قراءة في مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة
الدكتور نورالدين الناصري
أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بسطات
المنسق البيداغوجي لماستر المعاملات الإلكترونية
صادق المجلس الحكومي المنعقد يوم 19 مارس 2020 على مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والذي قدمه وزير العدل مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه، بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحدثين لهذا الغرض، وبالتالي فالنسخة المتداولة ليست نهائية كما صدر في البيان، في انتظار خروج مضامين الدراسة التي خصصت لها لجنة تقنية ووزارية، لتكون الصيغة النهائية لمشروع القانون 22.20 والذي ستحيله بعد ذلك على البرلمان قصد المصادقة النهائية.
ويتكون المشروع من 25 مادة مقسمة على بابين يتضمن الباب الاول أحكام عامة من تعاريف لمجموعة من المصطلحات التي ارتكز عليها المشروع في الفصل الأول، وجاء في الفصل الثاني بيان لنطاق تطبيق هذا المشروع، أما الباب الثاني فهو معنون بنظام تزويد خدمات شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والذي بين في الفصل الأول منه جهة الإشراف والرقابة عليها والفصل الثاني تضمن الالتزامات الواقعة على عاتق مقدمي الخدمات، والفصل الثالث من ذات الباب تضمن الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي، أما بخصوص الفصل الرابع والأخير فقد حدد الجرائم الواقعة على القاصرين من خلال نفس الشبكات.
وقد تضمن هذا المشروع مجموعة من الملاحظات من حيث الشكل نجملها فيمايلي:
- قلة في عدد الأبواب بحيث تضمن 3 أبواب فقط، وكذلك قلة في عدد المواد المنظمة 25 مادة، لان تكنولوجيا التواصل وتكنولوجيا البث المفتوح تقتضي التفصيل والتبسيط والتدقيق باعتبار أن هذا المجال هو مجال متجدد باستمرار ويعرف مستجدات على مدار الساعة.
- ملاحظة أخرى بخصوص عنونة الفصول خصوصا في الباب الأول والباب الثالث. (الباب الأول : الفصل الأول : تعاريف ).( الباب الثالث : مقتضيات زجرية، الفصل الأول الجرائم الماسة بالأمن وبالنظام العام الاقتصادي).
- عدم تعريف بعض المفاهيم غير واضحة كمزودي الخدمات، المحتوى الالكتروني غير المشروع، المزودين الذين يستغلون منصات الانترنت، المنصات المخصصة لتواصل الفردي، بحيث كان على المشرع أن يعرف بهذه المؤسسات في الفصل الأول من الباب الأول من المشروع لإزالة الغموض والغبش لدى المخاطب بمضامينه.
- عدم احترام الترتيب في الأحكام وذلك بترقيم المادة 17 مكان المادة 19 والعكس المادة 19 مكان المادة 17.
أما من حيث الموضوع، فقد تضمن هذا المشروع ثلاثة أبواب مجزأة لفصول ومقسم على 25 مادة ،بحيث خصص الفصل الأول من الباب الأول، لأهم التعاريف ، التي جاء بها هذا المشروع ونذكر منها شبكات التواصل الاجتماعي و شبكات البث المفتوحة والمواقع الإلكترونية.
كما تناول المشروع في الفصل الثاني من نفس الباب نطاق تطبيق هذا القانون، بحيث يسري على المزودين الذين يستعملون الأنترنت، أو ما يصطلح عليهم بمزودي الخدمات، كما يشمل المستعملين الذين يتفاعلون مع محتوى المنشور أو يقومون يجعله متاحا إلى الجمهور، واستنادا لمقتضيات المادة الرابعة من المشروع، فقد استثنت منصات الأنترنت التي تقدم محتوى صحفي أو تحرير.
والملاحظ من خلال المادة الرابعة، أن المشروع قد استثنى الإصدارات الإلكترونية التي تهم الصحفيين، مما يثير مسألة في غاية الأهمية والمتعلق بحكم المحتوى الذي يقوم بنشره صحفي عبر صفحته ويكون مخالف لمقتضيات هذا القانون ويتفاعل معه شخص من العموم، أو يقوم بنشره وإتاحته للعموم مما تقوم مسؤوليته، وهنا نصبح أمام فعل مخالف للقانون مرتكب من طرف شخصين لا يحملان نفس الصفة، إذ أن الصحفي يخضع لقانون الصحافة وآخر يخضع لهذا المشروع، وهذا مخالف لما كرسه أسمى قانون في الدولة، حيث نص الدستور في مادته 6 على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة وجميع، الأشخاص سواء كانوا ذاتيين أو اعتبارين، بما فيه السلطات العمومية متساوون أمام القانون".
ومن أجل ضبط ومراقبة المنصات الإلكترونية، حث المشروع في الباب الثاني منه على إحداث هيئة تسهر على التطبيق السليم لمقتضيات هذا القانون من خلال الإشراف ومراقبة الخدمات المقدمة من طرف المزودين، ومايعاب على واضع هذا المشروع أنه لم يحدد ماهية هذه الهيئة ولا كيفية تشكيلها.
وترتيبا عليه، فقد ألقى على عاتق مزودي الخدمات مجموعة من الالتزامات منها وضع مسطرة داخلية فعالة وشفافة لمعالجة الشكايات المتعلقة بالمحتويات الإلكترونية غير المشروعة، كما يتعين على المزودين الاستجابة الفورية للشكايات المقدمة من طرف الإدارة أو الهيئة من أجل حذف أو حظر أو توقيف المحتوى الإلكتروني غير المشروع، ويسري نفس الحكم على المحتوى الذي يشكل تهديدا على النظام العام، بحيث يجب أن يستجاب لهذا الطلب داخل أجل 24 ساعة من تاريخ تلقي الشكاية، كما يلزم بالاحتفاظ في حالة حذف المحتوى الإلكتروني غير المشروع كدليل على ذلك لمدة أربع سنوات تبتدء من تاريخ الحذف.
ومايعاب على المشروع في هذه النقطة، فقد اقتصرت أحكامه على المزودين الذين يشتغلون بمنصات الانترنيت، في حين أن العالم الافتراضي يضم فاعلين ومتدخلين متعددين.
وفي هذا السياق، فقد اعتبر وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد أن الصلاحيات الممنوحة لهذه الجهة لا تتناسب وطبيعتها، إذ يجب أن يقتصر دورها في توقيف العمل بالمحتوى وإحالة القضية على قضاء الموضوع.
كما نلاحظ أن المادة 6 من المشروع، اشترطت لإحداث شبكات التواصل الاجتماعي الحصول على ترخيص تسلمه الإدارة أو الهيئة، وهذا يطرح إشكالا عميقا يتعلق بمسطرة الترخيص، وكيفية ممارستها ومن الجهة المسؤولة علن هذا الترخيص؟
ثم تطرق الباب الثالث من المشروع إلى العقوبات الزجرية المقررة في حق المخالفين لما ورد في هذا القانون، بحيث تضمنت المواد 13 و14 و15 من المشروع عقوبات تمزج بين كونها سالبة للحرية وغرامات مالية، كما أعطى للقاضي في إطار تفريد العقاب إمكانية الحكم بإحداهما دون الأخرى، ووقوفا عند المادة 14 من المشروع التي تعاقب دعاة مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك بعقوبة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.
أما بخصوص المادة 17 والتي عاقبت على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والسلع بعقوبة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، في حين أن المادة 15، عاقبت على التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 299.1 من القانون الجنائي والتي حددت العقوبة ما بين ثلاث أشهر وسنة، متسائلين في هذا الباب هل خطورة الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات أشد من خطورة التحريض على ارتكابه؟
كما أن إقرار المشروع لقانونين بعقوبتين مختلفتين لأفعال إجرامية واحدة بناء على التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء إلى فئة الصحافة من عدمه، من شأنه أن يجسد فرقا واضحا للدستور خاصة في فصله 6.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن هذا الفصل المنظم للجرائم التي تمس في مجملها بمؤسسات ذات طابع اقتصادي، لم يلق أي ترحيب من قبل المجتمع المدني.
أما فيما يخص الفصل الثاني، فقد جاء بمجموعة من الجزاءات المترتبة على مرتكبي الجرائم الخاصة بالأخبار الزائفة والتي أصبحت في هذا العصر تنتشر بشكل كبير جدا وذلك عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما يهدد أمن واستقرار البلاد، والخبر الزائف عرفه المشروع بأنه خبر مختلق يتم نشره بقصد التضليل أو خداع الطرف الآخر ويدفعه إلى تصديقه، وما نعيب على المشرع في هذا الفصل أن الأخبار الزائفة معاقب عليها في مجموعة القانون الجنائي، فكان الأولى به الإحالة على هذا القانون، كما أنه لم يميز لنا بين الأخبار المنشورة بحسن نية والأخبار المنشورة بسوء نية.
الملاحظ من خلال التعريف السالف الذكر، أنه لم يميز بين مختلق الخبر ومروجه أو ناشره، مما يعني أن العقوبات المنصوص عليها في المواد من 16 إلى 19، تسري على كل من قام بوضع المحتوى الخبر الزائف على صفحته الشخصية ويعاقب بعقوبات تبدأ من ثلاثة أشهر وتصل إلى 5 سنوات وغرامة مالية تبدأ من 1000 درهم وتصل إلى 30.000 درهم حسب الفعل الجرمي المرتكب.
أما فيما يخص الفصل الثالث، فالمشرع تحدث عن الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي، بحيث حدد عقوبات حبسية وغرامات تهديدية على كل من قام بانتحال الهوية الرقمية للغير أو استعمال أي معطيات من شأنها أن تمكن من التعرف عليه، أو تسجيل صور أو حوارات ذات طابع جنسي أو غير ذلك، أو نشر محتوى إلكتروني يتضمن عنفا او اعتداء جسديا، بحيث تصل العقوبات الحبسية إلى خمس سنوات والغرامات التهديدية قد تصل إلى 50000,00 درهم.
كما أن المشروع جاء بفصل خاص بالجرائم الواقعة على القاصرين، خاصة أن هذه الفئة غير قادرة على حماية أنفسها من شبكات التواصل الاجتماعي، بحيث إنه يعاقب كل من ارتكب جرائم في حق قاصرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها وذلك بنشر أي محتوى الكتروني ذي طابع عنيف أو إباحي أو يمس بالسلامة الجسدية والنفسية للقاصرين أو التحريض على ذلك، ويعاقب المشرع على هذه الجرائم بعقوبات قد تصل إلى خمس سنوات حبسا وغرامات تهديدية قدرها إلى 15000 درهم.
والملاحظ على مسودة هذا المشروع أنه على خلاف باقي المشاريع أثارت ضجة واسعة بين جميع رواد وسائل التواصل الاجتماعي، إن لم نقل بين جميع فئات المجتمع، كما استنكرته مجموعة من الهيئات الحقوقية نظرا لكونه يحمل بين مواده مجموعة من البنود التي تضرب دستورية القوانين عرض الحائط.
وفي ظل تنامي السخط والرفض على ما أثاره مشروع قانون 22.20، سنحاول دراسته من خلال المحورين التاليين:
المحور الأول: دواعي تنزيل مشروع قانون 22.20.
يمكن إرجاع الرغبة في توليد مثل هكذا مشاريع قوانين إلى كون المنظومة القانونية الحالية غير كافية لردع كافة السلوكيات المرتكبة في مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، وذلك لوجود فراغ تشريعي في ظل تنامي بعض الجرائم الخطيرة المرتكبة عبر الشبكات المذكورة، كما يمكن أن يكون الهدف من هذا القانون المرتقب ملاءمة القانون المغربي مع المعايير الدولية المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد المصادقة على اتفاقية بودابيست بتاريخ 29 يونيو 2018.
وبالعودة إلى هذه الاتفاقية، نلاحظ أنه لا توجد أي إشارة لما يخص التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، الشيئ الذي يزيد من غموض أسباب تنزيل هذا المشروع.
كما يمكن أن يكمن الهدف من إقراره تقوية آليات مكافحة الجرائم المتعلقة بترويج الأخبار الزائفة وضبط بعض الممارسات اللاقانونية واللاأخلاقية التي أصبحنا نعيشها في مواقع التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح، حيث أصبحت بعض المحتويات الرقمية تكسر حاجز الآداب والأخلاق العامة بهدف خلق أكبر نسب مشاهدة فقط.
غير أن بعض مواد هذا المشروع، ارتكز مضمونها على عدم نشر محتويات رقمية بداعي مقاطعة بعض المنتوجات أو الخدمات أو البضائع والتي خصصت عقوبات ثقيلة لكل من قام بهذه الأفعال.
فالمادة 14 من المشروع، تدين كل من قام بنشر محتوى إلكتروني بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع والخدمات أو القيام بالتحريض على ذلك.
كما تدين المادة 15 من قام بنشر محتوى إلكتروني يحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها.
أما المادة 18، فتدين من قام عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر أو ترويج لمحتوى الكتروني تضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع، وتقديمها على أنها تشكل تهديدا وخطرا على الصحة والآمن البيئي.
وما يمكن أن نستشفه من خلال هذه المواد، أنه يمكن ربطها بالمقاطعة التي طالت وسائل التواصل الاجتماعي سنة 2018 والتي استهدفت ثلاث شركات كبرى في المغرب.
فالمواد 14 و15 و18 لم تقم في صياغتها على المنطق التجاري بالأساس، فبالرجوع إلى ما تعتمد عليه الشركات التجارية والخدماتية في الترويج لمنتجاتها وخدماتها من وسائط إلكترونية نجده على شكل إشعارات وإعلانات من أجل الترويج للمنتوج وتسويقه، فأي منطق يجيز للشركات استعمال وسائل التواصل الاجتماعي ويمنع المستهلك من حقه في الرد والتعبير عن رأيه عبر استعمال نفس الوسائل، لاسيما إذا تولد لديه موقف سلبي من منتوج ما لأسباب معقولة ومنطقية في زمن التحول الرقمي والتطور التكنولوجي.
وبالتالي يمكن اعتبار هذا القانون تمرير لعقوبات زجرية لكل من حرض على مقاطعة أي شكل من المنتوجات أو الخدمات، ومن هذا المنطلق يصعب القول بأن هذا المشروع يريد تنظيم حقل التواصل الاجتماعي ولا يمكن اعتباره إلا قيدا لحرية التعبير التي نص عليها أسمى قانون في البلاد.
المحور الثاني: مدى دستورية مشروع القانون 22.20.
لا ننكر بكون المشروع يتضمن بنودا جيدة تساعد على ضمان الحياة الخاصة للأفراد، كما تضمن حماية قانونية للقاصرين وذوي العاهات العقلية، عند المساس بسلامتهم النفسية أو الجسدية عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة. غير أن بعض مواده جاءت بعيدة عن المنطق وهي التي أثارت موجة غضب بين فئات المجتمع، فصحيح أنه لا يجوز الترويج لمحتويات إلكترونية تتضمن أخبارا زائفة بغرض إلحاق ضرر بشخص ذاتي أو اعتباري، لكن مثل هذه المشاريع والمقترحات لا يجب صياغتها لكونها تضرب في صميم الحريات العامة وتعتبر انتكاسة واضحة للإنجازات التي عرفها المغرب في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، وذلك من خلال انتهاك لما يتعلق بحرية الرأي والتعبير المضمونة صراحة في دستور المملكة 2011.
فقد أورد الفصل 25 من الدستور صراحة على "أن حرية الفكر والرأي والتعبير مضمونة للجميع بكل أشكالها"، وهذا اللفظ الأخير جاء بصيغة العموم ولم يقيد شكل التعبير عن الرأي، ومعناه أن الدعامة المستعملة يمكن أن تتخذ شكل الوسائط الإلكترونية باعتبارها مجالا لنقل الأفكار والتعبير دون المساس بالآخرين، هذا الفصل الذي أولى للجميع الحق في نشر الأخبار بكل حرية ما عدى ما نص عليه القانون، وما نص عليه القانون هنا هو ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 218 من القانون الجنائي، الذي يعاقب من سنتين إلى 6 سنوات وبغرامة جزافية لكل من أشاد بالإرهاب عن طريق الوسائل الإلكترونية، كما أن هذا الحق تضمنه جميع المواثيق الدولية والتي صادق عليها المغرب.
وفي ظل ما تمت الإشارة إليه، يبقى السؤال المطروح لماذا صاغت الحكومة مقترح قانون يتعارض مع مقتضيات دستورية؟ مع العلم أن هذا الأمر سيؤدي لا محال إلى جدل كبير في المجتمع بكل أطيافه، في زمن نحن أحوج إلى إشراك المواطن في الاستشارات العمومية والتعرف على توجهات الرأي العام حول قضية من القضايا، بل إن الاستخدام والتفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات أخرى تساعد على انفتاح المجتمع وترسيخ الممارسة الديموقراطية.
ويتكون المشروع من 25 مادة مقسمة على بابين يتضمن الباب الاول أحكام عامة من تعاريف لمجموعة من المصطلحات التي ارتكز عليها المشروع في الفصل الأول، وجاء في الفصل الثاني بيان لنطاق تطبيق هذا المشروع، أما الباب الثاني فهو معنون بنظام تزويد خدمات شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والذي بين في الفصل الأول منه جهة الإشراف والرقابة عليها والفصل الثاني تضمن الالتزامات الواقعة على عاتق مقدمي الخدمات، والفصل الثالث من ذات الباب تضمن الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي، أما بخصوص الفصل الرابع والأخير فقد حدد الجرائم الواقعة على القاصرين من خلال نفس الشبكات.
وقد تضمن هذا المشروع مجموعة من الملاحظات من حيث الشكل نجملها فيمايلي:
- قلة في عدد الأبواب بحيث تضمن 3 أبواب فقط، وكذلك قلة في عدد المواد المنظمة 25 مادة، لان تكنولوجيا التواصل وتكنولوجيا البث المفتوح تقتضي التفصيل والتبسيط والتدقيق باعتبار أن هذا المجال هو مجال متجدد باستمرار ويعرف مستجدات على مدار الساعة.
- ملاحظة أخرى بخصوص عنونة الفصول خصوصا في الباب الأول والباب الثالث. (الباب الأول : الفصل الأول : تعاريف ).( الباب الثالث : مقتضيات زجرية، الفصل الأول الجرائم الماسة بالأمن وبالنظام العام الاقتصادي).
- عدم تعريف بعض المفاهيم غير واضحة كمزودي الخدمات، المحتوى الالكتروني غير المشروع، المزودين الذين يستغلون منصات الانترنت، المنصات المخصصة لتواصل الفردي، بحيث كان على المشرع أن يعرف بهذه المؤسسات في الفصل الأول من الباب الأول من المشروع لإزالة الغموض والغبش لدى المخاطب بمضامينه.
- عدم احترام الترتيب في الأحكام وذلك بترقيم المادة 17 مكان المادة 19 والعكس المادة 19 مكان المادة 17.
أما من حيث الموضوع، فقد تضمن هذا المشروع ثلاثة أبواب مجزأة لفصول ومقسم على 25 مادة ،بحيث خصص الفصل الأول من الباب الأول، لأهم التعاريف ، التي جاء بها هذا المشروع ونذكر منها شبكات التواصل الاجتماعي و شبكات البث المفتوحة والمواقع الإلكترونية.
كما تناول المشروع في الفصل الثاني من نفس الباب نطاق تطبيق هذا القانون، بحيث يسري على المزودين الذين يستعملون الأنترنت، أو ما يصطلح عليهم بمزودي الخدمات، كما يشمل المستعملين الذين يتفاعلون مع محتوى المنشور أو يقومون يجعله متاحا إلى الجمهور، واستنادا لمقتضيات المادة الرابعة من المشروع، فقد استثنت منصات الأنترنت التي تقدم محتوى صحفي أو تحرير.
والملاحظ من خلال المادة الرابعة، أن المشروع قد استثنى الإصدارات الإلكترونية التي تهم الصحفيين، مما يثير مسألة في غاية الأهمية والمتعلق بحكم المحتوى الذي يقوم بنشره صحفي عبر صفحته ويكون مخالف لمقتضيات هذا القانون ويتفاعل معه شخص من العموم، أو يقوم بنشره وإتاحته للعموم مما تقوم مسؤوليته، وهنا نصبح أمام فعل مخالف للقانون مرتكب من طرف شخصين لا يحملان نفس الصفة، إذ أن الصحفي يخضع لقانون الصحافة وآخر يخضع لهذا المشروع، وهذا مخالف لما كرسه أسمى قانون في الدولة، حيث نص الدستور في مادته 6 على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة وجميع، الأشخاص سواء كانوا ذاتيين أو اعتبارين، بما فيه السلطات العمومية متساوون أمام القانون".
ومن أجل ضبط ومراقبة المنصات الإلكترونية، حث المشروع في الباب الثاني منه على إحداث هيئة تسهر على التطبيق السليم لمقتضيات هذا القانون من خلال الإشراف ومراقبة الخدمات المقدمة من طرف المزودين، ومايعاب على واضع هذا المشروع أنه لم يحدد ماهية هذه الهيئة ولا كيفية تشكيلها.
وترتيبا عليه، فقد ألقى على عاتق مزودي الخدمات مجموعة من الالتزامات منها وضع مسطرة داخلية فعالة وشفافة لمعالجة الشكايات المتعلقة بالمحتويات الإلكترونية غير المشروعة، كما يتعين على المزودين الاستجابة الفورية للشكايات المقدمة من طرف الإدارة أو الهيئة من أجل حذف أو حظر أو توقيف المحتوى الإلكتروني غير المشروع، ويسري نفس الحكم على المحتوى الذي يشكل تهديدا على النظام العام، بحيث يجب أن يستجاب لهذا الطلب داخل أجل 24 ساعة من تاريخ تلقي الشكاية، كما يلزم بالاحتفاظ في حالة حذف المحتوى الإلكتروني غير المشروع كدليل على ذلك لمدة أربع سنوات تبتدء من تاريخ الحذف.
ومايعاب على المشروع في هذه النقطة، فقد اقتصرت أحكامه على المزودين الذين يشتغلون بمنصات الانترنيت، في حين أن العالم الافتراضي يضم فاعلين ومتدخلين متعددين.
وفي هذا السياق، فقد اعتبر وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد أن الصلاحيات الممنوحة لهذه الجهة لا تتناسب وطبيعتها، إذ يجب أن يقتصر دورها في توقيف العمل بالمحتوى وإحالة القضية على قضاء الموضوع.
كما نلاحظ أن المادة 6 من المشروع، اشترطت لإحداث شبكات التواصل الاجتماعي الحصول على ترخيص تسلمه الإدارة أو الهيئة، وهذا يطرح إشكالا عميقا يتعلق بمسطرة الترخيص، وكيفية ممارستها ومن الجهة المسؤولة علن هذا الترخيص؟
ثم تطرق الباب الثالث من المشروع إلى العقوبات الزجرية المقررة في حق المخالفين لما ورد في هذا القانون، بحيث تضمنت المواد 13 و14 و15 من المشروع عقوبات تمزج بين كونها سالبة للحرية وغرامات مالية، كما أعطى للقاضي في إطار تفريد العقاب إمكانية الحكم بإحداهما دون الأخرى، ووقوفا عند المادة 14 من المشروع التي تعاقب دعاة مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك بعقوبة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.
أما بخصوص المادة 17 والتي عاقبت على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والسلع بعقوبة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، في حين أن المادة 15، عاقبت على التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 299.1 من القانون الجنائي والتي حددت العقوبة ما بين ثلاث أشهر وسنة، متسائلين في هذا الباب هل خطورة الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات أشد من خطورة التحريض على ارتكابه؟
كما أن إقرار المشروع لقانونين بعقوبتين مختلفتين لأفعال إجرامية واحدة بناء على التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء إلى فئة الصحافة من عدمه، من شأنه أن يجسد فرقا واضحا للدستور خاصة في فصله 6.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن هذا الفصل المنظم للجرائم التي تمس في مجملها بمؤسسات ذات طابع اقتصادي، لم يلق أي ترحيب من قبل المجتمع المدني.
أما فيما يخص الفصل الثاني، فقد جاء بمجموعة من الجزاءات المترتبة على مرتكبي الجرائم الخاصة بالأخبار الزائفة والتي أصبحت في هذا العصر تنتشر بشكل كبير جدا وذلك عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما يهدد أمن واستقرار البلاد، والخبر الزائف عرفه المشروع بأنه خبر مختلق يتم نشره بقصد التضليل أو خداع الطرف الآخر ويدفعه إلى تصديقه، وما نعيب على المشرع في هذا الفصل أن الأخبار الزائفة معاقب عليها في مجموعة القانون الجنائي، فكان الأولى به الإحالة على هذا القانون، كما أنه لم يميز لنا بين الأخبار المنشورة بحسن نية والأخبار المنشورة بسوء نية.
الملاحظ من خلال التعريف السالف الذكر، أنه لم يميز بين مختلق الخبر ومروجه أو ناشره، مما يعني أن العقوبات المنصوص عليها في المواد من 16 إلى 19، تسري على كل من قام بوضع المحتوى الخبر الزائف على صفحته الشخصية ويعاقب بعقوبات تبدأ من ثلاثة أشهر وتصل إلى 5 سنوات وغرامة مالية تبدأ من 1000 درهم وتصل إلى 30.000 درهم حسب الفعل الجرمي المرتكب.
أما فيما يخص الفصل الثالث، فالمشرع تحدث عن الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي، بحيث حدد عقوبات حبسية وغرامات تهديدية على كل من قام بانتحال الهوية الرقمية للغير أو استعمال أي معطيات من شأنها أن تمكن من التعرف عليه، أو تسجيل صور أو حوارات ذات طابع جنسي أو غير ذلك، أو نشر محتوى إلكتروني يتضمن عنفا او اعتداء جسديا، بحيث تصل العقوبات الحبسية إلى خمس سنوات والغرامات التهديدية قد تصل إلى 50000,00 درهم.
كما أن المشروع جاء بفصل خاص بالجرائم الواقعة على القاصرين، خاصة أن هذه الفئة غير قادرة على حماية أنفسها من شبكات التواصل الاجتماعي، بحيث إنه يعاقب كل من ارتكب جرائم في حق قاصرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها وذلك بنشر أي محتوى الكتروني ذي طابع عنيف أو إباحي أو يمس بالسلامة الجسدية والنفسية للقاصرين أو التحريض على ذلك، ويعاقب المشرع على هذه الجرائم بعقوبات قد تصل إلى خمس سنوات حبسا وغرامات تهديدية قدرها إلى 15000 درهم.
والملاحظ على مسودة هذا المشروع أنه على خلاف باقي المشاريع أثارت ضجة واسعة بين جميع رواد وسائل التواصل الاجتماعي، إن لم نقل بين جميع فئات المجتمع، كما استنكرته مجموعة من الهيئات الحقوقية نظرا لكونه يحمل بين مواده مجموعة من البنود التي تضرب دستورية القوانين عرض الحائط.
وفي ظل تنامي السخط والرفض على ما أثاره مشروع قانون 22.20، سنحاول دراسته من خلال المحورين التاليين:
المحور الأول: دواعي تنزيل مشروع قانون 22.20.
يمكن إرجاع الرغبة في توليد مثل هكذا مشاريع قوانين إلى كون المنظومة القانونية الحالية غير كافية لردع كافة السلوكيات المرتكبة في مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، وذلك لوجود فراغ تشريعي في ظل تنامي بعض الجرائم الخطيرة المرتكبة عبر الشبكات المذكورة، كما يمكن أن يكون الهدف من هذا القانون المرتقب ملاءمة القانون المغربي مع المعايير الدولية المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد المصادقة على اتفاقية بودابيست بتاريخ 29 يونيو 2018.
وبالعودة إلى هذه الاتفاقية، نلاحظ أنه لا توجد أي إشارة لما يخص التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، الشيئ الذي يزيد من غموض أسباب تنزيل هذا المشروع.
كما يمكن أن يكمن الهدف من إقراره تقوية آليات مكافحة الجرائم المتعلقة بترويج الأخبار الزائفة وضبط بعض الممارسات اللاقانونية واللاأخلاقية التي أصبحنا نعيشها في مواقع التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح، حيث أصبحت بعض المحتويات الرقمية تكسر حاجز الآداب والأخلاق العامة بهدف خلق أكبر نسب مشاهدة فقط.
غير أن بعض مواد هذا المشروع، ارتكز مضمونها على عدم نشر محتويات رقمية بداعي مقاطعة بعض المنتوجات أو الخدمات أو البضائع والتي خصصت عقوبات ثقيلة لكل من قام بهذه الأفعال.
فالمادة 14 من المشروع، تدين كل من قام بنشر محتوى إلكتروني بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع والخدمات أو القيام بالتحريض على ذلك.
كما تدين المادة 15 من قام بنشر محتوى إلكتروني يحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها.
أما المادة 18، فتدين من قام عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر أو ترويج لمحتوى الكتروني تضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع، وتقديمها على أنها تشكل تهديدا وخطرا على الصحة والآمن البيئي.
وما يمكن أن نستشفه من خلال هذه المواد، أنه يمكن ربطها بالمقاطعة التي طالت وسائل التواصل الاجتماعي سنة 2018 والتي استهدفت ثلاث شركات كبرى في المغرب.
فالمواد 14 و15 و18 لم تقم في صياغتها على المنطق التجاري بالأساس، فبالرجوع إلى ما تعتمد عليه الشركات التجارية والخدماتية في الترويج لمنتجاتها وخدماتها من وسائط إلكترونية نجده على شكل إشعارات وإعلانات من أجل الترويج للمنتوج وتسويقه، فأي منطق يجيز للشركات استعمال وسائل التواصل الاجتماعي ويمنع المستهلك من حقه في الرد والتعبير عن رأيه عبر استعمال نفس الوسائل، لاسيما إذا تولد لديه موقف سلبي من منتوج ما لأسباب معقولة ومنطقية في زمن التحول الرقمي والتطور التكنولوجي.
وبالتالي يمكن اعتبار هذا القانون تمرير لعقوبات زجرية لكل من حرض على مقاطعة أي شكل من المنتوجات أو الخدمات، ومن هذا المنطلق يصعب القول بأن هذا المشروع يريد تنظيم حقل التواصل الاجتماعي ولا يمكن اعتباره إلا قيدا لحرية التعبير التي نص عليها أسمى قانون في البلاد.
المحور الثاني: مدى دستورية مشروع القانون 22.20.
لا ننكر بكون المشروع يتضمن بنودا جيدة تساعد على ضمان الحياة الخاصة للأفراد، كما تضمن حماية قانونية للقاصرين وذوي العاهات العقلية، عند المساس بسلامتهم النفسية أو الجسدية عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة. غير أن بعض مواده جاءت بعيدة عن المنطق وهي التي أثارت موجة غضب بين فئات المجتمع، فصحيح أنه لا يجوز الترويج لمحتويات إلكترونية تتضمن أخبارا زائفة بغرض إلحاق ضرر بشخص ذاتي أو اعتباري، لكن مثل هذه المشاريع والمقترحات لا يجب صياغتها لكونها تضرب في صميم الحريات العامة وتعتبر انتكاسة واضحة للإنجازات التي عرفها المغرب في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، وذلك من خلال انتهاك لما يتعلق بحرية الرأي والتعبير المضمونة صراحة في دستور المملكة 2011.
فقد أورد الفصل 25 من الدستور صراحة على "أن حرية الفكر والرأي والتعبير مضمونة للجميع بكل أشكالها"، وهذا اللفظ الأخير جاء بصيغة العموم ولم يقيد شكل التعبير عن الرأي، ومعناه أن الدعامة المستعملة يمكن أن تتخذ شكل الوسائط الإلكترونية باعتبارها مجالا لنقل الأفكار والتعبير دون المساس بالآخرين، هذا الفصل الذي أولى للجميع الحق في نشر الأخبار بكل حرية ما عدى ما نص عليه القانون، وما نص عليه القانون هنا هو ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 218 من القانون الجنائي، الذي يعاقب من سنتين إلى 6 سنوات وبغرامة جزافية لكل من أشاد بالإرهاب عن طريق الوسائل الإلكترونية، كما أن هذا الحق تضمنه جميع المواثيق الدولية والتي صادق عليها المغرب.
وفي ظل ما تمت الإشارة إليه، يبقى السؤال المطروح لماذا صاغت الحكومة مقترح قانون يتعارض مع مقتضيات دستورية؟ مع العلم أن هذا الأمر سيؤدي لا محال إلى جدل كبير في المجتمع بكل أطيافه، في زمن نحن أحوج إلى إشراك المواطن في الاستشارات العمومية والتعرف على توجهات الرأي العام حول قضية من القضايا، بل إن الاستخدام والتفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات أخرى تساعد على انفتاح المجتمع وترسيخ الممارسة الديموقراطية.