MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مقاربة قانونية لاستعمال العنف من طرف رجال السلطة

     

عبد الحق طالب
منتدب قضائي لدى المحكمة الابتدائية بإمنتانوت
باحث في القانون الخاص ومهتم بالعلوم الاجتماعية عموما



مقاربة قانونية لاستعمال العنف من طرف رجال السلطة
  معلومات عامة: مع نهاية سنة 2019 وبداية سنة 2020،عرف العالم ظهور فيروس جديد ينتمي إلى فصيلة الفيروسات التاجية، وهو مطابق في تسلسله الجيني لفيروسات "كورونا الخفافيش"، ليسمى بــ"كورونا2019" أو "كوفيد-19" واختصارا nCoV-2019 .
 
 
         هذا الفيروس الذي ظهر في مدينة يوهان الصينية، سرعان ما حصد عشرات ألاف الاصابات ومئات الوفيات، ولأننا في زمن بلغت فيه العولمة أوجها فقد امتد نطاق فيروس "كورونا" الجغرافي ليشمل أغلب دول العالم ان لم نقل كلها، لتصنفه منظمة الصحة العالمية في الثلث الثاني من شهر مارس 2020 جائحة عالمية.
         في المغرب:نشرت وزارة الصحة بلاغا بتاريخ 02 مارس 2020، تعلن فيه للعموم عن تسجيل أول حالة اصابة بفيروس "كورونا"بالمغرب، لتتخذ الحكومة المغربية قرارا شجاعا وسريعا بإتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون انتشار هذا الفيروس بالإقليم المغربي، فكان أول هذه الاجراءات هي التحسيس من خطورة هذا الفيروس ثم تعليق الدراسة...، وتتوالى هذه الاجراءات، حتى وصلت المملكة إلى مرحلة إعلان حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 20 مارس 2020.
          أما المواطنون المغاربة فقد أبانوا عن وعيهم وانخرطوا جميعا بكل مواطنة في مجهودات الدولة المبذولة، فتطوعوا أشخاصا ذاتيين ومعنويين بما لهم من مال ومجهود في سبيل تحقيق المبتغى المتمثل في تطويق هذا الفيروس المستجد، والخروج من المرحلة بأقل عدد من حالات الإصابة، فكان من أهم ما ساهم به المواطنون، هو استجابتهم لأوامر السلطات العامة بالبقاء في المنازل إلا لحاجة الضرورة القصوى المتمثلة مثلا في:تبضع المستلزمات الغذائية او الدوائية الضرورية، أو لأجل العمل...
         وأصدر المجلس الحكومي بتاريخ 22 مارس 2020 بلاغا يعلن للعموم المصادقة على مشروع مرسوم رقم 2.20.292 بمثابة قانون لتنظيم الاحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية، بالاستناد على المادة 81 من القانون الاساسي للمملكة.
         وصدقت العبارة العربية القائلة: كل ممنوع مرغوب فيه، وأحب إلى النفس ما منع، حيث إنه وحينما امتثل جل المغاربة لأوامر وتعليمات السلطات العامة بإحترام اجراءات حالة الطوارئ، ظهرتفئة منالمواطنين ممن وجدو صعوبة مادية أو نفسية في استيعاب هذه الأوامر والامتثال لها.
         ولأنه حسب علم الإجرام بعد مرحلتي وضع القاعدة الجنائية واختراقها، تأتي مرحلة ثالثة هي مرحلة رد الفعل الاجتماعي حيث يشعر المجتمع بأنه مهدد في نظامه وطمأنينته فيهب ليدافع عن نفسه بفرض السلوك الاجتماعي الذي ارتضاه(*)، فقد طالب المجتمع المغربي بعدم التسامح مع كل من يخالف اجراءات حالة الطوارئ، فظهر من طالب بتطبيق أقصى حد من العقوبة المقررة قانونا، وظهرت فئة ليست باليسيرةتناديبالعنف في حقها، بل امتد سلوك المجتمع في ظل العولمة الرقمية الى السخرية من المخالفين بل وتعميم السخرية على كل من ينتمي اليه المخالفون من أقاربهمبل وعلى كل سكان مدينتهم "كما شوهد في حالة واقعة مدينة طنجة، وهي جريمة أخرى سنعلق عليها في مقال لاحق"...
  • (*)الدكتور عبدالسلام بنحدو في مؤلفه مبادئ علم الإجرام: دراسة في الشخصية الإجرامية.
         أما تدخل السلطات العامة: فقد اتخذ في الغالب الشكل القانوني، فعلى مستوى السلطة القضائية: أصدرت المحكمة الابتدائية بإمنتانوت أول حكم من نوعهيتعلق بهذه الجريمة،وذلك بتاريخ 23 مارس 2020حيث حكمت على المتهمين بشهر واحد حبسا نافذا على كل واحد منهما وغرامة قدرها 1100 درهم، وكذلك قضت المحكمة الابتدائية بوزان في حكمها عدد 77/2020 والصادر بتاريخ 26 مارس 2020: بأربع أشهر حبسا نافذة وغرامة قدرها 1000 درهم.
وللاشارة فإن ممثلي النيابة العامة لدى المحاكم المختصة تابعت المتهمين في الملفات المذكورة أعلاه في حالة اعتقال.
         أما على مستوى السلطة التنفيذية فإن الإدارة المغربية قد اتخذت عدة تدابير واستعانت بأكبر قدر ممكن من الموارد البشرية واللوجيستيكية لأجل حفظ النظام العام خصوصا: الصحة العامة، واستعانت بذلك بأساليبها المتمثلة في القرارات والعقود الادارية والضبط الاداري، هذه الأخيرة وإن كانت في غالب الأحيان تتم وفقا لمقتضيات القانون، فإنه اشتُهِرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع  سمعية بصرية لرجال سلطة لجؤو لاستعمال العنف في حق من سولت لهم أنفسهم خرق القوانين في هذه الفترة الحرجة، وأمام هذه المقاطع انقسم الرأي العام مابين مؤيد ومعارض، فالمؤيد يستدل بأهمية هذا العنف في تحقيق الردع وضرورته أمام امتلاء المؤسسات السجنية وبطء المساطر القضائية، بينما يتمسك المعارضون بتجريم التعسف في استعمال السلطة وضرورة احترام حق الكرامة للانسان، وأمام هذا الجدال كان لزاما أن يكون النقاش أكثر عقلانية للوقوف على مدى سلامة اعتماد العنف في تدخل رجال السلطة عموما، وفي مرحلة حالة الطوارئ خصوصا.
 
 
 
 
 
ما مدى سلامة اعتماد العنف في تدخل رجال السلطة العامة من الناحية القانونية؟
                 
اللجوء للعنف من قبل رجال السلطة جريمة في حق القانون ودولة الحقوق: لن أعتمد العاطفة في الإقناع بهذا الرأي فهو لا يحتاج إلى ذلك، إن استعمال العنف من لدن رجال السلطة العامة أمر جسيم الخطورة! فهو مس بأحد أهم حقوق الانسان، والمغرب دولة الحق والقانون خصوصا بعد دستور سنة 2011 الملقب بدستور الحقوق والحريات، لكن هيهات هيهات ان الخطورة تمتد لتشمل المس بأخطر انواع الامن في الحياة اليومية للمجتمع، إنه الامن القانوني، كيف لا والقانون هو من يكفل امن الافراد واستقرار أوضاعهم ومراكزهم، فهو من يسعى لتحقيق الامن الغذائي والامن الصحي والامن الطاقي و و و ...
فالأمن القانوني هو احساس الأفراد بالاستقرار والثقة في قانونهم، وكيف سيحسون بذلك وهم يرون أنه يخترق، ولا  يعاقبالمخالف بالجزاء المترتب عن ذلك، أو يرون أنه لا يطبق بالشكل السليم أو حتى لا يطبق أصلا؟ هل القانون يسمى قانونا إن فقد خاصية الاقتران بالجزاء؟
نعم إن استعمال العنف من لدن السلطات وتركالمخالفين بدون إنجاز محاضر توثق ما ارتكبوه من مخالفات وجنح هو استهتار بالقانون، وعدم تطبيق له!
         ينص المشرع المغربي في الفصل 225 من القانون الجنائي على أن: كل قاض، أو موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوضي السلطة أو القوة العمومية يأمر أو  يباشر بنفسه عملا تحكميا، ماسا بالحريات الشخصية أو الحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر يعاقب بالتجريد من الحقوق الوطنية ...
وينص الفصل 231 من القانون ذاته على أن: كل قاض، أو موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوضي
السلطة أو القوة العمومية يستعمل أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب قيامه بها، العنف ضد الأشخاص أو يأمر بإستعماله بدون مبرر شرعي، يعاقب على هذا العنف على حسب خطورته طبقا لأحكام الفصول من 401 إلى 403 مع تشديد العقوبة على النحو الاتي:
  • اذا كانت جنحة، فإن العقوبة  تكون هي ضعف المقررة لتلك الجنحة؛
  • ....
إن المشرع المغربي اذا اعتبر الشطط والعمل التحكمي والعنف الممارس من رجال السلطة، جناية وليس حتى جنحة، ولا يبرز لنا ذلك إلا خطورة هذه الأفعال غير السوية. أما الركن المادي لهذه الجريمة فهو: كل عمل تحكمي وكل عنف غير مبرر شرعيا، فالعمل التحكمي هو كل عمل اعتباطي لا يرتكز على اساس يبرره، والتبرير لا يكون إلا بالاستناد الى القانون وقانون المملكة لا يبرر ذلك أبدا وحاشا أن يكون كذلك وهو من بين أجود القوانين على صعيد العالم.
         أما منح المشرع في إطار مهمة الضبط الاداري للسلطة مكنة اللجوء للقوة المادية، فهي استثناء مقنن جدا، بل ومقيد بشرطي الضرورة ووجود نص قانوني وليس أي نص بل نص قانوني خاص.
كما أنه لا يجوز أن تتخذ هذه القوة المادية أي شكل كان، بل يجب أن تتخذ الشكل المناسب مع خطورة الجرم المرتكب وخطورة مقاومة المجرم.
         إن صفع المواطنين أو ركلهم أو لكمهم بدون إنذارهم، وبدون أي وجه حق، وبدون استناد على أي نص قانوني، هو حالة من حالات الجنايات التي ينص عليها الفصلين 225 و231 المذكورين سابقا.
         قد يشير أحدهم إلى أسباب الإباحة والتبرير المذكورة في الفصل 124 من القانون الجنائي،وهو أمر لا يعذر إن كان صادرا من متخصص في القانون، فالبند الأول من هذا الفصل واضح ولا غبار عليه، فلا يباح للسلطة الشرعية أي فعل مجرَّم إلا إذا كان منصوصا قانونا على أنه مباح لها.
         إن المملكة المغربية بقيادة الأسرة العلوية،سعت ولازالت تسعى إلى اعتلاء ريادة الدول التي تكفل حقوق الأفراد وحرياتهم، وإلى تحقيق المفهوم الكامل لدولة الحق والقانون، فقد صادقت المملكة على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، و في سنة 2014 على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة...، وهذه الاتفاقيات تقع في أعلى قمة هرم التسلسل القانوني بالمملكة المغربية، طبقا لما جاء في تصدير دستورها.
دستور المملكة المغربيةخص بابا كاملا للحقوق والحريات الاساسية للمواطنين وللمقيمين بالمملكة، بل يشير لها حتى خارج هذا الباب في فصول كثيرة. وفي الفصل 21 منه ذكر المشرع الدستوري عبارة: ...تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.
أما الفصل 22 من دستور المملكة فهو غاية في الأهمية، وواضح وضوح هذه الكلمات لبصرك، فقد نص على مايلي: "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية..."
أما الفصل 23 منه فقد نص على أنه لممارسة السلطة القضائية ومهام الضبط القضائي إجراءات قانونية يجب احترامها، ومحرم ومجرم عدم التقيد بها.
         نعم إن السلطات العمومية المغربية مؤطرة بإطار احترام الحقوق والحريات، وهذه فصول دستورية ونصوص قانونية عالمية تقبع في أعلى هرم التسلسل القانوني بالمملكة المغربية.
         حالة الطوارئ الصحية، خصوصا هاته التي نعيشها الان مع فيروس كورونا، ليست استثناء تُرفع فيه النصوص القانونية خصوصا تلك المتعلقة بالسياسة الجنائية الاجرائية، ورجال السلطة يجب أن يكونوا أكثر حكمة في معرفة ذلك، فرجال السلطة رجال امن وليسوا رجال ترويع، وأعتقد أن أغلب رجال السلطة اليوم يعون وملتزمون بذلك.
         ان المرسوم بقانون رقم 2.20.292 لم ينص على تغيير يمس قانون المسطرة الجنائية، إنما أضاف فقط جريمة مخالفة حالة  تعليمات السلطات العامة في مرحلة الطوارئ الصحية، وحدد لها عقوبات واضحة، بالتأكيد ليس من ضمنها تعنيف المخالفين والمس بكرامتهم، كما أنه ليس من القانون ترك المجرمين بدون إحالتهم على المحاكم المختصة للمطالبة بالحق العام ولتحقيق الردع العام والخاص، "فالصفعة" ساعة أو أقل ويزول آلمها، أما تطبيق القانون فهو يكرس دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات ويغرس الامن القانوني والثقة في الإدارة، ويحافظ على السلم الاجتماعي، كما أنه يجلب نفعا للخزينة العامة عند تحصيل مبلغ الغرامة والصائر.
         إن قانون المسطرة الجنائية هو مايجب على رجال السلطة العامة أن يطبقوه في ضبطهم لمرتكبي هذه الجرائم، وهم في ذلك خاضعون لإشراف النيابة العامة، فهم في هذه العملية يمارسون مهمة الضبط القضائي، وليس الضبط الإداري الذي يخضعون فيه لسلطة رؤسائهم الإداريين أو العسكريين.
 
  1. ختاما :
         إن استعمال العنف وإهمال سلوك المساطر القانونية هو خرق قانوني جسيم، وجريمة شنعاء برتبة جناية،  وسوء استعمال السلطة هو أخطر ما في العمل الإداري، وقد نبه جلالة الملك في كثير من خطبه إلى أن الإدارة لا قيمة ولا وجود لها إلا لخدمة المواطن، بل وبأجود الطرق وبمراعاة حفظ الحقوق والحريات.
         وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فأرفق بهم فأرفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فأشقق عليه.رواه مسلم
         ومنطقيا: لا يمكن اعتبار القيام بفعل يشكل جناية من أجل ايقاف فعل لا يعتبر إلا جنحة ضبطية أمرا صائبا، كما أن النيابة العامة المختصة هي من يملك سلطة الملائمة وبالتالي من لها الحق في حفظ المحضر أو ممارسة الدعوى العمومية، وبالتالي فليس لمن لهم الصفة الضبطية عدم انجاز المحاضر ومسامحة المجرمين.
وهذا إن كنا ننادي الإدارة بإحترام القانون وحقوق وحريات الاشخاص، فإننا كمواطنين يجب أن نلتزم بدورنا بذلك، لأن قوانين الدولة لا تفرض الواجبات لأجل أن تفرضها وحسم، بل لحماية حقوق متقابلة أهم من الحقوق التي قيدتها تلك الواجبات.
 
 



الخميس 2 أبريل 2020
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter