MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




علاقة وزارة العدل بالقضاء وأهمية التعاون من أجل العدالة - دراسة تاريخية ودستورية

     

محمد لكموش
دكتوراه في العلوم السياسية



رفقته نسخة للتحميل

علاقة وزارة العدل بالقضاء وأهمية التعاون من أجل العدالة - دراسة تاريخية ودستورية
  
من الملاحظات التي قد يقف عليها أي باحث في مجال العلوم الإدارية والسياسية هو شح في عدد المراجع المتعلقة بتاريخ الوزارات بالمغرب، ومنها وزارة العدل إلا إذا استثنينا تاريخ القضاء المغربي الذي أولاه السلاطين المغاربة أهمية بالغة باعتباره من وظائف الإمامة العظمى؛

لقد تطور مفهوم استقلال القضاء في المغرب عبر الحقب التاريخية التي مر بها وتبعا للظروف التي تعيشها السلطة من قوة أو ضعف فقد ذكر مؤرخ الدولة العلوية مولاي عبد الرحمان بن زيدان في كتابه العز والصولة في معالم نظم الدولة الجزء الثاني م 18 أنه: " كان من شأن ملوكنا الأكرمين اختيار من هو للقضاء أهل وكفء ممن لا يحابي أحدا ولا يشفق من ظالم ولا يرحم متسلطا بغير حق.... وكان استقلال القضاء معين القضاة على تنفيذ الأحكام الشرعية في أسرع من لمح البصر، فبمجرد ما يقع الحكم ويسلم لا يبقى بين المحكوم عليه والمحكوم له أدنى نزاع في القضية ولا يحتاج للتردد على الأبواب أو بذل المال للأعوان والأصحاب...... كما أن ملوك دولتنا العلوية كانوا يكلفون العمال برفع قضايا الرعية إلى الشرع المطاع ويلزمونهم بتنفيذ ما حكم به القضاة وعدم التدخل بوجه من الوجوه في القضايا الشرعية كيفما كانت ويوقفون تصرفات العمال إلى أن يصدر القضاة حكمهم الشرعي فيها........ وقد أضاف المؤرخ المذكور بأنه لما حالت الأحوال وخيمت بكلكها على الأهوال وفشا الاستبداد مدت أيدى العمال العادية إلى التهجم على الحكم في القضايا الشرعية وأخذ يتقلص بسبب ذلك نفوذ القضاة وتداخلت الخطة الشرعية مع خطة العمال وكثرت المصالح واستبد الخطب وعظم إلى أن صدر ظهير 20 ذي القعدة 1330 موافق 31-10-1912 الذي أنشأ وزارة العدلية وتم تعيين السيد أبي شعيب الدكالي لتنظيمها وتسيير شؤونها فقام بما أمكنه القيام من إصلاح ساعيا لرد المياه إلى مجاريها غير أن الحماية الفرنسية رأت في العمل الذي كان يباشره العمال من قواد وباشوات إزاء السلطة القضائية المنفذ الوحيد للتدخل في شؤون القضاء حيث أضفت الشرعية على عملهم هذا، وجعلت منه قضاء جديدا عرف خلال عهد الحماية بالقضاء المخزني ".[1]

وإلى جانب القضاء المخزني كان هناك قضاء شرعي وقضاء عبري وقضاء قنصلي وقضاء خليفي وقضاء خاص بمنطقة طنجة الدولية،" ولم يكن لوزارة العدل تحت الحماية سوى سلطة ظاهرية على القضاة الشرعيين والعدول والخبراء والنساخ ومختلف الأعوان العاملين بالمحاكم الشرعية. أما المحاكم المخزنية والعرفية والعبرية وكذا المحاكم الأجنبية، فلم تكن تخضع لهذه الوزارة، التابعة للهيئة المخزنية والتي كانت لا تتوفر إلا على قلة من الكتاب تقتصر مهمتهم الأساسية على صياغة القرارات المتخذة على صعيد مديرية الشؤون الشريفة..".[2]

وبعد استرجاع المغرب لاستقلاله، بادر المغرب إلى إحداث وزارة العدل أسند لها مهمة إصلاح القضاء وتزويده بالأدوات القانونية والموارد البشرية اللازمة. وهكذا أنشأ ظهير 16 أكتوبر 1956 إدارة مركزية تتكون من خمس مديريات وهي: مديرية القضاء الشرعي والعبري، مديرية القضاء العصري المشرفة على المحاكم العصرية المحدثة بظهير 12 غشت 1913، مديرية السجون، مديرية المحاكم العادية أي المحاكم المخزنية سابقا، ومديرية الموظفين والميزانية.[3]

إن الهدف من هذه الدراسة هو تسليط الضوء على تاريخ وزارة العدل وعلاقتها بالقضاء، وذلك من زاوية موقعها داخل هرم الدولة، علما أنها كانت إلى حدود حكومة التناوب التوافقي برئاسة المرحوم عبد الرحمن اليوسفي من وزارات السيادة، إلى جانب الداخلية، الأوقاف والشؤون الإسلامية، الشؤون الخارجية والتعاون، الأمانة العامة للحكومة ووزارة الدفاع الوطني؛
أما بالنسبة لوضعية القضاء في دساتير المملكة، فمنذ صدور أول دستور لسنة 1962 إلى دستور 1996 كان الحديث عن القضاء يتم بصيغة مبتورة إذ لا يشار فيها إلى صفة سلطة (الفصل 82 من دستور 1962، المادة 74 من دستور 1970، المادة 75 من دستور 1972 والمادة 82 من دستور 1996)،  وكان الملك في ظل دستوري 1962 و1970، هو الذي يرأس المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل خليفته، أما في دساتير 1972 و1992 و1996 كان الملك هو الذي يرأس المجلس الاعلى للقضاء ووزير العدل نائبا له؛
إلا أنه وإن كان الدستور المغربي لم ينطق بلفظ السلطة القضائية إلا أن روحه ومبناه تعتبر القضاء سلطة، لها من القوة ما تستطيع الوقوف به في صعيد واحد مع التشريع والتنفيذ. كما أن الخطب الملكية تؤكد ذلك، وهكذا جاء في خطاب المغفور له جلالة الملك محمد الخامس يوم 18 ماي 1956 بمناسبة تعيين القضاة الإقليميين ما نصه: "... واحسنوا التصرف في استعمال هذه السلطة القضائية ... "، وفي خطاب آخر له بمناسبة عيد العرش لسنة 1959 قال رحمه الله: ".... ودعمنا فصل السلط بوضع نظام أساسي لرجال القضاء... "، أما جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله فقد جاء في خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية يوم 19 أكتوبر 1971 ما نصه: " ..... وأول ما بادرنا إليه فور الحصول على الاستقلال أن فصلنا السلط فصلا شرعناه ثم أقررناه بأحكام الدستور تحقيقا لرغبة كانت تلح علينا أيام كانت بلادنا محرومة من الحرية والسيادة وها نحن اليوم نخطو خطوة جديدة في مجال تنظيم القضاء وإصلاح أوضاعه وتقويم المنحرف من أحواله في إطار استقلال السلطة القضائية....."، وفي رسالته الموجهة إلى المجلس الأعلى رحمه الله بمناسبة إحياء الذكرى الأربعينية لتأسيسه قال رحمه الله: " ... منذ ولانا الله مقاليد الحكم حرصنا من جهتنا بكل إيمان وعزم على رفع القضاء إلى مرتبة سلطة دستورية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية كما أنشأنا بمقتضى الدستور مجلسا أعلى للقضاء مخولين إياه اعتبارا خاصا بوضعه تحت رئاستنا المنيفة إمعانا في توطيد دعائم استقلال القضاء [4]" .

ومع مجيء دستور 2011 تم التنصيص لأول مرة على كون السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية؛ والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الذي يرأسه نيابة عن الملك.

ونظرا لما تكتسيه الخطب الملكية السامية من أهمية بالغة، وما تتضمنه من تعليمات وتوجيهات باعتبارها مصدرا أساسيا لفقهاء القانون الدستوري ومرجعا أساسيا في التعديلات الدستورية، ولما لها من أهمية جوهرية في تصور الوزراء للوظيفة الحكومية، من خلال اعتمادها في إعداد السياسة العامة للدولة، وكذا في تأطير الوظيفة التشريعية من خلال تقديم مشاريع القوانين؛

ومن أجل الوقوف على التطور التاريخي لعلاقة وزارة العدل بالقضاء كمؤسسة دستورية، تمت مراجعة مختلف الخطب الملكية عبر التطور التاريخي والمعبر عنه في مختلف المناسبات، والتي توجت من خلالها سلسلة من الإصلاحات القضائية المؤسساتية والقانونية والتي ساهمت من خلالها وزارة العدل مساهمة فعالة بالنظر للأدوار التي كانت تطلع بها في إطار التوجيهات الملكية السامية؛

سنحاول في هذا المقال استعراض علاقة العدل بالقضاء في الخطب الملكية من الوصل إلى الفصل (المحور الأول)، والنتائج القانونية والمؤسساتية لاستقلال السلطة القضائية (المحور الثاني)، وكذا علاقة السياسة القضائية بالسياسة العمومية (المحور الثالث)، وهو الأمر الذي فرض على كل من وزارة العدل ولمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى ضرورة البحث عن المجالات المشتركة للتعاون في مجال العدالة (المحور الرابع)، وأخيرا كان لا بد من البحث عن الآفاق الجديدة والمستقبلية لوزارة العدل في ظل استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية (المحور الخامس).

المحور الأول: العدل والقضاء في الخطب الملكية من الوصل إلى الفصل

أولا: خلال فترة الملك محمد الخامس
  1. أثناء فترة الحماية
في إطار العناية التي كان يوليها الملك محمد الخامس للقضاء خلال فترة الحماية، أصدر الظهير السلطاني المؤرخ في 3 نونبر 1937، الذي اعتبر بمثابة النواة المؤسسة للمجلس الأعلى للقضاء، والتي تسهر على الوضعية الإدارية المتعلقة بترقية القضاة ونقلهم وتأديبهم، وتتألف هذه اللجنة من خلال منطوق الفصل 12 من نفس الظهير مما يلي:
  • الصدر الأعظم.
  • مدير الشؤون السياسية.
  • وزير العدلية.
  • رئيس مجلس الاستئناف الشرعي أو من ينوب عنهم.
ويضاف إلى ذلك قاض من الرتبة الاستثنائية، وإن تعذر فقاض من الرتبة الأولى يعينه المخزن بطلب من مستشار الدولة الشريفة ثم كاتب من وزارة العدلية ليكون كاتب اللجنة. والواقع أن إحداث هذه المؤسسة لم تأتي بتحول جذري، وإنما بمقتضيات جزئية لم تمس العلاقة المباشرة الرابطة بين أمير المؤمنين رئيس الدولة، وبين القضاة. إذ أن اختصاصات هذه اللجنة بمدلول ظهير 1937 لم تتعد مجال ترتيب القضاة في رتب ودرجات إذ بقيت تمس الترقي دون أن تطال مجال التأديب والتسمية والنقل، وحتى في مجال الترقي، فإن أعمال اللجنة لم تتعد رفع اقتراح لا يأخذ حجمه وقوته التنفيذية إلا بعد المصادقة عليه من طرف جلالة السلطان، اللهم ما كان من دور مستشار الدولة الشريفة في طلب التأديب، ودور وزير العدلية في مجال عقوبتي الإنذار والتوبيخ. ورغم كون طبيعة مهام هذه اللجنة لا تتعدى مقتضيات إدارية فقط،  إلا أنها لم تؤثر في الرباط المباشر بين الجهاز القضائي وجلالة السلطان أمير المؤمنين رئيس الدولة[5].
  1. أثناء فترة الاستقلال:
رغم قصر المدة التي تولى فيها المغفور له الملك محمد الخامس للحكم والممتدة من نونبر 1955 إلى فبراير 1961، كان حريصا على إقامة نظام ديمقراطي في إطار ملكية دستورية، لذلك اهتم بالعدل وشؤونه ونادى بفصل السلط واستقلال القضاء؛
ومن أجل ضمان الحقوق المادية والأدبية للقضاة، وبمناسبة تسليم المغفور له الملك محمد الخامس لظهائر إلى مجموعة من القضاة الشرعيين بالرباط بتاريخ 20 يونيو 1956، خاطبهم قائلا: "...أصدرنا أوامرنا لوزارة العدلية كي تجد في تحقيق مبدأ استقلال القضاء وتسهر على جميع فروعه كما كلفناها فيما يخص القضاة بضمان حقوقهم المادية والأدبية..."[6].
ومن أجل ألا يؤثر فصل السلط على التعاون بين القضاء والسلطة التنفيذية، دعا المغفور له بمناسبة تسليم ظهائر شريفة لقضاة جدد بتاريخ 15 ماي 1957 قائلا:"...ونود أن نلفت نظركم إلى أنه لا ينبغي أن ينشأ عن تفريق السلط فقدان التعاون بين رجال السلطة القضائية ورجال السلطة الإدارية، بل إن من الضروري أن تتضافر جهود هؤلاء وأولئك، وأن يوحد بينهم جميعا السعي في تحقيق ما فيه المصلحة العامة."[7]
وبمناسبة تدشين المجلس الأعلى للنقض والإبرام بتاريخ 23 أكتوبر 1957 عهد المغفور له لوزيره في العدل مهمة تطبيق برنامج الإصلاح القضائي المتمثل في:  " تحقيق هدفين اثنين هما استقلال القضاء وتوحيده، وقد تم عمليا فأصبح رجال القضاء يتمتعون باستقلال يضمن لهم حقوقهم ويحفظ كرامتهم،..."[8].
وحرصا على إقامة دولة ديمقراطية قائمة على فصل السلط، جاء الظهير الشريف الصادر بتاريخ 30 دجنبر 1958 ، المعتبر بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء، ولا سيما الفصل الثالث منه، ليؤسس ولأول مرة بهذه التسمية مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء.
حيث نص الفصل الثالث من الظهير المذكور على ما يلي:
" يؤسس تحت رئاسة جنابنا الشريف للسهر على تطبيق النظام الأساسي والمساعدة على تنفيذه مجلس أعلى للقضاء يتركب كما يأتي:
  • وزير العدل.
  • الرئيس الأول للمجلس الأعلى.
  • وكيل الدولة العام لدى المجلس الأعلى.
  • مدير القضايا المدنية.
  • مدير الموظفين والميزانية.
  • أربعة قضاة يعينون بظهير شريف باقتراح من وزير العدل، وعند تغيب جلالتنا الشريفة يرأس وزير العدل المجلس الأعلى".
وقد كان لهذا المقتضى التشريعي الأثر الطيب في تركيز العدالة، وتحصين استقلال القضاء بأسلوب أكثر وأعمق ديمقراطية بالمقارنة مع الفترة السابقة لصدوره الممتدة من نونبر سنة 1955 إلى نونبر 1958 وهو التاريخ الذي تأسست به لأول مرة بعد الاستقلال مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء، والتي وإن كانت تجعل سلطة التسمية والحياة الإدارية للسلك القضائي بيد جلالة الملك، إلا أن ظهائر التسمية والترقية والتعيين والنقل والعزل كانت مبنية على اقتراح وزير العدل[9].
 ولقد كان حضور وزير العدل في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء مثار نقاش بين من اعتبره تدخلا من قبل ممثل السلطة التنفيذية في القرارات التي يصدرها المجلس، وبين من اعتبر حضور أشغاله لا تأثير له، بالنظر إلى كون تركيبة المجلس كانت مكونة جلها من القضاة، بنسبة ستة قضاة من مجموع عشرة أعضاء، ثلاثة مديرين من الإدارة المركزية بوزارة العدل، وهم بدورهم قضاة، بل إن هذا المقتضى من جهة ثانية قضى إلى أبعد حد على التأثير الحكومي على سير دواليب العدالة.
كما أن وزير العدل وهو يمارس العضوية في المجلس  الأعلى للقضاء، فإنه ينوب عن جلالة الملك لا بصفته شخصية حكومية، ولكن نيابة عن الملك بمفهوم صفته القضائية المستمدة من الإمامة وإمارة المؤمنين اللصيقين بشخص الملك، وهو ما يستتبع معه تخلص الوزير من صفته الحكومية أثناء انعقاد المجلس، ومن ثم لا يمكن الحكم على عضويته في مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء بأنها ذات تأثير على مبدأ استقلال القضاء، إذ أن وزير العدل عندما يمارس هذه النيابة، فإنما يمارسها بالمدلول الحقوقي والدستوري والشرعي للنيابة عن جلالة الملك في رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، كما أن وزير العدل في مداولات المجلس لا يمثل إلا صوتا واحدا، وفي أقصى الأحوال صوتا مرجحا في حالة تعادل الأصوات. مع الأخذ بعين الاعتبار أنه محاط في اجتماعات المجلس بقمة القضاء، ووسطه وأدنى درجاته، مع الأخذ بعين الاعتبار فكرة حصانة أعضائه[10].
ومما يزيد من ضمانات أشغال دورات المجلس، ما تم التنصيص عليه في النظام الدا خلي في المادة 8 منه : " يتولى وزير العدل بصفته نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء تحديد مشروع جدول الأعمال بالنسبة لكل دورة، وبعد المصادقة عليه من طرف جلالة الملك، يتم إبلاغه إلى أعضاء المجلس داخل مدة معقولة قبل افتتاح الدورة،  كما يسهر على تنظيم سير أعمال الدورة ويدير المناقشات خلال كل جلسة".
وبالإضافة إلى ذلك كان كاتب المجلس الأعلى للقضاء، يسهر بمقتضى المادة 10 من نفس النظام الداخلي على اتخاذ الإجراءات الملائمة لتنفيذ اقتراحاته بعد أن تحظى بالموافقة المولوية السامية.[11]

ثانيا: خلال فترة الملك الحسن الثاني

إذا كانت فترة حكم المغفور له الملك محمد الخامس تميزت بالخروج من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، من خلال وضع ملامح الدولة الديمقراطية القائمة على مبدأ استقلال القضاء وتوحيده، إلا أن فترة حكم الملك الحسن الثاني تميزت ببناء دولة المؤسسات، وترسيخ مبدأ فصل السلط؛
   وللوقوف على أهمية وزارة العدل من منظور الخطب الملكية للراحل الملك الحسن الثاني، لا بد من استحضار الزيارة التاريخية التي قام بها للوزارة بتاريخ 6 نونبر 1961، حيث قال بهذه المناسبة:
 " إننا كما في علمكم قررنا أن نقوم بزيارة دورية لبعض الوزارات، وها هو قد وصل دور وزارة العدل مما يدل على أننا قررنا لأن نتبع شخصيا نشاط الوزارات ونكون على بينة مباشرة من المشاكل التي تعترض سيرها.
نعم، فوزارة العدل، إن كانت من أهم الوزارات فهي من الوزارات ذات المنجزات المعنوية الأكثر أهمية من المنجزات المادية. وذلك لأن وزارة العدل ليست وزارة مكلفة بتشييد أو بناء أو إقامة سدود أو فتح طرق، فعملها لا يتجسم في مسائل تعرض على أنظار الخاص والعام، كما أنها ليست كذلك من بين الوزارات التي تلتمس من رئيس الدولة أو من مسؤولين سامين في الدولة أن يدشنوا معاملها أو مصانعها أو أوراشها.
إن عملها يجسم قبل كل شيء إما في النصوص التشريعية أو في تنظيم المحاكم أو توحيدها أو في إعادة النظر في الجهاز القضائي.
فإن كان عملها خفيا، وقل من يدركه ويعطيه قيمته اللائقة به، فهذا من العوامل التي يجب أن تكون لها حافزا لتزيد في إبراز أعمالها كي تساعد الرأي العام المغربي على التعرف بها وعلى تقدير أعمالها.
إن مشكلة العدل في كافة الأقطار هي من أعوص المشاكل وأدقها، حيث أنه من المحتم على القاضي أن يرضي خصما ويسخط الآخر كلما عرض عليه الحكم بينهما.... هذا ما يجعل كذلك مهمة وزارة العدل من أدق المهام، لأنها في جميع تصرفاتها إذا كانت ترضي جانبا فإنها تسخط جانبا آخر، ولكن المهم قبل كل شيء هو أنها حينما تسخط جانب المحكوم عليه فالقاضي لا يسخط ضميره.... .
إن اهتمامنا بوزارة العدل ليس بمسألة بدعة أولا، لأننا قد ورثنا هذا الاهتمام بالعدلية عن أجدادنا وبالأخص عن والدنا رحمه الله الذي كان يعبر لهذه الوزارة أكبر اهتمام.
ومما يدل على أنه رحمه الله قد أعارها أكبر اهتمام، أنه بعد الاستقلال، لما وجدنا أنفسنا غير متوفرين على القضاة من كل مستوى أعطى لوزارة العدل إذاك ورقة بيضاء لتخرج عن كل الطقوس الإدارية وعن الإطار الإداري، وتبحث عن الأشخاص الكفيلين أن يكونوا مساعدين لها،"
وفي الجانب المتعلق بدور الوزارة في التشريع أضاف:" إن أبواب التشريع مفتوحة دائما، أما المعتقدات فبابها ليس مفتوحا. فلا يمكننا أن نزيد فيها شيئا من زاد فيها فذلك بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
إذن فلابد من أن نضع لكم قوانين سهلة بينة يمكنكم أن تفهموها وتفهموها للناس الذين معكم. كما أنه لابد من أن تجعل تحت تصرفكم وسائل التنقل عبر المملكة حتى تتمكنوا من التوجه نحو المدعين."
ومن أجل تقريب القضاء من المتقاضين أضاف رحمه الله: " أما اليوم فذلك الشخص صار يضيع الكثير من وقته مما جعل من اللائق أن تتنقلوا نحوه بدلا من أن يتنقل نحوكم. مما يدل على هذا أنى قد عملت مع وزارة العدل ما لم أعمله مع غيرها من الوزارات إذا لم تكن في ميزانيتها إمكانيات لشراء سيارات، ففتحت إمكانيات خاصة... لتمكن القضاة من التنقل في جميع أطراف المملكة."
وبالنظر إلى كون المغرب كان حديث العهد بالاستقلال ونظرا لأهمية التعريب وتوحيد القوانين قال: " ... فليس من اللائق أن تكون القوانين المطبقة عليه قوانين متشعبة متفرقة ومتباينة؛ فلا بد أن نتجه إلى التوحيد، توحيد القوانين وتوحيد المحاكم وتوحيد سلك القضاء، فهناك تجربة سنجربها في أحد الأقاليم، وقد طلبت من وزير العدل أن لا يتسرع فيها، وسنقوم بهذه التجربة بإقليم فاس فتبدأ أولا بالنيابة وإذا نجحت التجربة فيها فسنجريها في المحاكم إذاك وكيفما كان الحال فإن هذا اجتهاد ربما ينطوي على بعض العيوب ولكن إذا قارنا عيوبه بمزاياه نجد أن مزاياه أكثر من عيوبه أو نقصانه."
أما بالنسبة للموارد البشرية أضاف:" لكن يجب أن تعلموا أن في سلك القضاء كما في جميع إطارات الدولة ضعفا في الرجال وفي الإطارات ، فإذا كانت الوزارات الخاصة تحتاج إلى فنيين أو مهندسين فوزارة العدل تحتاج إلى موظفين من الموظفين الصغار كتاب الضبط، إلى رؤساء المحاكم الاقليمية أو المركزية؛ ولكن إذا كنت أتطلب من الدولة مجهودا كبيرا وسريعا في تكوين جميع الإطارات فإني لا أتطلبه من وزارة العدل، لأني مارست شخصيا القانون و درست طيلة خمس سنوات ولاحظت الفرق الذي يوجد هناك بين التعليم النظري والتعليم التطبيقي فإذا كان الأوروبيون لا يسمحون لمن حصل على الليسانس في الحقوق بفتح مكتب محام إلا بعد تجربة ثلاث سنوات فذاك يدل على أن هناك فرقا بين ما يلقن وبين ما يطبق.
فهل معنى هذا أن القانون يوجد على شكل في الكتب وعلى شكل آخر في التطبيق ؟ لا، بل أن
معناه أن طرق القانون متشعبة جدا وبالخصوص طرق المسطرة وطرق إرسال الملفات الى غير ذلك من المسائل التقنية، لهذا فإنى سوف لا آمر وزارة العدل بأن تسرع في تكوين الإطارات.
إنه يمكن للموظف التقني إذا كون بصفة سريعة أن يصلح جهازا هو غلط في تركيبه، ولكن المسائل التي تتعلق بحرية الأشخاص وبحياة الأشخاص، وبإرث الأشخاص وبزواج الأشخاص فهذه المسائل لا تطلب السرعة بل تتطلب الإتقان.
إنها تتطلب أولا السن لأن السن يجلب الحرمة ويجلب القناعة والقناعة هي التي تجلب الترفع عن الرشوة كما أنها تتطلب ثانيا من الانسان أن يكون قد تكون له مكانة في المجتمع لأن الرجل الذي يتمتع بالحق في الحكم على فلان وفلان يجب أن يكون فوق كل الاعتبارات وفوق كل النزعات كيفما كان نوعها، كما يتطلب كذلك الوقت لأنه مع الأسف فى السنوات الماضية بدون تخصيص وبدون أن توجه لحركة دون حركة أو لسياسة دون سياسة أصابت البلاد مصيبة وهى أن الإدارة المغربية تسربت إليها النزعات السياسية.
إن للنزعات السياسية أمكنة لائقة لها: محلات التجمهر وأندية الخطب وكذلك في الحملات الانتخابية، أما إذا طبقت النزعات السياسية على الفصل بين الناس بما في كتاب الله، فهذا ما أنزل الله به من سلطان.
 فإذا قلت لوزارة العدل بأن تسير ببطء في هذا الباب كي يستطيع هذا المغرب أن يعيش بكيفية موضوعية من حيث إدارته، ذلك المغرب الذي هو في حاجة الى إعادة النظر في إدارته كلها فيما يخص الفرق الموجود هناك بين الموظف في مكتبه والموظف خارج مكتبه فوزارة العدل كذلك كجميع الوزارات.
 إني لا أؤاخذ المغاربة على تحزبهم بل يمكن أن أقول أن التحزب مسألة ضرورية لأن الأحزاب السياسية هي بمثابة المدرسة الوطنية. وأنا شخصيا لو لم أكن أميرا لشاركت في حركة وطنية بكيفية فعلية.
ولكن الحركة السياسية شيء كمدرسة للسياسة والتكوين، والمهنة الادارية شيء آخر. فالدولة فوق كل اعتبار سياسي أو شخصي أو حزبي والموظف كيفما كان هو يمثل الدولة. إن المجلس الأعلى للقضاء سيتطرق الى عدة مشاكل منها مثلا طلبات الانخراط في السلك القضائي، والنظر في تصرفات بعض القضاة وترقية بعض القضاة وما الى ذلك.
ففيما يرجع الى النظر في تصرفات بعض القضاة (ما يقال وما يكون نتيجة للبحث) أعطيكم توجيها واحدا وأترك الحرية لمجلس القضاء، أعطيكم توجيها واحدا وهو أن تحسبوا كل شبهة تهمة. أليس وقد قيل .... فالأوروبيون مثلا يقولون "لا دخان بدون نار".[12]
ومن أجل إبراز المجهودات التي تبذلها وزارة العدل في مجال التشريع، توجه الملك الحسن الثاني بالشكر لوزيره في العدل، بمناسبة افتتاح رابطة القضاة بتاريخ 30 أكتوبر 1965، قائلا رحمه الله:
"وإن المجهودات المشكورة التي بذلها وزيرنا في العدل منذ أن عهدنا إليه بالمسؤولية على رأس وزارة العدل، وسهره المتواصل على تنفيذ تعليماتنا، لتطبيق قانون التوحيد والمغربة والتعريب، قد واكبهما استعداد تلقائي من جميع القضاة، فكان هذا العمل الجماعي عنوانا على الانسجام المتين، والرغبة المشتركة، في تحقيق هذا التحول الجذري في جهاز القضاء، تنفيذاً لإرادتنا وإرادة الأمة.[13]
وفي إطار العناية بالجانب الاجتماعي للقضاة، وبمناسبة افتتاح السنة القضائية 1966-1967 بتاريخ 11 أكتوبر 1966 قال المغفور له الملك الحسن الثاني: " إننا على علم بالمسائل التي تهم القضاة وبالأخص الصغار منهم الذين يتمنون رفع التعويضات التي يتقاضونها وقد نشأت مضاعفات مالية حين دراسة هذا الموضوع الذي هو محل عنايتنا، وبهذه المناسبة نطلب منكم أن تبلغوا الهيئة القضائية مدى سرورنا بعد إصدار أمرنا بتنفيذ التعويضات المطلوبة لهم من طرف وزارة العدل، ولقد أعطينا التعليمات بإدراج ذلك في الميزانية المقبلة، وفي هذا المضمار تعرفون كيف أعامل الموظفين السامين، فأنا أريد أن أكون بارا بالخدام المخلصين...."[14]
أما بالنسبة للمجهودات التي بذلتها الوزارة في الجانب المتعلق بالتشريع وتقريب القضاء من المتقاضين، وبمناسبة عيد العرش بتاريخ 3 مارس 1967 قال الملك الحسن الثاني في كلمته:
"..... إننا لنسجل بكامل الفخر والاعتزاز - فى ميدان العدل - مدى السرور الذي يغمرنا ونحن نلمس عن كتب نتائج المرحلة الحاسمة التي اجتازها قضاؤنا بعد أن تم توحيده وتعريبه ومغربته، فلقد سهرت وزارتنا في العدل على عمل المحاكم في تلك المرحلة بعين يقظة، فلم يتوقف سيرها ولم ينقص إنتاجها رغم ما كلف ذلك من مجهودات يومية وتضحيات مالية ليست بالهينة.
وعلاوة على ذلك بذلت هذه الوزارة قصارى جهدها في تطبيق تعليماتنا الرامية إلى مراجعة التشريع وتوحيده، وطبعه بطابع مغربي فصدر مرسومنا الذي تحققت بمقتضاه الوحدة التشريعية للبلاد كما أصدرنا قانون الصوائر المالية في الميادين المدنية والتجارية والادارية، وقانوناً آخر للمساعدة القضائية.
ولتقريب القضاء من المتقاضين، والتقليل من التكاليف المالية المترتبة على الترافع أمام المحاكم أصدرنا قانوناً ينظم القضاء على أسس جديدة تحدث بمقتضاه محكمة استئنافية بمراكش يشمل نفوذها أقاليم مراكش وأكادير وورزازات ومحاكم إقليمية أخرى بكل من الجديدة وسطات وورزازات، وستقسم مدينة الدار البيضاء الى ثلاث دوائر قضائية بكل منها محكمة للسدد يتبعها عدد من الملحقات.
 وعالج هذا القانون كذلك نواحي أخرى كتفتيش المحاكم وإعادة تنظيمها على ضوء التجربة التي مررنا بها منذ أن استقلت البلاد.
........
وإننا لعازمون على أن نصدر بعون الله مجموعة من قوانين أخرى ذات أهمية كبرى أعدتها وزارتنا في العدل لتسهيل مهمة القضاة ومساعدتهم على البت في القضايا التي تعرض عليهم، ومن جملة هذه القوانين قانون المسطرة المدنية، وقانون الأكرية، وقانون الشركات، وقانون الوضعية المدنية للأجانب، وقانون خاص بالتوثيق.
وفي نطاق تقوية الجهاز القضائي ودعم أطره وتسهيل التقاضي على المتقاضين أحدثنا رغم الضائقة المالية في ميزانية هذه السنة مائة منصب لتوظيف قضاة جدد...".[15]
وهي نفس العناية التي أولاها المغفور له الملك الحسن الثاني بخصوص الخريطة القضائية في خطابه بمناسبة عيد العرش بتاريخ 3 مارس 1968، حيث قال:
"....
ونشير في هذا الصدد الى أن التجربة التي باشرناها منذ فجر الاستقلال الى الآن، أظهرت بصفة جلية أن عدداً من المحاكم لا توجد في المواقع المناسبة لها ومحاكم أخرى قد تعين إحداثها كما أن قانون التوحيد قد فرض عدة إجراءات أصبح من الواجب معها تكييف أنظمتنا على ضوئه وحسب مقتضياته.
 ولمعالجة هذه الحالة بصفة أكثر فعالية أصدرنا في شهر يوليوز من السنة الفارطة مرسوماً ملكياً يعتبر بمثابة قانون جديد للتنظيم القضائي.
وهكذا أصبحت المملكة تتوفر على ثلاث محاكم استئنافية وست عشرة محكمة إقليمية، وسبع وعشرين محكمة للسدد، ومائة وإحدى وتسعين ملحقة يوجد مقرها بجانب مركز كل جماعة قروية.
كما عالجنا في القانون المذكور قضية تفتيش المحاكم وتنظيم سيرها وإتاحة الفرصة لمراقبة نشاطها وإنتاجها."[16]
ورغبة من جلالته في تقوية جهاز القضاء بالأطر والإمكانيات اللازمة، أصدر الملك الحسن الثاني أمره لوزيره في العدل بمناسبة عيد العرش بتاريخ 3 مارس 1969: " بإحداث معهد للدراسات القضائية الغاية منه منح تكوين عملي للمتأهبين للانخراط في سلك القضاة من المتخرجين من الكليات، وتكميل التكوين العلمي الضروري لبعض القضاة الذين هم في حاجة الى ذلك."[17]
فمن خلال هذا التفصيل تبرز مدى العناية التي كان يوليها الملك الحسن الثاني للارتقاء بإصلاح الشأن القضائي على كافة المستويات سواء التشريعي، والاجتماعي للقضاة وذلك من خلال توجيهاته لوزراء العدل الذين يسهرون على تنفيذها باعتبارها مجالا محفوظا للملك بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء.

ثالثا: خلال فترة الملك محمد السادس

لقد حظي إصلاح القضاء خلال فترة الملك محمد السادس بأهمية بالغة وأخذ مسارات متعددة، حيث يمكن تقسيمها إلى مرحلتين: ففي المرحلة الأولى قام الملك بتشخيص لواقع القضاء، وإبراز أهميته على المستويين الوطني والدولي، حيث وردت في بعض خطاباته العبارات التالية: ".. عزمنا وطيد على ترسيخ دولة الحق والقانون في الميدان الاقتصادي وعلى إصلاح القضاء والرفع من عدد المحاكم التجارية وعلى وضع القوانين المالية الملائمة" (الخطاب الملكي السامي بالدار البيضاء يوم 12 أكتوبر 1999).
وبمناسبة افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء يوم 15 دجنبر 1999 أكد جلالته أن العدالة هي الضامن الأكبر للأمن والاستقرار والتلاحم الذي به تكون المواطنة الحقة. وهي مؤشر فاعل في تخليق المجتمع وإشاعة الطمأنينة بين أفراده، وإتاحة فرص التطور الاقتصادي والنمو الاجتماعي وفتح الباب لحياة ديمقراطية صحيحة.
وخلال ترأس الملك محمد السادس لافتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ فاتح مارس 2002 جاءت في كلمته: "ما فتئنا منذ تقلدنا الأمانة العظمى لقيادة شعبنا والتي يعتبر القضاء من صميم مسؤولياتها نوجه حكومتنا والبرلمان إلى الأهمية القصوى التي نوليها لإصلاح القضاء وتحديثه وتأهيله للإسهام الفعال في المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي نسهر على تحقيقه. وقد أبينا اليوم ومن خلال رئاستنا لافتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء إلا أن نتوجه إلى هذا المجلس ومن خلاله إلى كافة أسرة العدل بخطاب مباشر يستهدف إبراز مدى المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتق القضاة أنفسهم في إصلاح الجهاز المؤتمن على العدل الذي يتوقف عليه كسبنا لرهان الديمقراطية والتنمية. 
إننا لنعتبر أن قضاء واعيا كل الوعي بحتمية هذا الرهان ومؤهلا لاستيعاب التحولات التي يعرفها المغرب لهو القادر وحده على رفع هذا التحدي….  
… لذا حرصنا على إعادة الاعتبار للقضاء وتأهيله وتطهيره من كل النقائص والشوائب المشينة محددين بكل حزم ووضوح سبيل الإصلاح الذي لا مناص منه…"
وتعتبر هذه النقطة نقطة تحول للمرحلة الثانية التي تتسم بنوع من التوجيه المخطط والمدروس للنهوض بهذا القطاع، عبر إعطاء وصفات جاهزة للإصلاح، وتفويض تفعيلها إلى الحكومة، حيث نوه الملك في خطابه بمناسبة ترؤس جلالته افتتاح السنة القضائية بأكادير، يوم 29 يناير 2003، بما تحقق من منجزات بخصوص برنامج إصلاح القضاء والعمل على تسريع وتيرته لتحديث جهاز العدل وتخليقه وتأهيله. 
  وقد دعا جلالته الحكومة إلى مواصلة الجهود، لعصرنة القضاء، بعقلنة العمل، وتبسيط المساطر، وتعميم المعلوميات. وتنويع مساطر التسوية التوافقية، لما قد ينشأ من منازعات بين التجار، وذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري، الوطني والدولي، ليستجيب النظام القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسيته، ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي.
وبمناسبة خطاب العرش لسنة 2007 دعا جلالته: "...  الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء، لتعزيز استقلاله الذي نحن له ضامنون. هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة، وضمان الأمن القضائي، الذي يمر عبر الأهلية المهنية، والنزاهة والاستقامة. وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياته، ومواصلة تحديثه وتأهيله، هيكلة وموارد بشرية ومادية، وإطارا قانونياً عصريا."
وهو الأمر الذي اتبعه جلالته بتكليف مباشر لوزير العدل، لوضع مشروع خطة للإصلاح القضائي.
وقد زاد من تعزيز هذا الأمر خطاب العرش لسنة  2008، من خلال تأكيده على جعل الإصلاح الشامل للقضاء في صدارة الأوراش الإصلاحية التي تقوم بها البلاد.
كما دعا جلالته الحكومة للانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية، مؤكدا على التفعيل الأمثل لهذا المخطط، من أجل بلوغ ما نتوخاه للقضاء من تحديث ونجاعة.
وأنه من الواجب أن يأخذ هذا الإصلاح بعين الاعتبار التجارب الأجنبية التي أثبتت فعاليتها.[18]  
وفي ذكرى ثورة الملك والشعب سنة 2009 حدد جلالته الأهداف الكبرى لإصلاح القضاء، من خلال : "  تعزيز ضمانات استقلال القضاء، وتحديث المنظومة القانونية، وتأهيل الهياكل والموارد البشرية، والرفع من النجاعة القضائية، وترسيخ التخليق، وحسن التفعيل."
فعلى المستوى المركزي، نؤكد أن مسؤولية تفعيل هذا الإصلاح، والإشراف عليه، منوطة بالحكومة، وخاصة وزارة العدل، وذلك وفق برامج محددة في أهدافها ومراحلها، ومضبوطة في وسائل التنفيذ والمتابعة والتقويم.
أما على صعيد المحاكم، فإن نجاح الإصلاح يظل رهينا بانتهاج عدم التمركز، وبتوافر الكفاءات اللازمة. ولهذه الغاية، ندعو المجلس الأعلى للقضاء، لعقد دورة خاصة، لاقتراح المسؤولين القضائيين بالمحاكم، المؤهلين للنهوض الميداني بهذا الإصلاح الحاسم.
ومع اعتماد دستور 2011 الذي كرس لاستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية             والتشريعية، حيث قام الملك محمد السادس بتنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، والتي تضمنت 40 شخصا مثلت جميع المؤسسات الدستورية والقطاعات الحكومية والقضائية فضلا عن تمثيلية وازنة للمجتمع المدني ومختلف الفعاليات المؤهلة المعنية بإصلاح منظومة العدالة، وقد توج هذا المجهود بصدور الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة.
إن هذا التطور التاريخي لمسار إصلاح القضاء تمخضت عنه عدة نتائج قانونية ومؤسساتية وهي ما سنحاول إبرازه من خلال المحور الموالي.
المحور الثاني: النتائج القانونية والمؤسساتية لاستقلال السلطة القضائية
برسم الولاية التشريعية 2011-2016 صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 14/04/2016 في عهد وزير العدل السابق مصطفى الرميد كل من:
  1.  القانون التنظيمي 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي نص في المادة الأولى منه على اختصاصاته في الأمور المتعلقة ب: قواعد انتخاب وتعيين أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكيفيات تنظيمه وسيره واختصاصاته، وكذا المعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب، والذي تم تغييره وتتميمه بموجب القانون 13.22.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة عدم الخلط الذي يقع فيه البعض الذي يعتبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو السلطة القضائية، وهو الأمر الذي أشارت إليه المادة 2 من نفس القانون عندما عرفت السلطة القضائية هي التي: " تمارس من قبل القضاة الذين يزاولون فعليا مهامهم القضائية بالمحاكم التي يشملها التنظيم القضائي للمملكة"، وبين المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية، الذي نصت المادة 4 منه على ممارسة مهامه بصفة مستقلة، وهو الأمر الذي أوضحه جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الإعلان عن مشروع الدستور بتاريخ 17 يونيو 2011 حين قال: " كما تم إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية يرأسها الملك، لتحل محل المجلس الأعلى للقضاء، وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي، وتخويل رئيس محكمة النقض، مهام الرئيس –المنتدب، بدل وزير العدل حاليا، تجسيدا لفصل السلط".
وبمناسبة الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الأولى للمؤتمر الدولي للعدالة بتاريخ 2 أبريل 2018 قال جلالته:" ..، حرصنا على التنصيص صراحة في الدستور على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كهيئة دستورية مستقلة ذات تركيبة متنوعة تضم، تحت رئاستنا، شخصيات قضائية وحقوقية،..."، وهو ما يستنتج منه أن المجلس الأعلى للسلطة  القضائية ليس هو السلطة القضائية، وفق الاختصاصات المحصورة له بموجب القانون التنظيمي.
  1. القانون التنظيمي 106.03 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الذي نص في المادة الأولى على اختصاصاته المتعلقة ب: المقتضيات الخاصة بتأليف السلك القضائي وحقوق القضاة وواجباتهم ووضعياتهم والضمانات الممنوحة له، والذي تم تغييره وتتميمه بموجب القانون 14.22
  2.  قانون التنظيم القضائي 38.15.
يعتبر قانون التنظيم القضائي 38.15 من أقوى النصوص القانونية تجسيدا للاستقلال الفعلي للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وقد خضع لتعديل مقتضياته غير الدستورية، بموجب رسالة الإحالة من قبل رئيس الحكومة إلى المحكمة الدستورية بتاريخ في 16 يناير 2019.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون قد تم التداول فيه في مجلس الحكومة في اجتماعه المنعقد بتاريخ 18 فبراير 2016 إلى غاية صدوره في الجريدة الرسمية بتاريخ  14 يوليو 2022، وقد  تعاقب على مناقشته بالبرلمان أربعة وزراء وهم كل من مصطفى الرميد، محمد أوجار ، محمد بنعبد القادر وعبد اللطيف وهبي؛
ويأتي هذا القانون في إطار استكمال الترسانة القانونية لتنزيل مشروع إصلاح منظومة العدالة، وهو بمثابة إطار للمؤسسات القضائية من حيث أنواعها وأصنافها ودرجاتها وتنظيمها ومراقبتها وتفتيشها، وكذا تحديد الأجهزة والهيآت والهياكل الإدارية التي تساعد القضاة في أداء مهامهم. لذلك كان حريا بالمشرع الدستوري أن يصنف هذا القانون ضمن القوانين التنظيمية نظرا للأهمية الكبرى للمواضيع التي ينظمها، خاصة حالات التماس بين السلطتين التنفيذية والقضائية على صعيد تنظيم المحاكم وسير عملها وأيضا طابعه المهيكل[19].
بل يمكن اعتباره أنه امتدادا للقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في مجال التدبير المشترك للإدارة القضائية، ومن جهة أخرى قانونا لإعادة فرز الاختصاصات بين السلطة القضائية والتنفيذية.
  1. قانون المفتشية العامة للشؤون القضائية
مع صدور القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية 100.13 نص في المادة 53 منه على إحداث مفتشية عامة للشؤون القضائية وترك للقانون العادي مسألة تنظيمها وتحديد حقوق وواجبات أعضائها؛
وهو ما تم من خلال صدور قانون رقم 38.21 يتعلق بالمفتشية العامة للشؤون القضائية بتاريخ 26 يوليو 2021.
وفي مقابل ذلك نص المرسوم المنظم لاختصاصات وزارة العدل على تنظيم عمل المفتشية العامة لوزارة العدل بمرسوم، وفق المادة 100 من قانون التنظيم القضائي 38.15، حيث جاء في الحيثية رقم 9 من قرار المحكمة الدستورية 89.19 بمناسبة مناقشته لمقتضيات المواد من 102 إلى 107 ما يلي : "حيث إن مُبرر جمع التفتيش القضائي والتفتيش الإداري والمالي في قانون واحد، المُضمن في الأعمال التحضيرية للبرلمان، بحكم أن الأمر يتعلق بمحاكم التنظيم القضائي، سيجعل، فضلا عما تقدم، التفتيش الإداري والمالي التابع للوزارة المكلفة بالعدل الوحيد المنظم بقانون، في حين أن باقي المفتشيات المماثلة، الممارسة للاختصاص ذاته، التابعة لوزارات أخرى منظمة بنصوص تنظيمية، وهو تَمييز لا يجد أي أساس أو سند دستوري له ".
وأضاف القرار كخلاصة لذلك من خلال ما جاء في الحيثية رقم 10 بمناسبة مناقشته لمقتضيات المواد من 102 إلى 109 بأن: " التفتيش الذي يجب أن يأتي على شكل قانون، هو التفتيش القضائي وليس التفتيش الإداري والمالي المندرج في عمل السلطة التنظيمية، مما يَستدعي تنظيمه وفق نص تنظيمي عملا بأحكام الفصل 72 من الدستور ".
وفي المحصلة فإن قرار المحكمة الدستورية حصر اختصاص المفتشية العامة للوزارة على الجوانب الإدارية والمالية للإدارة القضائية، دون عملها الشبه قضائي الموكول للمفتشية العامة للشؤون القضائية، وبهذا يكون قرار المحكمة الدستورية قد أخضع عمل موظفي كتابة الضبط لتفتيش مشترك بين المفتشية العامة للشؤون القضائية في الجانب المتعلق بالمهام ذات الصبغة القضائية والمفتشية العامة للوزارة المكلفة بالعدل في الجوانب المتعلقة بالتسيير والتدبير الإداري والمالي، مما يطرح سؤال من سيتولى تفتيش عمل كتابة الضبط في ظل غياب نص تنظيمي المنظم لاختصاصات المفتشية العامة للوزارة من جهة، ومن جهة أخرى اعتبر القرار اختصاصات عمل كتابة الضبط ذات صبغة قضائية وليست ذات طبيعة إدارية؛
ولا بد من الإشارة إلى أن المشرع الدستوري خيرا فعل، لأن فلسفة الهندسة التشريعية للتنظيم القضائي تقوم على تنظيم كل ما هو قضائي لعمل المحاكم المنظم بقانون، والذي لا ينسجم واختصاصات مفتشية وزارة العدل في مراقبة التدبير الإداري والمالي المنظم بمرسوم.  
  1. قانون رقم33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة المؤرخ في 30 غشت 2017:
نص القانون 33.17 في المادة الأولى منه على أنه:" تطبيقا لمقتضيات المادة 25 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة يمارس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، سلطته على قضاة النيابة العامة التابعين له بمختلف محاكم المملكة.
وفي هذا الإطار يمارس قضاة النيابة العامة مهامهم واختصاصاتهم المنصوص عليها في التشريعات الجاري بها العمل تحت سلطة وإشراف ومراقبة رئيس النيابة العامة ورؤسائهم التسلسليين".
كما نصت المادة 2 من نفس القانون: "يحل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، محل وزير العدل في ممارسة الاختصاصات الموكلة لهذا الأخير المتعلقة بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وعلى قضاتها، بما في ذلك إصدار الأوامر والتعليمات الكتابية القانونية الموجهة إليهم طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل. وعلاوة على الاختصاصات الموكلة إليه بموجب النصوص التشريعية الجاري بها العمل، يحل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، محل وزير العدل في:
  • الإشراف على عمل النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة صلاحياتها المرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها في إطار احترام مضامين السياسة الجنائية طبقا للتشريعات الجاري بها العمل؛
  • السهر على حسن سير الدعاوى في مجال اختصاصها؛
  • ممارسة الطعون المتعلقة بالدعاوى المشار إليها في البند الثاني أعلاه؛
  • تتبع القضايا المعروضة على المحاكم التي تكون النيابة العامة طرفا فيها."
المحور الثالث: السياسة القضائية وعلاقتها بالسياسة العمومية

تقوم الأنظمة القضائية الدولية على ثنائية القضاء الجالس –قضاة الحكم-، والقضاء الواقف          –قضاة النيابة العامة-، كما أن فلسفتهما مختلفة وأهدافهما واحدة هو حماية الحقوق والحريات وضمان المحاكمة العدالة، إلا أنه مع تطور العلوم الاجتماعية وظهور المؤسسات السياسية وبروز نشاط عمل الحكومات بدأت تظهر أهمية صياغة السياسات العمومية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتقييمها، وهنا لا بد من الوقوف على أهمية  السياسة القضائية التي تندرج ضمن موضوع السياسة العمومية بما في ذلك السياسة الجنائية في الشق المتعلق بالآليات الوقاية والزجرية لمكافحة الجريمة والتصدي لها والسياسة الحقوقية في مجال تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم.
  1. السياسة القضائية وعلاقتها بالسياسة العمومية
يقصــد عــادة بالسياســات العموميــة: "مجمــوع الإجــراءات والتدابــر الاستــراتيجية ذات البعــد التدبــري والتنمــوي"، فالبرامــج الاســتراتيجية الــتي تقــوم القطاعــات الحكوميــة بإعدادهــا وتنفيذهــا تكــون نظريــا في إطــار سياســة أو سياســات عموميــة، وبالتــالي فــإن السياســة العموميــة أشــمل مــن البرنامج Programme، وقــد تكــون ذات بعــد أفقــي بحيــث تشــمل قطاعيــن حكومييــن أو أكثــر.[20]
وتعرف السياسة القضائية بأنها توجهات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في مجال منظومة العدالة ببلادنا، وذلك بالتنسيق والتناغم والتكامل مع باقي السياسات العمومية الأخرى شريطة عدم المساس باستقلالية السلطة القضائية واحترام لمبدأ الفصل بين السلط في النظام الدستوري المغربي الذي يقوم على الفصل المرن حسب الفقرة الثانية من الفصل 1 من دستور 2011 التي تنص على مايلي: يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.[21]
لقد كانت السياسة القضائية في ظل الدساتير المغربية لما قبل دستور 2011 عبارة عن سياسة قطاعية وليست سياسة عمومية، كما كان يعتبر القضاء شأنا قضائيا فئويا ومهنيا وليس شأنا مجتمعيا.
ومن المظاهر الأخرى على كون السياسة القضائية سياسة عمومية هو ما تم التنصيص عليه في دستور 2011، من خلال إمكانية الدفع بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور في الفصل 133 منه؛ وبناء على هذه الإحالة يمكن إحداث تعديل على مضمون السياسات العامة (القوانين الاتفاقيات...) أو إلغائها حسب طبيعة هذه الاستشارة.
إن السلطة القضائية بهذا المعنى تعتبر بمثابة رقيب قضائي على السياسة العامة من خلال قيامها بالمراجعة الدائمة والمنتظمة للقوانين المعبرة عنها لضمان شرعيتها.
كما يلعب القضاء بمختلف أنواعه دور الوسيط بين واضعي السياسة العامة وبين مطبقيها من خلال التوضيح والتفسير السليم والقانوني للمقصود من السياسات العامة.
وبالتالي يغدو رأي المحاكم والقضاء، إما متجاوبا أو معرقلا أو مبطلا لبعض السياسات الإدارية والقرارات التنفيذية، من خلال أحكام القضاء وقرارات المحاكم الصادرة نحوها.[22]
فإذا كانت السياسة القضائية سياسة عمومية، فإن السياسة الجنائية هي أيضا وجه آخر من أوجه السياسة العمومية.
  1. السياسة الجنائية وعلاقتها بالسياسة العمومية
تتحدد السياسة الجنائية من خلال تعريفها ومن يرسم الخطوط العريضة لها، ومن يتولى تنفيذها؛
  1. تعريف السياسة الجنائية
تمكن المغرب منذ استقلاله من ممارسة سياسة جنائية، ومما يعزز هذا الطرح، هو التعديل الذي أدخل على قانون المسطرة الجنائية سنة 1962 مباشرة بعد سن أول سياسة جنائية بتاريخ 1959.
      لقد شكل ذلك التعديل مؤشرا واضحا على التغيير الذي أدخلته الدولة على سياستها الجنائية.
 وعندما نأخذ هذا المؤشر كمعطى ثابت سيسهل علينا محاولة تعريف أو تحديد مفهوم للسياسة الجنائية باعتبارها: "ذلك التصور الذي تضعه الحكومة لتأطير الحريات العامة والفردية من أجل خدمة أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية." [23].
وهناك من عرفها بكونها مجموع القرارات والتدابير والإجراءات الملموسة التي تقدم بكيفية حيوية إجابة جنائية لظاهرة الجريمة. فهي طريقة للتعبير عن السياسة الإجرامية شأنها في ذلك شأن الاستراتيجيات الأخرى (إدارية مدنية...) التي تساهم كلها في تحديد طبيعة التصرفات المضادة للنظام الاجتماعي وكيفية التصدي لها.[24]
 وهكذا، عرفت قوانين الحريات العامة تلازما في سنها مع سن القوانين الزجرية، ذلك التلازم الذي ستلاحظه كذلك عند أي تعديل يدخل على هذه وتلك.
وهذا ما تجلى في تعديل قواعد المسطرة الجنائية سنة 1974 وستعدل في تزامن معها بعض القوانين المنظمة للحريات.
وعندما عدلت حكومة التناوب القوانين المتعلقة بالحريات عدلت كذلك القوانين الزجرية وعلى رأسها قانون المسطرة الجنائية.
وبهذا، يلاحظ أن المغرب عرف بالفعل سياسة جنائية، إلا أن الحكومات السابقة كانت تعتبر أن هذا شان داخلي وخاص بها، ولم يعلن عنها من جهة ولم تشرك المجتمع لا في إنجازها أو تنفيذها من جهة أخرى.
لكن تلك السياسة الجنائية لم تعرف مع الأسف، مدعم لها، وإنما عرفت منبه لأخطائها أو معارض لها، ومع ما ترجم في المواقف التي كان يتخذها المحامون سواء في قاعات المحاكم أوفي المواقف التي كانت تعلن عنها المنظمات المهمة والحقوقية، مما يعني أن تلك السياسة الجنائية لم تستطع استقطاب شرعية المجتمع أي شرعية القبول بها و بالتالي الخضوع لها.
واليوم تختار الدولة الخروج من وحدتها في بناء وإنجاز السياسة الجنائية لتشرك فيها المجتمع، مما يحق التساؤل عن ماهية المرجعية التي تم الاستناد عليـها لإخراج أية سياسة جنائية ملبية لانتظارات الدولة والمجتمع.[25]
  1. وضع السياسة الجنائية
إن كانت مسألة تعريف السياسية الجنائية مسألة صعبة، إلا أنه يظهر وكأنه أسهل من تعيين الآلية المؤهلة، شرعيا لإنجاز تلك السياسة الجنائية وتنفيذها وتطبيقها.
لقد شكلت هذه القضية نقطة خلافية كبيرة بين القائل بكون السياسة الجنائية هي من صلب اختصاص القضاء جهازا كان أو وظيفة أو سلطة، وبين من يذهب إلى أن سن السياسة الجنائية هو من قلب اختصاص الجهاز التنفيذي حكومة كان أو غيرها.
غير أن هذا النقاش لم يكن الحسم فيه سهلا سواء على المستوى التنظيري الفكري، أي على مستوى الاقتناع بفكرة دون الأخرى، أو على المستوى التطبيقي أي مستوى تحديد الجهة بدقة.
ومن المفيد من أجل ملامسة أهمية الخلاف وتشابك الإشكالية، الاطلاع على جزء من النقاش الذي دار حول هذه القضية، وعلى الخصوص في الدولة التي لها تقاليد عريقة في الديمقراطية وبالتالي لها ثقافة مؤسسة لمبدأ فصل السلط.
إن جوهر الخلاف يتلخص حول من هو المؤهل لوضع السياسة الجنائية، أي الجهة التي تملك الشرعية في أن تقرر فى الأسبقيات وفي كيفية تدبير السياسة الجنائية، وهو نقاش ليس فقط حقوقي وقانوني، ولكنه نقاش سياسي في العمق، يدور حول من له الحق والشرعية في ضبط وتنظيم وتدبير الحرية في المجتمع.
فالفصل 51 من قانون المسطرة الجنائية لا يتكلم على من يضع السياسة الجنائية، وإنما يتكلم فقط، على من ينفذ تلك السياسة، إذ ينص الفصل المذكور على: "يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية ويبلغها إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها".
فهذه الصياغة المضبوطة لقضية لها علاقة بالسياسة الجنائية ليست قصورا لغويا وإنما هي تدبير توافقي للإشكالية الكبرى المتمثلة في الجواب على سؤال حول من يضع السياسة الجنائية أي من يقرر ويدير قضايا الحريات الفردية والجماعية في المجتمع.
وفي إطار السعي للبحث حول من يضع السياسة الجنائية تذهب السيدة ميشال لور راسات MICHELLE LAURE RASSAT ، إلى أن النيابة العامة هي جهاز للربط ما بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية مكلفة بإسماع صوت الأولى لدى الثانية.
والخلاصة التي انتهت إليها السيدة RASSAT هي أن فصل السلط لا يعني تجاهل السلط La séparation des pouvoirs n'est pas l'ignorance des pouvoirs. معتبرة أنه إذا كانت الحكومة يحق لها أن تسمع صوتها في قلب البرلمان الذي يتكون من ممثلي الأمة، فإن من حقها أن تسمع صوتها للسلطة القضائية.[26]
وإذا كانت معظم الآراء تتفق على أن وضع السياسة الجنائية من مهام الحكومة التي تقرر الخطط الكفيلة بمحاربة الجريمة مباشرة عن طريق التقدم بمشاريع قوانين زجرية أو وضع خطط وتدابير تنفيذية للوقاية من الجريمة أو ملاحقة مرتكبيها وشل حركتهم. أو بشكل غير مباشر عن طريق التدخل في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية لوضع تدابير من شأنها القضاء على بعض أسباب الإجرام مثل توفير ظروف الشغل أو القيام بالتوعية أو القضاء على الفقر أو الإقصاء والتهميش حين تكون هذه العناصر هي السبب في ارتكاب الجريمة.
إلا أن وضع السياسة الجنائية أمر معقد وباب مشرع يلجه أكثر من متدخل. فإذا كانت الحكومة تحتل دوراً محورياً في وضع السياسة الجنائية، فإن البرلمان يمكن أن يكون فاعلاً مؤثراً في العملية عن طريق تقديم مقترحات قوانين أو إقرار المشاريع التي تقدمها الحكومة، وكذلك عن طريق استعماله للصلاحيات المتعددة التي يخولها له الدستور كطرح الأسئلة الشفوية والكتابية التي تثير الانتباه إلى ارتفاع ظاهرة الجريمة أو النقص في مواجهتها، أو تشكيل لجن تقصي الحقائق، أو في حدود أبعد من ذلك عن طريق سحب الثقة من الحكومة لأنها لم تستطع أن توفر الأمن والأمان للمواطنين[27]. 
إلا أن هناك من يرى بأنه لا يمكن وضع سياسة جنائية دون إنشاء نظام مرجعي للتجريم والعقاب ويعطي في نفس الوقت معنى للدعوى العمومية غير أن طريقة إنشاء هذا النظام المرجعي ونشره وتوظيفه في الميدان الجنائي يتعين أن لا يتم في إطار مغلق (وزارة العدل، الحكومة، البرلمان) بل ينبغي أن يتم على ضوء الأنشطة الفكرية والتنظيمية للوحدات المعرفية الجنائية التي تضع مجموعة من القوالب النظرية التي ستوظف من طرف رجل السياسة. هذه الوحدات تضم بالإضافة للمجال الفقهي ممارسين من قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين وباحثين وحقوقيين ومجتمع مدني. إن تأثير الوحدات المعرفية على رجل السياسة ضروري فقرارات السياسة الجنائية قد تعتمد في إطار الرهان السياسي على اتجاه فكري أو قالب نظري. فالأمر في الواقع يقتضي تصور مشاكل جنائية وتحويلها إلى رهان في السباق السياسي حسب الزمان والمكان.
 وعليه فإن قرار السياسة الجنائية يمكن النظر إليه كمجموعة من الدوائر المرتبطة بينها ودائمة الحركة لها نواة مركزية (الحكومة) - البرلمان - خبراء - قضاة) ودوائر خارجية متكونة من فاعلين اجتماعيين لهم القدرة على مساعدة السلطة السياسية وتعبئة المجتمع من أجل الحث على اتخاذ قرار سياسي.
ومن هذا يظهر أن القانون الجنائي هو أحد قرارات السياسة الجنائية الهدف من وراءه الإجابة على مشكل اجتماعي له طابع جنائي.[28]
إلا أن قرار المحكمة الدستورية رقم  16/992  المتعلق بمراقبة دستورية القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة، المؤرخ في 15 مارس 2016، ذهب خلاف السلطة الحكومية المكلفة  بالعدل،  حينما نص بأن: " صلاحية وضع السياسة الجنائية، التي تعد جزءا من السياسات العمومية، من خلال سن قواعد وقائية وزجرية لمكافحة الجريمة، حماية للنظام العمومي وصيانة لسلامة الأشخاص وممتلكاتهم وحرياتهم، وكذا تحديد الكيفيات والشروط القانونية لممارسة قضاة النيابة العامة لمهامهم، تظل من الصلاحيات المخولة إلى السلطة التشريعية التي يعود إليها أيضا تقييم هذه السياسة، طبقا لأحكام الدستور".
  1. تنفيذ السياسة الجنائية
يشكل تقرير النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية فرصة سنوية لرئاسة النيابة العامة من أجل تجديد التزامها بالمقتضيات الدستورية المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أن التقرير ذاته طرح إشكالية تتعلق بكون رئيس النيابة العامة هو عضو في الآن ذاته بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالإضافة إلى أن القانون يغل يد المجلس الأعلى للسلطة القضائية من إبداء ملاحظاته في حالة الإخلال، ويكتفي بمناقشته دون ترتيب أي جزاء، ولئن كانت المادة 110 من القانون التنظيمي تنص على مناقشة التقرير أمام لجنتي العدل والتشريع بمجلسي البرلمان، باعتبار هذا الأخير هو صانع هذه السياسة وبالتالي يحق له مراقبة سلامة تطبيقها، فإن السيد رئيس النيابة العامة جدد رفضه الوقوف أمام هذه اللجنة بمقتضى تقريره السنوي الثاني، مدافعا عن موقفه، معتبرا أن السلطة القضائية التي تنتمي إليها النيابة العامة هي سلطة مستقلة، ولا يجوز، بأي حال من الأحوال، تقديم هذا التقرير أمام السلطة التشريعية في تجاوز واضح لثلاثة مبادئ دستورية أخرى، وهي مبدأ توازن السلط ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومبدأ تعاون السلط، المنصوص عليه في الفصل الأول من دستور المملكة، حيث ينص على ما يلي: " يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديموقراطية والمواطنة التشاركية وعلى مبادئ الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة" .[29]
ويمكن اعتبار عدم حضور الوكيل العام للملك لمناقشة تقريره راجع لطبيعة علاقة النيابة العامة بالسلطة القضائية، حيث تعتبر بعض الآراء أنه وإن قالت بأصل النيابة العامة من كونها ذات أصل قضائي أو حكومي / إداري. فإن واقع الأمر الآن شاهد على أنها مؤسسة تضطلع بتفسير القانون، وهو أمر تختص به السلطة القضائية، فضلا عن اعتبارها أداة لحماية القانون والشرعية والسهر على تحقيق مصلحة المجتمع وحسن سير العدالة. لتشكل بذلك جزء من السلطة القضائية تتمتع باستقلال عن السلطة التشريعية، وعن السلطة التنفيذية، لأعضائها ما للقضاة من حصانات وضمانات.[30]
كما أن مسألة هذا الغياب لرئيس النيابة العامة لجلسة مناقشة تقريره السنوي لم يثر الأمر بشأنها إلا في قوانين الدول ذات التوجه الماركسي، أو الدساتير الآخذة بمبدأ " وحدة السلطة" والتي تجعل أجهزة الدولة القضائية والتنفيذية خاضعة للأجهزة التشريعية. كما الأمر في التنظيم السوفييتي سابقا، الذي كان يسيطر فيه السوفييت الأعلى (البرلمان) على كل من الهيئة التنفيذية والهيئة القضائية.
أما بالنسبة للدول التي أخذت دساتيرها بمبدأ الفصل بين السلط ومن بينها المغرب، فإن الأمر بخلاف ذلك، لا يطرح أي إشكال فعضو النيابة العامة هو رجل قضاء أولا وأخيرا، وليس عضو حكومة كما آثر البعض اعتباره، وتفريعا على مبدأ استقلال القضاء عن السلطة التشريعية وحياده الذي يقتضي ألا يخضع القاضي لغير القانون الذي يحدد اختصاصاته وولايته على الدعوى قبل وقوع الجريمة؛ فإن كل تدخل في اختصاصه بمناسبة دعوى معينة يعتبر اعتداء على استقلاله وحياده، فلا يجوز للسلطة التشريعية أن تتدخل في وظيفة النيابة العامة أو تنظيمها.
ولا تملك السلطة التشريعية حق مباشرة وظيفة النيابة العامة أو التدخل في أعمالها بل لا تملك حتى حق التدخل بما هو أقل من ذلك أهمية كنقد أعمالها، أو التعرض لقضية معروضة على النيابة العامة، شأن أعضاء النيابة العامة في ذلك شأن قضاة الحكم.
غير أن عدم التدخل هذا، لا يحول بين السلطة التشريعية وبين ممارسة حق الإشراف على شؤون النيابة العامة بطريقة غير مباشرة بواسطة سن قوانين تحدد اختصاصاتها، وتنظم طريقة تشكيلها، وشروط وإجراءات تعين أعضائها ونقلهم ... إلخ.
 ومجمل القول وغايته، إن النيابة العامة جهاز مستقل تمام الاستقلال عن السلطة التشريعية وعن الأجهزة التابعة لها، لاختلاف هذه الأجهزة عن النيابة العامة، سواء في وضعها أو سلطاتها القانونيين.[31]
وبالرجوع لأحد أهم مبدعي مبدأ فصل السلط "مونتسكيو" لما نادى في كتابه "روح القوانين" سنة 1748 بهذا المبدأ، كضمان لحماية الأفراد والجماعات من الاستبداد في ممارسة السلطة وتمركزها بيد واحدة، فإنه كان يقصد استقلال السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية ولم نجد له أي حديث عن استقلال السلطة القضائية، ناهيك عن استقلال السلطة القضائية، حيث هذا النقاش هو حديث كرسته المواثيق الدولية. نخص بالذكر معايير ميلانو، ومعايير لجنة حقوق الإنسان المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة، ثم معايير بنغالور والمعايير الدولية للميثاق العالمي للقضاء .
إلا أن النقاش لازال مستمرا بصدد اعتبار النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية أم لا، حيث صدر قرار عن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بتاريخ 16-12-2010 يقضي بأن النيابة العامة ليست سلطة قضائية، وهو القرار الذي صادقت عليه محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 15-12-2010، وبالتالي ليس من حقها حرمان أي شخص من حريته.[32]
إن هذا الوضع لا يمنع من تطوير آليات بديلة في مجال مراقبة تقييم تنفيذ السياسة الجنائية من قبل رئاسة النيابة العامة من خلال إحداث آليات لرصد وتتبع تقييمها تكون مختلطة من مختلف الفعاليات الحكومية ومدنية وحقوقية تساعد في تجويد إعداد السياسة الجنائية من قبل المشرع والذي تكون للحكومة مساهمة فعالة في إعدادها في إطار المبادرة التشريعية.
المحور الرابع: استقلال السلطة القضائية عن وزارة العدل وضرورة البحث عن المجالات المشتركة للتعاون في مجال العدالة
مع تكريس استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل، كان لا بد للمشرع أن يبحث عن إيجاد مجالات مشتركة للتعاون بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية؛
فبالعودة إلى قرار المحكمة الدستورية 89.19 ومن خلال رجوعها للفصل 89 من الدستور الذي اعتبر كقاعدة، أن الإدارة موضوعة رهن تصرف الحكومة، خلصت إلى القول : " من جهة أولى أن الإدارة القضائية، في جوانب عملها الإدارية و المالية، مجال مشترك للتعاون والتنسيق بين السلطتين التنفيذية و القضائية، و من جهة ثانية، أن الإشراف " المخول للمسؤولين القضائيين يهم التدبير و التسيير الإداري للمحاكم "، و بمفهوم المخالفة، فإن ما ينفلت من المجال المذكور لا يندرج في "الإشراف "، وإنما في السلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين، و من جهة ثالثة، أن التقارير التي يرفعها الوزير المكلف بالعدل إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، و تقييمه لعمل المسؤولين القضائيين، تنحصر موضوعاتها في الميدانين الإداري والمالي، ولا تتعداهما، ومن جهة رابعة، أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يراعي المؤهلات في الإدارة القضائية أثناء تعيين المسؤولين القضائيين أو تجديد تعيينهم".
فانطلاقا من هذا التحليل رسمت المحكمة الدستورية بدقة مجال تبعية الإدارة القضائية فيما تمارسه من اختصاصات إدارية ومالية، للوزارة المكلفة بالعدل، وهي تبعية مشروطة بضمان استقلال السلطة القضائية الممارسة من قبل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة، عبر حصر مداها في التدبير والتسيير الإداري والمالي للمحاكم.
فما هي هذه الإدارة القضائية التي اعتبرت ضمن المجال المشترك بين السلطتين القضائية والتنفيذية؟؛
  1. الإدارة القضائية
إن الحديث عن الإدارة القضائية هو حديث عن إدارة المحاكم أو إدارة العدالة باعتبارها خدمة عامة، هدفها توفير السلم الاجتماعي والمساهمة في التنمية الاقتصادية عن طريق حل النزاعات.
إذ أن ميدان العدالة يتميز بخصوصية وبتعدد المتدخلين فيه، إذ يتفرع جهاز العدالة إلى قسمين يضم كل منهما فرعين:
  • قسم أول يتعلق بالإطار ويشمل:
       مكونات العدالة الأساسية: المحاكم، القضاة، الموظفون، باقي المهن القضائية، محامون، مفوضون قضائيون...
     النظام القانوني للعدالة: التنظيم القضائي، النظام الأساسي لرجال القضاء، الأنظمة القانونية المتعلقة بالمهن القضائية.
  • قسم ثاني يتعلق بالنشاط القضائي ويشمل:
ممارسة السلطة القضائية: مساطر قضائية، أحكام قضائية.
ولذلك فإنها عندما يجري الحديث في تعريف الإدارة القضائية فإنها تعرف من خلال المعنى المرتبط بقطاع العدالة التي تساهم يوميا في إدارة العدالة: القاضي-المحامي-الخبير- المترجم-كاتب الضبط-المفوض القضائي-الموثق-العدل.
وهناك من عمل على التمييز بين إدارة شؤون القضاء والإدارة القضائية، أي التمييز بين الشؤون القضائية والمسائل الإدارية. على اعتبار أن إدارة شؤون القضاء ترتبط بالعمل القضائي في حله للنزاعات، وهي عملية يباشرها القاضي بكامل الاستقلال تبعا للمبدأ الدستوري المتعلق باستقلال السلطة القضائية. أما مفهوم الإدارة القضائية، فيرتبط بتوفير الوسائل المادية والبشرية اللازمة لعمل القاضي، وتوفير أسباب نجاح هذا العمل عن طريق التخطيط لإدارة العدالة.
ولذلك فإنه عندما يجري الحديث عن تعريف الإدارة القضائية، فإنها تعرف من خلال المهن المرتبطة بقطاع العدالة، هذه المهن التي تساهم يوميا في إدارة العدالة بواسطة: القاضي، المحامي[33].
وإذا كانت الإدارة القضائية وقبل استقلال السلطة القضائية تمارس من طرف وزارة العدل، باعتبارها القطاع الحكومي الوصي على تنفيذ سياسة الحكومة في مجال العدالة حسب المادة الثانية من المرسوم 2.22.400 الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 2022 المنظم لاختصاصات وتنظيم وزارة العدل، وكذا من خلال توفير كافة الإمكانيات المادية والبشرية وتعزيز البنيات التحتية للمحاكم وإنماء قدراتها المؤسساتية، إلا أنه مع استقلال السلطة القضائية كان لا بد من إعادة تدبير المجال المشترك المتعلق بمجال الإدارة القضائية، انطلاقا من كون الهاجس المشترك هو الرفع من فعالية ونجاعة القضاء وتعزيز الحقوق والحريات.
  1. الخريطة القضائية
ظلت الخريطة القضائية المتعلقة ببناء المحاكم منذ الاستقلال من اختصاص السلطة التنفيذية، وقد أكد ميثاق إصلاح منظومة العدالة على أهمية مراجعة الخريطة القضائية بهدف الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وجعله قريبا من المواطن بما يحقق العدالة المجالية ويستجيب للحاجيات الحقيقية التي يتطلبها مرفق العدالة، وذلك من أجل تسهيل ولوج المتقاضين للمحاكم.
وقد نص قانون التنظيم القضائي في المادة 2 منه: "تحدد الخريطة القضائية وتعين مقار محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الدرجة الثانية، وكذا دوائر اختصاصها المحلي بمرسوم، بعد استطلاع رأي المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والهيئات المهنية المعنية. يراعى عند تحديد الخريطة القضائية وتوزيع المحاكم، على الخصوص، التقسيم الإداري للمملكة وحجم القضايا والخدمات الإدارية والمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والجغرافية."
وفي هذا الإطار لابد من تسجيل المجهودات التي بذلتها وزارة العدل على مستوى إحداث مجموعة من المحاكم سواء العادية والمتخصصة، وتفعيل المراكز القضائية في إطار تقريب الخدمات الإدارية والقضائية للمرتفقين، وذلك انسجاما مع التقسيم الإداري والجهوي للمملكة.
يمكن القول إن مسار استقلال السلطة القضائية، انتقل من استقلال مؤسساتي عن السلطة التنفيذية، لينتهي إلى البحث عن مجالات للتنسيق والتعاون في إطار من الشراكة من أجل تعزيز عدالة ناجعة وفعالة، وهو ما يفرض التكامل بين السلطتين ضمن نموذج هو في طور التبلور والبناء.
المحور الخامس: الآفاق الجديدة والمستقبلية لوزارة العدل في ظل الاستقلال المؤسساتي للسلط
من خلال استعراض التطور التاريخي لاختصاصات وزارة العدل، في ضوء الخطب والرسائل الملكية السامية يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
  • ظل القضاء في جميع دساتير المملكة حكرا على مؤسسة إمارة المؤمنين باعتباره من وظائف الإمامة العظمى؛
  • اعتبر إصلاح القضاء في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني شأنا قطاعيا، كان يتولى تتبع مختلف أوراشه ومشاريعه بشكل مباشر مع وزير العدل، أما في عهد الملك محمد السادس أخذ إصلاح القضاء بعدا هيكليا وبنيويا شاملا، باعتباره سياسة عمومية تساهم فيه كل الفعاليات الحكومية والمدنية؛
  • شكلت الخطب والتعليمات الملكية الموجهة إلى وزير العدل، بمثابة خارطة طريق للإصلاح يجب الالتزام به وتنفيذه، سواء من قبل وزير العدل أو من طرف الحكومة وباقي الهيئات والمؤسسات، سواء في مجالات إصلاح منظومة العدالة أو تشجيع الاستثمار أو إصلاح مدونة الأسرة.
وأمام هذه التحولات لا بد من الوقوف على مستقبل وزارة العدل من خلال مستويين:

المستوى الأول: الإطار القانوني

 بالرجوع إلى ظهير تعيين مصطفى الرميد بتاريخ 3 يناير 2012، نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم المنظم لاختصاصات وزير العدل والحريات الصادر بتاريخ 26 يناير 2012 :      " علاوة على ذلك، يساهم في إعداد في السياسة الحكومية في مجال حماية الحريات وحقوق الإنسان والنهوض بها في مجال اختصاصه، والعمل على تتبعها وتنفيذها، بتنسيق مع القطاعات والهيئات المعنية."
وبالعودة إلى المرسوم المنظم لاختصاصات وزير العدل عبد اللطيف وهبي رقم 2.21.826 نص الفقرة الثانية من المادة الأولى منه: " .. يمارس مهمة إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها وفي مجال القانون الدولي الإنساني، وذلك بتنسيق مع القطاعات الوزارية والهيئات المعنية."؛
وبصدور المرسوم رقم 400-22-2 صادر في 21 من ربيع الأول 1444 (18 أكتوبر 2022) بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة العدل نص في المادة الأولى منه على أنه: تناط بوزارة العدل مهمة إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة في مجال العدالة بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية؛
 يستفاد من هذه النصوص أن ماهية وطبيعة عمل الوزارة لا تقتصر على إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة في مجال تحقيق عدالة فاعلة وناجعة، وإنما تسهر أيضا على الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها بالتنسيق مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان.

المستوى الثاني: الإطار الحكومي الأفقي

إن وزارة العدل وفي ظل استقلالية السلطة القضائية ومن أجل تعزيز دورها في مجال العدالة مدعوة إلى:
  •  التنسيق مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، من أجل ملاءمة جميع القوانين والتشريعات الوطنية مع الاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها بلادنا، وكذا مساهمتها في إعداد الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين من أجل تقوية مسلسل الإصلاح السياسي وضمان فعلية حقوق الإنسان بكل أجيالها وتعزيز دينامية الوعي الحقوقي، وذلك انطلاقا من مقاربة بناءة لقضايا حقوق الإنسان، باعتبارها قضايا أفقية رئيسية ومشتركة بين عدد من القطاعات.
  • تنزيل باقي المقتضيات المتعلقة بالميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، خاصة على مستوى تعزيز الحقوق والحريات، وتأهيل المهن القانونية والقضائية، ومخطط التحول الرقمي لمنظومة العدالة، وبصفة عامة كل ما يتعلق بالمخطط التشريعي للوزارة، والذي يحتاج إلى إعادة تقييمه ومراجعته من أجل إعطاء دفعة جديدة له.
وفي الأخير يمكن القول أن مستقبل وزارة العدل وبعد استقلال السلطة القضائية ومحاولة البحث في إيجاد مجالات للتعاون من أجل تحقيق عدالة في خدمة المواطن والمستثمر، وبعيدا عن منطق الاستفراد بأقصى حد من الصلاحيات لا بد من توضيح ما يلي:
  • إن وزارة العدل لم تأخذ يوما شيئا من صلاحيات السلطة القضائية لتحاول هذه الأخيرة استعادتها، وإنما كانت في إطار توجهات الدولة وتنزيلا لدساتير المملكة على مستوى توزيع وتنظيم السلط؛
  • إن مستقبل وزارة العدل يجب النظر إليه من زاوية اختيارات الدولة المبنية على الشرعية الدستورية وكذا المشرع باعتباره الممثل الأسمى للأمة.
 
[1] - محمد النجاري: استقلال القضاء، السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق، المجلد الأول، الأعمال التحضيرية للمناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 3، الطبعة الثانية: 2004، ص.475-476.
[2] - رشيد صدوق: استراتيجية تنمية العدالة في المغرب، طبع دار النشر المغربية، طبعة 2013، ص. 322.
[3] - رشيد صدوق: نفس المرجع، نفس الصفحة.
[4] - محمد النجاري: استقلال القضاء، السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق، نفس المرجع السابق، ص.473.
[5]- هاشم العلوي: المجلس الأعلى للقضاء في ضوء التشريع المغربي والمقارن، افريقيا الشرق، 1988، ص.12.
[6] - عبد الرحمن جمجامة: القضاء والقانون في الخطاب الملكي 1956-1996، من وحدة القضاء وازدواجية القانون إلى ازدواجية القضاء والقانون، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة نصوص ووثائق عدد: 16، الطبعة الأولى، 1997. ص.25.
[7] - عبد الرحمن جمجامة: نفس المرجع، ص. 30.
[8] - عبد الرحمن جمجامة: القضاء والقانون في الخطاب الملكي 1956-1996، نفس المرجع السابق، ص. 33.
[9] -هاشم العلوي: المجلس الأعلى للقضاء في ضوء التشريع المغربي والمقارن، نفس المرجع السابق: ص. 14.
[10] -هشام العلوي: نفس المرجع، ص. 23.
 
[11] -النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء، منشورات وزارة العدل، سلسلة الدلائل والشروح القانونية، مطبعة فضالة، المحمدية، الطبعة الأولى: 2000، ص.12-13.
[12] - عبد الرحمن جمجامة، القضاء والقانون في الخطاب الملكي، نفس المرجع السابق: ص. 52.
[13] - عبد الرحمن جمجامة: القضاء والقانون في الخطاب الملكي 1956-1996، نفس المرجع، ص. 73.
[14] - عبد الرحمن جمجامة: نفس المرجع، ص. 79.
[15] - عبد الرحمن جمجامة: القضاء والقانون في الخطاب الملكي 1956-1996 ، نفس المرجع السابق. ص. 80-81.
[16] - عبد الرحمن جمجامة، نفس المرجع السابق: ص. 88.
[17] - عبد الرحمن جمجامة، نفس المرجع السابق: ص. 89.
[18] - فاطمة الزهراء هيرات، إصلاح القضاء في الخطابات الملكية، على الموقع الالكتروني، https://almadal2idaria.blogspot.com/.
[19] - الأستاذ المصطفى الرميد، مستجدات قانون التنظيم القضائي الجديد، منشور على الموقع الالكتروني، https://alyaoum24.com/.
 
[20] - الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية، منشورات مجلس النواب، ص.29،  منشور على الموقع الالكتروني: https://www.chambredesrepresentants.ma/
[21] - محمد البغدادي، السياسة القضائية على ضوء المقتضيات الدستورية والتشريعية الراهنة، منشور على الموقع الالكتروني:
https://www.droitetentreprise.com/
[22] - د. مولاي هشام المراني، المتدخلون في صنع السياسات العامة في المغرب، مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل، المجلد الرابع، العدد الثامن، ماي 2020، ص. 278-279.
[23] - عبد الكريم طبيح، دور الدفاع ومساعدي القضاء في تحسين أداء العدالة الجنائية، السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق، المجلد الثاني: أشغال المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004، الطبعة الأولى، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 4، 2005، ص.466-467.
[24] - السيد الطيب الشرقاوي، السياسة الجنائية: مفهومها وآليات وضعها وتنفيذها والخطوط العريضة للسياسة الجنائية القائمة بالمغرب، السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق، المجلد الثاني: أشغال المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004، الطبعة الأولى، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 4، 2005، ص.32.
 
[25] - عبد الكريم طبيح، دور الدفاع ومساعدي القضاء في تحسين أداء العدالة الجنائية، نفس المرجع السابق، ص. 466-467.
[26] - عبد الكريم طبيح، دور الدفاع ومساعدي القضاء في تحسين أداء العدالة الجنائية، نفس المرجع السابق، ص. 471 إلى 473 بتصرف.
[27] - محمد عبد النباوي، تأملات في السياسة الجنائية بالمغرب، السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق، المجلد الأول، الأعمال التحضيرية للمناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 3، الطبعة الثانية: 2004، ص. 122.
[28] - السيد الطيب الشرقاوي، السياسة الجنائية: مفهومها وآليات وضعها وتنفيذها والخطوط العريضة للسياسة الجنائية القائمة بالمغرب، السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق، المجلد الثاني: أشغال المناظرة الوطنية التي نظمتها وزارة العدل بمكناس أيام 9 و 10 و 11 دجنبر 2004، الطبعة الأولى، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 4، 2005، ص.32.
[29] - ذ.عبد العالي الصافي: السياسة الجنائية بالمغرب وسؤال حقوق الإنسان، منشور على الموقع الالكتروني: https://elmassae24.ma.
[30] - محمد بنعليلو، " واقع عمل النيابة العامة في المغرب بين الممارسة القضائية وضمان الحقوق والحريات" دراسة منشورة في موقع المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة، ص. 22، منشورة على الموقع الالكتروني: http://www.sajplus.com/.
 
[31] - محمد بنعليلو: واقع عمل النيابة العامة في المغرب بين الممارسة القضائية وضمان الحقوق والحريات، نفس المرجع السابق. ص.21-22.
[32]-  ذ.عبد العالي الصافي: السياسة الجنائية بالمغرب وسؤال حقوق الإنسان، نفس المرجع.
 
[33] -عبد المجيد غميجة: تحديث الإدارة القضائية وجودة خدمات العدالة، مدونة المنبر القانوني، ص.117.
  
 



الجمعة 20 سبتمبر 2024
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter