالتعدد أي طعن وبمفهوم المخالفة فإن عدم الإذن بالتعدد يقبل الطعن أمام المجلس الأعلى .
وحسب الفقرة الأخيرة من المادة 44 فإنه للمحكمة أن تأذن بالتعدد مع تقييمه بشروط الفائدة الزوجة أو الأطفال كتخصيصهم بسكن مستقل بهم أو تسديد مبالغ النفقة الواجبة على الزوج.
الحكم بتطليق الزوجة التي تطلب ذلك من المحكمة
في هذه الحالة إذا طالبت الزوجة بتطليقها من زوجها حددت المحكمة للزوج مبلغا ماليا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادهما الذين لازال الزوج ملزما بالانفاق عليهم مع العلم أن عدم إيداع المبلغ المذكور داخل أجل سبعة أيام يعتبر تراجعا منها عن طلبه الإذن بالتعدد .
وتصدر المحكمة بمجرد إيداع المبالغ حكما بالتطليق لا يقبل أي طعن في جزئه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية، بخلاف ما يتصل بالمستحقات حيث للطرفين أن يطعنا في تقديرها
وقد نص المشرع على هذه الإجراءات ضمن مقتضيات الفقرة الأولى والثانية والثالثة من المادة 45 من مدونة الأسرة .
عدم تمسك الزوجة بالتطليق يسمح للمحكمة بتطبيق مسطرة الشقاق تلقائيا
هذا ما قرره المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 45 والتي تنص على ما يلي ” إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها ولم تطلب التطليق، طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 بعده .
ومن البديهي ان هذا الحكم الأخير جاء على حساب قاعدة جوهرية من صميم النظام العام تقضي بأن المحكمة لا يمكن أن تحكم إلا بما طلب منها.
إشعار المرأة المراد التزوج بها بأن من يريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك قبل إبرام عقد الزواج معها .
تنص المادة 46 من مدونة الأسرة على ما يلي:” في حالة الإذن بالتعدد لا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك.
يضمن هذا الإشعار والتعبير عن الرضى في محضر رسمي “.
المطلب الثاني: واقع تعدد الزوجات
عندما يجتمع "الرجال" الموحدون "أصحاب الزوجة الواحدة" لوحدهم جُلُّ متعتهم الحديث عن النساء ومدى حسرتهم ورغبتهم الشديدة بالزواج ومن ثم يميل الحديث عن أن فلاناً تزوج سرّاً وفلاناً مسياراً وفلاناً سافر ليتزوج ويستمتع بالزواج بعيداً عن رقابة "أم العيال" ومايترتب عليها من عقوبات متوقعة منها ..!!
كلامهم كله فيه حسرة ورغبة جامحة في التعدد ولكن يمنعهم خوفهم و"جبنهم" من الزوجة الأولى...ويبدأون يتخيلون ويتوهمون أعذاراً مختلفة تمنعهم من التعدد "كلها غير صحيحة"..
ورجوعاً لتاريخ البشر المكتوب وجدت أن اغلب الأنبياء والخلفاء والعلماء والملوك والأمراء والوزراء والفرسان وحتى الناس البسطاء كانوا يتزوجون ويعددون مع وجود الإماء المملوكات عندهم فتجد "الرجل" يتزوج الأولى والثانية والثالثة ويصل حتى العاشرة ومعه أيضاً مالذ وطاب من الإماء يشتري ويبيع منهن فيستمتع بقوته ونشاطه ورجولته ويغير مراكبه فيزداد نشاطاً وحيوية وصحة فعاشوا رجالاً أصحاء لهم هيبتهم ووزنهم ...
مما جعلنا نقرأ ونسمع هذا عن اجدادنا وتاريخنا ونحن نشعر بغصّة وألم...
لأن واقع "الموحد" يخالف طبيعة الرجل البدنية والنفسية فالله خلق الرجل اكبر عقلاً وقلباً وقوةً ونشاطاً من المرأة فطبيعة الرجل العطاء والانتشار مما شرع له الله التعدد من الزوجات والتملك من الإماء ماشاء ومضاجعتهن...
عكس المرأة تماماً فطبيعة تكوينها الجسدي والنفسي والعقلي يناسبها السكون والثبات وقلبها لايحتمل غير رجل واحد فشرع لها الله الثبات على زوج واحد فقط وإذا اشترت عبداً لا يحلّ لها ولاتحلّ له فهي حاضنةٌ لماء زوجها فقط ولئلا تختلط الانساب...
لذا تكثر عند الرجال "الموحدين"الامراض الجسدية والنفسية والوهن وضعف الهمّة والذبول والترنح حتى يصل لأرذل العمر ...
فإذا تعبت زوجته تعطّل ..وإذا حاضت تعطّل.. وإذا نفست تعطّل ...واذا حملت تعطّل... فيذهب جُلُّ عمره "عاطل" ماؤه قد جف في صلبه فذهب عمره وقد لقي ما لقي من ندم وحسرة..
عكسه تماماً المُعدّد فهو يعطي دائماً ويستمتع ولايتعطل وماؤه متجدد في صلبه...ووجهه طليقٌ دائماً...
وبعد بحثٍ وتقصي في سبب "جُبْن" الرجال من الزواج والتعدد..قمت بمقارنة سلوك "الرجال" المعددين قديماً وحديثاً و بين الرجال الموحدين
فوجدت أن السبب الرئيسي ليس مادياً ولا صحيا..
بل هو يعود (( لكثرة مخالطة الرجل لزوجته في البيت والجلوس معها اوقات طويلة ومغالبة الاولاد والعيال حتى أصبح كثير من الرجال داجناً في بيته مع امرأته مسيطرة عليه فذهبت هيبته وقوته وسُلبت إرادته وفحولته مع كثرة جلوسه معها مما جعله رجلاً مروضاً تحت زوجته لاأمر ولانهي إلا ماتراه زوجته..تعرف كل شؤونه وأسراره وأمواله)).
عكس المعددين تماماً فوجدتهم قليلوا مجالسة نسائهم ..يخرجون للعمل والكد والسفر لايعطون نساءهم أسرارهم ومعرفة أموالهم وشؤونهم
فقلّت مخالطتهم لزوجاتهم مما جعل لهم هيبةً وقوة شخصية، وإرادةً كاملةً، فتجده يقدم على الزواج بكل "رجولة وفحولة" ودون معارضة أو مضايقة من زوجاته اللاتي اقتنعن بطبيعتهن وحقوق ازواجهن بسبب سلوك ازواجهم معهم ..فهم أكثر الرجال راحةً وهمة وفحولة وصحةً وسعادةً وهذا الغالب عليهم
الآن أدركنا لم كان العرب يعيبون على الرجل كثرة مكوثه في البيت..!!!
فبسبب هذا "الجُبْن" كثُرت في بيوتنا العوانس وامتلأت من النساء والبنات اللاتي لا أحد يسأل أويتجرأ لخطبتهن..
وبسبب "الجُبن" كَثُر فساد الجبناء في الظل وانتشرت خطايا الضحايا معهم.
وبسبب هذا الجبن حرمت الفتاة المسكينة التي لاذنب لها والتي وقعت في حب رجل متزوج من أن تحظى به كزوج لها وتقاسي وتعاني مرارة العذاب من شدة حبها له وهو عاجز على أن يكون معها بسبب خوفه من زوجته وسيطرتها عليه.
فسبحان من شرع حكمة التعدد.
خاتمة:
خلاصة القول فهذه هي نظرة مدونة الأسرة للتعدد وهذا هو واقعه على مستوى العالم العربي.
فالشريعة الاسلامية اباحت التعدد بنصوص من الكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة بشرط العدل بين الزوجات ، وحددته بأربع نساء فقط ، والاقتصار على واحدة في حالة الخوف من عدم العدل .
كما أن التعدد الذي اباحته الشريعة الاسلامية لم يكن الغرض منه اشباع غريزة الرجل واستمتاعه ، وانما هدفه اسمى من ذلك ، فهو مليء بالحكم والفوائد التي تعود على المرأة والمجتمع باسره ، لأنه يعالج مشاكل انسانية ويدرأ مفاسد أخلاقية هدامة ، وله اهداف نبيلة ، وبواعث فطرية وواقعية ، وله أحكام فقهية ، مفصلة في كتب الفقه ، وآداب شرعية .
ان للزواج بصورة عامة وللتعدد بصورة خاصة أثار دينية واخلاقية وصحية ونفسية واقتصادية واجتماعية تعود بنفعها على الفرد والمجتمع .
لذلك نأمل من المشرع المغربي تعديل نصوص مدونة الأسرة المؤطرة للتعدد وأن يسهل ويبسط إجراءاته و مسطرته تماشيا مع تطبيق الشريعة الاسلامية السهلة السمحة لتجنب المفاسد التي تنجم عن وسائل الاثارة المنتشرة في الوقت الحاضر.
يعتبر تعدّد الزوجات من العادات القديمة التي ظهرت قبل الإسلام، وأبقى الشرع الإسلامي على قضية تعدد الزوجات وأباحها، ويُقصد بتعدد الزوجات هو أن يتزوج الرجل بأكثر من زوجة في وقت واحد، لكن حدد الإسلام عدد الزوجات بأربع فقط أي لا يجوز الزواج بزوجة خامسة إلا إذا طلق واحدة من زوجاته أو توفت، وأشار الله تعالى إلى تعدد الزوجات في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا) [النساء: 3
ويعتبر الزواج الوسيلة الوحيدة لتكثير النسل، فالرجل يفضل أن يكون له الكثير من الأبناء والبنات، فمن خلال الزواج بأكثر من واحدة يستطيع تحقيق غايته، وقد تكون زوجته عقيمة أو مريضة؛ لهذا أُبيح له أن يتزوج بأخرى كي ينجب منها دون أن يطلق الزوجة الأولى، وبهذا التعدد يجد الرجل مخرجاً في فرصة الإنجاب وتكثير ذريته، وأيضاً فإنّ تعدد الزوجات سبب لتكثير الأمة الإسلاميّة حتى تكون أمة قوية لها أفرادها الذين يدافعون عنها ويديرونها كما يعدّ وسيلة للقضاء على معدلات عنوسة النساء، فعدد النساء يفوق عدد الرجال في أي مجتمع، فالزواج يحمي المرأة من الانحراف والضياع، وقد تكون المرأة العانس من أقارب الرجل لا مُعيل لها، فمع التعدد يمكن له أن يتزوجها من باب الستر والإنفاق عليها. كما يكون الرجل قوي الشهوة، لكن لا يجوز له معاشرة زوجته في فترة الحيض أو النفاس، لهذا يجوز له أن يتزوج أكثر من واحدة لقضاء غايته صوناً له من ألا يسلك طريقاً محرماً. إذن فما هي وضعية تعدد الزوجات في القانون المغربي؟ وماهي إكراهاته على أرض الواقع؟
وهذا ما سأتناوله على الشكل التالي:
المطلب الأول: تعدد الزوجات في النص القانوني
المطلب الثاني: واقع تعدد الزوجات
المطلب الأول: تعدد الزوجات في النص القانوني
نظم المشرع المغربي التعدد في الباب الثاني من مدونة الأسرة وقد خصصت له المواد من 40 إلى 46 من مدونة الأسرة وبقراءتنا لهذه المواد نستخرج الأحكام الأتية:
المادة 40 من مدونة الأسرة تنص على انه يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات ، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها” ثم إن الفقرة الأولى من المادة 42 تنص على ما يلي في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد يقدم الراغب فيه طلب الإذن بدلك إلى المحكمة.
وكنتيجة حتمية فإذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها فإن مسألة التعدد تكون قد حسمت إذ الزوج في هذه الحالة يمنع من التعدد مادام مرتبطا بالزوجة التي وضعت الشرط على زوجها .
أما فيما يخص شروط التعدد في حالة عدم وجود شرط الامتناع من الزوجة يمكن للزوج أن يتزوج بزوجة ثانية بشروط حددها المشرع وهي كما يلي:
طلب الإذن من المحكمة
على من يريد الزواج بزوجة ثانية أن يقدم طلبا بذلك إلى قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية المختصة مكاتبا للنظر في هذا الطلب وحسب المادة 65 من مدونة الأسرة فالإذن بالتعدد عنصرا أساسي من عناصر ملف الزواج يقد طلب الإذن إلى المحكمة وفق الإجراءات العادية التي تحكم الطلبات القضائية كما ينظمها قانون المسطرة المدنية .
إثبات المبرر الموضوعي الاستثنائي
فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 41 من مدونة الأسرة أنه: ” لا تأذن المحكمة بالتعدد:
-إذ لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي … ”
-المشرع لم يقم بتحديد ما المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي والزوج هو المكلف بإثبات المبرر الموضوعي الاستثنائي والمحكمة هي التي تكيفه وهل هو فعلا مبرر موضوعي استثنائي أم لا ؟ وهنا يظهر لنا الاجتهاد القضائي مع وجوب التطبيق ما أمكن في ذلك التكييف لأننا أمام رخصة تحمل طابع الاستثناء وسواء قبلت المحكمة المبرر الموضوعي الاستثنائي المدعى به أو رفضته فيجب عليها أن تعلل موقفها أو قرارها سواء بالرفض أو القبول .
وجود الموارد الكافية لأعالة الاسرتين
فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة 41 ” لا تأذن المحكمة بالتعدد:
-إذا لم تكن الضابطة الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة.
واثبات شرط القدرة على إعالة أسرتين يعتمد على الوضعية الاقتصادية للزوج الراغب في التعدد ويتم الإثبات بشهادة تثبت دخل الفرد أو رقم معاملاته التجارية أو حجم ممتلكاته العقارية وقد قررت المادة 42 من مدونة الأسرة أن يكون طلب الإذن بالتعدد مرفوقا بإقرار عن الوضعية المادية لمن يريد التعدد .
وأخيرا فوجود القدرة الكافية لإعالة أسرتين إضافة إلى توفر الشروط الموضوعية للتعدد يستتبعه الدخول في الإجراءات الموالية .
فالمادة 43 من مدونة الأسرة تنص على الآتي:” تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور ، فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت من تسلم الاستدعاء توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بانها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذاز فسيبت في طلب الزوج في غيابها .
كما يمكن البث في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه.
إذا كان سبب عدم توصل الزوجة بالاستدعاء ناتجا عن تقديم الزوج بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تصريف في اسم الزوجة تطبق على الزوج العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي بطلب الزوجة المتضررة “.
وإذا علمنا أن هذه العقوبة لا تطبق إلا إذا طلبت الزوجة ذلك فهي الوحيدة المخول لها هذا الحق دون غيرها أما الفصل 361 من القانون الجنائي فينص على أنه ” يعاقب من 3 أشهر إلى 3 سنوات بالحبس وغرامة مالية من 120 إلى 300 درهم ، رغم هذا كله فقد ظهرت بعض الممارسات التي يتم بواسطتها لتحايل على القضاء لإبرام عقود زواج مع قاصرات او لتحقيق التعدد وذلك عن طريق ما يسمى بإثبات الزوجية أي اللجوء إلى علاقة غير شرعية والوصول على ظهور علامات الحمل لدى القاصرة او لدى البالغة من أجل الحكم بالإذن بزواج القاصرة أو الإذن بالتعدد.
أما فيما يخص المادة 44 فإنها تقول بان المحكمة ملزمة بإجراء مقابلة بين الزوجين بشأن التعدد وتجري تلك المقابلة في غرفة المشورة بعيدا عن الحضور للإطلاع على موقف كل منهما عن التعدد ، بعد استقصاء الوقائع وتقديم البيانات المطلوبة .
للمحكمة أن تأذن بالتعدد ويجب أن يكون الإذن بالتعدد معللا .
لا يقبل الإذن بالتعدد أي طعن وبمفهوم المخالفة فإن عدم الإذن بالتعدد يقبل الطعن أمام المجلس الأعلى .
وحسب الفقرة الأخيرة من المادة 44 فإنه للمحكمة أن تأذن بالتعدد مع تقييمه بشروط الفائدة الزوجة أو الأطفال كتخصيصهم بسكن مستقل بهم أو تسديد مبالغ النفقة الواجبة على الزوج.
الحكم بتطليق الزوجة التي تطلب ذلك من المحكمة
في هذه الحالة إذا طالبت الزوجة بتطليقها من زوجها حددت المحكمة للزوج مبلغا ماليا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادهما الذين لازال الزوج ملزما بالانفاق عليهم مع العلم أن عدم إيداع المبلغ المذكور داخل أجل سبعة أيام يعتبر تراجعا منها عن طلبه الإذن بالتعدد .
وتصدر المحكمة بمجرد إيداع المبالغ حكما بالتطليق لا يقبل أي طعن في جزئه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية، بخلاف ما يتصل بالمستحقات حيث للطرفين أن يطعنا في تقديرها
وقد نص المشرع على هذه الإجراءات ضمن مقتضيات الفقرة الأولى والثانية والثالثة من المادة 45 من مدونة الأسرة .
عدم تمسك الزوجة بالتطليق يسمح للمحكمة بتطبيق مسطرة الشقاق تلقائيا
هذا ما قرره المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 45 والتي تنص على ما يلي ” إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها ولم تطلب التطليق، طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 بعده .
ومن البديهي ان هذا الحكم الأخير جاء على حساب قاعدة جوهرية من صميم النظام العام تقضي بأن المحكمة لا يمكن أن تحكم إلا بما طلب منها.
إشعار المرأة المراد التزوج بها بأن من يريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك قبل إبرام عقد الزواج معها .
تنص المادة 46 من مدونة الأسرة على ما يلي:” في حالة الإذن بالتعدد لا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك.
يضمن هذا الإشعار والتعبير عن الرضى في محضر رسمي “.
المطلب الثاني: واقع تعدد الزوجات
عندما يجتمع "الرجال" الموحدون "أصحاب الزوجة الواحدة" لوحدهم جُلُّ متعتهم الحديث عن النساء ومدى حسرتهم ورغبتهم الشديدة بالزواج ومن ثم يميل الحديث عن أن فلاناً تزوج سرّاً وفلاناً مسياراً وفلاناً سافر ليتزوج ويستمتع بالزواج بعيداً عن رقابة "أم العيال" ومايترتب عليها من عقوبات متوقعة منها ..!!
كلامهم كله فيه حسرة ورغبة جامحة في التعدد ولكن يمنعهم خوفهم و"جبنهم" من الزوجة الأولى...ويبدأون يتخيلون ويتوهمون أعذاراً مختلفة تمنعهم من التعدد "كلها غير صحيحة"..
ورجوعاً لتاريخ البشر المكتوب وجدت أن اغلب الأنبياء والخلفاء والعلماء والملوك والأمراء والوزراء والفرسان وحتى الناس البسطاء كانوا يتزوجون ويعددون مع وجود الإماء المملوكات عندهم فتجد "الرجل" يتزوج الأولى والثانية والثالثة ويصل حتى العاشرة ومعه أيضاً مالذ وطاب من الإماء يشتري ويبيع منهن فيستمتع بقوته ونشاطه ورجولته ويغير مراكبه فيزداد نشاطاً وحيوية وصحة فعاشوا رجالاً أصحاء لهم هيبتهم ووزنهم ...
مما جعلنا نقرأ ونسمع هذا عن اجدادنا وتاريخنا ونحن نشعر بغصّة وألم...
لأن واقع "الموحد" يخالف طبيعة الرجل البدنية والنفسية فالله خلق الرجل اكبر عقلاً وقلباً وقوةً ونشاطاً من المرأة فطبيعة الرجل العطاء والانتشار مما شرع له الله التعدد من الزوجات والتملك من الإماء ماشاء ومضاجعتهن...
عكس المرأة تماماً فطبيعة تكوينها الجسدي والنفسي والعقلي يناسبها السكون والثبات وقلبها لايحتمل غير رجل واحد فشرع لها الله الثبات على زوج واحد فقط وإذا اشترت عبداً لا يحلّ لها ولاتحلّ له فهي حاضنةٌ لماء زوجها فقط ولئلا تختلط الانساب...
لذا تكثر عند الرجال "الموحدين"الامراض الجسدية والنفسية والوهن وضعف الهمّة والذبول والترنح حتى يصل لأرذل العمر ...
فإذا تعبت زوجته تعطّل ..وإذا حاضت تعطّل.. وإذا نفست تعطّل ...واذا حملت تعطّل... فيذهب جُلُّ عمره "عاطل" ماؤه قد جف في صلبه فذهب عمره وقد لقي ما لقي من ندم وحسرة..
عكسه تماماً المُعدّد فهو يعطي دائماً ويستمتع ولايتعطل وماؤه متجدد في صلبه...ووجهه طليقٌ دائماً...
وبعد بحثٍ وتقصي في سبب "جُبْن" الرجال من الزواج والتعدد..قمت بمقارنة سلوك "الرجال" المعددين قديماً وحديثاً و بين الرجال الموحدين
فوجدت أن السبب الرئيسي ليس مادياً ولا صحيا..
بل هو يعود (( لكثرة مخالطة الرجل لزوجته في البيت والجلوس معها اوقات طويلة ومغالبة الاولاد والعيال حتى أصبح كثير من الرجال داجناً في بيته مع امرأته مسيطرة عليه فذهبت هيبته وقوته وسُلبت إرادته وفحولته مع كثرة جلوسه معها مما جعله رجلاً مروضاً تحت زوجته لاأمر ولانهي إلا ماتراه زوجته..تعرف كل شؤونه وأسراره وأمواله)).
عكس المعددين تماماً فوجدتهم قليلوا مجالسة نسائهم ..يخرجون للعمل والكد والسفر لايعطون نساءهم أسرارهم ومعرفة أموالهم وشؤونهم
فقلّت مخالطتهم لزوجاتهم مما جعل لهم هيبةً وقوة شخصية، وإرادةً كاملةً، فتجده يقدم على الزواج بكل "رجولة وفحولة" ودون معارضة أو مضايقة من زوجاته اللاتي اقتنعن بطبيعتهن وحقوق ازواجهن بسبب سلوك ازواجهم معهم ..فهم أكثر الرجال راحةً وهمة وفحولة وصحةً وسعادةً وهذا الغالب عليهم
الآن أدركنا لم كان العرب يعيبون على الرجل كثرة مكوثه في البيت..!!!
فبسبب هذا "الجُبْن" كثُرت في بيوتنا العوانس وامتلأت من النساء والبنات اللاتي لا أحد يسأل أويتجرأ لخطبتهن..
وبسبب "الجُبن" كَثُر فساد الجبناء في الظل وانتشرت خطايا الضحايا معهم.
وبسبب هذا الجبن حرمت الفتاة المسكينة التي لاذنب لها والتي وقعت في حب رجل متزوج من أن تحظى به كزوج لها وتقاسي وتعاني مرارة العذاب من شدة حبها له وهو عاجز على أن يكون معها بسبب خوفه من زوجته وسيطرتها عليه.
فسبحان من شرع حكمة التعدد.
خاتمة:
خلاصة القول فهذه هي نظرة مدونة الأسرة للتعدد وهذا هو واقعه على مستوى العالم العربي.
فالشريعة الاسلامية اباحت التعدد بنصوص من الكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة بشرط العدل بين الزوجات ، وحددته بأربع نساء فقط ، والاقتصار على واحدة في حالة الخوف من عدم العدل .
كما أن التعدد الذي اباحته الشريعة الاسلامية لم يكن الغرض منه اشباع غريزة الرجل واستمتاعه ، وانما هدفه اسمى من ذلك ، فهو مليء بالحكم والفوائد التي تعود على المرأة والمجتمع باسره ، لأنه يعالج مشاكل انسانية ويدرأ مفاسد أخلاقية هدامة ، وله اهداف نبيلة ، وبواعث فطرية وواقعية ، وله أحكام فقهية ، مفصلة في كتب الفقه ، وآداب شرعية .
ان للزواج بصورة عامة وللتعدد بصورة خاصة أثار دينية واخلاقية وصحية ونفسية واقتصادية واجتماعية تعود بنفعها على الفرد والمجتمع .
لذلك نأمل من المشرع المغربي تعديل نصوص مدونة الأسرة المؤطرة للتعدد وأن يسهل ويبسط إجراءاته و مسطرته تماشيا مع تطبيق الشريعة الاسلامية السهلة السمحة لتجنب المفاسد التي تنجم عن وسائل الاثارة المنتشرة في الوقت الحاضر.