MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




التحكيم الإلكتروني ماهيته و إجراءاته

     

بحث نهاية الدراسة لنيل الإجازة شعبة القانون الخاص
من إنجاز
وليد الطلبي
صوفيا الهاشمي
نعيمة امان
سومية بلمومن



التحكيم الإلكتروني ماهيته و إجراءاته
مقدمة


تشكل ثورة الاتصالات والمعلومات أحد العناوين البارزة للمرحلة التاريخية الراهنة من تاريخ الإنسانية، فبعد الثورة الزراعية، والثورة الصناعية بدأت هذه الثورة تفرض نفسها كمحرك جديد للتنمية الاقتصادية حتى أصبحت وسائل الاتصال الحديثة وعلى رأسها الانترنيت وسائل لا يمكن الاستغناء عنها، فبعد أن كانت الاتصالات تعتمد على التلفون والفاكس والتلكس، ظهر الإنترنيت وأصبح الوسيلة المثلى في الاتصال ونقل المعلومات وتقديمها، ويرجع ذلك إلى التقدم العلمي الهائل في شبكات الاتصالات الرقمية، وبفضل هذه الشبكات زالت الحدود الجغرافية، وتغير الزمان باتجاه الاختصار والاقتراب بدرجة كبيرة حتى أصبح العالم مجرد قرية صغيرة أو كما يطلق عليها البعض قرية واحدة إلكترونية
Electronic Global Village
ولقد انعكس هذا التطور المعلوماتي حتى على التصرفات القانونية حتى ازدهرت بنتيجة العولمة عقود كثيرة تتم عبر الإنترنيت
وتعرف بالعقود الإلكترونية.
هذه الأخيرة في الواقع لا تخرج في بنائها وتركيبها وأنواعها ومضمونها على السياق العادي للعقود التقليدية ومن ثم فهي تخضع في تنظيمها للأحكام الواردة في النظرية العامة للعقود.
ويقصد بالعقد الإلكتروني
Electronic contrat
، "هو ذلك الاتفاق الذي يتلاقى فيه الإيجاب والقبول على شبكة دولية مفتوحة عن بعد، وذلك بوسيلة مسموعة مرئية، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل" وفي تعريف أخر هو "عقد يخضع في تنظيمه للقواعد والأحكام العامة التي تنظمها النظرية العامة للعقد فهو يتم بالاتفاق والتراضي بين طرفيه: الموجب والقابل ولكنه يتميز بأنه عقد يبرم عن بعد بين غائبين ليس حاضرين، باستخدام وسائط إلكترونية من أجهزة وبرامج معلوماتية وغيرها من الوسائل التقنية الحديثة التي تعمل آليا وتلقائيا بمجرد إصدار أوامر التشغيل إليها.
وقد شهد هذا الوليد الجديد في الأسرة العقدية -العقد الإلكتروني- نموا متزايدا حيث بات يمثل نسبة هائلة من حجم التجارة الدولية والداخلية، فبعد أن كانت شبكة الإنترنيت تستخدم لتبادل البيانات والمعلومات أو التعليم أصبحت الآن معبراً أساسيا للتجارة.

والتجارة الإلكترونية لم تظهر فجأة بل كانت وليد المراحل المختلفة التي مرت بها ثورة الاتصالات والمعلومات، واعتبرت أحد أهم دعائم الاقتصاد الرقمي
Digital economy
، بل أصبحت معظم المنشآت التجارية العالمية ترفض أن تتعامل مع عملاء جدد إلا بأسلوب التجارة الإلكترونية.
وتجدر الإشارة أنه ينبغي عدم الخلط بين مصطلح الأعمال الإلكترونية
Electronic businesse
، وما يهمنا هو التعرض لماهية التجارة الإلكترونية ولقد جرت محاولات عديدة لتعريف التجارة الإلكترونية، وبالرغم من هذا ليس هناك تعريف محدد لهذه الأخيرة حتى الآن، بسبب تعدد الجهات والمحافل التي أوردت هذه التعريفات.
وفي غياب تعريف شامل لعبارة التجارة الإلكترونية لدى العديد من التشريعات الوطنية كان لابد للفقه أن يعمل على سداد هذه الثغرة وبالفعل فقد وجدنا التعريفات تعمل على ذكر بعضها.
 وقد عرفها ابراهيم أبو الليل كونها تلك التعاملات التي تتم إلكترونيا عبر شبكة المعلومات العالمية "الإنترنيت" فعن طريق التجارة الإلكترونية يمكن إبرام الصفقات التجارية في السلع والخدمات بين عملاء لا يتقابلون كما يمكن أن تتم وسيلة الدفع من جهاز أخر ويتم تنفيذ الصفقة فوراً".
 التجارة الإلكترونية هي كافة المعاملات والصفقات التجارية التي تتم باستخدام التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة التي وفرتها تكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنيت عبر التبادلات الإلكترونية ليتم بذلك كسر حاجزي الزمان والمكان.
 وعرفها عبد الفتاح بيومي الحجازي بأنها كل معاملة تجارية تتم عن بعد باستعمال وسيلة إلكترونية وذلك حتى إتمام العقد".
ويلاحظ أن هذين التعريفين الأخيرين يتسعان ليشملا التقنيات الحديثة المتاحة حاليا والمستقلبية في إتمام عقود التجارة الإلكترونية، فضلا على أنهما يتسعان لموضع التجارة الإلكترونية من سلع وخدمات وغيرها من برامج وتقنيات المعلومات وعلى هدي ما سلف؛ فإننا نعرف التجارة الإلكترونية بأنها ممارسة الأنشطة التجارية من عرض وتسويق وبيع وشراء وتبادل للمنتجات والمعلومات والخدمات بوسائل إلكترونية.
وبعد شيوع استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في إنجاز أعمال التجارة الإلكترونية وإبرام العقود وتنفيذها عبر شبكة الإنترنت، اتجه التفكير إلى استخدام نفس هذه التقنيات الإلكترونية لتسوية ما قد ينشأ على هذه المنازعة في مكان واحد، وهذا الوضع الجديد يقتضي تطوير نظام قانوني ملائم وموازي يحكم هذه العملية.
الأمر الذي ينشأ عنه الكثير من المنازعات التي تقتضي سرعة الحسم بعيدا عن الأجهزة القضائية الإقليمية والمحلية نظراً لما يمثله اللجوء إلى القضاء من عبء كبير على المتعاقدين في هذا المجال بحيث لم يعد وسيلة مقبولة لفض المنازعات الناشئة عن التعاملات الإلكترونية وخاصة منازعات التجارة الإلكترونية التي تتم في الغالب بين أطراف تختلف جنسياتهم وأماكن إقامتهم.
لهذا السبب وجدت بعض الوسائل البديلة
(ADR)
لحل مثل هذه المنازعات الإلكترونية ولعل من بين أهم الوسائل نجد التحكيم الإلكتروني الذي ظهر كأسلوب عصري لحسم المناعات التي تنشأ نتيجة استخدام الإنترنت في التعاملات وبشكل خاص يستجيب للسرعة المطلوبة للحسم في مثل هذه النزاعات وذلك لعدم فعالية وعدم مواكبة التحكيم العادي بدرجة كافية لها.
وعلى الرغم من كون التحكيم الإلكتروني وفعاليته وأهميته الكبيرة في فض المنازعات الناشئة عن التعاملات الإلكترونية، إلا أنه وكأي نظام حديث تعترضه مشاكل ثانوية يقع على عاتق رجال القانون تجاوزها بشكل يتلاءم ويواكب هذا التطور المذهل في ثورة الاتصالات. وباعتبار أن التحكيم الإلكتروني يواجه تحديات عديدة بخصوص الإطار والقواعد القانونية الناظمة له.
وفي هذا الإطار فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل التشريعات الوطنية التي وضعت أصلا لتنطبق على التحكيم التقليدي، تصلح للتطبيق على التحكيم الإلكتروني أم أن هذه القواعد تعجز عن استيعاب المشاكل التي تتولد عن استخدام التقنيات الحديثة في إجراء التحكيم فتكون عندئذ بحاجة إلى قواعد وتشريعات جديدة لحكم هذا النوع من التحكيم؟
وتزداد أهمية هذا السؤال في ظل ندرة التشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية التي تعالج مثل هذا الموضوع.
فما مدى انطباق الشروط الواجب توافرها في التحكيم التقليدي على التحكيم الإلكتروني بصفتها القواعد المتوفرة لهذا النوع الجديد من التحكيم؟ وما هي مزاياه وعيوبه؟ وما هي الآلية التي يسير وفقها؟ ومن أين تستقي قواعده؟ وكيف يتم تنفيذ الحكم الصادر إلكترونيا؟

• أهمية اختيار موضوع البحث
إن التفكير اتجه بعد شيوع استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في إنجاز الأعمال القانونية وإبرام العقود إلى فض المنازعات باستخدام نفس التقنيات لتكون العملية التحكيمية أيضا إلكترونية بمعنى أن الإجراءات تتم عبر شبكة الاتصال الإلكترونية دون الحاجة لتواجد الأطراف في مكان واحد وهو ما يقضي تطوير نظام قانوني ملائم يحكم هذه العملية ويجد هذا التفكير أساسه في أن طبيعة شبكة الاتصال الإلكتروني التي تجرى من خلالها التعامل الإلكتروني، تتجاوز الحدود الجغرافية للدول، تأبى الخضوع الكامل للتعامل وفقا للقواعد التقليدية سواء فيما يتعلق بتكوين أحكامها وفيما يتصل بتسوية منازعاتها .
وتتمثل أهمية التحكيم بصورته الإلكترونية بأنه يوفر العديد من المزايا منها على سبيل المثال، السرعة إذ يتماشى ذلك مع طبيعة التجارة الإلكترونية التي تقوم على السرعة في إبرام العقود وتنفيذها حيث لا يلزم في التحكيم الإلكتروني انتقال أطراف النزاع أو الحضور المادي أمام المحكمين بل يمكن سماع المتخاصمين عبر وسائط الاتصال الإلكتروني عبر الأقمار الاصطناعية يضاف إلى ذلك سرعة إصدار الأحكام نظرا لسهولة الإجراءات حيث يتم تقديم المستندات والأوراق عبر البريد الإلكتروني كما يمكن الاتصال المباشر بالخبراء أو تبادل الحديث معهم عبر الإنترنيت لذا انتشرت محاكم وهيئات التحكيم الإلكتروني.

• أهداف الدراسة:
لعل الهدف والدافع من اختيار موضوع البحث يتمحور في كون موضوع التحكيم الإلكتروني من المواضيع الحديثة في الساحة الدولية ومن بين أبرز الأسباب التي دفعت لاختيار موضوع البحث نعرض:
- إن التحكيم في عقود التجارة الدولية موضوع مهم في العالم العربي بأسره لكونه يغل يد القضاء ويحجبه عن النظر في النزاع الذي يوجد بشأنه اتفاق تحكيم، وبسبب اتساع العلاقات الاقتصادية أصبح شرط التحكيم في عقود التجارة الدولية لا يكاد يخلو من أي عقد سواء بطابعه الإلكتروني أو الاعتيادي.
- إن موضوع التحكيم الإلكتروني من المواضيع المهمة في فض منازعات عقود التجارة الإلكترونية لاسيما بعد تزايد هذه العقود وإبرام الصفقات عن طريق الإنترنيت؛
- أغلب العقود التي تبرم أخذت الطابع الإلكتروني حيث يجب فض منازعاتها بطريقة مماثلة وهي طريقة التحكيم الإلكتروني؛
- إن موضوع التحكيم الإلكتروني يعد موضوعا حيويا وذلك بسبب الإشكالات التي يثيرها التوقيع والكتابة الإلكترونية ومدى حجية كل منهما وكذلك وضع بنية آمنة لتبادل هذه المعلومات عبر الوسائط الإلكترونية .

• خطة البحث:
وبمحاولة حل الإشكالات السابق طرحها، يكون من الأوفق تقسيم هذا البحث إلى فصلين:


الفصل الأول: الأحكام العامة للتحكيم الإلكتروني
المبحث الأول: مفهوم التحكيم الإلكتروني والمؤسسات الملتبسة به
المبحث الثاني: نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني والاتفاق عليه
الفصل الثاني: إجراءات التحكيم الإلكتروني والحكم التحكيمي
المبحث الأول: الإطار الإجرائي للتحكيم الإلكتروني
المبحث الثاني: حكم التحكيم الإلكتروني

ونود التنبيه منذ البداية أن هذه الموضوعات لن نتناولها بمعزل عن أحكام وقواعد التحكيم التقليدي وإنما سنأخذها في الحسبان وذلك لكي يتبين مدى مواكبتها للوسائل الإلكترونية الحديثة، التي يجري من خلالها وعلى ضوئها التحكيم الإلكتروني هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن معظم المصادر التي يستقي منها التحكيم الإلكتروني أحكامه. كما سنرى نعتمد قواعد التحكيم التقليدي التي لا تتعارض مع التقنيات الإلكترونية الحديثة.




الفصل الأول
الأحكام العامة للتحكيم الإلكتروني


لم يعد من خلاف أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر المعلوماتية وثورتها إذا اتجه التفكير بعد شيوع استخدام تقينات المعلومات والاتصالات في إنجاز الأعمال القانونية وإبرام العقود إلى فض المنازعات باستخدام نفس التقنيات لتكون العملية التحكمية أيضا إلكترونية بمعنى أن الإجراءات تتم عبر شبكة الاتصال الإلكترونية، وهو ما يقضي تطوير نظام قانوني ملائم يحكم هذه العملية ويجد هذا التفكير أساسه في أن طبيعة شبكة الاتصال الإلكترونية التي يجري من خلالها التعامل وفق القواعد التقليدية سواء فيما يتعلق بتكوين أحاكمها أو فيما يتصل بتسوية منازعاتها ونظراً لحداثة وجدة مصطلح التحكيم الإلكتروني، فإن الأمر يتطلب التعرض أولا لمفهوم هذه المؤسسة والخصائص المميزة لها وتمييز هذا النظام عن باقي المؤسسات المختلطة به ثم ننتقل إلى نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني قبل التطرق إلى طريقة اللجوء للتحكيم.


المبحث الأول:
مفهوم التحكيم الإلكتروني والمؤسسات الملتبسة به

ظهرت بعض الآراء التي تنادي بوجوب إنشاء هيئة أو محكمة تحكيم خاصة بنزاعات العقود والمعاملات الإلكترونية، وذلك على غرار محكمة العدل الدولية ومحكمة الجزاء الدولية. وعلى الرغم من أن إنشاء هيئة تحكيم إلكتروني خاصة للنظر في المسائل والنزاعات المتعلقة بالمعاملات الإلكترونية لا يزال الطريق إليها بعيداً، إلا أننا نجد إحدى المنظمات تحاول أن تفعل ذلك وهي مشروع القاضي الافتراضي
Virtual Magistrate Projet Villanova University
تحت رعاية إحدى الجامعات الأمريكية.
وعلى غرار هذا فبالرغم من أن التحكيم الإلكتروني يعتبر إحدى الوسائل البديلة لحل النزاعات التجارة الإلكترونية والتي تعتبر من أهم الوسائل حيث يخضع هذا النظام لمبدأ سلطان الإرادة للأطراف المتنازعة فهو يواجه إذن بعض الصعوبات.
الشيء الذي حفزنا للبحث في خبايا هذا النظام -التحكيم الإلكتروني- وعليه سنتطرق من خلال مبحثنا هذا لكل من ماهية التحكيم الإلكتروني (مطلب أول) قبل تمييزه عن باقي الأنظمة المشتبهة به (مطلب ثان) على النهج التالي:

المطلب الأول: مفهوم التحكيم الإلكتروني
سنخصص هذا المطلب للبحث في تعريف التحكيم الإلكتروني وخصائصه ثم أنواعه على الشكل التالي:

الفقرة الأولى: ماهية التحكيم الإلكتروني

يلزم لتحديد خصائص التحكيم الإلكتروني التعرض لتعريفه إذ لا يختلف التحكيم الإلكتروني في جوهره عن التحكيم التقليدي فكلاهما وسيلة من وسائل البديلة لفض النزاعات والتحكيم الإلكتروني هو ذلك الاتفاق الذي بمقتضاه يتعهد الأطراف بأن يتم الفصل في المنازعات الناشئة بينهم أو المحتمل نشوؤها من خلال التحكيم ويكون اتفاق التحكيم دوليا إذا كانت المنازعات تتعلق بمصالح التجارة الدولية .
وقد عرفه سامي عبد الباقي أبو صالح "ذلك التحكيم الذي يتفق بموجبه الأطراف على إخضاع منازعاتهم الناشئة عن صفقات أبرمت، في الغالب الأعم، بوسائل إلكترونية؛ إلى شخص ثالث يفصل فيها بموجب سلطة مستندة و مستمدة من اتفاق أطراف النزاع و باستخدام وسائل اتصال حديثة، تختلف عن الوسائل التقليدية المستخدمة في التحكيم التقليدي".
ومن خلال هذه التعاريف يتضح أن التحكيم الإلكتروني ذو أهمية فعالة لاعتباره وسيلة سريعة لحل المنازعات التي تثار بين الخصوم وتقترن بأحكام المحكمين وقرارتها وحرية الرأي وإن ارتكاز التحكيم على الاتفاق (العقد) في مصدره وانتهائه بقرار يشبه إل حد كبير الحكم القضائي أدى إلى اختلاف الفقه حول طبيعته القانونية وتفصيل ذلك على النحو التالي:
 الطبيعة التعاقدية للتحكيم: اختلف الفقه والقضاء حول تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم بصفة عامة فاعتبر البعض التحكيم عقداً رضائيا ملزما للجانبين من عقود المعاوضة.
وقد استند هذا الاتجاه إلى أنه طالما أن نظام التحكيم يقوم على أساس مبدأ سلطان الإرادة، فإن له طابع تعاقدي، فالأطراف باتفاقهم على التحكيم يتخلون عن بعض الضمانات القانونية والإجرائية التي يحققها النظام القضائي وذلك بهدف تحقيق مبادئ العدالة والعادات التجارية وإتباع إجراءات سريعة وأقل رسمية في إجراءات المحاكم.
هذا بالإضافة إلى أن الصفة التعاقدية يحتمها أيضا اعتبار التحكيم من أدوات المعاملات الدولية، ولاشك أن التجارة الدولية أو المعاملات الدولية تعترضها التشريعات والقضاء في مختلف الدول، ولا يمكن تحرير المبادلات الدولية إلا عن طريق العقد لما يتصف به من طابع دولي ومن ثم فلم تقم للتحكيم قائمة بدون جوهره التعاقدي، فاتفاق التحكيم هو الذي يؤدي إلى إخراج النزاع من سلطان القضاء وإسناده إلى محكم خاص، ويعين في ذات الوقت القواعد الإجرائية الواجب إتباعها والقانون الواجب تطبيقه، ولذلك فإن القرار الذي يصل إليه المحكم في النهاية هو محصلة لتطبيق الشروط التي اتفق عليها الطرفان، ولذلك يكتسب الصفة التعاقدية ويرى أنصار هذا الاتجاه أن كل مراحل التحكيم تدل بوضوح على أنه ذو طبيعة تعاقدية ويتضح ذلك جليا من خلال الأتي:
 إن الغاية أو الهدف من التحكيم هو رغبة الأطراف في حل نزاعهم بطريقة ودية عن طريق إخراج النزاع من سلطات القضاء، واستنادا إلى محكم خاص وقبول الطرفين بالقرار الذي يصدره المحكم.
 إن التحكيم يهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة لأطراف عقد التحكيم وذلك عكس القضاء الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة -إقامة العدالة-.
 إن لسلطة المحكمة في حل نزاع بين الطرفين هو اتفاق التحكيم ورضاء الخصوم بالقرار الذي يصدره المحكم وعلى ذلك فهذا الأخير يستمد سلطته من إرادة الأطراف وبالتالي لا يمكن أن تكون هذه السلطة قضائية.
 إن المحكم يمكن أن يكون وطنيا أو أجنبيا عكس القاضي، الذي لابد أن يكون وطنيا بالإضافة إلى أن المحكم إذا لم يقم بواجبه فلا تنطبق عليه قواعد إنكار العدالة. وإذا أخطأ فلا يخضع لقواعد المخاصمة ولا يلزم أن تتوافر في المحكم الشروط الواجب توفرها في القاضي.
 إن عمل المحكم لا يمكن اعتباره عملا قضائيا سواء من الناحية الشكلية لا يلزم المحكمون بإتباع إجراءات التي يتطلبها القانون إذا ما أعفاه الخصوم من التقيد بها، ومن الناحية المادية ليس للمحكم سلطة الأمر التي يتمتع بها القاضي، فهو لا يستطيع مثلا إلزام شاهد بالحضور أمامه وتوقيع غرامة عليه في حالة عدم حضوره ولا يستطيع إلزام الغير بتقديم مستند في يده ليكون منتجا في الدعوى.
في إطار تقييم هذا الاتجاه ذهب الدكتور مصطفى الجمال والدكتور عكاشة عبد العال إل القول بأن هذا الاتجاه له فضل إبراز الدور الذي يؤدي اتفاق الأطراف في مجال التحكيم، غير أنه يتجاهل مع ذلك حقيقة الوظيفة التي يؤديها المحكم، فالمحكم يقوم بالوظيفة ذاتها التي يقوم بها القاضي وهو ينتهي في هذا الشأن إلى حكم مشابه للحكم الذي يصدره القاضي، ولعل مرجع هذا التجاهل مع الانطلاق من ظاهرة هيمنة الدولة الحديثة على الوظيفة القضائية واحتكارها إقامة العدل بين الناس بواسطة قضاة موظفين يختارون من قبلها، إذ الاستسلام لواقع هذه الهيمنة وهذا الاحتكار من شأنه أن يحول دون الاعتراف لمحكم يختاره طرفا النزاع ويحددان صلاحيته بوظيفة قضائية ويؤدي من تم إلى البحث عن تفسير أخر لنظام التحكيم لا يصطدم مع الحقائق الواقعة.
وهذا ما تقدمه بالفعل فكرة العقد التي تدور في فلك أخر غير فلك القضاء وهو فلك سلطان الإرادة والقوة الملزمة للعقود لكن بالنظر لهيمنة الدولة على الوظيفة القضائية واحتكارها لإقامة العدل بين الناس من خلال السياق التاريخي للأمور، من شأنه أن يفتح الباب أمام البعض بالدور القضائي الذي يؤيده المحكم، فاحتكار الدولة للقضاء ولتنظيم السلطة القضائية ما هو إلا مرحلة من مراحل تطور الوظيفة القضائية سبقته مرحلة كان التحكيم يستقل فيها بهذه الوظيفة أو يكاد، وتلوح في الأفق ملامح مرحلة أخرى تتوزع فيها الوظيفة بين قضاء الدولة وبين التحكيم.
 الطبيعة القضائية للتحكيم: حيث يرى أنصار هذا الاتجاه إضفاء الطابع القضائي على التحكيم، وذلك على اعتبار أن التحكيم هو قضاء إجباري ملزم للخصوم حتى ولو اتفق عليه وإن التملص منه لا يجدي وإنه يحل محل قضاء الدولة الإجباري وإن المحكم لا يعمل إرادة الخصوم وحدها مما يجعل الصفة القضائية هي التي تغلب على التحكيم كما أن حكم المحكم هو عمل قضائي شأنه شأن العمل القضائي الصادر عن السلطة القضائية في الدولة، هذا بالإضافة إلى أن كل من المحكم والقاضي يحل النزاع بحكم يحوز حجية الأمر المقضي به.
وقد ذهب البعض في سبيل إظهار أوجه الشبه بين نظام التحكيم ونظام القضاء إلى الموازنة بين دور الإرادة المشتركة للخصوم في التحكيم ودورها في القضاء، فإن كان اختيار التحكيم وسيلة لحسم النزاع يتم بعمل إرادي من طرفيه، فإن الالتجاء إلى القضاء يتم بعمل إرادي من جانب أحدهما ومتى تم هذا العمل تعلق به حق الأخر بحيث لا يجوز لدافع الدعوى التنازل عنه إلا بموافقة خصمه، وقد يتفق أطراف النزاع على رفعه إلى محكمة غير المختصة به أصلا أو إلى محاكم دولة غير الدولة التي يثبت الاختصاص لمحاكمها.
وقد يتفق أطراف الخصومة إلى التنازل عنها بعد رفعها وهذا كله دليل واضح على أن ما تؤديه إرادة الخصوم من دور في طرح النزاع على التحكيم بدلا من القضاء ليس من أثر على حقيقة الوظيفة التي يؤديها التحكيم من كونه وظيفة قضائية مثلها في ذلك مثل وظيفة قضاء الدولة.
وقد استند هذا الاتجاه في تقرير الصفة القضائية للتحكيم للمبررات الآتية:
• أن وظيفة المحكم لا تعدوا أن تكون وظيفة قضائية، وإن ما يصدر عنها من أحكام تعد أعمالا قضائية سواء كانت صادرة وفقا لقواعد القانون أو وفقا لقواعد العادلة، هذا فضلا على أن المحكم يملك تصحيح أحكامه من الأخطاء المادية التي تشوبها وإن كان ذلك مقيد بتوفر الشرطين الآتين:
الأول: ألا يكون ميعاد التحكيم قد انقضى لأنه بفوات هذا الميعاد تزول سلطته.
الثاني: ألا يكون قد تم إيداع حكم التحكيم بقلم كتاب المحكمة ولو تم هذا الإيداع قبل انقضاء ميعاد التحكيم.
• إن الإجراءات المتبعة في خصومة التحكيم ذات طبيعة قضائية، وبالتالي يكون حكم المحكم بمثابة حكم قضائي على اعتبار المحكم يحل محل القاضي فتكون له وظيفته قضائية، فأحكام المحكمين تعتبر أحكاما قضائية سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون أو الموضوع.
• إن حكم التحكيم يعتبر قد صدر من تاريخ كتابته ومن تاريخ التوقيع عليه والأمر الصادر بتنفيذه لا يتدخل في مضمون الحكم، وإنما هو مجرد إجراء شكلي الغرض منه التأكد من عدم وجود ما يمنع من تنفيذ حكم التحكيم، فالأمر الصادر من القاضي لتنفيذ حكم يتماثل مع الأمر الصادر منه لتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية.
 الطبيعة المختلطة للتحكيم: يرى هذا الاتجاه أن التحكيم ليس إلا قالبا قانونيا يحتوي على عملين، الفاعل في أحدهما هو غير الفاعل في الأخر، وهما اتفاق التحكيم وقضاء المحكم، فالأول يحدثه المتنازعان والثاني يحدثه المحكم.
فاتفاق التحكيم، فهو وإن كان عقدا له كل الخصائص العامة للعقود إلا أنه يتميز عنها بهدفه وموضوعه في آن واحد، فهدفه إقامة علاقة قانونية مبتداه بين الطرفين مالية كانت أو شخصية كما هو الحال في غيره من العقود وإنما تسويه الآثار الناشئة عن علاقة سابقة قائمة بالفعل وأما موضوعه فهو ليس التراضي على تسوية نهائية محددة بذاتها للنزاع، وإنما إقامة كيان عضوي فردا كان أو هيئة ترفع إليه ادعاءات الطرفين ويتولى الفصل فيها استقلالا عنهما.
أما عمل المحكم فهو يتمثل في حسم المنازعة وهو يتولى بالضرورة هذا العمل وفقا للضوابط العامة التي يضعها النظام القانوني لحسم المنازعات، وهو يتولى بالضرورة هذا العمل وفقا للضوابط العامة التي يضعها النظام القانوني لحسم المنازعات والتي تجد مكانها في التنظيم التشريعي لقضاء الدولة بحسبانه التنظيم العام الذي يسري على كافة الهيآت ذات الصفة القضائية -وأهمها إلى جانب قضاء الدولة- الهيآت واللجان ذات الطابع القضائي وجهات التحكيم.
وصفوة القول فيما يتعلق بمدى انطباق أي من النظريات الثلاث على التحكيم الإلكتروني نجد أن النظرية الثالثة ويعني بها النظرية المختلطة والتي تقرر عدم خضوع التحكيم لأي قانون وطني بدءا من اتفاق التحكيم وانتهاءاً بحكم التحكيم وهي أنسب وأفضل النظريات الملائمة للتحكيم الإلكتروني وذلك وفقا لطبيعة إجراءاته حيث يتم رفع الدعوى، وتوجيه الإخطارات بالمحررات اللاحقة على الدعوى عبر البريد الإلكتروني كما أن القرارات والإطلاعات والاتصالات الأخرى تتم بنفس الطريقة ويسبق هذه الإجراءات اتفاق الأطراف على قبول عولمة حلول المنازعات الخاصة بالتجارة الدولية والتحكيم التجاري الدولي دون الاكتفاء بما تقرره الاتفاقات الدولية والتشريعية المقارنة النافذة في الوقت الحالي.

الفقرة الثانية: مزايا التحكيم الإلكتروني وأنواعه

ولكل نظام قانوني مزايا تدفع الأطراف المتنازعة إلى اللجوء إليه وتبنيه كآلية لحل منازعاتهم، وعلى هذا النحو فالتحكيم الإلكتروني كنظام من هذه الأنظمة القانونية بدوره له العديد من المزايا أو الخصائص، إذ تشكل أسباب تتعلق بالوقت...
ولعل من أهم مزايا التحكيم الإلكتروني ما يلي:
 السرعة في حسم النزاع (توفير الوقت): السرعة في إصدار قرار التحكيم وذلك لسهولة وسرعة تقديم الأوراق والمستندات المطلوبة وذلك باللجوء إلى استخدام البريد الإلكتروني بدل البريد التقليدي الذي تحتاج إلى وقت أطول بكثير، حيث قامت بعض المؤسسات بإنشاء محكمة التحكيم الإلكترونية بجامعة مونتريال بكندا وكذلك

المحكمة الالكترونية التابعة للويبو
(WIPO)
وتوفير الوقت يرجع إلى أن التحكيم الإلكتروني لا يكلف أطراف التحكيم مشقة الانتقال إلى محكمة التحكيم والتي قد تبعد عن المكان أو الدولة التي يتواجدون بها كما أنه يمكن من تبادل المستندات والأدلة فيما بين أطراف وخصومة التحكيم في وقت واحد عن طريق البريد الإلكتروني أو بأية وسيلة إلكترونية أخرى وهذا على خلاف الأمر بالنسبة للتحكيم التقليدي الذي يتطلب حضور الأطراف بأنفسهم أو بواسطة وكلاء يمثلونهم، وإن التحكيم الإلكتروني والحال يوفر الوقت. ولعل هذه الميزة تبدوا وفي أوضح صورة عندما يتعلق الأمر بالتحكيم الإلكتروني والتي يتم من خلالها توفير الوقت في جميع المراحل التي يتم بها التحكيم.
 التقليل من النفقات (توفير النفقات): إن استخدام الوسيلة الإلكترونية في التحكيم الإلكتروني ابتداءا وانتهاءا يؤدي إلى التقليل من نفقات التحكيم مثلما يؤدي إلى سرعة في الحسم في النزاع والتقليل من نفقات التحكيم الإلكتروني راجع إلى الوسيلة الإلكترونية التي يتم عبرها بأكثر من وجه. فالتحكيم الإلكتروني لا يتطلب انتقال أطراف التحكيم إلى مكان معين تقيد فيه جلسات التحيكم كذلك الحال بالنسبة للشهود، فإجراءات التحيكم ونظرا لأنها تتم عبر الإنترنت لا تستلزم الحضور المادي لأطراف النزاع وهذا ما يوفر نفقات الانتقال إلى مكان التحكيم، من جانب ثان فإن ما يوفره الإنترنت من خدمة الاتصال التي يتم من خلالها تبادل المستندات والمذكرات الخاصة بالنزاع إلكترونيا وبصورة مباشرة يوفر نفقات إرسال تلك المستندات بالوسائل التقليدية. ولا يقتصر الأمر على هذين الجانبين بل يتعداهما إلى جانب الفنية والعملية في منازعات التجارة الالكترونية على وجه الخصوص، وهذا ما يقلل من النفقات اللازمة للاستعانة بالخبراء المختصين في وضع النزاع.
تعد هذه الميزة أساسية في التحكيم الإلكترونية ودافعا مباشر للجوء إليه في منازعات التجارة الإلكترونية.
 تجاوز مشكلة الاختصاص القضائي وتنازع القوانين: صاحب الازدياد المتسارع حجم التجارة الإلكترونية زيادة في حجم ومعدل الخلافات الناجمة عن العمليات التجارية والتي غالبا ما تخضع لنظم قانونية مختلفة نظراً للطبيعة الدولية لشبكة الإنترنت مما يترتب عنه وقوع تنازع في القوانين والاختصاص والتي يعتبر من الصعوبة بما كان حلها نظراً لاختلاف قواعد الإسناد من دولة لأخرى. ويتجلى دور التحكيم الإلكتروني في تمكين الأطراف من تجنب هذه المسألة الصعبة وغير مؤكدة النتائج، حيث يتم الاتفاق بين الأطراف على القانون الواجب التطبيق سواء على موضوع النزاع أو الإجراءات بطريقة صريحة أو بالإحالة إلى لائحة مركز تحكيم معين. وبناء على ذلك يرى بعض الفقه أنه بالإمكان اللجوء إلى المحاكم التقليدية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية وذلك استنادا للقواعد العامة لتحديد اختصاص المحاكم كاختصاص محكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه أو المحكمة المتفق على اللجوء إليها أو محل إبرام أو تنفيذ العقد، إلا أن هذا الاتجاه تعرض للعديد من الانتقادات من ضمنها صعوبة أو استحالة تحديد موطن أو محل إقامة المدعى عليه في حالة ما إذا كان المدعي عليه عبارة عن موقع منشأ على شبكة الإنترنت، كما تشوب مشكلة أمام محاكم الدول التي لا توجد بها تشريعات تتعلق بتنظيم أحكام التجارة الإلكترونية ويساعد التحكيم الالكتروني على تجنيب أطراف العقد عدم مسايرة القانون والقضاء للعقود الإلكترونية من جهة وعدم الاعتراف بهذه العقود من جهة أخرى، بالإضافة إلى مشكلة تحديد المحكمة المختصة.
إلا أن البعض يرى أن ذلك لا يشكل قاعدة عامة، فعلى الرغم من فاعلية الوسائل فإن الأمر لا يخلوا من وسائل بديلة لحسم المنازعات في العلاقات بين المهنيين أو التجار.
 الالتزام بالمحافظة على السرية: إن من أهم المزايا التي ينطوي عليها التحكم الإلكترونية والتحكيم العادي على السواء تتمثل في السرية التي يكفلها الأطراف المتنازعة، إذ لا تكون جلساته علانية. ومن المؤكد أن معظم المشروعات التي تتعامل في مجال التجارة الإلكترونية تحرص على عدم إطلاع المتعاملين معها أو المشروعات المنافسة لها على أثر المنازعات والشكاوى التي تقدم ضدها.
وتشكل السرية هنا أمرا هاما لمثل هذه المشروعات التي تسعى دائما للاحتفاظ بعلاقات جيدة ودائمة مع عملائها ومورديها والمشاركين فيها سواء بالمال أو بالعمل. إن مثل هذه العلاقات ستتأثر ولاشك بنشر وإفشاء مضمون الشكاوى المقدمة ضدها، أو الأحكام التي تصدر فاصلة فيها. والحقيقة أن السرية التي يكفلها التحكيم الإلكتروني وأكثر أهمية في مجال العلاقات التجارية التي تجري بطريقة إلكترونية حيث إن الاتصالات تمتاز بالسرعة ومن ثم فإن انتشار الأخبار المنظومة على أسرار تجارية أو صناعية أو مالية أو اقتصادية سيتم بسرعة كبيرة .
وإذا كان التحكيم الإلكتروني يحقق بعض المزايا والأهداف التي تدفع الأطراف إلى اللجوء إليه في كل منازعاتهم فإنه ينطوي على بعض العيوب التي يجعل المتعاملين في مجال التجارة الإلكترونية ويحجمون عن تبنيه كطريق لوضع حد لمنازعاتهم.
ومن بين هذه العيوب نذكر وبإيجاز:
 عدم مواكبة النظم القانونية الحالية للتطور السريع الحاصل في مجال التجارة الالكترونية ويفيد ذلك جمود القواعد القانونية الموجودة في كثير من دول العالم المتعلقة بإجراءات التقاضي والتحكيم التقليدي من الاعتراف بإجراء التحكيم بوسائل إلكترونية وعدم تعديل التشريع الموجود للاعتراف بأحكام التحكيم الإلكترونية.
 عدم تطبيق المحكم للقواعد الآمرة: هذا العيب يسمح بإمكانية استبعاد تطبيق قوانين متعلقة بالنظام العام على النزاع المعروض عن المحكم وهذه القواعد كما هو معروف لا يجوز للأطراف الاتفاق على استبعاد تطبيقها ولا يخفى مدى الخطورة التي ينطوي عليها هذا الأمر وذلك نظراً لأن هذه القواعد ما تمس المصالح الأساسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يقوم عليها كيان المجتمع.
بالإضافة إلى كل ما سبق فإن هناك عدم الثقة بين المتعاملين في مجال التجارة الإلكترونية في التحكيم الإلكتروني كوسيلة للمنازعات التي ثارت أو سوف تثور فيها بينهم.
ومن مجمل ما تقدم عرضه، يتضح جليا أن التجارة الإلكترونية هي سوق كبير يتم إبرام الصفقات فيها بطريقة إلكترونية، وتتنوع وتتعدد المنتجات الموجودة بداخلها. ويعد التحكيم الإلكتروني هو أحد أهم المنتجات، وما دام أن هذا الأخير منتج فإنه يخضع عندئذ لقوى العرض والطلب، إذ يتمثل الطلب في المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ العقود الإلكترونية، كما أن للمنتج مزايا وعيوب إذ تكون الأولى واضحة وعلى الأغلب الثانية خفية وهما معا يعتبران نقطتان في بحر عميق لا يمكن حصرهما.
وينقسم التحكيم الإلكتروني من ناحية القوة، الملزمة إلى ثلاث أنواع:
 التحكيم الغير الملزم: هو التحكيم الذي لا تتمتع فيه القرارات التحكمية بقوة، ملزمة على عكس القرارات التحكيمية الصادرة في خصومة التحكيم التي تجرى بطريقة تقليدية.
 التحكيم الملزم المشروط: وهو التحكيم الذي يتمتع فيه أحد الطرفين أو كليهما بحرية قبول القرار التحكيمي الصادر أو رفضه خلال فترة محددة، يصبح الحكم بعدها ملزما إذ لم يتم رفضه من قبل أحد الأطراف وإذا أعلن الطرفان قبولهما له.
 التحكيم غير الملزم الحقيقي: وهو التحكيم الإلكتروني الذي لا يرنو إلى إصدار حكم في النزاع يلزم الأطراف. وهنا يفترق التحكيم الالكتروني عن التحكيم التجاري العادي الذي يلتزم فيه الأطراف بتنفيذ التحكيم إجباراً.

المطلب الثاني: تمييز التحكيم الإلكتروني عن باقي الأنظمة المختلطة به

إن النتيجة المنطقية للتصور التكنولوجي في إبرام وتنفيذ الصفقات التجارية بطريقة إلكترونية،هي استحداث وسائل جديدة لحل المنازعات الناشئة عن هذه الصفقات. ولم يتمخض فقط عن هذا التطور ظهور التحكيم الإلكتروني كوسيلة لحل المنازعات الناشئة عنها، وإنما ظهر إلى جانبه وسائل أخرى هي: المفاوضات الإلكترونية والوساطة أو التوفيق الإلكتروني، وسنقوم بتمييز التحكيم الإلكتروني عن هذه الوسائل البديلة وذلك من خلال الفقرتين الآتين:

الفقرة الأولى: التفاوض أو المفاوضات الإلكترونية

يمكن تعريف المفاوضات بأنها عملية يتم فيها التحاور والمنافسة وتبادل الأفكار والآراء والمساومة بالتفاعل بين الأطراف من أجل الوصول إلى اتفاق معين حول مصلحة أو حل مشكلة ما: اقتصادية، قانونية، تجارية، سياسية، ويرى البعض بأنها "حدوث اتصال مباشر أو غير مباشر بين شخصين أو أكثر بمقتضى اتفاق بينهم يتم خلاله تبادل العروض والمقترحات وبدل المساعي المشتركة بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن عقد معين تمهيداً لإبرامه". فعندما كانت المعاملات والصفقات بين الأفراد بسيطة غير معقدة في الماضي القريب، كان يكفي إجراء مناقشة لبعض دقائق لتسوية الخلاف بين الأطراف،غير أن التعقيد في المعاملات التجارية والاستهلاكية انعكس على التفاوض حيث أصبح بالغ التعقيد ويقوم على أسس ومبادئ علمية، ولم يعد وسيلة من وسائل الجدل بل أصبح علما قائما بذاته له أصوله وقواعده ومبرارته.
وتزداد أهمية التفاوض في عقود التجارة الإلكترونية في ظل عجز الطرق التقليدية عن إيجاد حلول تتلاءم وظروف التجارة الإلكترونية وما تتطلبه من سرعة في إنجاز الصفقات.
وإذا كان التفاوض في التجارة التقليدية يتم شفاهة عن طريق الاتصال المباشر بين أطراف التعاقد من خلال عقد اجتماعات وجاهية، فإنه أصبح يتم بطريقة إلكترونية عن طريق تبادل رسائل البريد الإلكتروني أو عبر شبكة الإنترنت أو بواسطة أحد المراكز المختصة.
ويعتبر التفاوض أبسط أنواع الوسائل البديلة لحل المنازعات الكترونيا حيث يهدف إلى توفير مساحة يلتقي فيها الأطراف للوصول إلى اتفاق، ولا يحتاج إلى أي طرف ثالث بل يعتمد على حوار بين الطرفين مباشرة، إلا أنه لا يغير ذلك من طبيعة التفاوض ما دام الوكلاء يملكون سلطة اتخاذ القرار من موكله.
وتكمن أهمية التفاوض في أنه وسيلة للتفاهم وتقريب وجهات النظر بين الأطراف، حيث تلعب دوراً وقائيا بالنسبة لمرحلة العقد والحد من أسباب النزاع في المستقبل، وكذلك معرفة كل طرف بظروف العملية التعاقدية ومجال حقوقه والتزاماته، غير أن أهمية التفاوض تظهر بصورة خاصة في العقود التجارية أو الصناعية التي يمتد تنفيذها لفترة زمنية طويلة، ومن ناحية كونه وسيلة فعالة لإعادة التوازن العقدي في حالة تغيير الظروف ويطلق عليها مصطلح :
ship Hard
للتعبير عن المشقة أو الأزمة التي يمر بها العقد نتيجة تغير الظروف التي أبرم في ظلها.
من التعريف السابق للمفاوضات الإلكترونية، يتضح أن الفارق الأساسي بينها وبين التحكيم الإلكتروني يكمن في جريان إجراءات حل المنازعة عن طريق المفاوضات دون تدخل شخص ثالث، في حين أنه التحكيم يخضع منازعات الطرفان، كما قلنا من قبل إلى شخص محكم تكون له سلطة إصدار حكم تحكيمي. ويضاف إلى ذلك أن المحكم في التحكيم الإلكتروني غالبا ما يطبق وهو في سبيله إلى حل المنازعات قواعد قانونية، أما بالنسبة للمفاوضات الإلكترونية فغالبا ما يتم اللجوء فيها إلى حلول عرفية غير مستمدة من قواعد قانونية محددة وإنما تستقى من مجرد إجراء مقارنات حسابية بين طلبات كل طرف للتوصل كل وسط بينهما. وأخيراً فإن المفاوضات الإلكترونية غالبا ما تنتهي باتفاق يوقعه الطرفان، في حين إن التحكيم ينتهي بحكم تحكيمي يكون ملزما للطرفين.
ومن جانب أخر، فإن النظامين يتفقان في ضرورة التراضي والموافقة على اللجوء لهذه الوسيلة،أو تلك من طرفي المنازعة، فرضا الطرفين يشكل أساس مشتركا بين النظامين، ويضاف إلى ذلك أن النظامين يتما من خلال الرجوع إلى استخدام آليات الاتصال الحديثة.
وعامة بما أن بعض المفاوضات قد تصل إلى طريق مسدود، نظراً لتباعد وجهات النظر واختلاف المصالح يجد المتفاوضون أنفسهم غير قادرين على السير قدما في عملية التفاوض. الأمر الذي يدعوا إلى تدخل طرف ثالث وسيط يقرب وجهات النظر ويساعد الأطراف المتفاوضة على الوصول لحل مقبول وهو ما سيتم عرضه في الأتي -الفقرة الثانية-.

الفقرة الثانية: الوساطة أو التوفيق الإلكتروني

التوفيق والوساطة مصطلحات يتم استخدامها في الغالب على أنهما مترادفان، غير أن البعض يرى أن هناك اختلاف بينهما فالتوفيق: يعني عملية جمع الأطراف المتنازعة ومساعدتهم في توفيق أوجه الخلاف بينهم والتصالح.
والوساطة هي آلية هي آليات المنازعات التي بمقتضاها يختار أطراف العقد شخصا محايدا، يعرضون عليه نزاعهم ويقوم الوسيط بمهمته التي تتمثل بإقامة مناخ ملائم لتبادل وجهات النظر، عن طريق اقتراح ما يراه مناسبا من حلول إلا أن رأي الوسيط لا يتمتع بالقوة الملزمة لأطراف النزاع،الذي يمكنهم أو يمكن لأحدهم، ألا يأخذ برأي الوسيط، وأن يعدل في كل لحظة عن متابعة السير بالوساطة، ليرجع إلى الطريق العادي في التقاضي.
وفي التعامل يلاحظ أنه تمت مبادرات خاصة لإقامة مؤسسة تقوم بدور الوسيط في حل المنازعات، نذكر من بينها le cyber tribunal التي تختص بإجراء الوساطة التي تكلف بها في كافة المنازعات الناجمة عن استخدام التكنولوجيا الحديثة، كالتجارة الالكترونية، والمنافسة، وحقوق المؤلف، والعلامات التجارية، وحرية الرأي واحترام الحياة الخاصة وسواها، ومن مؤسسات الوساطة أيضا، مؤسسة on line ombuds office - وعليه فالوساطة عملية يكون للوسيط من خلالها اقتراح شروط تسوية النزاع، ونرى أنه لا يوجد داع لمثل هذه التفرقة،-بين التوفيق والوساطة- حيث يرى البعض على خلاف الرأي السابق أن على الوسيط أن يمتنع عن القيام بطرح حلول بديلة على الأطراف إذ أن دوره في هذه الحالة ينقلب لدور الموفق وتنقلب العملية إلى توفيق.
ولم يفرق أي من القوانين ولا مراكز الوساطة بين هذه التسميات، حيث يتم استخدام أي منهما للدلالة على الأخر، فعلى سبيل المثال اعتمد القانون النموذجي في بشأن التوفيق التجاري الدولي لسنة 2002 مصطلح التوفيق إلا انه وفي تعريفه لهذا المصطلح أشار إلى انه يعتبر مدلولا مرادفا لمصطلح الوساطة. -
أما فيما يتعلق بالفرق بين الوساطة والتحكيم فتختلف الأولى عن الثاني من عدة وجوه.
 الوجه الأول يتعلق بالعلاقة التي تربط بين طرفي النزاع وسبب اختيارهم لهذه الآلية أو تلك فبينما تجري الوساطة بين أشخاص تربط بينهم علاقة وثيقة ويعرف كل منهم الأخر معرفة جيدة، ومن أجل الحفاظ على هذه العلاقة وعدم إنهاءها، فإنهم يتفقون على إخضاع علاقاتهم ومنازعاتهم لشخص ثالث يحدد أوجه الخلاف والتقارب بين وجهات نظرهم، وذلك من أجل التوصل إلى حل يلبي رغباتهم ويحظى بالتالي بقبولهم. أما في التحكيم فقد يحتفظ الطرفان بعلاقات تجارية مستمرة فيما بينهما وهذا يكون في القليل الناذر، وقد لا يوجد بينهما أية علاقات سوى العلاقة الناشئة والناشئ عنها النزاع، وهذا في الغالب الأعم والتي بانهاءها يذهب كل طرف إلى حال سبيله.
 ويتلخص الوجه الثاني، بين الوساطة والتحكيم في أنه بينما يتمتع المحكم بسلطة قضائية تمنحه القدرة على إصدار أحكام وقرارات ملزمة للطرفين، نجد الوسيط لا يتمتع بمثل هذه اللحظة وإنما يتمتع بسلطة اقتراح الحلول على الطرفين، فالمحكم يحكم بينما الوسيط يقترح، وفارق كبير بين الأمرين.
 ولذلك فإن الحياد والاستقلال تعدان صفتان أساسيتا في الحكم أما بالنسبة للوسيط فتعد قدرته على التقريب وإقناع الأطراف بما يتوصل إليه من حلول أمرا لا غنى عنه.
 ومن ناحية ثالثة، تختلف الوساطة عن التحكيم من حيث أنه يحق لطرفي النزاع الانسحاب في أي مرحلة كانت عليها الوساطة في حين أنهما لا يتمتعان بنفس الإمكانية في حالة التحكيم. ويعد هذا الفارق أمرا منطقيا للطابع الإلزامي للتحكيم سواء من ناحية الإجراءات أو من ناحية حكم التحكيم والطابع غير الإلزامي للوساطة.
 وإذا كانت هناك نقاط اختلاف بين التحكيم والوساطة، توجد نقاط التقاء بينهما أهمها أنه لا يجوز اللجوء إلى أي من النظامين إلا بناء على اتفاق أطراف النزاع سواء قبل نشوب النزاع في صورة شرط التحكيم أو شرط وساطة يوضع في العقد. أو بعد وقوعه بتوقيع اتفاق التحكيم أو الوساطة. ووفقا لبعض أنظمة التحكيم الالكتروني، كنظام المحكمة القضائية، يمكن الرجوع إلى الوساطة حتى ولو لم يشتمل العقد المبرم بين الطرفين بطريقة إلكترونية على شرط الوساطة.
من خلال هذا المبحث يتبين على أن التحكيم الإلكتروني وعلى غرار التحكيم التقليدي هو وسيلة من الوسائل البديلة والتي عرضنا للمقارنة بينها وبين المؤسسات المشابهة لها من تفويض ووساطة وتوفيق لفظ المنازعات الناشئة عن العقود التجارية، وللتخصيص فالتحكيم الإلكتروني هو نظام كباقي الأنظمة القانونية له خصائص ومزايا تميزه عن غيره من الأنظمة الموازية وخاصة القضاء، كما له عيوب ومخاطر تجعل الاجئين لاختيار التحكيم بهدف حسم نزاعاتهم ينفرون منه ويتحاشونه لاختيار وسيلة بديلة أخرى أو الرجوع للقضاء صاحب السلطة والشريعة العامة.
وفي معرض البحث أيضا لمفهوم التحكيم تطرقنا لأنواعه والتي حددت بإيجاز في التحكيم غير الملزم والتحكيم غير الملزم الحقيقي والتحكيم الملزم المشروط.
كما أن من أهم النقط التي تحدد أساس التحكيم الإلكتروني هي معرفة طبيعته إذ يختلف الفقه وتتضارب الآراء على اعتبار أنه ذا طبيعة تعاقدية أو ذا طبيعة قضائية وعلى الرغم من دراسة الرأيين والعرض لهما والتطرق وتحديد الدعائم التي أقامها كلا الفريقين إلا أن الأمر لا زال شائكا حول طبيعته -ما إن كانت عقدية أو غير ذلك- وهو الشيء الذي سنبحث فيه أكثر من خلال دراسة المبحث الثاني على النهج الأتي:

المبحث الثاني:
نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني والاتفاق عليه


عقب تقديم ماهية التحكيم الإلكتروني وتمييزه عن باقي المؤسسات الملتبسة به سنعمل من خلال هذا المبحث على تحديد كل من نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني -مطلب أول- على اعتبار أن هذه الوسيلة لا تتبع في جميع المنازعات الإلكترونية، كما سنبين كيفية اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني -مطلب ثان-:

المطلب الأول: نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني


من الصعب أن تكون السبل البديلة لتسوية النزاعات مناسبة في كل الحالات مهما أمكن تأييدها لهذه السمات أو تلك، فقد تحمل بعض الاعتبارات القانونية أو التجارية الأطراف على اللجوء إلى المحاكم بدلا من التحكيم أو الوساطة فيتعين فحص كل حالة على حدى لتبيين مزايا الخيارات المتاحة ومأخذها، وليس من الصواب ادعاء أن السبل البديلة لتسوية النزاعات هي الأفضل أولا وأخيراً، فقد يشعر الأطراف مثلا بأن نظام المحاكم يلبي احتياجاتهم الخاصة أكثر من غيره.
ويلجأ أطراف النزاع بشكل عام إلى التحكيم لفض النزاعات القائمة بينهم، نظراً لما يوفره من مزايا عديدة يفتقر إليها عن اللجوء إلى القضاء. مع ذلك يبقى التحكيم طريقا بديلا لفض النزاعات ولا يمكن اللجوء إليه في جميع الحالات، نظراً لاعتبارات متعددة.
ويرى البعض ، أن التحكيم الإلكتروني لا يقتصر على فض تلك المنازعات الناشئة عبر الإنترنت، بل يمكن اللجوء إليه لفض المنازعات التي الناشئة عبر الإنترنت، بل يمكن اللجوء إله لفض النزاعات التي تنشأ خارج البيئة الإلكترونية، إلا أن الأمر لا يخلو من صعوبات قد تؤثر على مستقبل التحكيم الإلكتروني وتفقده الثقة، نظراً لحداثة عهده وعدم اكتمال ملامحه بعد.
وإذا سلمنا باقتصار تطبيق التحكيم الإلكتروني على المنازعات التي قد تنشأ في فلك الشبكة الإلكترونية، فما هي طبيعة تلك المنازعات؟
على الرغم من أن معظم المنازعات المعروضة على مراكز التحكيم الإلكتروني تتعلق غالبا بأسماء المواقع الإلكترونية ، نظراً لفاعلية تنفيذ الأحكام الصادرة من جهة، وإلزامية لجوء المتنازعين في هذه المنازعات للتحكيم الإلكتروني بموجب اتفاقية التسجيل من جهة ثانية، إلا أن نطاق تطبيق التحكيم الالكتروني غير محصور في هذه المنازعات فحسب، وإنما يتم اللجوء إليه في كافة المنازعات المتعلقة بالأعمال الإلكترونية وبشكل خاص أعمال عقود التجارة الإلكترونية.
بناء على ذلك سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في الأولى المنازعات الإلكترونية ذات الأساس التعاقدي والثانية المنازعات الإلكترونية ذات الأساس غير التعاقدي.

الفقرة الأولى: النزاعات الإلكترونية ذات الأساس التعاقدي


يرى بعض الفقه أن العقود التجارية التي تبرم عبر الشبكة الإلكترونية إما أن تكون عقوداً تجارية بالنسبة لطرفيها
Business to business
أو عقودا ذات طبيعة تجارية مختلطة أي تجارية بالنسبة لأحد أطرافها ومدنية بالنسبة للطرف الأخر
Business to consumer .
 العقود التجارية:
يعتبر هذا النمط أكثر أنماط التجارة الإلكترونية شيوعا وأهمية من حيث الأثر المالي وفي المتوقع أن يستمر معدل نموذجا القطاع بشكل قياسي على الأقل في المستقبل المنظور.
وعلى الرغم من أن هذه العقود قابلة للتطور ومن المتصور عقود أخرى ولم يكن لها وجودن إلا أنه يمكن تطبيق العقود الصرفة بالنسبة لطرفيها (B2B) ومن ثم المنازعات الناشئة عنها إلى أرٍبعة أنواع من العقود على النحو التالي:
 العقود المختصة بالبنية التحتية للتجارة الإلكترونية :
ويشمل هذا النوع من العقود عقود خدمات الاتصال وتشغيل خدمة الإنترنت ، وتندرج هذه العقود تحت مسمى اتفاقية الربط، وتبرم بين الشركات المخولة بإنشاء وتأمين البنية التحتية لشبكة الإنترنت والشركات والمؤسسة الراغبة في الاستفادة من هذه الخدمات في تقديم خدماتها للآخرين.
وتعد المنازعات الناشئة عن هذا النوع من العقود، في أكثر أنواع المنازعات تعقيدا نظراً لما تثيره من وسائل قانونية تتعلق من جهة بتفسير العقد وتعديله وذلك بسبب ما يحتاج إليه العقد من تغيير في شروطه لمواجهة تطورات التقنية نفسها، ومن جهة ثانية تخصيص العديد في دول العالم جهات رقابية خاصة بتقنية المعلومات والاتصالات تتدخل في إبرام وتنفيذ تلك العقود وخاصة أن تلك العقود كثيراً ما تمس النظام العام الداخلي في الدولة سواء في مجالات الأمن الوطني أو مجالات القوانين المتعلقة بمنع الاحتكار أو المنافسة غير المشروعة أو منح التراخيص الخاصة بتقديم خدمة الاتصالات، بالإضافة إلى المشكلات المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية في الدول النامية.


 العقود المبرمة بين مزودي خدمة الإنترنت والشركات التي ترخص لهم باستخدامها:
ويقع ضمن هذه الطائفة كافة العقود المتعلقة بخدمة الاتصال عن بعد كالعقود المبرمة بين شركات الاتصال الوطنية والشركات العالمية المزودة بخدمة الإنترنت.
ويثير النوع من العقود منازعات تتعلق بأجرة خدمات الاتصال وشروط الاشتراك في الخدمة بالإضافة إلى مسؤولية مزودي الخدمة في أمن المعلومات أثناء نقلها.
 العقود المبرمة بين المنشآت التجارية والمستخدمات لشبكة الإنترنت:
ويعني بها الشركات التي تستخدم خدمة الإنترنت عن عرض بضائعها وخدمتها بعضها مع بعض، وتشمل هذه العقود تلك العقود المبرمة بين مجموعة من الشركات لإنشاء مركز تجاري افتراضي لتمكين المستهلكين من الدخول إليه بشراء حاجياهم على أساس ما يسمى one stop shopping mall أو بين دور المزاد أو الأسواق المالية، فالمتجر الافتراضي يعد بمثابة محل تجاري داخل أحد المراكز التجارية (مول) ولكن هذا المحل أو المتجر متواجد على شبكة الإنترنت وليس له وجود مادي كما هو الحال في المحلات المتواجدة في الأسواق التجارية.
ولاشك أن هذا النوع من العقود قد غير بشكل كبير الطرق التقليدية المتبعة في عرض السلع والخدمات ويثير العديد من المنازعات ذات الطبيعة التعاقدية كالكلفة ، والالتزام بشرط الاتفاقيات المبرمة بين الشركات، بالإضافة إلى المنازعات ذات الطبيعة غير تعاقدية كتلك المتعلقة بالمنافسة غير المشروعة ، والأسرار التجارية وأمن المعلومات، ويندرج ضمن هذه الطائفة نفسها العقود التجارية التقليدية عندما يبرم بين شركات لها مواقع على شبكة الإنترنت كاتفاقية البيع من تاجر الجملة إلى تاجر التجزئة والوكلات التجارية.
 العقود ذات الطبيعة المغلقة على طائفة معينة من المنشآت التجارية:
تعد هذه هي الصورة التقليدية الأولى في مجال استخدام شبكة المعلومات وهي مقصورة على علاقة بين شركات معينة تتاجر في الغالب في السلعة نفسها أو الخدمة نفسها كالعقود المبرمة بين شركات السيارات ووكلائها أو تلك المبرمة بين وكالات وشركات الطيران، أو تلك المبرمة بين شركات التأمين وشركات إعادة التأمين.
ومعظم المنازعات التي تنشأ عن مثل هذا النوع من العقود من منازعات تعاقدية كتلك التي تنشا في مجال التجارة التقليدية كالاختلاف حول السعر أو ونوع البضاعة أو الكمية أو موعد التسليم.
وعلى الرغم من الإشكاليات القانونية التي قد تواجه أطراف هذه المنازعات
(B2B)
عند اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني، وخاصة في تنفيذ الأحكام الأجنبية في إطار اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها لسنة 1957، فإن الحالة تزداد تعقيدا عند دخول المستهلك في العلاقة التعاقدية بحيث لا تصبح العلاقة تجارية محظة، بل ذات طبيعة مختلطة يغلب عليها طابع الإذعان، وخاصة مع حرص التشريعات على إصدار قوانين خاصة بحماية المستهلك من الشروط التعسفية فما هي طبيعة هذه المنازعات؟ وكيف يمكن إضفاء الشرعية على قرارات التحكيم الإلكتروني الخاصة بها في ظل صدورها ضمن معادلة صعبة تتمثل في قبول الطرف الضعيف (المستهلك) بشروط التعاقد دون تفاوض من جهة وصدور قوانين خاصة في معظم التشريعات تحمى المستهلك في العقود الاستهلاكية من جهة أخرى؟
 العقود ذات الطبيعة المختلطة:
تعد العقود المتعلقة بالمستهلك في مجال التجارة الإلكترونية أكثر صدور هذه التجارة شيوعا، وساهم في ذلك تزايد الضغوط على المستهلك لمحاولة جذبه وإغرائه بالدخول إلى عالم التجارة الإلكترونية.
في ظل التطور الهائل في مجال المعلوماتية والاتصالات الإلكترونية وسهولة الإيجار في صفحات الويب من خلال شبكات الإنترنت، بالإضافة إلى أن صورة البيع عبر الإنترنت تكون مفضلة لدى المستهلكين حيث أن المحترفين (المهنيين) ليسوا بحاجة إلى تجار تجزئة بل يعتمدون على استراتيجية تكنولوجية قائمة على السرعة والفعالية.
وأتاح الإنترنت الفرصة أمام المنشأت الصغيرة والمتوسطة للنفاذ إلى أسواق جديدة لتصريف منتجاتها وكسر احتكار المنشأت الدولية الكبيرة لهذه الأسواق، حيث لم تعد المنشأت الصغيرة بحاجة لوساطة تقليدية للبيع ولم تعد بحاجة إلى انتقال إلى البلاد الأخرى وإقامة وكالات فيها، فأي منطقة مهما كان نوع وطبيعة عملها تستطيع الدخول للشبكة وعرض ما تشاء من سلع وخدمات وأفكار دون عوارض مكانية كالحدود بين الدول أو زمنية حيث تتوافر الخدمة 24 ساعة وطوال أيام الأسبوع، ولذلك فإن المنافسة أصبحت عالمية النطاق.
ويتواجد على شبكة الإنترنت العالمية مواقع لمراكز تجارية متعددة يستطيع المستهلك ومؤسسة الأعمال لإتمام عملية البيع والشراء فيما بينهما إلكترونيا، وتقوم هذه للمواقع بتقديم كافة أنواع السلع والخدمات، كما تقوم هذه المواقع باستعراض كافة السلع والخدمات المتاحة.
وتجدر الإشارة إلى أن المعاملات التجارية الإلكترونية التي يطلع منها المستهلكون غالبا ما تكون قليلة القيمة، وتغطي قطاعات مثل الكتب والموسيقى وبرامج الحاسوب، وغيرها من السلع الاستهلاكية. إلا أن هذا الواقع قد يتغير في المستقبل إذا أحس المستهلكون بالثقة عند شراء السلع ذات القيمة العالية عبر شبكة الإنترنت وهكذا وعلى الرغم من هذه القيمة المالية البسيطة إلا أن هذه المنازعات ذات طبيعة قانونية معقدة في إصدار قوانين خاصة بحماية المستهلك. وعلى الرغم من الإجراءات الوقائية التي تؤدي إلى منع غش المستهلك وخداعه كإصدار قوانين حماية المستهلك وإنشاء جمعيات مدنية تهدف إلى حماية المستهلك وتتبع في دفاعها عن المستهلكين عدة طرق من خلال نشر ثقافة حقوق المستهلك بالإضافة إلى حق المستهلك في الإعلام والتبصير ومنحه مهلة للتفكير والحق في الرجوع عن التعاقد ضمن مدة محددة.
الأمر الذي يساعد إلى حد بعيد على تقليل النزاعات إلا أن المستهلك لا يزال عرضة لتلاعب بمصالحة وضماناته ومحاولة غشه وخداعه في ظل الإبرام على إبرام العقود والمعاملات الإلكترونية إذ أن المهني في سبيل رغبته في تسويق منتجاته وتوزيعها يسعى لوسائل غير مشروعة إلى تضليل المستهلك وخداعه عن طريق إبهامه بوجود مزايا غير حقيقية في تلك السلع، أو عدم الاهتمام بتوفير متطلبات الأمن والسلامة في منتجاته ولا يقف الحد عند ذلك بل قد يضع بعض التجار أو المنتجين أنفسهم خارج نطاق اختصاص المحاكم الوطنية للمستهلكين، ويثبت الواقع من منظور التقارير الرسمية أنه لدى واحد من كل خمسة أفراد أمريكيين مشكلة تتعلق بالشراء على شبكة الإنترنت كنسبة تم رصدها من خلال سنة واحدة فقط. وإزاء إقبال المستهلك على التعاقد الإلكتروني وعدم اكتراث المهنيين بالقواعد الحمائية المقررة لصالح المستهلك بموجب قواعد أمرة يطرح التساؤل حول جدوى اللجوء للتحكيم الإلكتروني إذا كان احد أطراف النزاع مستهلكا إذ من الممكن عدم تطبيق القواعد الآمرة المنصوص عليها في القانون الوطني وبالتالي بطلان حكم التحكيم وعدم قابلتيه للتنفيذ.
بالإضافة إلى هذين النوعين من العقود أي عقود التجارية والعقود التجارية ذات الطبيعة المختلطة والتي تدخل في نطاق النزعات الإلكترونية ذات الأسباب التعاقدي التي تعتبر الأكثر شيوعا وتعقيدا في التجارة الإلكترونية مع العلم أن توظيف شبكة الإنترنت في المعاملات التجارية ولدا أنماط جديدة للتعاقد غير الواردة أعلاه والتي نذكر منها:
 العقود المبرمة بين المستهلك ومستهلك أخر؛
 العقود المبرمة بين مؤسسة أعمال وإدارة حكومية أو محلية؛
 التجارة الإلكترونية من مستهلك وإدارة حكومية أو محلية.
بعد عرض النزاعات الإلكترونية ذات الأساس التعاقدي سنعرض من خلال الفقرة الموالية المنازعات ذات الأساس غير التعاقدي.

الفقرة الثانية: المنازعات الإلكترونية ذات الأساس غير التعاقدي
-أسماء النطاق- :

لا تقل المنازعات ذات الطبيعة غير التعاقدية والناشئة عن استخدام الإنترنت في المعاملات التجارية أهمية عن المنازعات ذات الطبيعة التعاقدية في اللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات.
إذ أفرز استخدام الإنترنت العديد من المنازعات تتعلق في معظمها بالملكية الفكرية والصناعية وأمن المعلومات والمنافسة غير المشروعة، ولعل أكثر المنازعات غير التعاقدية التي يلجأ أطرافها للتحكيم الإلكتروني، تلك الخاصة بعناوين المواقع الإلكترونية
Domaine names
فمثلا تشكل هذه المنازعات ما نسبته 84% من القضايا التي نظرها مركز الويبو في النص الأول من عام 2000.
حيث يوقع مسجل الموقع الإلكتروني المعتمد من قبل الإيكان
ICANN
على اتفاقية اعتماد يحال بموجبها أي نزاع إلى نظام التحكيم الإجباري لدى أحد المراكز التي اعتمدتها منظمة الإيكان بموجب البوليصة الموحدة لتسوية المنازعات الخاصة بأسماء المواقع -أسماء النطاق-.
وتعرف أسماء النطاقات من حيث الشكل بأنها عبارة عن سلسلة من الكلمات يفصل بينها نقاط تتولى تعريف عنوان بروتوكول الإنترنت بحيث ينفرد بها حائزه، ومن الناحية القانونية يعرف بأنه علامة تأخذ مظهر اندماج الأرقام والحروف بحيث يتولى هذا المظهر تحديد مكان الحاسوب وموقع أو صفحة عبر الإنترنت، ويتكون اسم الموقع من ثلاث أجزاء: جزءا ثابت وجزأين متغيرتين، والجزء الثابت يتمثل دائما في المقطع
(http://www)
ويشير هذا الجزء إلى البروتوكول المستخدم ويثبت هذا الجزء إلى جميع المشروعات والشركات والأشخاص الذين يمتلكون مواقع على الشبكة، أما الجزء المتغير فهو الذي يلي هذا الجزء الثابت وهو الذي يميز المشروع عن غيره من المشروعات وهو ما يعرف بالعنوان الإلكتروني
Domaine names
وينقسم هذا الجزء إلى نوعين: الأول هو العنوان الإلكتروني في الدرجة الأولى
(TLD)
، والثاني هو العنوان من الدرجة الثانية
(SLD)
وتختلف اسم الدومين المخصص لكل موقع عن جميع أسماء الدومين المخصصة للمواقع الأخرى، ولذلك فإن الأسبق في تسجيل اسم الدومين يمنع غيره من تسجيل نفس الاسم.
وفي ظل غياب الحماية للمواقع الإلكترونية كتلك المفروضة على العلامات التجارية ، قد يتم تسجيل اسم الموقع بقصد المنافسة غير المشروعة واستغلال علامة تجارية معينة، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء منازعات بهذا الصدد، إذ تعد كثيرة في هذا المجال، فما هي أبرز صور المنازعات المتعلقة بأسماء المواقع؟
تتمثل أغلب صور المنازعات في أسماء المواقع الإلكترونية فيما يأتي :
تسجيل اسم موقع متطابق مع علامة تجارية: ويعرف هذا النوع من الاعتداء بالقرصنة الإلكترونية أو السطو الإلكتروني، بحيث يقوم شخص لا يمتلك أي حق على علامة تجارية بتسجيل هذه العلامة في صورة عنوان إلكتروني على شبكة الإنترنت قصد الإضرار بمالك العلامة أو إعادة بيع العنوان على هذا المالك مرة أخرى بثمن متعالى فيه ويعد هذا النوع أكثر الاعتداءات شيوعاً.
تسجيل اسم الموقع متشابه مع علامة تجارية: في هذه الصورة يستخدم شخص ما بعض الحيل في تسجيل اسم الموقع شبيه أو متماثل إلى حد كبير وليس متطابق مع العلامة التجارية العائدة للشركة كما هو الحال في الصورة الأولى، مع العلامة الأصلية ذلك عن طريق إدخال تعديل طفيف على إحدى حروف العلامة التجارية التي يسجلها كاسم موقع أو إضافة كلمة للعلامة التجارية العائدة للشركة ويسجلها كاسم موقع.
 تسجيل اسم موقع يحتوي على علامة تجارية مع إضافة عبارات تحقيرية: في هذه الصورة من الاعتداء، يقوم أحد عمالاء أو موظفي أو زبائن الشركة السابقين بالتعبير عن امتعاضه وغضبه من إحدى المنتجات التي تنتجها الشركة أو الخدمات التي تقدمها فيقوم بتسجيل العلامة التجارية العائدة كاسم موقع مع إضافة كلمة أو عبارة شيء للشركة قبل الاسم أو بعده مثل
(I heat TOYOTA.com)
بإضافة إلى صور أخرى نذكرها بإيجاز:
• تسجيل علامة تجارية عائدة للغير، كاسم موقع عندما يمتنع المسجل عن تحديد تسجيل للاسم.
• تسجيل اسم موقع يحتوي على علامة تجارية عائدة لشركة منافسة أو غير منافسة...
وفي ظل عدم وجود تشريعات شاملة ناظمة لمسائل اسم النطاقات وما تثيره من منازعات، خاصة عندما يكون الاسم مطابقا أو مقاربا لعلامة تجارية فإن التحدي القريب القادم يكمن في إيجاد قواعد قانونية تنظم تسجيل أسماء نطاقات وعلاقاتها بالعلامات والأسماء التجارية وعلى الرغم من أنه يتوجب لفض أو تسوية أي نزاع قائم إلكترونيا سواء بطريقة عادية – القضاء- أو بطريقة بديلة –التحكيم...- تحديد النطاق أولا لمعرفة اصل النزاع فعلا قائم إلكترونيا؟
إلا أنه وفي التحكيم بالخصوص يتوجب أيضا الاتفاق على اللجوء إليه كوسيلة لحل النزاع، وذلك على خلاف القضاء الذي يلجأ إليه تلقائيا كلما نشأ خلاف بين المتعاقدين أو الأطراف.
لذا سنخصص المطلب الثاني لدراسة اتفاق التحكيم الإلكتروني على النحو التالي:

المطلب الثاني: اتفاق التحكيم الإلكتروني


يخضع العقد الإلكتروني في تنظيمه للقواعد والأحكام العامة التي تنظمها النظرية العام للعقد، فهو يتم باتفاق والتراضي بين الطرفين الموجب والقابل، ولكنه يتميز بأنه عقد يبرم عن بعد وبين غائبين باستخدام وسائط إلكترونية، ولا شك أن لهذه الخصائص التي تميز العقد الإلكتروني، تأثيراتها في نظامه القانوني وتجعل له بعض القواعد الخاصة، تخرج به عن قواعد العامة في نظرية العقد التي وضعت أساس للتعاقد العادي باستخدام دعائم ورقية وليست الكترونية وكون اتفاق التحكيم الإلكتروني عقد إلكتروني فهو لا يخرج عن هذه القاعدة بالإضافة إلى أنه ذو طبيعة خاصة تستلزم توافر صور معينة وشروط شكلية وموضوعية لازمة.

الفقرة الأولى: اتفاق التحكيم الإلكتروني وصوره


يعرف اتفاق التحكيم بأنه ذلك الاتفاق "الذي بمقتضاه يتعهد الأطراف بأن يتم الفصل في المنازعات الناشئة بينهم أو المحتمل نشوءها من خلال التحكيم.
ويعرف أيضا كونه تعبير عن إرادتين متطابقتين لاختيار التحكيم كوسيلة لحل المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بالفعل فيما بين طرفين تربط بينهم علاقة تعاقدية أو غير تعاقدية.
وقد يتم هذا الاتفاق قبل نشوء النزاع وعندئذ يتخذ اتفاق التحكيم شكل شرط تحكيم يتم تضمينه بالعقد أو يحيل هذا الأخير إلى شروط عامة تحتوي على هذا الشرط، وإما يتم الاتفاق على التحكيم بعد نشوء النزاع وفي هذه الحالة يأخذ الاتفاق على التحكيم صورة اتفاق مستقل عن العقد الرئيسي.
فتعريف اتفاق التحكيم الذي ورد في السابق يشير إلى أن هذا الأخير يمكن أن يتخذ واحد من الصور الآتية:
 شرط التحكيم: في هذه الصورة يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع، فلا ينتظر أطراف العلاقة القانونية نشوب النزاع بينهما لتحديد الوسيلة التي يعتمدانها لحله، بل يتخذان القرار بشكل مسبق فيتفقان على إخضاع النزاع الذي يقد ينشأ بينهما مستقبلا بسبب تلك العلاقة إلى التحكيم ولا يشترط أنه يدرج اتفاق التحكيم كبند في العقد الذي يبرم بين الطرفين إذ يمكن أن يكون كذلك، فيتفق عليه الأطراف ابتداءا وعند إبرامهم العقد الأصلي مصدر العلاقة القانونية بينهما فيأتي بشكل بند في العقد وقد يتفقان عليه لاحقا، فيأتي اتفاق التحكيم مستقلا عن العقد فالعبرة في هذه الصورة من صور اتفاق التحكيم هي أن يتم الاتفاق على التحكيم قبل قيام النزاع، وفيما عدا ذلك يستوي أن يأتي اتفاق التحكيم كبند في العقد نفسه أو يأتي مستقلا عنه.
 مشارطة التحكيم: يتخذ اتفاق التحكيم صورة مشارطة التحكيم إذا تم الاتفاق بين الطرفين على اللجوء إلى التحكيم لفض نزاع نشأ بينهما فعلا. فاتفاق التحكيم في هذه الحالة يكون تاليا لقيام النزاع.
وهذا ما يعني أن اتفاق التحكيم في هذه الصورة يكون اتفاق لاحق ومستقل عن العقد الأصلي بين الطرفين.
ويلحق بمشارطة التحكيم الاتفاق على التحكيم أمام المحكمة، وفي هذا الغرض كما هو الحال في المشارطة يتم الاتفاق على التحكيم بعد قيام النزاع وعرضه على القضاء ولكن قبل الفصل فيه. ومثل هذا الاتفاق يدون في محضر المحكمة، وتدوينه هذا يقوم مقام الوثيقة التحكيم.
 التحكيم بالإحالة: بموجب هذه الصورة هذه الصورة من اتفاق التحكيم يحيل طرفاه في العقد الأصلي إلى وثيقة أخرى تتضمن شرط التحكيم بقصد تطبيق أحكام هذه الوثيقة على العلاقة بين الطرفين وذلك باعتبارها جزءا من العقد وغالبا ما يكون هناك ارتباط بين العقد الذي يتضمن الإحالة والوثيقة التي تتضمن شرط التحكيم وتتم الإحالة إليها كأن تكون هذه الوثيقة عبارة عن عقد نموذجي فيشير الأطراف إلى الإحالة إليه عند إبرامهم للعقد.
وقد يتم هذا الاتفاق قبل نشوء النزاع وعندئذ يتخذ اتفاق التحكيم شكل شرط تحكيم يتم تضمينه بالعقد أو يحيل هذا الأخير إلى شروط عامة تحتوي على هذا الشرط، وإما يتم الاتفاق على التحكيم بعد نشوب النزاع وفي هذه الحالة يأخذ الاتفاق على التحكيم صورة اتفاق مستقل عن العقد الرئيسي.
يأخذ اتفاق التحكيم مظهراً مختلفا عنه في الشكل التقليدي، حيث إن كل الوثائق تأخذ شكلا إلكترونيا عبر صفحات الويب أو عن طريق البريد الإلكتروني وبه لا يخرج اتفاق التحكيم الإلكتروني عن أحد الصور السالفة التعداد كما يتوجب توافر شروط لازمة لصحة هذا النوع في العقود – العقد الإلكتروني- كما هو مبين في الفقرة الموالية
.
الفقرة الثانية: الشروط اللازمة لصحة اتفاق التحكيم الالكتروني


سنعرض في هذه الفقرة للشروط الموضوعية لاتفاق التحكيم باختصار لعدم اختلاف أحكامها عن الشروط الموضوعية في العقود التقليدية بقدر كبير على أن نعرض بتفصيل للشروط الشكلية لاتفاق التحكيم والتي تثير العديد من التساؤلات حول صحتها عند انعقادها في الشكل الإلكتروني:
• الشروط الموضوعية:
تتمثل هذه الشروط في ضرورة توافر رضا الأطراف باختيار التحكيم كوسيلة لحل المنازعات التي تنشأ أو نشأت بينهما وأن يرد هذا الرضا على محل ممكن (وهو ما يعبر عنه بقابلية النزاع للتسوية بطرق التحكيم)، وأخيراً يلزم أن يكون السبب الذي دفع الأطراف لحل منازعاتهم عن طريق التحكيم مشروع.
• شرط الرضا: لابد أن تلتقي إرادتا الطرفين المعاملة الإلكترونية على اختيار التحكيم طريق لحل المنازعات الناشئة عن هذه المعاملة ويلزم أن يصدر هذا الرضا عن إرادتين خالتين من العيوب (الغلط والإكراه والتدليس...) وعن شخص يتمتع بأهلية التصرف ويعد الرضا باللجوء للتحكيم الأساس الذي يقوم عليه هذا الطريق من طرق حل المنازعات ومنه يستمد إلزامه.
إلا أن التحقق من رضا الأطراف باللجوء للتحكيم الإلكتروني قد يثير بعض الصعوبات عندما يتم التعبير عن الإرادة ضمنيا وعندما يتم الإحالة إلى عقد يحتوي على شرط التحكيم كما أسلف.
• شرط قابلية النزاع للتسوية عن طريق التحكيم: وإلى جانب شرط الرضا يلزم أن يكون النزاع قابلا للتسوية بطريق التحكيم، والواقع أنه على الرغم من اعتراف معظم الدول بالتحكيم كطريق لحل المنازعات بديلا للقضاء الوطني فإن هذا الاعتراف لم يكن كاملا، حيث مازالت معظم النظم القانونية تمنح المحاكم الوطنية حق الرقابة على بعض المسائل المتعلقة بالتحكيم في مراحله المختلفة:
مرحلة نظر النزاع ومرحلة إصدار حكم التحكيم وتنفيذه ونطاق التحكيم التقليدي، تتفق معظم التشريعات الوطنية على استبعاد المسائل المتعلقة بالنظام العام، ومن أمثلة ذلك التحكيم بشأن الترخيص باستغلال براءة اختراع يحدد مدة البراءة بما يزيد عن مدة الحماية القانونية، والتحكيم في منازعة العمل وفي مسائل تتعلق بالمنافسة...
أما فيما يتعلق بالتحكيم الإلكتروني تشكل المنازعات المتعلقة بالعقود التي يكون المستهلك طرفا فيها وكذا المنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية أكثر المنازعات التي تثير كثيراً من المشاكل، هذا بالإضافة إلى المنازعات المتعلقة بالنظام العام.
• الشروط الشكلية:
في مجال التحكيم التقليدي تشترط معظم التشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية ضرورة أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، يقف يمكن الاتفاق على الرجوع للتحكيم بطريقة إلكترونية في ظل شرط الكتابة هذا؟ وقد جاءت المادة 7 من قانون الأونسيترال النموذجي الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة لتنص على فقرتان:
الأولى: "اتفاق التحكيم هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية، ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد أو في صورة اتفاق منفصل."
أما الثانية: فتنص على أنه "يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا ويعتبر الاتفاق مكتوبا إذ ورد في وثيقة بين الطرفين، أو في تبادل وسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي تكون بمثابة سجل للاتفاق أو في تبادل لبيانات الادعاء والدفاع يقر فيه أحد طرفيه بوجود اتفاق ولا ينكره الطرف الأخر، وتعتبر الإشارة في عقد ما إلى مستند يشتمل على شرط التحكيم بمثابة اتفاق التحكيم شريطة أن يكون العقد مكتوبا وأن تكون الإشارة قد وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءا من العقد".
فالنص بهذه الصياغة أتاح إمكانية تحقق شرط الكتابة في تبادل البيانات إلكترونيا أو في البريد الإلكتروني.
وكان الفريق العامل بالتحكيم التابع للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري، قد لاحظ بأن مفهوم "السجل "حسب ما هو مستخدم في الفقرة 2 من المادة 7 من القانون السالف الذكر، لا يعني على وجه التحديد تيسير استعمال وسائط الاتصال الإلكترونية وكذلك موضوع الصلة بين مفهوم "السجل" و"رسالة البيانات" وبعد قيامه بالمداولات المطلوبة اتفق الفريق العامل على إعادة صياغة الجملة الثانية من الفقرة الثانية على النحو التالي.
 وتعني "الكتابة" أي شكل يوفر سجلا للاتفاق أو تيسير الإطلاع عليه بأي نحو أخر بحيث يكون قابلا للاستعمال بالرجوع إليه لاحقا، بما في ذلك أي رسالة بيانات دون تقييد. ويلاحظ بأن هذه الصياغة الجديدة تتوافق مع المادة 1/6 من قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارية الإلكترونية.
كما نجد بعض التشريعات الوطنية الحديثة، فيما يتعلق بالتحكيم قد نصت صراحة على تحقق شرط الكتابة في بنود التحكيم التي تحملها رسالة البيانات الإلكترونية، ومنها قانون التحكيم الألماني الصادر سنة 1977 حيث نص على أن اتفاق التحكيم يجب أن يكون واردا في وثيقة موقعة أو تبادل للرسائل أو فاكسات أو برقيات أو غير ذلك من وسائل الاتصال التي توفر تدوين للاتفاق وأن الشكل الكتابي يتوافر إذا ورد في وثيقة مرسلة من طرف لأخر مادام لا يوجد اعتراض من المرسل إليه.
وقد استلزم المشرع الفرنسي هو الأخر ضرورة أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا ولكنه جعل من الكتابة شرطا لوجود شرط التحكيم (وذلك سواء ورد الشرط في العقد المبرم بين الطرفين، سواء ورد في وثيقة يحيل إليها العقد) وشرطا لإثبات اتفاق التحكيم الدولي على عكس الحال بالنسبة لاتفاق التحكيم الداخلي الذي يلزم أن يكون مكتوبا وعلى عكس القوانين التي تعد جزءا من النظام القانوني اللاتيني (فرنسا، مصر)، فإن القوانين المنتمية للنظام الأنجلوساكسوني (أمريكا، بريطانيا) تكون أقل تشذذا استلزامها توافر الكتابة في اتفاق التحكيم وتتبنى مفهوما واسعا لها وإذا كانت معظم التشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية تختلف في نظرتها للكتابة في نطاق التحكيم ومنها المتشذذ الذي ينظر للكتابة كشرط انعقاد ومن ثمة يرتب على تخلفها بطلان اتفاق التحكيم بطلانا مطلقا ومنها الأقل تشذذا ويجعل منها شرطا لوجود شرط التحكيم وشرط الإثبات اتفاق التحكيم فتتفق جميعا على ضرورة أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا.
من خلال المبحث الأول تمت الإشارة إلى الطبيعة القانونية التي يدخل ضمنها التحكيم الإلكتروني إذ سلف القول على كون الآراء لازالت تتضارب على أنه إما ذو طبيعة قضائية أو تعاقدية.
وترك التوسع والبحث في هذه المسألة أكثر للمبحث الثاني والذي خصص الذكر فيه، نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني. إذ اعتبر الإلكتروني يفصل بالأساس في المنازعات الناشئة عبر الإنترنت لكن بقيت مسألة الرابطة التعاقدية يعتريها الغموض حتى في تحديد النطاق المطبق إذ عملنا على تقسيم نوعية النزاعات إلى نزاعات ذات أساس تعاقدي وأخرى ذات أساس غير تعاقدي، ونطاق التطبيق ومعرفة المجال الذي يمكن للتحكيم الإلكتروني الانبثاق منه يوجه الانتقال إلى تبيان الكيفية أو الوسيلة التي يتم بواسطتها اللجوء إلى التحكيم وبه توجب الوقوف على اتفاق التحكيم الإلكتروني والذي يعتبر في إطار القواعد والأحكام العامة عقداً أو رابطة قانونية بين الطرفين. ولطبيعة هاته، فهو إذاً يحمل في طياته صورا تميزه عن باقي العقود وكذا شروط شكلية وموضوعية تستلزم فيه لصحته.
هكذا، من خلال هذا الفصل ككل تم الاعتماد على معرفة الأحكام العامة المنظمة لهذا النظام القانوني – التحكيم الإلكتروني – من خلال التعرف على أبجدياته الأولية لتعزز رأينا بالأخير بتحديد موقف حول مسألة طبيعته التي تدخل في حيز التعاقد أو لا؟ ونقول أن اعتبار مسألة الاتفاق على اللجوء للتحكيم الإلكتروني عقدا، تستلزم وجود عقد مسبق أو الاتفاق أو رابطة تجمع بين المتنازعين الذين هم في الأصل أطراف علاقة قانونية – عقد- وبه نرجح كفة الرأي الذي يقول (بكون طبيعة التحكيم الإلكتروني تقوم على أساس تعاقدي ونترك البحث جاري ومفتوح في مسألة الطبيعة القضائية للفصل الثاني من بحثنا هذا من حيث وقوفنا على كل من الإجراءات المسطرية الواجبة الاتباث في التحكيم الإلكتروني وكذا صدور الحكم التحكيمي.

الفصل الثاني:
إجراءات التحكيم الإلكتروني والحكم التحكيمي


يعتبر حكم التحكيم الإلكتروني ثمرة اللجوء للاتفاق على التحكيم، فالتحكيم الإلكتروني يمكن أن نقول أنه مجرد استثناء من الأصل، إذ لا يتم اللجوء إليه إلا بعد اتفاق الأطراف على ذلك، وفق ضوابط تختلف من قوانين تشريعية ومن دولة لأخرى.
وقبل تنفيذ الحكم الصادر تمر عملية التحكيم الإلكتروني بمجموعة من الإجراءات منذ الاتفاق عليه، إلى ما بعد صدور الحكم وتنفيذه، إذن ما هي طريقة بدء وسير إجراءات التحكيم؟ وما هي أبرز الوسائل التي من خلالها يمكن تنفيذ الحكم الصادر عن مراكز التحكيم الإلكتروني دون اللجوء للمحاكم الوطنية ؟
هذا ما سنتناوله من المبحثين الآتيين في إطار هذا الفصل:

المبحث الأول:
الإطار الإجرائي للتحكيم الإلكتروني


نظرا لضرورة تنظيم سير عملية التحكيم الإلكتروني فقد عمدت العديد من مراكز التحكيم الدولية إلى وضع قواعد إجرائية خاصة تتناسب مع طبيعة الاتصال والتعاون مع شبكة الإنترنت، فإذا وقع خلاف بين أطراف إتفاق التحكيم الإلكتروني فإنه قبل اللجوء إلى مركز التحكيم يتعين اتخاذ عدة إجراءات معينة لعرض النزاع على المركز المعين، ويمكن انجاز هذه الإجراءات في تشكيل هيئة التحكيم -مطلب الأول- وعرض النزاع على التحكيم الإلكتروني -المطلب ثاني-.

المطلب الأول : تشكيل هيئة النزاع الالكتروني

إن إرادة الأطراف في اتفاق التحكيم هي المرجع الأساسي في شأن اختيار وتشكيل هيئة التحكيم، بحيث إذا اتفق الأطراف على طريقة معينة لاختيار المحكمين فإنه لا بد من الالتزام بهذا الاتفاق ويعبر عن ذلك عن مبدأ " سمو اتفاق التحكيم" وفي هذا الصدد نتناول على التوالي كيفية تعيين المحكمين وتحديد اختصاصاتهم قبل العرض لردهم واستبدالهم بمحكمين آخرين
.
الفقرة الأولى : انتداب المحكمين واختصاصاتهم

يتم اختيار هيئة التحكيم وفقا لقواعد التحكيم العادي حيث إن للأطراف الحق في اختيار المحكمين وتشكيل محكمة التحكيم باتفاقهم في اتفاق التحكيم، ولا يرد على إرادتهم في هذا الصدد أية قيود سوى ضرورة أن يكون عددهم وترا، إذا قرر أطرافي اتفاق التحكيم تشكيل المحكمة من أكثر من محكم، فإن لم يتفقا على عدد المحكمين كان عددهم ثلاثة. وقد يتفق الأطراف على إحالة النزاع على محكمة التحكيم تتولى اختيار المحكمين ، كما تمت الإشارة يجوز للأطراف الاتفاق مسبقا على تعيين المحكمين في اتفاق التحكيم، وبه في حالة وجود إجراءات تعيين اتفق عليها الطرفان، ولم يتصرف أحد الطرفين وفقا لما تقتضيه هذه الإجراءات أو إذا لم يتمكن الطرفان أو المحكمان من التواصل إلى اتفاق مطلوب منهما وفقا لهذه الإجراءات أو إذا لم يقوم طرف ثالث وان كان مؤسسة بأداء أية مهمة موكلة إليه في هذه الإجراءات.
فيجوز لأي من الطرفيين أن يطلب إلى المحكمة أو السلطة الأخرى، أن تتخذ الإجراء اللازم ما لم ينص الاتفاق الخاص بإجراءات التعيين على وسيلة أخرى لضمان التعيين.
وعلى عكس الحال في نطاق التحكيم العادي يتم تعيين المحكمين في إطار التحكيم الإلكتروني، بمعرفة محكمة التحكيم ومثال ذلك ما تقرره المادة 8 من لائحة المحكمة الفضائية - من أن يتم تشكيل محكمة التحكيم، التي قد تتكون من محكم واحد أو ثلاث محكمين، بمعرفة سكرتارية المحكمة. وفي حالة تعدد المحكمين، تولى المحكمان الآخران تعيين محكم ثالث يتولى رئاسة المحكمة، فإذا تعذر عليهما القيام بهذه المهمة قامت بها سكرتارية محكمة التحكيم .
وفيما يتعلق بجنسية المحكمين، للأطراف الحق في الاختيار الكامل لجنسية من يختارون -المحكمين- ، أما بالنسبة للمحكم الوحيد فإن اختياره يتم عادة بواسطة المحكمة من جنسية دولة أخرى غير دول أطراف النزاع وكذلك الحال بالنسبة للمحكم الثالث. ولخلق نوع من الثقة في التحكيم الإلكتروني،يجب أن تتوافر في المحكم الحياد والنزاهة والاستقلالية في مواجهة مشغلي النظم وفي هذا الإطار فإن تمت شك حول استقلالية المحكم في إطار نظام القاضي الافتراضي .
وذلك لان عمل هذا النظام يستلزم التعاون مع مشغلي النظم ، فكيف عندئذ يتصور استقلاله في مواجهة المشغلين؟ إن استقلالية المحكم يجب أن لا تقتصر على علاقته بمشغلي النظم، وإنما يجب أن تمتد لتغطي علاقة المحكم بأطراف المنازعة.
وتوافر الاستقلالية في المحكم الذي يفصل في خصومه تحكيم بطريقة إلكترونية يكون أكثر أهمية من المحكم في خصومه تقليدية، وذلك لأن الأول على عكس الثاني يتمتع بحرية أكبر ويستطيع أن يثير مسألة أو يستدعي القاعدة القانونية أو يطلب القيام بإجراء حتى ولو لم يطلب الخصوم ذلك .
أما تمتعه من بالنزاهة تمكنه من الوقوف على مسافة متساوية من أطراف النزاع وتمنعه من الزيغ عن الحق وتجبره على الالتزام بمعايير الأمانة والصدق والشفافية في إصدار الحكم، وأن يتعامل مع أطراف النزاع بموضوعية ودون محاباة مما يعني الالتزام بالمساواة في معاملته لأطراف النزاع إذ عليه أن يتيح لكل طرف من أطراف النزاع لعرض وجهة نظره، وتمكينه من الرد على ما يطرحه خصمه من وجهات نظر وهو ما يعرف بحق المواجهة .
أما بخصوص مسألة الاختصاص نقول وبإيجاز على أنه يجوز الدفع بعدم اختصاص محكمة التحكيم ، ولكن يجب أن يبدي الدفع في ميعاد لا يتأخر عن وقت قيد بيان الدفاع، ويكون للمحكمة سلطة الفصل في اختصاصها كمسألة أولية، أو أن ترجأ الفصل في الدفاع إلى وقت الفصل في الموضوع، ويكون للمحكمة سلطة إصدار أوامر وقتية فيما يتعلق بموضوع النزاع

الفقرة الثانية: رد المحكمين واستبدالهم

من المؤكد أن إرادة الأطراف لا تنتهي عند تعيين المحكمين، بل يستمر دور الإدارة في ممارسة الرقابة على اختيارها وفق ضوابط معينة، وحرصا على ذلك تمنح جل مراكز تحكيم الأطراف حق رد المحكمين إذا توافرت شروط معينة، وذلك ضمن سقف زمني محدد حتى لا يتخذ هذا الإجراء وسيلة لتعطيل عمل الهيئة.
وفي هذا الصدد نظم مركز الويبو أحكام رد المحكمين، حيت يمكن لأي طرف طلب رد المحكم إذا وجد ما يبرر شكه في مدى حياد واستقلالية ذلك المحكم، ويجيز لأي طرف رد ذات المحكم الذي وافقه على تعينه بشرط أن يعلم بمبررات الرد بعد تعيينه للمحكم.
وغني عن الذكر أن طلب الرد يتم إرساله إلى المركز عبر البريد الإلكتروني مكتوبا حيت يتعين على طالب الرد أن يقوم بإرسال إشعار إلى كل من المركز والطرف الأخر مبينا أسباب الرد والتي تتحدد أهمها:
- على الشخص حين يفاتح بقصد احتمال تعيينه محكما أن يصرح بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوك لها ما يبررها حول حياده واستقلاله، وعلى المحكم مند تعيينه وطوال إجراءات التحكيم أن يفضي بلا إبطاء إلى طرفي النزاع بوجود أي ظروف من هذا القبيل إلا إذا كان قد سبق له أن أحاطهما علما بها.
- لا يجوز رد محكم إلا إذا لم يكن حائزا لمؤهلات اتفق عليها الطرفان ولا يجوز لأي من طرفي النزاع رد محكم عينه هو أو اشترك في تعيينه إلا لأسباب تبينها بعد أن تم تعيين هذا المحكم. -
ويجب أن يتم تقديم طلب الرد خلال 10 أيام من تاريخ تعيين المحكم أو من تاريخ علم الطرف طالب الرد بالأسباب التي بني عليها طلب الرد والمشار أعلاه، ولا يلتفت إلى طلب الرد الذي يقدم بعد فوات هذا الميعاد. وبعد إعلان كل من المحكم وطالب الرد بتقديم ملاحظاته، تفصل سكرتارية المحكمة في طلب الرد بقرار نهائي غير قابل للطعن فيه.
والحقيقة أننا نرى أنه من غير المنطقي أن تتولى سكرتارية المحكمة الفصل في طلب رد محكمين قامت هي بتعيينهم .
وتجدر الإشارة أنه لا تتم الموافقة على طلب الرد بالإيجاب ولا تفصل فيه المحكمة إلا بعد موافقة الطرف الأخر عليه، وانسحاب المحكم من هيئة التحكيم طوعا، مما يفهم أنه بعدم موافقة الطرف الثاني وعدم انسحاب المحكم تستمر الهيئة في النظر في النزاع، ويعتبر هذا القرار ذو طابع إداري ويكون نهائيا لا يجوز المطالبة بتسبيبه أو تعليله.
وفي نفس إطار الرد يمكن تعيين محكم بدلا من المحكم الذي سبق تبديله للنظر في نفس النزاع، وذلك إذا لم يقم بواجباته أو إذا تم رده أو إستقالته بعد قبول سكرتارية المحكمة لها أو في حالة قيامه بإنجازه.
بالإضافة إلى الرد بالاستبدال قد يقع أن يمتنع أو يشمل على المحكم القيام بالمهمة التي أوكلت إليه، فنجد أنه إذا أصبح المحكم غير قادر بحكم القانون أو بحكم الواقع أداء وظائفه أو تخلف على القيام بمهمته تنتهي ولايته إذا هو تنحى عن وظيفته، أو إذا اتفق الطرفان على إنهاء مهمته، أما إذا ظل هناك خلاف حول أي من هذه الأسباب فيجوز لأي من الطرفيين أن يطلب من المحكمة أو إلى السلطة الأخرى التي تساعد أو تعمل على الإشراف في مجال التحكيم، أن تفصل في موضوع إنهاء أو ولاية المحكم وقرارها في ذلك يكون نهائيا.
كما أنه إذا تنحى المحكم عن وظيفته أو إذا وافق أحد الطرفين على إنهاء مهمة المحكم فان هذا لا يعتبر إقرار بصحة أي من الأسباب المشار إليها.
هكذا استخلص أن ما سبق عرضه، هو بمثابة نقطة البداية أو الانطلاق للمسطرة الإجرائية للتحكيم الإلكتروني، إذ يستوجب قبل عرض أي نزاع لحله أو الفصل فيه بطريقة التحكيم الإلكتروني كوسيلة من الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، إنشاء الهيئة التحكيمية، وتعيين المحكمين المكونين لها وتحديد عددهم الذي إن لم ينفرد كان وترا، وفرض رقابة عليهم من خلال الرد والاستبدال، حتى تكيف كل الأجواء الملائمة التي تمكن الخصوص من عرض النزاع على هذه الهيئة قبل الحكم فيه كأخر مرحلة، وهذا هو ما سنعمل عليه إذ نخصص المطلب الثاني من هذا المبحث لإجراءات التحكيم الإلكتروني.

المطلب الثاني: إجراءات التحكيم الالكتروني

يثير التحكيم الإلكتروني عددا من الإشكاليات المتعلقة أساسا بكون النظم القانونية القائمة والمنظمة لإجراءات التحكيم تفترض استخدام الدعائم الورقية والحضور الشخصي لأطراف النزاع، لذلك تلعب القواعد الإجرائية التي تسنها مراكز التحكيم لتنظيم سير عملية التحكيم حدا جوهريا لضمان نجاح العملية، فهي سلسلة من الإجراءات منذ ما قبل عرض النزاع على التحكيم وصولا إلى حين فضه وصدور الحكم فيه، ولهذا سنعمل في هذا المطلب على الإلمام بمرحلة مهمة تبرز بالأساس في مرحلة نشوء وعرض النزاع للتحكيم الإلكتروني، -فقرة 1- مع سير الدعوى والقانون الواجب التطبيق على هذه الإجراءات -فقرة2- .
ا
لفقرة الأولى: تحريك دعوى التحكيم الإلكتروني

يتم في التحكيم الإلكتروني إتباع إجراءات التحكيم العادية مضافا إليها باتفاق الأطراف على القواعد الإضافية الخاصة بالتحكيم الإلكتروني ويجوز للأطراف تحديد إجراءات التحكيم الإلكتروني التي يريدون تطبيقها ضمن بنود اتفاق التحكيم ومن أبرزها نجد:
- كيفية التواصل بين المتخاصمين والمحكمين عن بعد عبر شبكة الإنترنيت.
- كيفية تقديم المستندات إلكترونيا.
- أهمية الحفاظ على سرية المعلومات التجارية، والصناعية موضوع النزاع التي تهم الأطراف.
إذا كنا بصدد خلاف بين أطراف التحكيم الإلكتروني، فإنه قبل اللجوء إلى مركز التحكيم يتعين اتخاذ مجموعة من الإجراءات لعرض النزاع على مركز التحكيم، والتي يمكن إيجازها كالتالي:
- التقدم لمركز التحكيم المعين عن طريق كتابة النموذج الموضوع على موقع الإنترنيت المعد سلفا من قبل المركز أو الجهة المعنية بالتحكيم، مع تبين طبيعة الخلاف الناجم عنه وما قد يقترح من حلول مناسبة،إذ يجب تعيين موضوع النزاع في وثيقة التحكيم حتى نحدد ولاية المحكمين .
- تحديد كل طرف أسماء ممثليه في نظر النزاع ووسيلة الاتصال بهم وتحديد عدد المحكمين واختيار طريقة الإجراءات التي يرغب في إتباعها خلال نظر النزاع وكذلك تحديد مدة النزاع .
- إخطار المدعى عليه بطلب المدعي، والإخطار أو الإعلان يمكن أن يتم من خلال التسلم بإيصال أو بخطاب موصى عليه، أو بفاكس أو تلكس أو أي وسيلة أخرى للاتصال، ويتم الإخطار بعد استيفاء الشروط القانونية بالإعلان على عنوان المدعى عليه الوارد بطلب التحكيم، وعلى هذا الأخير الرد على هذا الطلب في حدود 10 أيام من تاريخ إخطاره به، ويجوز للمدعى أن يرفق أي طلب أخر بالمطب الأصلي يرى أنه من الممكن تقديمه إلى المحكمة، وعلى المدعى عليه أيضا إرسال رده متضمنا موقفه من طلبات المدعي والبراهين التي تدعم موقفه، والاعتراضات المحتملة على التحكيم وبريده الإلكتروني الذي سيرسل منه كافة إدعاءاته إلى الموقع الإلكتروني الخاص بالنزاع، ويكون للمدعي إرسال رده خلال 30 يوم من تاريخ إخطاره بطلبات المدعي عليه .
- يبدأ تاريخ نظر النزاع باستلام المركز لطلب التحكيم، ويقوم بإخطار المحتكم ضده بالإدعاء في حالة عدم إخطاره بطلب التحكيم، وذلك لكي يتمكن من إبداء دفاعه بشأن موضوع النزاع وتقديم الأدلة والبيانات المؤيدة لدفاعه ، وإن تبادل المستندات وأدلة الإثبات بين الأطراف يساعد المحكم على الفصل في موضوع النزاع. ولم تذكر نصوص التحكيم العادي سوى الوثائق المكتوبة، لأنه لم يخطر ببال واضعي هذه النصوص إمكانية وجود وثائق إلكترونية أما عن القواعد المنظمة للمحكمة الفضائية، فقد نصت على أن الاتصال بالسكرتارية يكون من خلال البريد الإلكتروني ، وكما نص نظام التحكيم المستعجل التابع للويبو
(wipo)
على إمكانية نقل الوثائق الإلكترونية الوثائق الأصلية التي ترسل بالبريد المستعجل .ثم يتم أداء الرسوم الإدارية المحددة التي تختلف من مركز تحكيم إلى أخر من الطرفين وفي غضون 30 يوم من إرسال طلب التحكيم بالنسبة للمحتكم ونفس المدة من إرسال طلب الإدعاء المقابل بالنسبة للمحتكم ضده.
وتتم إجراءات التحكيم بطريقة إلكترونية على الموقع الإلكتروني لمركز التحكيم ، وفيها تخزن البيانات والمستندات والوثائق المتعلقة بالقضية وتجمع أغلب الأنظمة القائمة في مجال حل المنازعات بطرق إلكترونية أنه لتسهيل هذه الإجراءات يتوجب إنشاء موقع خاص بكل نزاع لا تستطيع الدخول إليه إلا أطراف اتفاق التحكيم أو وكلائهم ومحكمة التحكيم، وذلك بموجب أرقام سرية، وإضافة إلى عملية التسهيل التي يهدفها الموقع في إنشاءه نجد غاية تمكين الأطراف من إيداع وتقديم ما يريدون إيداعه أو تقديمه من حجج وطلبات ومستندات ووضعها تحت نظر هيئة التحكيم التي تتولى نظر النزاع .
القاعدة أنه يجوز للأطراف تحديد إجراءات التحكيم ضمن الاتفاق عليه مباشرة ويمكن أن يتم ذلك التحديد بطريق مباشر، من خلال الإحالة إلى قانون معين أو نصوص الاتفاقيات الدولية في مجال التحكيم تثور المشكلة إذا لم يتفق الأطراف على تحديد إجراءات التحكيم على النحو السابق،يجري العمل بالنسبة للتحكيم التقليدي على تطبيق الإجراءات الواردة في قانون مكان التحكيم أي قانون الدولة التي تنعقد محكمة التحكيم على إقليمها، ولكن هذا الحل يصعب إعماله في مجال التحكيم الإلكتروني الذي لا يرتبط بإقليم معين، ويتم إجراء المعاملات وتنفيذها عبر الإنترنيت وكذلك الحال بالنسبة لتقديم الخدمات الإلكترونية.
يمكن للأفراد تحديد مكان التحكيم وبالتالي قانون الإجراءات الواجب التطبيق. وإلا جاز للمحكمين إعمال الإجراءات المتبعة أمام محاكم التحكيم الإلكتروني، - كما أن للأطراف حرية الاتفاق على اللغة أو اللغات التي تستخدم في إجراءات التحكيم، فإن لم يتفقا على ذلك بادرت هيئة التحكيم على تعيين اللغة أو اللغات التي تستخدم في هذه الإجراءات ويسري هذا الاتفاق أو التعيين على أي بيان مكتوب يقدمه أي من الطرفين وأي مرافعة شفوية وأي قرار تحكيم أو أي قرار أو أي بلاغ أخر صادر من هيئة التحكيم ما لم ينص الاتفاق على خلاف ذلك، ولهيئة التحكيم أن تأمر بان يرفق بأي دليل ترجمة إلى اللغة أو اللغات التي اتفق عليها الطرفان أو عينتها هيئة التحكيم .
يتضح بناءا لكل ما سبق أن رفع النزاع لمركز أو هيئة التحكيم الإلكتروني لا يحتاج إلى مهارة معقدة في صياغة وكتابة طلب التحكيم ورفعه للهيئة عبر الموقع الخاص بالقضية ولا حتى مسألة تقديم الوثائق والمستندات والأدلة هذه الإجراءات تبرز دور الأطراف بالأساس في دعوى التحكيم، كما أن للهيئة التحكيمية – مركز التحكيم- دور بارز ومهم في مسألة التحكيم يتمثل بالخصوص بعد عرض النزاع عليها وبدء المحاكمة التي تبدأ بعملية التحكيم وتستمر إلى أن تنتهي بإصدار الحكم وقيده على الموقع الخاص بالقضية على الانترنيت ، وهذا الدور هو الذي سنعمل على معرفته من خلال الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: سير الدعوى التحكيمية ومكانها


وبعد أن يكون قد تجمع أمام المحكم أو الهيئة التي تنظر النزاع طلبات وردود كل طرف على طلبات الدفوع، كما تم بيان ذلك في الفقرة السابقة، أي تقديم البيانات الكتابية الإضافية والشهود عند وجودهم، حيث قد يستجد أمر ما لم يتمكن الأطراف من تقديم البينة شأنه في الطلبات الأولية أو قد يفاجأ المحتكم بأمور في طلبات المحكم بحاجة إلى الرد ولم يكن قد اطلع عليها، ويتم عقد جلسات التحكيم عند الاقتضاء، مرافعة لتمكين كل طرف من شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته، كما أن للهيئة الاكتفاء بتقديم الطلبات والوثائق المكتوبة ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، وبه يتوجب علينا من خلال هذه الفقرة معرفة شكل الجلسات في العالم الافتراضي ؟ وشكل سير الدعوى التحكيمية عموما؟
إن من أبرز الإشكاليات التي تثيرها مرحلة سير الدعوى في التحكيم الالكتروني بحكم طبيعة الوسط الذي يجري فيها هي شكلية العقد في الجلسة وتقديم البيانات.
إذا تعالج المادة 24 من القانون النموذجي- الأونسيترال- هذه المسألة في فقرتها الأولى وتنص " تقرر هيئة التحكيم ما إذا كانت ستعقد جلسات مرافعة شفهية لتقديم البيانات أو لتقديم الحجج الشفهية أو أنها ستسير في الإجراءات على أساس المستندات وغيرها من الأدلة المادية مع مراعاة أي اتفاق مخالف لذلك بين الطرفين غير أنه يجب على هيئة التحكيم ما لم يتفق الطرفان على عدم عقد أية جلسات المرافعات الشفوية أن تعقد تلك الجلسات في مرحلة مناسبة من الإجراءات إذا طلب ذلك منها أحد الطرفين .
وعليه، يفهم من مضمون المادة أن عقد الجلسات بالأساس يقوم على اتفاق الطرفين مع تحديد شكل الجلسة وأن غض نظر الخصمان لهذه المسألة في اتفاق التحكيم لا يجبر المحكم على ضرورة عقد الجلسة إلا في حالة طلب أحد الخصوم ذلك.
وتبقى المسألة التي تفرض نفسها هي معرفة ما إذا كان من المقبول إدارة الجلسات إلكترونيا حيث أن الوسائل الفنية في هذا المجال متاحة من خلال الانترنيت، وقد ظهرت وسائل حديثة للاتصال تسمح بتبادل الصورة والصوت والنصوص، بشكل متزامن بين الطرفين وبسرعة عالية، ومن هنا نجد أن البريد الإلكتروني يسمح بنقل النصوص والمستندات المكتوبة والمرئية، لكنه يمكن أن يكون أكتر استعمالا في تقدير أدلة المرافعات والجلسات في المرحلة التي يكون فيها تبادل فوري، كما يمكن للأشخاص أن يتقابلوا في غرف محادثة جماعية
chat conférence
وكذلك كما في حالة المؤتمرات حيث تسمح لكل شخص يعمل على الحاسبة الإلكترونية، بعد ربطها بشبكة المعلومات أن يرسل ويكتب ويقرأ في آن واحد فضلا عن المؤتمرات المرئية تعقد، جلساتها بين الأشخاص في أي مكان بالعالم ويكون هذا الالتقاء بين الأشخاص أي بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المكان .
وعلى هذا النحو فمراكز التحكيم الإلكتروني تأخذ صراحة بإمكانية عقد الجلسات وسماع الخصوم والشهود والمحامين والخبراء عند اقتضاءهم بشكل يقارب جلسات التحكيم العادي وكل ذلك عبر الوسائل الإلكترونية، فعلى سبيل المثال ووفقا للائحة الويبو الخاصة بالمنازعات الإدارية في أسماء المواقع والملكية الفكرية، نصت المادة 27 على أن مصلح الجلسة يشمل اللقاءات المادية أو التي تتم عبر التلفون أو مؤتمرات الفيديو أو الاتصال المتزامن للتبادل الإلكتروني في الاتصالات بطريقة تسمح لأي من الأطراف تلقي أو إرسال أي رسالة من الطرف الأخر.
وخلاصة القول إن المداولات التي تجري عن طريق الانترنت والتي تسمى
vidéo conférence
تجعل لقاء الأطراف أسهل وأسرع من إجراءات التحكيم العادي، ويبدأ التحكيم من تاريخ إنشاء موقع القضية على الشبكة، وتبدأ هذه الإجراءات من اليوم الذي يستلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم سواء كان إلكترونيا أو اعتياديا وحيث نجد أن الأطراف هي التي تحدد تاريخ بدأ الإجراءات ،ولابد من استخدام نظام تشفيري يسمح لتبادل المستندات والمعلومات السرية عبر الانترنت .
تجدر الإشارة إلا أنه بالرغم من السرعة الملاحظة في جريان جلسات التحكيم، إلا أن هذه العملية لا تضمن صحة مضمون ما يتم فيها من إجراءات بشكل مثالي، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرمان الأطراف من حق الدفاع وبالتالي إمكانية المنازعة في صحة القرار وإبطال تنفيذه، ويرى أن القول بإمكانية عقد بعض الجلسات بشكل مادي( وجها لوجه)، يخرج التحكيم الالكتروني من ثوبه فلا بد من إيجاد آلية لضمان سير جميع الإجراءات بالشكل الإلكتروني بشكل يكفل صحة وسلامة إدارة الأطراف ومضمون هذه العملية، لا أن يتم الرجوع إلى الوسط المادي وإلا فما الغاية من القول بوجود من هذا النوع من التحكيم أصلا؟ على العموم فأبرز خطوات التحكيم المتبعة من تاريخ عرض النزاع بإرسال الطلب إلى حين إصدار الحكم نفسها السارية في كل مراكز التحكيم الموجودة، ولا تختلف كثيرا عن بعضها البعض إلا من حيث المدد المتعلقة بالرد على الدفوعات والطلبات، وعلى ذكر المدد فعلى المحكم أو الهيئة التحكيمية أو المركز إصدار قرار أو حكمه التحكيمي في مدة معينة ومحدودة حيث سيتم التعرض لها عند مناقشة إشكالية إصدار الحكم التحكيمي في المطلب لاحق.
بعد التطرق للإجراءات المتبعة قبل سريان الدعوى وتلك الواجبة في الدعوى ومعرفة القانون الواجب التطبيق عليها يتضح أن الأصل كما هو الحال في هذا الأخير أن يتفق الأطراف أيضا على تحديد مكان إجراء التحكيم في اتفاق التحكيم ومن مزايا ذلك أنه يساعد في تحديد المحاكم المحلية المختصة بإلغاء حكم التحكيم وكذا تحديد التحكيم تماشيا مع مقتضيات اتفاقية نيويورك، ولما كانت شبكة الانترنيت لا توجد في جزء معين من العالم المادي وبمعنى أنها لا ترتبط بدولة معينة، فإن القول بأنه لا وجود لمكان تحكيم في مجال التحكيم الإلكتروني قول صحيح، لذا لا يمكن ربط هذا النوع من التحكيم بنظام قانوني لدولة بعينها بما يؤهله على دعم قوانينها وقبولها به، وإذا حددت ولم يتفق الأطراف على مكان التحكيم. تولت هيئة التحكيم تحديد هذا المكان مع مراعاة ظروف التحكيم، وتبقى مسألة تحديد المكان ليس بأمر يشغل أطراف التحكيم عبر الانترنيت، على اعتبار التسهيلات التي تقدمها الشبكة والتي تمكن تحقيق اتصال وتواصل الأشخاص، إذا لا حاجة للقاءات والمقابلات الشخصية .
تقييما لكل ما سبق عرضه في هذا المبحث يتضح أن مرحلة تعيين الهيئة التحكيمية ومرحلة عرض النزاع أهم مرحلتين يعرفها التحكيم الإلكتروني إذا بهما تتبين خصوصية هذا الأخير كوسيلة بديلة لفض المنازعات من جهة، واختلافه وتعقيد إجراءاته خاصة المتبعة أمام المحكمة الافتراضية عن التحكيم العادي – التقليدي- من جهة أخرى، فرفع النزاع للتحكيم يتوخى منه إسراع المسطرة قصد الخلوص لنتيجة واضحة في أقل مهلة ممكنة إلا أنه تنبغي المعرفة إلى أن كل الإجراءات السالفة الذكر والتي تعد الطريق الوحيد والمعبد لإصدار الحكم مصدرها الأساسي إرادة الأطراف في اتفاق التحكيم إذ الإرادة – الصريحة لا الضمنية- هي المرجع في شأن اختيار وتشكيل هيئة التحكيم، بحيث إذا ما اتفق الأطراف على طريقة معينة لاختيار المحكمين فإنه يتعين الالتزام بهذا الاتفاق ويعبر عن ذلك بمبدأ " سمو اتفاق التحكيم" ونفس الشيء يسري على تحديد مكان التحكيم والقانون الواجب التطبيق، كما أن مسألة الطلبات والدفوعات بيديهم- الطرفين- إسراع المسطرة أو تأخيرها وذلك باحترامهم ا الآجال المحددة لأن خرق الآجال يعمل على تعطيل الإجراءات والتأخير فيها، فضلا عن الجزاءات التي تفرضها المراكز لعدم إغفالها هذا الجانب العملي المهم .
وبه فمن الطبيعي أنه يعد الانتهاء من تقديم البيانات وانعقاد الجلسات تختتم إجراءات التحكيم طبقا للمدد المحددة قانونا. ليصدر قرار التحكيم النهائي، الشيء الذي سنعمل على دراسته من خلال المبحث اللاحق والأخير في بحثنا هذا.

المبحث الثاني:
حكم التحكيم الإلكتروني

يعتبر حكم التحكيم الإلكتروني من أبرز المسائل التي تضع مشروعية التحكيم الإلكتروني على اعتبار أنه يمثل ثمرة اتفاق وإجراءات عملية التحكيم بمجملها بالنسبة لأطراف التحكيم من جهة وجزء من سلطات الدولة وسيادتها المتمثلة في القضاء من جهة أخرى.
ويثير حكم التحكيم الإلكتروني، تساؤلات عديدة لا على صعيد الشكل فحسب، بل أيضا عند تنفيذه فهل نعتبر حكم التحكيم صحيحا إذا صدر في شكل الإلكتروني؟ وبالتالي هل يكون هذا الحكم واجب النفاذ من جانب المحاكم الوطنية في الدولة المطلوب تنفيذ الحكم فيها؟ وإزاء عدم تنظيم معظم قوانين التحكيم العربية منها لأحكام التحكيم الالكتروني، وللإجابة على هذه التساؤلات وغيرها والتعرف على ماهية حكم التحكيم وكيفية صدوره والطعن فيه، سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في الأول ماهية الحكم التحكيمي والثاني آثار الحكم التحكيمي.

المطلب الأول: ماهية حكم التحكيم الإلكتروني

لمعرفة حكم التحكيم لابد من تعريفه حتى تتسنى لنا معرفة القواعد الخاصة به، إذ بعد انتهاء هيئة التحكيم من سماع الإدعاء والدفاع من أطراف الاتفاق على التحكيم وفحص وسائل الإثبات المقدمة من الأطراف، وإغلاق باب الجلسات، لابد من إصدار الحكم الذي توصلت إليه الهيئة بعد التشاور مع أعضائها.
تتعدد تعريفات الحكم التحكيمي حتى انقسم الفقهاء إلى اتجاهين، اتجاه موسع والآخر مضيق.
 التعريف الموسع: ويمثله الأستاذ
E. Gaillard
بحيث يعرف بأنه:
" القرار الصادر عن محكم والذي يفصل بشكل قطعي على نحو كلي أو جزئي في المنازعة وبمسألة تتصل بالإجراءات أدت بالمحكم إلى الحكم بإنهاء الخصومة".
 التعريف الضيق: يمثله الفقه السويسري ممثلا في كل من الأساتذة
Lalive et Peymand
بحيث يعرف بأنه:" القرار الذي ينهي بشكل كلي أو جزئي منازعة التحكيم حتى تلك المتصلة بموضوع النزاع ولا تفصل في طلب محدد، بحيث لا يمكن وفقا لهذا الفقه أن تكون الأحكام محلا للطعن فيها بالبطلان استقلال عن الحكم التحكيمي الذي سيصدر" .
وما بين موسع ومضيق لتعريف حكم التحكيم، يمكن تعريفه بأنه: كل القرارات الصادرة عن المحكم والتي تصدر بشكل قطعي في المنازعة المعروضة على هيئة التحكيم، سواء كانت قرارات كلية تفصل في موضوع المنازعة ككل أو قرارات جزئية تفصل في شق منها، وسواء تعلقت هذه القرارات بموضوع المنازعة أو بموضوع الاختصاص أو بمسألة تتعلق بالإجراءات طالما أدت بالمحكم إلى الحكم بإنهاء الخصومة.
ولا يختلف تعريف حكم التحكيم الإلكتروني عن تعريف حكم التحكيم عموما لأن حكم التحكيم الإلكتروني يتم عبر شبكة الانترنيت وهذا الوسيط محدود باتفاقات وبروتوكولات دولية لتبادل المسندات والمعلومات ولذلك فحكم التحكيم يعني كافة القرارات الصادرة عن هيئة التحكيم عبر شبكات الاتصال. سواء كانت قرارات نهائية أو قرارات مؤقتة تمهيدية أو جزئية دون الحاجة إلى التواجد المادي لأعضاء هيئة التحكيم في مكان واحد .
بعد عرض تعريف الحكم التحكيمي الإلكتروني يتوجب الوقوف على صدور هذا الحكم من خلال تحديد شروطه قبل التطرق إلى صدور إنهاء إجراءات التحكيم.

الفقرة الأولى: صدور الحكم التحكيمي


قبل أن نتناول الشروط الواجب توافرها في حكم التحكيم الصادر في خصومة التي تجري إلكترونيا يلزم التعرض للشروط التي يجب أن يستجمعها حكم التحكيم الفاصل في خصومة التحكيم التقليدية.
حكم التحكيم كالحكم القضائي يجب أن يصدر في الموضوع وعلى ذلك لا يعد حكما تحكميا في الأحكام غير المنهية للخصومة سواء تعلق الأمر بالإجراءات أو بالدعوى أو موضوعها، ولا يجوز للمحكم أن يصدر حكمه متجاهلا للقانون الإجرائي والقانون الموضوعي الذين اختارهما الأطراف للتطبيق على إجراءات خصومة التحكيم وعلى موضوع النزاع.
ويلزم بالإضافة لذلك، ضرورة أن يصدر حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكم إذا اقتصر تشكيل هيئة التحكيم عليه وحده أما إذا ضمت هيئة التحكيم ثلاثة محكمين تكتفي عندئذ بتوقيعات أغلبية المحكمين.
والحال هكذا، تشكل الكتابة لوجود الحكم لا لإثباته، فإذا غابت الكتابة بأن صدر الحكم شفاهة غاب معها وصف حكم التحكيم، ويلزم تذييل حكم التحكيم بتوقيع المحكم أو المحكمين الذين أصدروه .
على هذا النحو تثار مشكلة الكتابة أيضا فيما يتعلق بحكم محكمة التحكيم الإلكترونية، فهل يجب أن يصدر هذا الحكم مكتوبا ويكون معقدا؟
تشترط كافة قوانين التحكيم صدور الحكم التحكيمي كتابة وإن كانت هذه القوانين لا تتفق فيما بينها حول الدور الذي تلعبه هذه الشكلية في اتفاق التحكيم. ومن حيث أن بعض القوانين نصت صراحة على ضرورة صدور حكم التحكيم كتابة، أمكن استنتاج اشتراط كتابة حكم التحكيم في البعض الآخر، فتجد قانون الأونسيترال اشترط ضرورة كتابة حكم التحكيم في الفقرة الأولى من المادة 31 والتي تنص على أنه "يصدر قرار التحكيم كتابة ويوقعه المحكم أو المحكمون يكفي في إجراءات التحكيم التي يشترك فيها أكثر من محكم واحد أن توقعها أغلبية أعضاء هيئة التحكيم شريطة بيان سبب غيبة أي توقيع" .
ونصت على نفس الشروط المادة 54 من قواعد منظمة الملكية الفكرية، والمادة 4 من اتفاقية نيويورك التي استوجبت للاعتراف بالحكم وتنفيذه تقديم أصل الحكم أو نسخه طبقا للأصل منه.
يتضح لنا من العرض السابق أن معظم النصوص التي استلزمت الكتابة لم تشترط شكلا خاصا لصياغتها أو طريقة تدوينها، فقد تكون بخط اليد أو بالوسائل الإلكترونية لذا فإن صدور الحكم بالكتابة الإلكترونية يحقق شرط الشكل المطلوب في التشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية. وفيما يتعلق بتوقيع الحكم فقد نصت المادة 31 من القانون النموذجي الخاص بالتحكيم التجاري الدولي على ضرورة توقيع المحكم والمحكمين حالة تعددهم على حكم التحكيم وهذا هو المعمول به في التحكيم العادي، حيث يقوم المحكمون بتوقيع الحكم بخط اليد إلا أن التوقيع بخط اليد غير متيسر في التحكيم الإلكتروني، لذا اقترح البعض- لعلاج مشكلة غياب توقيع المحكمين بخط اليد- إرسال نسخة مطبوعة من الحكم إلى أعضاء لجنة التحكيم لتوقيعها.
إلا أن هذا الحل لا يمكن قبوله لأنه يخرج عن الإطار الإلكتروني الذي يجري فيها التحكيم فلابد من إعطاء التوقيع الإلكتروني نفس حجية التوقيع العادي، وهذا ما أقرته قواعد منظمة الملكية الفكرية التي نصت على أن:
" يوقع الحكم إلكترونيا من أعضاء اللجنة. بالإضافة إلى شرطي الكتابة والتوقيع نجد شرطا آخر يتمثل في نشر الحكم في الموقع الذي أنشئ خصيصا للقضية وإعلانه للأطراف بكل وسيلة من وسائل الاتصال وفقا لظروف القضية وبعد أن يكون الأطراف قد سددوا الرسوم المفترضة، وعادة يكون للمحكم سلطة تحديد مكان صدور حكم تحكيمي وإذا ما وقعة أطراف اتفاق التحكيم على هذا المكان يكون عليه –المحكم- بيانه في حكم التحكيم الصادر عنه وتقرر الفقرة الأولى من المادة 25 من لائحة المحكمة الفضائية اعتبار حكم التحكيم قد صدر في مكان التحكيم. كما يجب على هيئة التحكيم ان تصدر حكمها المنهي للخصومة خلال الميعاد المتفق عليه من قبل الأطراف، أما إذا لم يوجد أثناء بدء إجراءات التحكيم وفي الحالتين يجوز لهيئة التحكيم مد الميعاد شرط ألا يزيد موضوع المدد على 6 أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن القرارات الصادرة عن هيئة التحكيم وفي حدود اختصاصها يجب أن تكون مكتوبة وموقعة من المحكمين، وأن تكون مسببة وأن يتم تبليغها للأطراف سواء صدر هذا القرار بصورة اعتيادية أو إلكترونية. ولابد للمحكمين قبل إصدار الحكم من قفل باب المرافعة وإحالة القضية إلى الدراسة والتوصل بعد ذلك للحكم الفاصل في النزاع مبدئيا، تتم إحالة النزاع للمداولة فيه إذا كانت هيئة التحكيم مؤلفة من أكثر من محكم واحد ولا حاجة لذلك إذا كانت مكونة من محكم واحد ويتم التساؤل هنا حول ما إذا كانت إجراءات التحكيم تنتهي عند هذا الحد أم أنها تستمد إلى ما دون ذلك؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: إنهاء إجراءات التحكيم الإلكترونية


يصدر حكم التحكيم الإلكتروني بعد مداولات تتم غالبا عن طريق الفيديو كون فرنس بعد تبادل الرسائل الإلكترونية بين المحكمين في حالة تعددهم لكن هل ينتهي دور هيئة التحكيم أو المحكم بعد صدور حكم التحكيم؟ وهل من الممكن أن تتخذ هيئة التحكيم قبل إصدار حكم نهائي فاصل في موضوع النزاعات أي إجراءات تحفظية؟ من المؤكد أن دور هيئة التحكيم لا ينتهي تماما بعد صدور حكم التحكيم بل تحتفظ الهيئة ببعض صلاحياتها في النزاع المعروض، حيث يشوب الحكم الصادر غموضا أو نقصا أو قد يحتاج إلى تسبيب وهو ما سنبحثه تباعا.
تختلف القوانين في اشتراط تسبيب حكم التحكيم الصادر من قانون لآخر، ففي حين لا يشترط القانون الإنجليزي والأمريكي تسبيب أحكام التحكيم تفترض بعض القوانين تسبيب الحكم، إذ نصت المادة 31 من قانون الأونسيترال، على أنه يجب أن تسبب هيئة التحكيم قرارها ما لم يتفق الطرفان على عدم تسبيبه أما لائحة المنظمة العالمية للملكية الفكرية تجعل الخيار لأطراف التحكيم مع مراعاة القانون الواجب التطبيق فتنص المادة 62 منه على أنه:" يبين قرار التحكيم الأسباب التي يستند إليها إلا إذا كان الطرفان قد اتفقا على عدم تسبيبه ولم يكن القانون الواجب التطبيق على التحكيم يقتضي بيان تلك الأسباب".
وعليه إذا كان أحد أطراف التحكيم الإلكتروني قد لجأ لمركز المنظمة العالمية للملكية الفكرية على سبيل المثال فإنه يجب تسبيب القرار، استنادا لنص المادة وإلا كان الحكم معرضا للنقض.
فيما يتعلق بتصحيح الحكم واستكمال ما أغفل الفصل فيه يجوز لكل من الطرفين أن يطلب تصحيح ما يكون قد وقع في حكم التحكيم من أخطاء حسابية أو طباعية أو أية أخطاء، مماثلة دون المساس بموضوع التحكيم، ويراعى في حكم التحكيم أن يصدر من أغلبية أعضاء الهيئة، إذ يسري عليه ما يسري على إصدار الحكم الأصلي ولا يختلف الأمر في التحكيم الإلكتروني فيه في التحكيم العادي حتى في المدد، حيث يلاحظ أن أغلب التشريعات تأخذ بمدة 30 يوما لتقديم طلب التصحيح وهو ما ذهبت به المادة 66 لائحة المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
وتشير المادة 46 من نفس اللائحة إلى أن محاكم التحكيم الإلكتروني قد تتخذ تدابير مؤقتة بناء على طلب أي من الطرفين بعد تقديم كفالة مناسبة حيث تأخذ هذه التدابير شكل قرار مؤقت وهذا على الرغم من اختلاف فاعلية تطبيق القرارات المؤقتة في التحكيم الإلكتروني عنها في التحكيم العادي.
لكن يجب مراعاة أن يكون موضوع المساعدة من المحكمة المختصة مدنيا أو تجاريا، بالإضافة إلى ارتباط الدولة المعنية باتفاقية أو معاهدة دولية مع الدولة التي يكون الطرف الآخر منها، ولا شك أن تنامي تبني الحكومة الإلكترونية بين دول العالم المختلفة يساعد على تنفيذ مثل هذه القرارات أو الطلبات .
هكذا يتضح أن حكم التحكيم الإلكتروني لا ينتهي بمجرد صدوره ذلك أنه قد يحتاج إلى تسبب أو تصحيح أو اتخاذ تدابير وقائية مؤقتة وكما قد تنتهي إجراءات التحكيم بقرار التحكيم النهائي أيضا بأمر من هيئة التحكيم وفقا لما جاءت به الفقرة الثانية من المادة 32 من القانون النموذجي
– الأونسيترال- إذ على هيئة التحكيم أن تصدر أمرا بإنهاء إجراءات التحكيم إذا سحب المدعي دعواه أو إذا اعترض على ذلك المدعى عليه واعترفت هيئة التحكيم أن له مصلحة في الحصول على تسوية نهائية للنزاع أو إذا اتفق الطرفان على إنهاء إجراءات التحكيم أو إذا وجدت هيئة التحكيم أن استمرار الإجراءات أصبح غير ضروري ومستحيلا لأي سبب آخر مما يفيد أنه أعطيت للهيئة التحكيمية سلطة تقديرية واسعة، وبانتهاء إجراءات التحكيم تنتهي ولاية هيئة التحكيم عامة.
نستشف من خلال هذا المطلب أن قرار التحكيم يصدر بعد فض المحاكمة وإنهاء الإجراءات ما لم تطرأ ظروف استثنائية تحول دون ذلك مع توضيحها للأفراد إن وجدت ويشترط أن يصدر القرار كتابة، وتكفي الأغلبية لصدوره مع التوقيع عليه من الرئيس والأعضاء مع ذكر رأي العضو المخالف إن لم يكن الحكم بالإجماع، وملخص أقوال المتهم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره .
وكأي حكم القرار التحكيمي ينتج عنه هو الآخر مجموعة من الآثار وعليه هل تعتبر هذه الأخيرة هي نفسها الناتجة عن باقي الأحكام؟ فيما تتجلى هذه الآثار؟ سنعمل للإجابة على هذه الأسئلة من خلال مطلب ثان
.
المطلب الثاني: آثار التحكيم الإلكتروني


إن صدور حكم التحكيم الإلكتروني يرتب بعض الآثار أهمها قابلية ذلك الحكم للتنفيذ فور صدوره وفي نفس الوقت قابلية للحفظ تأكيدا لمبدأ السرية -الذي يعتبر أساس الالتجاء للتحكيم الإلكتروني- لذلك لابد من تناول حجية حكم التحكيم الإلكتروني ومدى قابليته للطعن في الفقرة الأولى، وتنفيذه وحفظه في الفقرة الثانية وذلك على التحولات:

الفقرة الأولى: حجية التحكيم الإلكتروني والطعن فيه


تعترف معظم التشريعات لأحكام التحكيم بحجية الأمر المقضي به، والحجية تنصرف إلى المستقبل وتعمل خارج الخصومة التي صدر فيها الحكم، أما قوة الشيء المقضى فيه فتعمل داخل الخصومة للدلالة على ما يتمتع به القرار من قابلية أو عدم قابلية الطعن بطرق الطعن. كما أن حكم التحكيم لا يحوز فقط حجية الأمر المقضي فيه وإنما يحوز أيضا قوة الأمر المقضي به وذلك أنه لا يحوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في القوانين المدنية.
ويلاحظ أنه وإن كان حكم التحكيم يتمتع بحجية فإن هذه الحجية ليست مطلقة وإنما يتحدد نطاقها بنطاق التحكيم فلا يكون للحكم من حجية إلا في حدود ما فصل فيه من المسائل التي تضمنها اتفاق التحكيم كما أنه لا يتمتع بحجية إلا في مواجهة أطرافه، الذين اعلموا بالحضور أمام محكمة التحكيم، وعلى ذلك لا يجوز الخلط بين القوة الملزمة لاتفاق التحكيم وحجية حكم التحكيم الذي يصدر بناء على هذا الاتفاق. أما على مستوى التحكيم الإلكتروني توجد بعض الأحكام التحكيمية التي لا تتمتع بحجية الأمر المقضي به ومثال ذلك التحكيم الذي يجري وفقا للائحة الموحدة لمنظمة الإيكان
ICANN
والتي تقرر تعليق تنفيذ حكم التحكيم على عدم قيام أحد الطرفين بالرجوع إلى المحاكم الوطنية خلال 10 أيام التالية.
لإعلامهم بحكم التحكيم الأمر الذي يعني عدم تمتع القرار التحكيمي بقوة إلزامية في مواجهة أطراف الخصومة ويأخذ بهذا التوجه القضاء الأمريكي الذي يجيز للأطراف ليس فقط تحديد نطاق القوة الملزمة لحكم التحكيم بل استبعادها كليا .
على خلاف أحكام القضاء لا يجوز الطعن في أحكام التحكيم بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في القوانين المدنية.
وعلى ذلك يعد حكم التحكيم حكم نهائي ولا ينال من نهائية أحكام المحكمين ما تقرره بعض القوانين من جواز الطعن فيها بالبطلان لأسباب محددة وذلك "لأن هذه الأسباب تتصل بصلاحية الهيئة واختصاصها والضمانات الأساسية للتقاضي، والنظام العام في بلد مقر التحكيم أو بلد تنفيذ الحكم الصادر عن هيئة التحكيم، ومن ثم فهي ضروريات لأي حكم منه للخصومة إذا لم يستوفها لم يكن جديرا بالتنفيذ ولا حائز للحجية التي لا قوام باعتباره حكما قضائيا إلا بها".
وفيما يتعلق بالتحكيم الإلكتروني، لا يختف الأمر كثيرا حيث تنص الفقرة 25 من لائحة المحكمة الفضائية على أن يعد التحكيم نهائيا لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف، وقد نصت الفقرة 6 من المادة المشار إليها على أن يعتبر اتفاق الأطراف على إخضاع النزاع للتحكيم وفقا للائحة المحكمة الفضائية، تنازلا منهم عن الطعن في الحكم بأي طريق من طرق الطعن، وهذا الحكم نفسه الذي يقرره نظام القاضي الافتراضي هذا على خلاف نظام محكمة التحكيم الفضائية أنه يجوز استئناف الأحكام الصادرة منها أمام المحكمة المختصة بالطعون في الأحكام الصادرة من محاكم أول درجة، وعلى ذلك لا يستطيع الأطراف طلب تنفيذ الحكم إلا بعد أن يصبح الحكم نهائيا بفوات مواعيد الطعن بالاستئناف أو برفض الطعن.
وعلى ذلك تقترب قواعد الطعن في أحكام التحكيم التقليدية مع قواعد الطعن في أحكام التحكيم الصادرة في خصومة التحكيم تجرى إجراءاتها بطريقة إلكترونية ومن أجل بناء تنظيمات ذاتية فعالة تدير التحكيم الإلكتروني بداية من الاتفاق على التحكيم حتى تنفيذ حكم التحكيم، تنظيمات تجنب تقرير بطلان حكم التحكيم من قبل القضاء الوطني، نرى من الأفضل تضمين هذه التنظيمات بقواعد تكفل الطعن في الحكم الصادر أمام هيئة تحكيم أخرى يتم تشكيلها خصيصا لنظر الطعن مع قصر الطعن في الحكم على البطلان الذي قد يلحق هذا الأخير لأسباب محددة حصرا على غرار ما تقرره بعض التشريعات .
إلا أن حكم التحكيم الإلكتروني لن يكون له من قيمة قانونية وعملية إذا ظل مجرد عبارات مكتوبة غير قابلة للتنفيذ، فتنفيذ حكم التحكيم يمثل أساس ومحور نظام التحكيم نفسه وتتحدد به مدى فعاليته كأسلوب لفض وتسوية المنازعات وبه كيف يتم تنفيذ قرار التحكيم الإلكتروني؟ وفيما تتحدد آلياته؟ وكذا حفظ هذا القرار؟

الفقرة الثانية: تنفيذ وحفظ حكم التحكيم الإلكتروني


إن الثمرة الحقيقية للتحكيم تتمثل في الحكم الذي يصل إليه المحكمين لذلك تعتبر مسألة تنفيذه جوهر إعمال وتحريك ما جاء في حكم المحكم من قرارات.
فعندما يفضل الأطراف اللجوء للتحكيم فإنه يجب عليهم تنفيذ الحكم الصادر من محكمة التحكيم دون تأخير، ومع ذلك قد يكون الطرف الخاسر سيء النية وترفض تنفيذ الحكم مما يضطر الطرف المستفيد إلى اللجوء للقضاء الوطني لدولة التنفيذ لطلب تنفيذ هذا الحكم .
وحيث أنه قد لا يروق الحكم الصادر أحد الأطراف فما هو الحل إزاء تعنته أو عدم انصياعه إلى قرار التحكيم، لاسيما وأن حكم التحكيم الإلكتروني قد يكون غير ملزم .
وانطلاقا من كون التحكيم الإلكتروني نظاما خليطا لا يمكن سلخه عن أصله التقليدي، فالأصل أن يتم تنفيذ الحكم الإلكتروني بنفس الآلية التي يتم فيها تنفيذ حكم التحكيم التقليدي إن أمكن ونظرا لاعتبارات عديدة يصعب معها إتباع نفس الآلية السابقة فقد يتم تنفيذه بطرق تتماشى مع خصوصية العالم الافتراضي دون الحاجة إلى إتباع إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، فكيف يتم تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني؟
يشترط إيداع حكم التحكيم لدى حكم كتاب المحكمة التي يوجد بها القاضي المختص بتنفيذه لكي يحصل الحكم على صيغة الأمر بالتنفيذ وفي حالة تحديد مكان التحكيم فإن الحكم الإلكتروني تكون له جنسيته الخاصة، مثل أحكام التحكيم العادية. وبالتالي يمكن تقسيم أحكام التحكيم من حيث التنفيذ إلى:
1- التنفيذ في بلد صدور حكم التحكيم: أن يخضع لإجراءات تنفيذ أحكام التقليد العادية ويعتبر كأي محكم محلي.
2- التنفيذ والاعتراف به في البلاد الأجنبية: أن يخضع تنفيذه لاتفاقية نيويورك لعام 1958 التي تسري مقتضياتها على أحكام التحكيم الإلكتروني أيضا.
ما يلاحظ أن اتفاقية نيويورك لا تشترط أن يكون حكم التحكيم مكتوبا وموقعا من طرف المحكمين بل تكتفي باشتراط أن يقدم الطرف الراغب في الاعتراف وتنفيذ الحكم في بلد أجنبي النسخة الأصلية للحكم أو صورة مصدقة عنه مثل هذه الشروط تفرض أعباء على الطرف الراغب في تنفيذ حكم التحكيم عبر الإنترنيت رغم أن الهدف منها هو حماية أطراف النزاع من الغش والتدليس .
وتتلخص إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني في:
1- إيداع حكم التحكيم لدى قلم كتابة المحكمة المختصة؛
2- انقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان التحكيم الإلكتروني؛
3- استصدار أمر بتنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني؛
4- التقدم بعريضة إلى القاضي المختص بإصدار الأمر بالتنفيذ؛
5- إرفاق المستندات اللازمة لعملية التنفيذ (أصل حكم، صورة من اتفاق التحكيم، صورة من الأوراق الدالة على إيداع الحكم لدى قلم كتابة الضبط) ؛
6- تقديم ما يفيد سلامة، المعلومات المتضمنة في (الحكم والمشارطة) إذا كان موقعين إلكترونية .
وبخصوص مسألة الحفظ يتميز حفظ التحكيم التقليدي ببقاء المعلومات المحفوظة على دعائم ورقية لفترة طويلة من الزمن لذا أصبح التحكيم التقليدي يأخذ مكانة مرموقة كدعامة لحفظ الحكم لدى قلم كتابة المحكمة متى تمت مراعاة الشروط الخاصة بالحفظ، وعلاوة على ذلك يتسم الحفظ التقليدي للتحكيم العادي ببساطته النسبية حيث لا يتطلب خبرة حقيقية من قبل الموظف المكلف بالحفظ أو الأرشفة، وفي هذا الصدد ينبغي الأخذ في الحسبان أنه في هذا النوع من الحفظ لا يمكن نقل المعلومات التي يتم حفظها على دعامة ورقية تحتفظ بطبيعتها الأصلية ولما كانت مسألة الحفظ في مجال التحكيم العادي لا تثير أية مشكلة فقد نصت المادة 28 في الفقرة 4 من القواعد المنظمة لغرفة التجارة الدولية على أن" يودع أصل الحكم لدى أمانة المحكمة"، ولم تشر اتفاقية نيويورك والقواعد المنظمة للمحكمة القضائية إلى مسألة الحفظ فإذا كانت هذه الأخيرة قد نصت في المادة 23 الفقرة 6 على أن "الحكم على موقع الدعوى"، إلا أن المادة 10 من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية أشارت إلى بعض الشروط التي يجب توافرها لحفظ الوثائق الإلكترونية وهي:
1- سهولة الاطلاع على المعلومات التي تتضمنها هذه الوثائق في وقت لاحق؛
2- الاحتفاظ برسالة البيانات التي أنشأت أو أرسلت أو تم استلامها به؛
3- الاحتفاظ بالمعلومات التي تتعلق بمنشئ رسالة البيانات ووجهة وصولها وتاريخ ووقت إرسالها واستلامها لا شك أن مراعاة كل تلك المقتضيات مرجعة أجهزة التحكيم باعتبار أحد مهامها حفظ الحكم وضمان كماله ومن هنا يبدو اختيار أطراف التحكيم لمؤسسة التحكيم باعتبارهم أصحاب مصلحة في تفضيل مؤسسة هامة ذات خبرة تملك أفضل الوسائل لحفظ التحكيم وتأكيد سريته وإقامة الدليل على محتواه دون منازعة كلما كان ذلك ممكنا.
خلاصة القول من خلال هذا المبحث نستنتج أن قبل صدور أي قرار أو حكم تحكيمي يتوجب توافر مجموعة من الشروط كما نجد أن أغلب القوانين الصادرة تتطلب إخطار الأطراف بحكم التحكيم الصادر في النزاع وإعلام أطراف الخصومة به- الحكم- إذ الهدف من بلاغهم هو تسليمه ما صدر من حكم وأما في مجال التحكيم الإلكتروني فقد رأينا أن الحكم يصدر بشكل إلكتروني مع إمكانية الأطراف الاطلاع عليه عبر موقع الشبكة وإرسال نسخة منه إلى بريده الإلكتروني، لإخطارهم بما جاء فيه، وأن صدوره يترتب عليه بعض الآثار الهامة المتصلة في حجية الأمر المقضي به، أي يعد حجة على كافة الأطراف حيث يكون الحكم مكتسبا الدرجة القطعية ولا يمكن الطعن فيه ويكون الأصل في تنفيذ حكم التحكيم سواء كان عاديا أو إلكترونيا أن يتم بالتراضي بين أطراف الخصومة الذين ارتضوا لحكم هيئة التحكيم، وبعد صدور الحكم لابد من حفظه لدى قلم كتابة المحكمة باللغة التي صدرت به أو ترجمتها ويكون مصدقا وموقعا عليه من قبل هيئة التحكيم ويجوز لكل من الطرفين الحصول على صورة من الحكم الصادر.

خاتمة

لما كان التحكيم الإلكتروني يمتاز بالفاعلية وقلة التكاليف والسرعة بشكل أساسي، فمن الطبيعي أن يكون طريقا مفضلا لحسم المنازعات وعلى الرغم من حداثة عهده ومواجهته للعديد من العقبات القانونية والفنية إلا أننا رأينا كيف أنه من الممكن التغلب عليها وتدليلها، سواء بالاتفاق مسبقا بين الأطراف على النقاط التي يمكن أن تثيرها طبيعة الوسط الذي يجرى فيه التحكيم، كالاتفاق على تحديد مجلس العقد والقانون الواجب التطبيق وغيرها من الإشكاليات أو بالاعتماد على ما يبتدعه التحكيم الإلكتروني من آليات وتنظيم ذاتي ينسجم مع طبيعة المعاملات المعروضة على مراكز التحكيم الإلكتروني كصدور الحكم وتنفيذه .
لذلك فقد ألقينا الضوء من خلال هذه الدراسة على معظم الجوانب المتعلقة بالتحكيم الإلكتروني معرضا في الفصل الأول للقواعد والأحكام العامة المتعلقة بالنظام القانوني، للتحكيم الإلكتروني الذي يعتبر حجر الزاوية الذي يستند عليه اتفاق الأطراف إذ انصب بحثنا على جانب من جوانب التحكيم الإلكتروني وهو جانب على قدر كبير من الأهمية يتعلق باتفاق التحكيم الإلكتروني، فالتحكيم يبدأ باتفاق وحيث لا اتفاق لا تحكيم.
ودرسنا في الفصل الثاني الإجراءات التي يتطلبها سير التحكيم وأحطنا بجميع الأمور المتعلقة بالحكم التحكيمي، وحيث أن البحث بدأ بهدف التعرف على أحكام التحكيم الإلكتروني، وتقصي ما إذا كانت الأحكام التي تسري على التحكيم التقليدي يمكن أن تستوعب هذه الصيغة الجديدة من صيغ التحكيم فإن البحث انتهى تحقيقا لما بدأ به إلا أن الأحكام التقليدية لا يمكن أن تطبق كما هي على التحكيم الإلكتروني.
فاتفاق التحكيم الإلكتروني هو اتفاق يبرم عبر الإنترنيت وهذه الوسيلة لها خصوصياتها مما يستوجب مراعاة ذلك في الأحكام التي تسري عليه.
وأخيرا نقول أن الدافع وراء عدم تطرقنا للقانون المغربي في هذا الإطار
–التحكيم الإلكتروني- كان هو الفراغ التشريعي في هذا الباب، ذلك أن المشرع نظم بمقتضى قانون 53.05 المتعلق – بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية- صحة المحررات المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية، وإلى جانب ذلك تطرق للنظام القانوني المطبق على التوقيع الإلكتروني المؤمن و التشفير والمصادقة الإلكترونية.
إلا أنه وبالرغم من مواكبته للتطورات التكنولوجية من خلال المقتضيات القانونية السابقة، أغفل تنظيم موضوع التحكيم الإلكتروني على اعتبار أن هذا الأخير يحظى بمكانة هامة في المعاملات الإلكترونية باعتباره من الوسائل البديلة لحل المنازعات الناشئة عن العقود الإلكترونية عوض الالتجاء إلى القضاء.



لائحة المراجع:


1. الكتب:

 محمد إبراهيم أبو الهيجاء، عقود التجارة الإلكترونية، العقود الإلكترونية والمنازعات العقدية وغير العقدية والقانون الواجب التطبيق.
 إبراهيم الدسوقي أبو الليل، الجوانب القانونية للتعاملات الإلكترونية، دراسة للجوانب القانونية للتعامل عبر أجهزة الاتصال الحديثة (التواصل الإلكتروني).
 خالد ممدوح إبراهيم، إبرام العقد الإلكتروني.
 عبد الفتاح بيومي حجازي، التجارة الإلكترونية وحمايتها القانونية الكتاب الأول، نظام التجارة الإلكترونية وحمايتها المدنية
 سامي عبد الباقي أبو صالح التحكيم التجاري الإلكتروني دراسة مقارنة.
 مصطفى الجمال وعكاشة عبد العال، المحتكم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية.
 أسامة إدريس بيد الله، التحكيم الإلكتروني( الماهية، إجراءاته).
 فادي محمد عماد الدين توكل، عقد التجارة الإلكترونية.
 آلاء يعقوب النعيمي، الإطار القانوني لاتفاق التحكيم.
 إلياس ناصيف، العقود الدولية، العقد الإلكتروني في القانون المقارن.
 حداد حفيظة، الاتجاهات المعاصرة بشأن اتفاق التحكيم.
 محمد أمين الرومي، النظام القانوني للتحكيم الإلكتروني.
 محمد الجنبيهي ومنير الجنبيهي، التحكيم الإلكتروني.
 محمد حسين منصور، المسؤولية الإلكترونية.
 إيناس الخالدي، التحكيم الإلكتروني.
 تامر سليمان الدمياطي، أسباب التعاقد الإلكتروني عبر الإنترنيت

2. الأطروحات

 سامية يتوجي، عرض مقدم في إطار الدراسة النظرية لمقياس التحكيم الدولية بعنوان التحكيم الإلكتروني.
 رضوان هاشم حمدون الشريفي، رسالة لنيل الماجستير في القانون بعنوان، حول نظام قانوني خاص بالتحكيم الإلكتروني.


3. الندوات

 الندوة الجهوية 11 بقصر المؤتمرات بالعيون 1 و2 نونبر 2007 تحت عنوان الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى.
 ندوة صياغة وإبرام عقود التجارة الدولية بشرط الشيخ – مصر أيام 25 إلى 29 دجنبر 2007.
 ورقة مقدمة بعنوان دور التحكيم الإلكتروني في حل منازعات التجارة الإلكترونية في المؤتمر المغاربي الأول حول المعلوماتية والقانون بالجماهيرية الليبية، لهند عبد القادر سليمان.

4. المواقع الإلكترونية

 نبيل زيد مقابلة التحكيم الإلكتروني
http://www.aarb-elaw.com/show-similar-aspx?id
 أطروحة لنيل شهادة الماجستير من إعداد رجاء نظام حافظ بني شمسة، الإطار القانوني للتحكيم الإلكتروني دراسة مقارنة
http://www.njah.edu/thesis/5171825.pdf
 زهران علا، السبل البديلة لتسوية نزاعات الملكية الفكرية ودور المنظمة العالمية للملكية الفكرية
http://arablavinfo.com/hesearches.ar/37.doc

الفهرس


مقدمة: 1
الفصل الأول:الأحكام العامة للتحكيم الإلكتروني 10
المبحث الأول:مفهوم التحكيم الإلكتروني والمؤسسات الملتبسة به 12
المطلب الأول: مفهوم التحكيم الإلكتروني 13
الفقرة الأولى: ماهية التحكيم الإلكتروني 13
الفقرة الثانية: مزايا التحكيم الإلكتروني وأنواعه 20
المطلب الثاني: تمييز التحكيم الإلكتروني عن باقي الأنظمة المختلطة به 26
الفقرة الأولى: التفاوض أو المفاوضات الإلكترونية 26
الفقرة الثانية: الوساطة أو التوفيق الإلكتروني 29
المبحث الثاني: نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني والاتفاق عليه 33
المطلب الأول: نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني 34
الفقرة الأولى: النزاعات الإلكترونية ذات الأساس التعاقدي 35
الفقرة الثانية: المنازعات الإلكترونية ذات الأساس غير التعاقدي 43
المطلب الثاني: اتفاق التحكيم الإلكتروني 47
الفقرة الأولى: اتفاق التحكيم الإلكتروني وصوره 48
الفقرة الثانية: الشروط اللازمة لصحة اتفاق التحكيم الالكتروني 50
الفصل الثاني:إجراءات التحكيم الإلكتروني والحكم التحكيمي 58
المبحث الأول: الإطار الإجرائي للتحكيم الإلكتروني 59
المطلب الأول : تشكيل هيئة النزاع الالكتروني 59
الفقرة الأولى : انتداب المحكمين واختصاصاتهم 60
الفقرة الثانية: رد المحكمين واستبدالهم 62
المطلب الثاني: إجراءات التحكيم الالكتروني 65
لفقرة الأولى: تحريك دعوى التحكيم الإلكتروني 66
الفقرة الثانية: سير الدعوى التحكيمية ومكانها 70
المبحث الثاني: حكم التحكيم الإلكتروني 75
المطلب الأول: ماهية حكم التحكيم الإلكتروني 76
الفقرة الأولى: صدور الحكم التحكيمي 78
الفقرة الثانية: إنهاء إجراءات التحكيم الإلكترونية 81
المطلب الثاني: آثار التحكيم الإلكتروني 85
الفقرة الأولى: حجية التحكيم الإلكتروني والطعن فيه 85
الفقرة الثانية: تنفيذ وحفظ حكم التحكيم الإلكتروني 88
خاتمة: 93
لائحة المراجع: 95
الفهرس 98






الاحد 13 نونبر 2011
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter