الأصل في الإدارة أنها لا تملك حرية مطلقة، في إصدار القرارات الإدارية وإنما تقيد إرادتها بسبب يبرر القرار الذي تصدره، وبغاية الصالح العام الذي يجب أن تتوخاه في إصداره.[1]
وقد قسم الاجتهاد القضائي للقضاء الإداري، لاسيما اجتهاد الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عيب الانحراف في استعمال السلطة إلى ثلاثة صور يمكن إجمالها في ثلاث:
1- حالة الانحراف لغاية تخالف المصلحة العامة وتتعلق بالرقابة على الهدف أو تحويل السلطة (المطلب الأول).
2-حالة الانحراف لأغراض تخالف مبدأ تخصيص الأهداف، وتنصب على الرقابة على تحويل السلطة مصلحة شخصية غير المصلحة المقصودة من القرار (المطلب الثاني).
3-حالة الانحراف بالمسطرة أو الإجراءات المتبعة لإصدار القرار الإداري المطعون فيه، وتتعلق بالرقابة على تحويل المسطرة (المطلب الثالث).
المطلب الأول
مراقبة الهدف أو تحويل السلطة
إذا كان القرار الإداري يسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، فإن عيب الغاية يؤدي بالانحراف في إطارها لتحقيق غرض غير مشروع، حيادا على المصلحة العامة أو على الأقل تحقيق أهداف غير الهدف المحدد قانونا، حتى ولو كانت تلك الأهداف تدخل ضمن إطار المصلحة العامة.
ويقصد به أن تصدر الإدارة قرارا إداريا يدخل في إطار الاختصاصات المخولة لها، وتستخدم سلطتها لتحقيق غرض غير مشروع، أو منفعة غير إدارية بمن صدر في حقه المقرر الإداري، لتحقق بذلك أغراضا شخصية حيادا على المصلحة العامة.
ويأخذ هذا العيب مظهر مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف واستعمال المصلحة العامة مطية لتحقيق أغراض شخصية، ويقع دليل إثبات الانحراف في استعمال السلطة على عاتق المتمسك به الذي يمكن إثباته بجميع الوسائل القانونية.
والقرار الإداري ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة يستهدف منها تحقيق الغايات والأهداف والمصالح العامة للمجتمع.
ويعرف الفقه الإداري عيب الانحراف في استعمال السلطة بأنه تصرف إداري يقع من السلطة المصدرة للقرار الإداري بإفصاحها عن الغرض الذي قصد القانون تحقيقه، بحيث يعبر عن الرغبة الشخصية لمصدر القرار، ولو كان يقصد من ذلك تحقيق المصلحة العامة.
ويعتبر عيب الانحراف في استعمال السلطة من العيوب التي نصت عليها المادة 20 من القانون 41 -90 المحدث للمحاكم الإدارية والمادة 359 من قانون المسطرة المدنية، ويفهم من هذا التعريف في نطاق القرارات الإدارية للهيئات الناظمة أنه إذا حادت عن الهدف العام الذي رسمه المشرع، أو حادت عن الهدف الخاص الذي تباشر من أجله سلطة معينة، وذلك أثناء كل مرحلة من مراحل سريان المسطرة والإجراءات الإدارية. فهو إذن عيب متصل بالهدف وبالغاية من إصدار القرار الإداري التي يهدف إلى تحقيقها المشرع، وهو ما يعرف عند الفقه الإداري بالخروج عن قاعدة تخصيص الأهداف.
ويتأكد القاضي الإداري بمناسبة الطعن أمامه في قرار إداري مشوب بعيب الانحراف في استعمال السلطة، أولا من مدى وجود بواعث الانحراف، أو الدوافع الشخصية التي تحمل السلطة الإدارية على الخروج عن الهدف أو الغاية التي حددها المشرع، ويقع على عاتق الطاعن إثبات هذه البواعث والدوافع الشخصية.
وهكذا جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 3-5-1969"إن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هما من العيوب القصدية في السلوك الإداري، قوامها أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة، أو الانحراف بها، فعيب إساءة استعمال السلطة الذي يبرر إلغاء القرار الإداري أو التعويض عنه، يجب أن يشوب الغاية منه ذاتها، بأن تكون جهة الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يبتغيها القرار، أو أن تكون قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة، وعلى هذا الأساس فإن عيب إساءة استعمال السلطة، يجب إقامة الدليل عليه، لأنه لا يفترض، ولم يقم هذا الدليل".[2]
المطلب الثاني
مخالفة مبدأ تخصيص الأهداف
يشمل هذا العيب الذي يصيب القرار الإداري في غايته تحويل أهداف القرار صورتين أولاهما في اتجاه مصالح شخصية تجانب المصلحة العامة،وثانيهما تحوير المصلحة المستهدفة في نطاق المصلحة العامة إلى مصلحة أخرى غير مقصودة بذاتها من القرار الإداري.
الفقرة الأولى: تحويل السلطة لمصلحة شخصية تجانب المصلحة العامة
في بعض الأحيان قد تستغل الهيئة الإدارية صلاحياتها، وبخاصة الصلاحية التقديرية المنوحة لها بموجب القوانين والأنظمة، لتحقيق مآرب وغايات بعيدة عن المصلحة العامة، حيث تنحرف بصلاحياتها عن تلك المصلحة، مما يظهر عيب الانحراف بالسلطة،[3] بحيث يتنكر مصدر القرار الإداري بوصفه رجل الإدارة للالتزام المفروض عليه بتحقيق المصلحة العامة في كل تصرفاته، وينأى عنها بعيدا، وذلك بتوجيه إرادته المعتمدة نحو تحقيق أغراض بعيدة عن الصالح العام، ويعد من أسوأ صور الانحراف بالسلطة.[4]
ويكون الانحراف بسبب مصلحة أو باعث شخصي لمصدر القرار الإداري ، عندما تكون هناك مصلحة شخصية لمصدر القرار في إصدار قرار إداري، وكذلك أيضا الضغط المعنوي الذي يباشره الرئيس الإداري على أعضاء المجلس أو الهيئة الإدارية، بهدف إقناعهم جميعا بأن المخالفة المرتكبة لا تستحق سوى سحب الترخيص، يعد قرينة على تحامل الرئيس الإداري على المخالف، ومعلوم أن إثبات الباعث أو الدافع الشخصي في القرارات الإدارية شيء معنوي يصعب التثبت منه، ولا يمكن كشفه إلا ببعض مظاهر السلوك الخارجي لصاحبه وبشكل يقيني ومؤكد.[5]
الفقرة الثانية: تحويل السلطة خلاف المصلحة المستهدفة
ويتمثل الانحراف بالسلطة لأغراض تخالف تخصيص الأهداف، عندما يلجأ المشرع وفق قاعدة تخصيص الأهداف إلى ربط قرار إداري بمصلحة عامة محددة، إلا أن الهيئة الناظمة بوصفها سلطة إدارية قد تلجأ إلى تحقيق مصلحة عامة أخرى غير المصلحة التي حددها المشرع، فتكون بذلك قد انحرفت عن المصلحة العامة التي يتوخاها المشرع، ولا يشترط في ذلك سوء النية.[6]
ويشبه عيب الانحراف في استعمال السلطة الذي يصيب ركن الغاية في القرار الإداري إلى حد بعيد بعيب مخالفة القانون الذي يصيب القرار الإداري في ركن المحل.
وقد وضع الفقه والقضاء الإداريان معيارا دقيقا للتمييز بينها ويتجلى في مدى حسن أو سوء نية مصدر القرار الإداري: فإذا كان عيب الانحراف في استعمال السلطة يعيب القرار الإداري من حيث أن الهيئة المصدرة له كسلطة إدارية تقوم بالخروج عن روح القانون وغاياته وأهدافه، وذلك بتسخير سلطة ما لأجل تحقيق أغراض ومآرب بعيدة عن الصالح العام، ولكن بسوء نية لباعث أو دافع شخصي أو سياسي أو نقابي لمصدر القرار، فإنه وخلافا لذلك، يكون عيب القرار الإداري هو مخالفة القانون إذا كانت الهيئة الناظمة بوصفها سلطة إدارية حسنة النية، وسليمة الطوية، وهدفها هو تحقيق الصالح العام، ولكن قد تنساق في تكوين قناعتها وراء سوء تقدير أو معلومات أو بيانات أو تقارير خاطئة، فيكون القرار الإداري الإداري قد أسس على وقائع غير صحيحة أو مدلس فيها .
المطلب الثالث
تحويل المسطرة
يتم الانحراف في الإجراءات أو المسطرة، غالبا عندما تسعى الإدارة إلى تحقيق غاية معينة غير الغاية المعلن عنها، لأن الغاية الحقيقية تتطلب اتباع إجراءات معقدة وطويلة، كأن تقوم بسحب الترخيص، وهي إجراءات معقدة، غير أنها قد تفضل تغريم المخالف ليسر وسرعة المسطرة بالمقارنة مع أخرى.
فالسلطة الإدارية تحل إجراء مغايرا للإجراء القانوني، وهي تفعل ذلك إما استبعادا لقواعد الاختصاص أو للتخلص من شكلية تقيدها[7] أو لتوفير وقت وأموال شخص القانون العام.[8]
وهكذا في لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط "إن تزامن طلب الطاعن الرامي إلى ممارسة حق نقابي باعتباره الكاتب العام للنقابة ، مع قرار النقل المتخذ في حقه يجعل هذا الأخير متسما بتجاوز السلطة لعيب الانحراف باعتباره قرارا تأديبيا في حقيقته رغم أنه مغلف ظاهريا بالمصلحة العامة "[9].
وجاء في قرار للغرفة الإدارية بمحكمة النقض صادر بتاريخ 30 يناير 1970 "إن الإدارة تكون قد أخفت المضمن الحقيقي للمقرر المطعون فيه وراء الزيادة غير المشروعة في الأسعار، بسلوكها مسطرة العقوبة الإدارية التي خصصها القانون، لغاية غير التي توختها الإدارة في هذه النازلة، بغية تجنب المسطرة القضائية وإلغاء بعض الضمانات، ولهذا يتعرض للبطلان القرار القاضي بعقوبة إدارية، بناء على مسطرة غير الواجب سلوكها".[10]
وفي نفس الاتجاه جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 11-10-2012"عدم إدلاء الإدارة المدعى عليها بمحضر إثبات مخالفة المحل للشروط الصحية لتمارس المحكمة رقابتها عليها_ ولا بما يفيد إعذار الطاعن -، لاسيما وأن المحل يعمل لمدة عشرين سنة حسب الثابت من شهادة السجل التجاري، يجعل المقرر الإداري مبنيا على سبب غير موجود، ومنتهكا لحقوق الدفاع، فضلا عن أن الإدارة تكون قد أخفت المضمن الحقيقي للمقرر المطعون فيه وراء مقرر إغلاق المحل بسلوكها مسطرة إغلاق المحل لأسباب مرتبطة بالصحة العامة التي خصصها القانون لغاية غير التي توختها الإدارة في هذه النازلة لارتباط الشكاية ولجنة المعاينة والإعذار الموجه للطاعن في حقيقة الواقع بمخالفة قانون التعمير، بغية تجنب المسطرة القضائية، وإلغاء بعض الضمانات ".[11]
والملاحظ أن نذرة تطبيق عيب الانحراف، يرتد مرجعه، إلى كونه عيبا احتياطيا صعب الإثبات، جعل من السلطة التقديرية المجال الخصب لالتجاء القضاء إلى عيب الغاية، لأنه يعتبر العيب الملائم دائما للسلطة التقديرية التي يجب أن تمارسها جهة الإدارة بمعيار موضوعي يتفق مع روح القانون، الأمر الذي يخول للقضاء الإداري تحري بواعث للعمل وملابساته وأسبابه، وفرض رقابته على كل ذلك للوقوف على الهدف الحقيقي الذي تنشده الإدارة من قرارها، وما إذا كان حقا قد رمت به وجه المصلحة العامة أو تنكبت السبيل وانحرفت عن الغاية.[12]
ووفقا لما استقر عليه القضاء الإداري، فإن عيب إساءة استعمال السلطة لا يفترض، ومن ثم يتعين على المدعي أن يقيم الدليل عليه، ولما كان هذا العيب يكمن في نوايا الجهة الإدارية الناظمة مصدرة القرار ومقاصدها، فإن ذلك عسير الإثبات، وعليه يتلمس القاضي الدليل على وجود هذا العيب في القرار المطعون فيه ذاته أو في ملف الدعوى، فكثيرا ما تكشف الأوراق التي يضمها هذا الملف عن الأغراض التي هدفت الإدارة إلى تحقيقها بإصدار القرار، كالمناقشات المكتوبة، والمحاضر المسجلة، والمراسلات المتبادلة والتعليمات الموجهة، وغير ذلك من أوراق ومستندات من شأنها المساعدة في كشف النوايا الحقيقية، ومن غير شك فإن تقدير قوة الدليل أمر موكول إلى المحكمة.
وقد أردك القضاء الإداري بخبرته أن المدعي لو ترك وشأنه اعتمادا على ملف الدعوى فإنه سوف ينوء حتما بعبئ الإثبات، فباستثناء حالة اعتراف الإدارة بخطئها وهي حالة ناذرة تماما، وكذلك حالة ما إذا أعلنت الإدارة عن هدفها من القرار الإداري، الذي أخضعه المشرع لقاعدة تخصيص الأهداف، وكان الغرض المعلن مخالفا للهدف المنصوص عليه قانونا، فمن المؤكد أن المدعي سيلقى صعوبة بالغة في إثبات العيب.
وعليه، فإنه انطلاقا من حرص القضاء الإداري على إعلاء المشروعية فإنه تجاوز"ملف الدعوى" في مجال إثبات عيب الغاية، إلى غيره من الأدلة التي يمكن للمدعي تقديمها، وهي مجموعة قرائن من شأنها التشكيك في نوايا الإدارة وسلامة غايتها من وراء إصدار القرار، بحيث ينتقل عبئ إثبات عكس هذه القرائن إلى عاتق الإدارة ذاتها، فإذا سكتت أو لم تقدم الإجابة الشافية التي تقنع القاضي، اعتبر ذلك منها تسليما بطلبات المدعي، وبذلك قضت محكمة القضاء الإداري المصري بأن لها "أن تقدر امتناع الوزارة عن نقض القرائن التي يقدمها المدعي للتدليل على أن القرار لا يمت إلى المصلحة العامة، وتعقب عليه بما تستنتجه من أوراق الدعوى".[13]
ومن أهم القرائن التي يعتمدها القضاء الإداري في إثبات عيب الانحراف في استعمال السلطة:
1-الظروف المحيطة بإصدار القرار الإداري وكيفية تنفيذه؛
2-انعدام الدافع المعقول المؤسس عليه القرار الإداري لعدم وجود رابطة بين السبب والغاية في القرار الإداري ،وهي قرينة لإثبات عيب الانحراف في استعمال السلطة؛
3-التمييز والمحاباة بين الأشخاص في خرق واضح لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص رغم تمثل المراكز القانونية؛
لاشك أن انعدام السبب المبرر للقرار الإداري وانطواء تصرف الإدارة على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر دون مسوغ مقنع وأساس من الصالح العام هو صورة من صور مشوبة القرار الإداري بالانحراف.[14] لذلك يعتبر مجرد المحاباة في المعاملة ولو لم تنطو على إخلال بمبدأ المساواة لاختلاف الظروف كافيا لإلغاء القرار لذات العيب.[15]
4-عدم الملاءمة الظاهرة للقرار الإداري استنادا لفكرة الخطأ الظاهر في التقدير أو تطبيقا لنظرية الغلو في استعمال السلطة التقديرية.
والسؤال الذي يثار هنا هل ممارسة السلطة التقديرية من قبل الهيئات والسلطات الإدارية يعتبر خروجا على مبدأ المشروعية، أم أن الإدارة تمارس هذه السلطة ضمن حدود وإطار المشروعية؟
الواقع إن ليس هناك من تعارض بين السلطة التقديرية وبين مبدأ المشروعية، ذلك أن مقتضى هذا المبدأ هو خضوع الإدارة للقواعد القانونية مهما كان مصدرها ،فالإدارة عندما تمارس سلطتها فإنها تكون مرخصة بذلك من قبل المشرع،وتتصرف في الحدود التي يرسمها لها ويأتي دور مبدأ المشروعية هنا ليفرض على الإدارة عند ممارستها للسلطة التقديرية احترام الترخيص المعطى لها من المشرع والحدود والأطر والقواعد التي رسمها لها.
الهوامش
[1] - حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد97، الصادر بتاريخ 20 فبراير 2002، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 46، شتنبر –أكتوبر 2002 ص 201.
[2]- مجدي محمود محب حافظ: مرجع سابق ص 2405.
[3] - عمر عبد الرحمان البوريني: عيب الانحراف بالسلطة، مجلة الحقوق الكويتية العدد الرابع السنة 31، ديسمبر 2007 ص 395.
[4] - مليكة الصروخ: مرجع سابق الصفحة 330 ، وهكذا جاء في حكم المحكمة الإدارية بمراكش إن إصدار عقوبة تأديبية في حق موظف، ثم إردافها بعد مضي يوم واحد من تاريخ استئنافه لعمله بقرار نقله لأجل المصلحة العامة دون سبب مصلحي حقيقي، يدل بوضوح على انحراف الإدارة في استعمال سلطتها مما يتعين معه التصريح بإلغاء القرار المطعون فيه حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 433 بتاريخ 922/2004 ، مقال منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 61 سنة 2005ص129.
[5] - جاء في حيثيات قرار محكمة النقض عدد77 بتاريخ 19/06/1967 ،مجلة قضاء المجلس الأعلى، ص 102 " حيث يستفاد من أوراق الملف أن تشكيلة المجلس تشمل موظفا يمكن تحيزه و تأثيره في نزاهة المداولات التي جرت في شأن العقوبة المتخذة في حق الطاعن"
- سليمان الطماوي: القضاء الإداري قضاء الإلغاء، مرجع سابق، ص 845.[6]
[7]- ومثال ذلك ما جاء في قرار للغرفة الإدارية بمحكمة النقض صادر بتاريخ 12-2-1998"قرار الإعفاء من المسؤولية ووضع حد للتكليف بمهمة لا يعتبر مبدئيا عقوبة من العقوبات التي يمكن اتخاذها في حق موظف عمومي إلا إذا ثبت أن الإدارة قد اتخذت المقرر المذكور للتحايل على عقوبة كان من المفروض أن تتخذها في حق موظفها الذي نسب إليه مخالفات عدبدة دون أن يمكنه من الضمانات الكافية وخصوصا إحالته على المجلس التأديبي"قرار عدد 95 ،المنتقى من عمل القضاء في المنازعات الإدارية ،مرجع سابق ص 47.
[8] - محمد عبد الحميد مسعود: إشكاليات رقابة القضاء على مشروعية قرارات الضبط الإداري، الطبعة الأولى 2007 ص 691 .
[9] القرار عدد 1299 بتاريخ 19/11/2008 في الملف رقم 176/07/5،المنتقى من عمل القضاء في المنازعات الإدارية،مرجع سابق ص35.
[10] - قرارات المجلس الأعلى الغرفة الإدارية 1966-1970 ص 214.
[11] - ملف عدد 84-5-2012، حكم غير منشور.كما جاء في حكم لها صادر بتاريخ 3-1-2013"ثبوت حالة التغيب المبررة قانونا يترتب عنه بطلان مسطرة ترك الوظيفة لعدم انطباقها على واقعة المرض المبرر قانونا ،لكون سلوك الإدارة مسطرة الفصل 75 المذكور بدل الفصل 42 من نفس القانون الذي يخول الإدارة حق المراقبة والثتبت من الحالة الصحية ومدى استمراريتها لترتب عليها الأثر القانوني اللازم بحسب طبيعة المرض ودرجته وتأثيره على الوظيفة لا سيما مع إقرارها بالطبيعة المؤقتة للغياب حسب محضر الانقطاع يجعل القرار الإداري المطعون فيه متسما بالانحراف في استعمال السلطة في الجانب المتعلق بتحويل المسطرة بكيفية غير مشروعة حيادا على الضوابط القانونية"ملف عدد 98-5-2012،حكم غير منشور.
[12] حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 11--6-1972 قضية عدد 1154 لسنة 14ق، المجموعة السنة 17 ص 556.
[13] - ذكره: سامي جمال الدين،مرجع سابق ص 227.
[14] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 26-11-1966 قضية 1362 لسنة 10ق، المجموعة السنة 12ص 282.
[15] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 20-6-1953 قضية 218 لسنة4ق، المجموعة السنة 7ص 1827.
وقد قسم الاجتهاد القضائي للقضاء الإداري، لاسيما اجتهاد الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عيب الانحراف في استعمال السلطة إلى ثلاثة صور يمكن إجمالها في ثلاث:
1- حالة الانحراف لغاية تخالف المصلحة العامة وتتعلق بالرقابة على الهدف أو تحويل السلطة (المطلب الأول).
2-حالة الانحراف لأغراض تخالف مبدأ تخصيص الأهداف، وتنصب على الرقابة على تحويل السلطة مصلحة شخصية غير المصلحة المقصودة من القرار (المطلب الثاني).
3-حالة الانحراف بالمسطرة أو الإجراءات المتبعة لإصدار القرار الإداري المطعون فيه، وتتعلق بالرقابة على تحويل المسطرة (المطلب الثالث).
المطلب الأول
مراقبة الهدف أو تحويل السلطة
إذا كان القرار الإداري يسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، فإن عيب الغاية يؤدي بالانحراف في إطارها لتحقيق غرض غير مشروع، حيادا على المصلحة العامة أو على الأقل تحقيق أهداف غير الهدف المحدد قانونا، حتى ولو كانت تلك الأهداف تدخل ضمن إطار المصلحة العامة.
ويقصد به أن تصدر الإدارة قرارا إداريا يدخل في إطار الاختصاصات المخولة لها، وتستخدم سلطتها لتحقيق غرض غير مشروع، أو منفعة غير إدارية بمن صدر في حقه المقرر الإداري، لتحقق بذلك أغراضا شخصية حيادا على المصلحة العامة.
ويأخذ هذا العيب مظهر مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف واستعمال المصلحة العامة مطية لتحقيق أغراض شخصية، ويقع دليل إثبات الانحراف في استعمال السلطة على عاتق المتمسك به الذي يمكن إثباته بجميع الوسائل القانونية.
والقرار الإداري ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة يستهدف منها تحقيق الغايات والأهداف والمصالح العامة للمجتمع.
ويعرف الفقه الإداري عيب الانحراف في استعمال السلطة بأنه تصرف إداري يقع من السلطة المصدرة للقرار الإداري بإفصاحها عن الغرض الذي قصد القانون تحقيقه، بحيث يعبر عن الرغبة الشخصية لمصدر القرار، ولو كان يقصد من ذلك تحقيق المصلحة العامة.
ويعتبر عيب الانحراف في استعمال السلطة من العيوب التي نصت عليها المادة 20 من القانون 41 -90 المحدث للمحاكم الإدارية والمادة 359 من قانون المسطرة المدنية، ويفهم من هذا التعريف في نطاق القرارات الإدارية للهيئات الناظمة أنه إذا حادت عن الهدف العام الذي رسمه المشرع، أو حادت عن الهدف الخاص الذي تباشر من أجله سلطة معينة، وذلك أثناء كل مرحلة من مراحل سريان المسطرة والإجراءات الإدارية. فهو إذن عيب متصل بالهدف وبالغاية من إصدار القرار الإداري التي يهدف إلى تحقيقها المشرع، وهو ما يعرف عند الفقه الإداري بالخروج عن قاعدة تخصيص الأهداف.
ويتأكد القاضي الإداري بمناسبة الطعن أمامه في قرار إداري مشوب بعيب الانحراف في استعمال السلطة، أولا من مدى وجود بواعث الانحراف، أو الدوافع الشخصية التي تحمل السلطة الإدارية على الخروج عن الهدف أو الغاية التي حددها المشرع، ويقع على عاتق الطاعن إثبات هذه البواعث والدوافع الشخصية.
وهكذا جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 3-5-1969"إن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هما من العيوب القصدية في السلوك الإداري، قوامها أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة، أو الانحراف بها، فعيب إساءة استعمال السلطة الذي يبرر إلغاء القرار الإداري أو التعويض عنه، يجب أن يشوب الغاية منه ذاتها، بأن تكون جهة الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يبتغيها القرار، أو أن تكون قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة، وعلى هذا الأساس فإن عيب إساءة استعمال السلطة، يجب إقامة الدليل عليه، لأنه لا يفترض، ولم يقم هذا الدليل".[2]
المطلب الثاني
مخالفة مبدأ تخصيص الأهداف
يشمل هذا العيب الذي يصيب القرار الإداري في غايته تحويل أهداف القرار صورتين أولاهما في اتجاه مصالح شخصية تجانب المصلحة العامة،وثانيهما تحوير المصلحة المستهدفة في نطاق المصلحة العامة إلى مصلحة أخرى غير مقصودة بذاتها من القرار الإداري.
الفقرة الأولى: تحويل السلطة لمصلحة شخصية تجانب المصلحة العامة
في بعض الأحيان قد تستغل الهيئة الإدارية صلاحياتها، وبخاصة الصلاحية التقديرية المنوحة لها بموجب القوانين والأنظمة، لتحقيق مآرب وغايات بعيدة عن المصلحة العامة، حيث تنحرف بصلاحياتها عن تلك المصلحة، مما يظهر عيب الانحراف بالسلطة،[3] بحيث يتنكر مصدر القرار الإداري بوصفه رجل الإدارة للالتزام المفروض عليه بتحقيق المصلحة العامة في كل تصرفاته، وينأى عنها بعيدا، وذلك بتوجيه إرادته المعتمدة نحو تحقيق أغراض بعيدة عن الصالح العام، ويعد من أسوأ صور الانحراف بالسلطة.[4]
ويكون الانحراف بسبب مصلحة أو باعث شخصي لمصدر القرار الإداري ، عندما تكون هناك مصلحة شخصية لمصدر القرار في إصدار قرار إداري، وكذلك أيضا الضغط المعنوي الذي يباشره الرئيس الإداري على أعضاء المجلس أو الهيئة الإدارية، بهدف إقناعهم جميعا بأن المخالفة المرتكبة لا تستحق سوى سحب الترخيص، يعد قرينة على تحامل الرئيس الإداري على المخالف، ومعلوم أن إثبات الباعث أو الدافع الشخصي في القرارات الإدارية شيء معنوي يصعب التثبت منه، ولا يمكن كشفه إلا ببعض مظاهر السلوك الخارجي لصاحبه وبشكل يقيني ومؤكد.[5]
الفقرة الثانية: تحويل السلطة خلاف المصلحة المستهدفة
ويتمثل الانحراف بالسلطة لأغراض تخالف تخصيص الأهداف، عندما يلجأ المشرع وفق قاعدة تخصيص الأهداف إلى ربط قرار إداري بمصلحة عامة محددة، إلا أن الهيئة الناظمة بوصفها سلطة إدارية قد تلجأ إلى تحقيق مصلحة عامة أخرى غير المصلحة التي حددها المشرع، فتكون بذلك قد انحرفت عن المصلحة العامة التي يتوخاها المشرع، ولا يشترط في ذلك سوء النية.[6]
ويشبه عيب الانحراف في استعمال السلطة الذي يصيب ركن الغاية في القرار الإداري إلى حد بعيد بعيب مخالفة القانون الذي يصيب القرار الإداري في ركن المحل.
وقد وضع الفقه والقضاء الإداريان معيارا دقيقا للتمييز بينها ويتجلى في مدى حسن أو سوء نية مصدر القرار الإداري: فإذا كان عيب الانحراف في استعمال السلطة يعيب القرار الإداري من حيث أن الهيئة المصدرة له كسلطة إدارية تقوم بالخروج عن روح القانون وغاياته وأهدافه، وذلك بتسخير سلطة ما لأجل تحقيق أغراض ومآرب بعيدة عن الصالح العام، ولكن بسوء نية لباعث أو دافع شخصي أو سياسي أو نقابي لمصدر القرار، فإنه وخلافا لذلك، يكون عيب القرار الإداري هو مخالفة القانون إذا كانت الهيئة الناظمة بوصفها سلطة إدارية حسنة النية، وسليمة الطوية، وهدفها هو تحقيق الصالح العام، ولكن قد تنساق في تكوين قناعتها وراء سوء تقدير أو معلومات أو بيانات أو تقارير خاطئة، فيكون القرار الإداري الإداري قد أسس على وقائع غير صحيحة أو مدلس فيها .
المطلب الثالث
تحويل المسطرة
يتم الانحراف في الإجراءات أو المسطرة، غالبا عندما تسعى الإدارة إلى تحقيق غاية معينة غير الغاية المعلن عنها، لأن الغاية الحقيقية تتطلب اتباع إجراءات معقدة وطويلة، كأن تقوم بسحب الترخيص، وهي إجراءات معقدة، غير أنها قد تفضل تغريم المخالف ليسر وسرعة المسطرة بالمقارنة مع أخرى.
فالسلطة الإدارية تحل إجراء مغايرا للإجراء القانوني، وهي تفعل ذلك إما استبعادا لقواعد الاختصاص أو للتخلص من شكلية تقيدها[7] أو لتوفير وقت وأموال شخص القانون العام.[8]
وهكذا في لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط "إن تزامن طلب الطاعن الرامي إلى ممارسة حق نقابي باعتباره الكاتب العام للنقابة ، مع قرار النقل المتخذ في حقه يجعل هذا الأخير متسما بتجاوز السلطة لعيب الانحراف باعتباره قرارا تأديبيا في حقيقته رغم أنه مغلف ظاهريا بالمصلحة العامة "[9].
وجاء في قرار للغرفة الإدارية بمحكمة النقض صادر بتاريخ 30 يناير 1970 "إن الإدارة تكون قد أخفت المضمن الحقيقي للمقرر المطعون فيه وراء الزيادة غير المشروعة في الأسعار، بسلوكها مسطرة العقوبة الإدارية التي خصصها القانون، لغاية غير التي توختها الإدارة في هذه النازلة، بغية تجنب المسطرة القضائية وإلغاء بعض الضمانات، ولهذا يتعرض للبطلان القرار القاضي بعقوبة إدارية، بناء على مسطرة غير الواجب سلوكها".[10]
وفي نفس الاتجاه جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 11-10-2012"عدم إدلاء الإدارة المدعى عليها بمحضر إثبات مخالفة المحل للشروط الصحية لتمارس المحكمة رقابتها عليها_ ولا بما يفيد إعذار الطاعن -، لاسيما وأن المحل يعمل لمدة عشرين سنة حسب الثابت من شهادة السجل التجاري، يجعل المقرر الإداري مبنيا على سبب غير موجود، ومنتهكا لحقوق الدفاع، فضلا عن أن الإدارة تكون قد أخفت المضمن الحقيقي للمقرر المطعون فيه وراء مقرر إغلاق المحل بسلوكها مسطرة إغلاق المحل لأسباب مرتبطة بالصحة العامة التي خصصها القانون لغاية غير التي توختها الإدارة في هذه النازلة لارتباط الشكاية ولجنة المعاينة والإعذار الموجه للطاعن في حقيقة الواقع بمخالفة قانون التعمير، بغية تجنب المسطرة القضائية، وإلغاء بعض الضمانات ".[11]
والملاحظ أن نذرة تطبيق عيب الانحراف، يرتد مرجعه، إلى كونه عيبا احتياطيا صعب الإثبات، جعل من السلطة التقديرية المجال الخصب لالتجاء القضاء إلى عيب الغاية، لأنه يعتبر العيب الملائم دائما للسلطة التقديرية التي يجب أن تمارسها جهة الإدارة بمعيار موضوعي يتفق مع روح القانون، الأمر الذي يخول للقضاء الإداري تحري بواعث للعمل وملابساته وأسبابه، وفرض رقابته على كل ذلك للوقوف على الهدف الحقيقي الذي تنشده الإدارة من قرارها، وما إذا كان حقا قد رمت به وجه المصلحة العامة أو تنكبت السبيل وانحرفت عن الغاية.[12]
ووفقا لما استقر عليه القضاء الإداري، فإن عيب إساءة استعمال السلطة لا يفترض، ومن ثم يتعين على المدعي أن يقيم الدليل عليه، ولما كان هذا العيب يكمن في نوايا الجهة الإدارية الناظمة مصدرة القرار ومقاصدها، فإن ذلك عسير الإثبات، وعليه يتلمس القاضي الدليل على وجود هذا العيب في القرار المطعون فيه ذاته أو في ملف الدعوى، فكثيرا ما تكشف الأوراق التي يضمها هذا الملف عن الأغراض التي هدفت الإدارة إلى تحقيقها بإصدار القرار، كالمناقشات المكتوبة، والمحاضر المسجلة، والمراسلات المتبادلة والتعليمات الموجهة، وغير ذلك من أوراق ومستندات من شأنها المساعدة في كشف النوايا الحقيقية، ومن غير شك فإن تقدير قوة الدليل أمر موكول إلى المحكمة.
وقد أردك القضاء الإداري بخبرته أن المدعي لو ترك وشأنه اعتمادا على ملف الدعوى فإنه سوف ينوء حتما بعبئ الإثبات، فباستثناء حالة اعتراف الإدارة بخطئها وهي حالة ناذرة تماما، وكذلك حالة ما إذا أعلنت الإدارة عن هدفها من القرار الإداري، الذي أخضعه المشرع لقاعدة تخصيص الأهداف، وكان الغرض المعلن مخالفا للهدف المنصوص عليه قانونا، فمن المؤكد أن المدعي سيلقى صعوبة بالغة في إثبات العيب.
وعليه، فإنه انطلاقا من حرص القضاء الإداري على إعلاء المشروعية فإنه تجاوز"ملف الدعوى" في مجال إثبات عيب الغاية، إلى غيره من الأدلة التي يمكن للمدعي تقديمها، وهي مجموعة قرائن من شأنها التشكيك في نوايا الإدارة وسلامة غايتها من وراء إصدار القرار، بحيث ينتقل عبئ إثبات عكس هذه القرائن إلى عاتق الإدارة ذاتها، فإذا سكتت أو لم تقدم الإجابة الشافية التي تقنع القاضي، اعتبر ذلك منها تسليما بطلبات المدعي، وبذلك قضت محكمة القضاء الإداري المصري بأن لها "أن تقدر امتناع الوزارة عن نقض القرائن التي يقدمها المدعي للتدليل على أن القرار لا يمت إلى المصلحة العامة، وتعقب عليه بما تستنتجه من أوراق الدعوى".[13]
ومن أهم القرائن التي يعتمدها القضاء الإداري في إثبات عيب الانحراف في استعمال السلطة:
1-الظروف المحيطة بإصدار القرار الإداري وكيفية تنفيذه؛
2-انعدام الدافع المعقول المؤسس عليه القرار الإداري لعدم وجود رابطة بين السبب والغاية في القرار الإداري ،وهي قرينة لإثبات عيب الانحراف في استعمال السلطة؛
3-التمييز والمحاباة بين الأشخاص في خرق واضح لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص رغم تمثل المراكز القانونية؛
لاشك أن انعدام السبب المبرر للقرار الإداري وانطواء تصرف الإدارة على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر دون مسوغ مقنع وأساس من الصالح العام هو صورة من صور مشوبة القرار الإداري بالانحراف.[14] لذلك يعتبر مجرد المحاباة في المعاملة ولو لم تنطو على إخلال بمبدأ المساواة لاختلاف الظروف كافيا لإلغاء القرار لذات العيب.[15]
4-عدم الملاءمة الظاهرة للقرار الإداري استنادا لفكرة الخطأ الظاهر في التقدير أو تطبيقا لنظرية الغلو في استعمال السلطة التقديرية.
والسؤال الذي يثار هنا هل ممارسة السلطة التقديرية من قبل الهيئات والسلطات الإدارية يعتبر خروجا على مبدأ المشروعية، أم أن الإدارة تمارس هذه السلطة ضمن حدود وإطار المشروعية؟
الواقع إن ليس هناك من تعارض بين السلطة التقديرية وبين مبدأ المشروعية، ذلك أن مقتضى هذا المبدأ هو خضوع الإدارة للقواعد القانونية مهما كان مصدرها ،فالإدارة عندما تمارس سلطتها فإنها تكون مرخصة بذلك من قبل المشرع،وتتصرف في الحدود التي يرسمها لها ويأتي دور مبدأ المشروعية هنا ليفرض على الإدارة عند ممارستها للسلطة التقديرية احترام الترخيص المعطى لها من المشرع والحدود والأطر والقواعد التي رسمها لها.
الهوامش
[1] - حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد97، الصادر بتاريخ 20 فبراير 2002، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 46، شتنبر –أكتوبر 2002 ص 201.
[2]- مجدي محمود محب حافظ: مرجع سابق ص 2405.
[3] - عمر عبد الرحمان البوريني: عيب الانحراف بالسلطة، مجلة الحقوق الكويتية العدد الرابع السنة 31، ديسمبر 2007 ص 395.
[4] - مليكة الصروخ: مرجع سابق الصفحة 330 ، وهكذا جاء في حكم المحكمة الإدارية بمراكش إن إصدار عقوبة تأديبية في حق موظف، ثم إردافها بعد مضي يوم واحد من تاريخ استئنافه لعمله بقرار نقله لأجل المصلحة العامة دون سبب مصلحي حقيقي، يدل بوضوح على انحراف الإدارة في استعمال سلطتها مما يتعين معه التصريح بإلغاء القرار المطعون فيه حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 433 بتاريخ 922/2004 ، مقال منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 61 سنة 2005ص129.
[5] - جاء في حيثيات قرار محكمة النقض عدد77 بتاريخ 19/06/1967 ،مجلة قضاء المجلس الأعلى، ص 102 " حيث يستفاد من أوراق الملف أن تشكيلة المجلس تشمل موظفا يمكن تحيزه و تأثيره في نزاهة المداولات التي جرت في شأن العقوبة المتخذة في حق الطاعن"
- سليمان الطماوي: القضاء الإداري قضاء الإلغاء، مرجع سابق، ص 845.[6]
[7]- ومثال ذلك ما جاء في قرار للغرفة الإدارية بمحكمة النقض صادر بتاريخ 12-2-1998"قرار الإعفاء من المسؤولية ووضع حد للتكليف بمهمة لا يعتبر مبدئيا عقوبة من العقوبات التي يمكن اتخاذها في حق موظف عمومي إلا إذا ثبت أن الإدارة قد اتخذت المقرر المذكور للتحايل على عقوبة كان من المفروض أن تتخذها في حق موظفها الذي نسب إليه مخالفات عدبدة دون أن يمكنه من الضمانات الكافية وخصوصا إحالته على المجلس التأديبي"قرار عدد 95 ،المنتقى من عمل القضاء في المنازعات الإدارية ،مرجع سابق ص 47.
[8] - محمد عبد الحميد مسعود: إشكاليات رقابة القضاء على مشروعية قرارات الضبط الإداري، الطبعة الأولى 2007 ص 691 .
[9] القرار عدد 1299 بتاريخ 19/11/2008 في الملف رقم 176/07/5،المنتقى من عمل القضاء في المنازعات الإدارية،مرجع سابق ص35.
[10] - قرارات المجلس الأعلى الغرفة الإدارية 1966-1970 ص 214.
[11] - ملف عدد 84-5-2012، حكم غير منشور.كما جاء في حكم لها صادر بتاريخ 3-1-2013"ثبوت حالة التغيب المبررة قانونا يترتب عنه بطلان مسطرة ترك الوظيفة لعدم انطباقها على واقعة المرض المبرر قانونا ،لكون سلوك الإدارة مسطرة الفصل 75 المذكور بدل الفصل 42 من نفس القانون الذي يخول الإدارة حق المراقبة والثتبت من الحالة الصحية ومدى استمراريتها لترتب عليها الأثر القانوني اللازم بحسب طبيعة المرض ودرجته وتأثيره على الوظيفة لا سيما مع إقرارها بالطبيعة المؤقتة للغياب حسب محضر الانقطاع يجعل القرار الإداري المطعون فيه متسما بالانحراف في استعمال السلطة في الجانب المتعلق بتحويل المسطرة بكيفية غير مشروعة حيادا على الضوابط القانونية"ملف عدد 98-5-2012،حكم غير منشور.
[12] حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 11--6-1972 قضية عدد 1154 لسنة 14ق، المجموعة السنة 17 ص 556.
[13] - ذكره: سامي جمال الدين،مرجع سابق ص 227.
[14] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 26-11-1966 قضية 1362 لسنة 10ق، المجموعة السنة 12ص 282.
[15] - حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية صادر بتاريخ 20-6-1953 قضية 218 لسنة4ق، المجموعة السنة 7ص 1827.