MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




إشكالية الوجود القانوني لحق الشفعة في ضوء توجهات محكمة النقض.

     

إعداد الدكتور حسن فتوخ
مستشار بمحكمة النقض
رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي



إشكالية الوجود القانوني لحق الشفعة في ضوء توجهات محكمة النقض.
تقديم:
كرس المشرع المغربي صراحة الوجود القانوني لحق الشفعة من خلال مقتضيات المادة 292 من مدونة الحقوق العينية التي اعتبرته بأنه الحق الثابت للمالكين على الشياع  في استرداد الحصة المبيعة، دون المالكين في الملكية المشتركة الذين يحق لهم ممارسة حق الأفضلية بشأن الشقة المفرزة المبيعة وفق المادة 39 من قانون 18-00 المتعلق بملكية الشقق والطبقات . 
ومعلوم أن ممارسة حق الشفعة يجب أن تتم عن طريق إعلان الرغبة وعرض الثمن  وإيداعه بصندوق المحكمة داخل الأجل القانوني، مما يجعل دعوى الشفعة في مواجهة المشفوع منه دعوى عينية لكونها ترمي إلى استحقاق حق عيني عقاري وحلول الشفيع محل المشتري المشفوع منه عملا بمقتضيات المادة 12 من نفس المدونة . 
ولعل تناول هذا الموضوع يقتضي منا الحديث عن بعض الإشكالات المتعلقة بصحة إجراءات الشفعة  (المحور الأول)، ثم الوقوف على الطبيعة العقارية للمياه و مدى حسن نية المشفوع منه (المحور الثاني).  
المحور الأول: بعض الإشكالات المتعلقة بصحة إجراءات الشفعة
الفقرة الأولى: خصوصيات الشفعة في العقار في طور التحفيظ
يحق للشفيع التعرض إما على مطلب التحفيظ، وإما على الإيداع حسبما إذا كان المشفوع منه قد اختار مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية، أو مسطرة الإيداع. ومن ثم نخلص إلى القول بأن الشفعة هي مجرد رخصة للتوصل إلى كسب حق الملكية بشروط في أحوال مخصوصة، وهذه الإباحة لا تنتج حقا إلا إذا استعملت، وحينئذ فلا يتولد حق عيني للشفيع بمجرد البيع، وإنما يتولد هذا الحق عن طلب الشفيع بالأخذ بالشفعة والقضاء له به عملا بنص المادة 306 من مدونة الحقوق العينية التي أوجبت على الشفيع القيام داخل الآجال القانونية بإجراءات العرض العيني للثمن ومصروفات العقد الظاهرة والمصروفات النافعة والإيداع بصندوق المحكمة في حالة رفض المشفوع منه للعرض العيني تحت طائلة سقوط الحق، هذا مع العلم أن محكمة النقض اعتبرت في أحد قراراتها أن العرض العيني بواسطة شيك بنكي بدون مؤونة يقوم مقام العرض الناقض حسبما هو واضح من خلال الحيثيات التالية:
 "العرض العيني للأخذ بالشفعة ولئن صح بواسطة الشيك باعتباره أداة وفاء، فإن شرطه أن تكون مؤونة الشيك متوفرة لدى البنك المسحوب عليه بتاريخ إنشاء الشيك وبتاريخ عرضه على المشفوع منه، والمحكمة لما قضت بسقوط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة بعلة عدم صحة العرض العيني للشفعة باعتباره عرضا ناقصا لعدم توفر الشيك على المؤونة المغطية لمقابل الشفعة، تكون قد بنت قضاءها على أساس من القانون ولم تخرق أي مقتضى قانوني" .
فما هي إذن خصوصيات إجراءات المطالبة بحق الشفعة الوارد على عقار في طور التحفيظ؟ وكيف يمكن تفسير أجل السنة من تاريخ الإيداع ؟ وهل الشفيع ملزم بممارسة حق الشفعة داخل الأجل العام وهو أجل السنة أم داخل الأجل الخاص وهو أجل شهرين للتعرض أم داخل أجل الشهر في حالة تبليغه شخصيا من طرف المشفوع منه؟ وهل هناك ما يمنع قانونا من اختيار المشتري لحصة مشاعة سلوك مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية؟ وما هو الأثر القانوني الذي يترتب عن الإيداع الذي ينجزه المحافظ العقاري بشأن بيع وقع من طرف أحد الشركاء بعد إحالة الملف على المحكمة للبت في التعرضات؟ 
ولعل الجواب على ذلك يدفعنا إلى القول، بأنه إذا كان المشرع قد حدد طريقة التدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق التعرض، فإنه أضاف نوعا جديدا من التعرضات وهو ما يسمى بالتعرض على الإيداع الذي يتم وفق الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري. أي ما مفاده أن تحديد مظاهر تعرض الشفيع تتوقف على المسطرة التي وقع اختيارها من طرف المشفوع منه لإشهار عقد شرائه للحصة المشاعة. ومن ثم فإذا تم سلوك مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية الواردة في الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن تعرض الشفيع سينصب على مطلب التحفيظ. أما إذا وقع اختيار الفصل 84 أعلاه، فإن تعرض الشفيع سيكون ضد الإيداع وليس ضد مطلب التحفيظ، علما أن محكمة النقض اعتبرت أن التعرض على الإيداع لا يمنع المحافظ من اتخاذ قرار التحفيظ . 
ومعلوم أن الاختيار المتحدث عنه في الفصل 83 أعلاه والمقرر لفائدة المفوت له رهين بوجود ملف مطلب التحفيظ في مرحلته الإدارية. أي أن الخيار الممنوح للمفوت له في سلوك مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية أو مسطرة الإيداع يتوقف على عدم إحالة ملف مطلب التحفيظ من طرف المحافظ على محكمة التحفيظ للبت في التعرضات . إذ بمجرد حصول هذه الإحالة التي تبتدئ من تاريخ توقيع المراسلة من طرف المحافظ وتسجليها في السجل المعد لذلك وإعطائها رقما ترتيبيا، تغل صلاحية المحافظ الموكولة إليه قانونا في فتح التعرضات على مطلب التحفيظ أو على الإيداع الذي تم في إطار الفصل 84 من ظ ت ع. 
وإذا كان الأمر كذلك، فإن أي تفويت يقع بعد إحالة ملف المطلب على محكمة التحفيظ ، يسد باب الخيار المقرر للمفوت له بين المسطرتين أعلاه، ويجعله محقا فقط في مباشرة مسطرة واحدة وهي مسطرة الإيداع دون مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية التي تقتضي وجود الملف بين يدي المحافظ للقيام بإجراءات الإشهار والنشر في الجريدة الرسمية. ومن ثم فإن حصول هذا النوع من الإيداع في المرحلة للقضائية للتحفيظ، يترتب عنه لا محالة حرمان الشفيع من التعرض على الإيداع المذكور، بدليل أن المحافظ غير مختص والملف بين يدي محكمة التحفيظ ، وأن اختصاص وكيل الملك قد تم حذفه بنص الفصل 29 المعدل بمقتضى قانون 14/07، وبالتالي نخلص إلى القول بأنه ليست هناك أية جهة إدارية أو قضائية مختصة لقبول التعرض على الإيداع في هذه المرحلة، مما ينتج عنه حتما ضياع حقوق الشفيع بقوة القانون الذي أقر له حق الشفعة في مدونة الحقوق العينية وانتزع منه بمقتضى قانون 14/07.
وترتيبا على ذلك، فإن المسوغ الذي كان معتمدا من قبل المحافظين قبل التعديل، لم يعد ملائما بعد التعديل الذي حصل بتاريخ 24/11/2013 بمقتضى قانون 14/07. لذا يتعين على الجهات المعنية بقطاع التحفيظ العقاري التدخل صراحة لحث المحافظين على عدم تلقي أي إيداع أثناء المرحلة القضائية للتحفيظ، وذلك لضمان حقوق المتعرضين الذين تنشأ لهم في تلك المرحلة. إذ أنه من غير المقبول أن يقبل المحافظ إجراء الإيداع لفائدة المفوت له، ويرفض التعرض على ذلك الإيداع بعلة عدم اختصاص المحافظ طبقا للفصلين 24 و29 من ظهير التحفيظ العقاري.
وجدير بالذكر أن محكمة النقض اعتبرت في قرارها الصادر بتاريخ 12 يناير 2016 أن التعرض على مطلب التحفيظ طلبا للشفعة لا يمنع من إقامة دعوى مبتدأة بها أمام المحكمة ذات الولاية العامة كما هو واضح من خلال حيثياته كالتالي:
"حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أن التعرض على مطلب التحفيظ طلبا للشفعة لا يمنع من إقامة دعوى مبتدأة بها أمام المحكمة ذات الولاية العامة، والطاعن وإن صاغ طلبه في شكل تعرض فإن ذلك غير مانع له بأن يطالب بعين ما تعرض عليه بدعوى مبتدأة، وإذ هو سلك ذلك فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما أيدت الحكم الابتدائي القاضي بعدم قبول الطلب بعلة "أن النظر في دعوى الشفعة لا يصح دون النظر في دعوى التعرض وأن الاختصاص فيها لقاضي التحفيظ وقضت بتأييد الحكم القاضي بعدم قبول الطلب"، تكون قد خالفت القاعدة المذكورة وعللت قرارها فاسدا وهو بمثابة انعدامه مما يتعين نقضه " . 
وفي نازلة أخرى اعتبرت نفس المحكمة " أن تضمين التعرض بمطلب التحفيظ لم يحدد بأجل ويكون معتبرا ما دام لم يبت في طلب الشفعة، والمحكمة لما ثبت لها أن المستأنف قدم دعوى الشفعة وقام بتقييدها في شكل تعرض بمطلب التحفيظ، واعتبرت أن تضمين التعرض قبل صدور قرارها إصلاحا للمسطرة باعتبار الاستئناف ينشر الدعوى من جديد، تكون قد طبقت مقتضيات المادة المواد 304، 305 و306 من مدونة الحقوق العينية تطبيقا سليما، وعللت قرارها بما فيه الكفاية " .
 
الفقرة الثانية:
 
 إشكالية نشأة حق الشفعة من تاريخ التقييد وليس من تاريخ الإيداع
لا شك أن عملية التقييد لا تتم من طرف المحافظ تلقائيا ، وإنما يجب على المعني بالأمر أن يتقدم شخصيا، أو بواسطة نائبه ، بطلب خطي إلى المحافظة العقارية المختصة، في شكل قائمة تتضمن وجوبا البيانات المنصوص عليها في الفصل 69 من ظهير التحفيظ العقاري مرفقة بالعقود والمحررات المطلوب تقييدها، والتأكد من استخلاص واجبات التسجيل والتنبر، ووجوب أداء رسوم المحافظة العقارية، بصندوق الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، بعد قبول الطلب من المحافظ العقاري.
ومعنى ذلك، أن توافر هذا الشرط المسطري الإداري المتمثل في القائمة أعلاه شيء ضروري، إذ أن أهميته تتجلى في موافقة البائع على إجراء تقييد العقد المرفق بالطلب ، باعتباره الطرف الملزم قانونا بضمان نقل الملكية إلى المشتري سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا ، وبالأخص قيامه بجميع الإجراءات الإدارية لإشهاره بالرسم العقاري وفق مقتضيات الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري. بل يسوغ لأصحاب الحقوق المسجلة أن يطلبوا من المحافظ إصلاح ما وقع من إغفالات أو أخطاء مادية قد تكون طالت البيانات الواردة بالرسم العقاري. كما يمكن له أن يبادر تلقائيا إلى القيام بتدارك ذلك، شريطة إعلام حائز النظير بالإصلاحات المنجزة، وإلزامه بإحضاره لتحيينه مع الرسم العقاري .
وانسجاما مع ما ذكر، فإن العقد، أو الحكم، أو الأمر المطلوب تقييده، يجب أن تكون البيانات الواردة بها متطابقة مع ما هو مدون بالرسم العقاري، على اعتبار أن المحافظ ملزم أن يحقق تحت مسؤوليته هوية المفوت  وأهليته وكذا صحة الوثائق المدلى بها تأييدا للمطلب شكلا وجوهرا .
وعليه، فإن القيام بإجراء التقييد من طرف المحافظين يستلزم بالضرورة استيفاء إجراءات سابقة تتمثل في تدوين طلبات التقييد في سجل خاص يسمى سجل الإيداع، ثم تباشر عملية التقييد بعد ذلك في الرسم العقاري، فما هو إذن الفرق بين هذين الإجرائين ؟
وجوابا عن ذلك، فإن أهمية إجراء الإيداع في ترتيب الأولوية عند تقييد الحقوق بالرسم العقاري، جعلت المشرع يلزم المحافظ أن يتخذ سجلا للإيداع قصد إثبات مطالب التقييد والوثائق المرفقة بها حسب تواريخ إيداعها لدى مصلحة المحافظة العقارية، مقابل وصل يتضمن الإشارة لنفس رقم الترتيب الذي أودع به مع بيان تاريخ الإيداع، والساعة بالضبط كذلك عملا بالفصل 76 من قانون 07/14.
ومعلوم أن سجل الإيداع يعتبر حجة للمحافظ والغير على البيانات المضمنة لترتيب الأولوية في الإيداع عملا بمقتضيات الفصل 77 من ظهير التحفيظ العقاري التي اعتبرت أن "ترتيب الأولوية بين الحقوق المثبتة على العقار الواحد تابع لترتيب التقييدات".
 
ومعنى ذلك، أن الأولوية في الإيداع لا تخول دائما لصاحب الطلب حق الأولوية في التقييد، على أساس أن هذا الأخير لن يتم إلا بعد مراقبة المحافظ وتأكده من استيفاء مطلب التقييد للشكليات القانونية اللازمة لذلك. فإذا ثبت له العكس فإنه يرفض التقييد بالرسم العقاري، ولا يستفيد بالتالي طالب التقييد من أولويته في سجل الإيداع، ومن ثم فإننا نخلص إلى القول إن مجرد إيداع مطلب التقييد بمصلحة المحافظة العقارية لا يعتبر إشهارا للحق المطلوب تقييده بالرسم العقاري، بدليل أن إيقاع حجز تحفظي على حصص الشريك في شركة مدنية لا يمكن تقييده من طرف المحافظ، لأنه ينصب على أموال منقولة مملوكة لشخص ذاتي خلافا لمقتضيات الفصلين 65 و87 من ظهير التحفيظ العقاري التي توجب إشهار الحجوز العقارية المنصبة على حقوق عينية. بل إنه لا يمكن إيداع الأمر بالحجز العقاري بالملف الخاص بالشركة المالكة والذي يمسكه المحافظ فقط للتحقق من هويتها ومن صحة تمثيلها وبالتالي لن يرتب إيداعه بهذا الملف أي أثر قانوني . 
 
وقد كرست محكمة النقض هذه التفرقة بين إجراء الإيداع والتقييد بمناسبة نزاع يتعلق بماهية التاريخ المعتمد لاحتساب أجل الشفعة المحدد في الفصل 974 من ق.ل.ع، معتبرة أن "التقييد في العقار المحفظ الذي يقع به إشهار الحق الذي يجعله المشرع قرينة على افتراض العلم به في مواجهة الكافة هو الذي يقع وفق ما هو محدد في الفصل 75 من التحفيظ العقاري بتقييد المحافظ في الرسم العقاري البيانات الموجزة عن الحق المراد إشهاره مؤرخة وممضى عليها من طرفه. وأن تاريخ بداية الأجل المنصوص عليه في الفصل 974 من ق.ل.ع يحتسب ابتداء من تاريخ تبليغ الشفيع بالشراء بعد تقييده بالرسم العقاري، لا من تاريخ إيداعه فقط، لكون إيداع المطلب والوثائق بسجل الإيداع بالمحافظة لا يرقى إلى درجة إشهار الحق بتقييد الرسم العقاري" .
وبذلك يتضح أن إجراء الإيداع ولئن كانت تنتج عنه ترتيب حقوق الأولوية عند التقييد، فإنه - ومع ذلك - يعتبر مرحلة سابقة عن التقييد المنشئ للحقوق بالرسم العقاري، وأن هذا الأخير هو الذي تنطلق بمقتضاه جميع الآجال المسقطة للحق من تاريخ الإشهار الفعلي، وتحقق قرينة العلم بالتقييد قانونا وواقعا.
غير أن بعض العمل القضائي، اعتبر أن تاريخ إيداع عقد الشراء بمصلحة المحافظة وسجلها المعد لذلك، هو تاريخ سريان أجل السنة المنصوص عليه في المادة 304 من مدونة الحقوق العينية للمطالبة بالشفعة، ورتب على ذلك سقوط حق الشفيع، والتصريح بعدم قبول الدعوى من الناحية الشكلية. إلا أن محكمة النقض تواترت في اجتهادها على تكريس التفرقة بين إجراء الإيداع، وإجراء التقييد، معتبرة أن " المراد بالتقييد ... هو تقييد عقد الشراء بالرسم العقاري من طرف المحافظ كما هو مستفاد من مقتضيات الفصل 75 من ظهير التحفيظ العقاري بشأن التحفيظ العقاري لا مجرد إيداع العقد الذي إنما يعتبر جزءا من مرحلة سابقة عن التقييد التي تنظمها الفصول 72- 74- 78 من نفس الظهير، ومن ثم فإن التقييد الفعلي بالرسم العقاري هو وحده الذي يكتسي طابع الإشهار والعلانية في مواجهة الكافة ويفترض العلم به من طرف الجميع، وبالنتيجة فإن الشفيع إنما يتقيد طبقا للفصل 32 المشار إليه أعلاه بأجل السنة ابتداء من تاريخ تقييد عقد الشراء بالرسم العقاري من طرف المحافظ لا بإيداعه بين يدي هذا الأخير الذي لا يفترض العلم به من طرف الغير وبالتالي لا يشكل بالنسبة للشفيع انطلاق بداية احتساب أجل الشفعة" . وخلصت محكمة النقض في النتيجة إلى القول: "إن قضاة الاستئناف لما عللوا قضاءهم برفض طلب الطاعنين أنه في شفعة العقار المحفظ يعتبر تاريخ إيداع عقد الشراء بالمحافظة العقارية وسجلها المعد لذلك هو تاريخ انطلاق احتساب أجل المطالبة بالشفعة، وأنه بمرور سنة من تاريخ الإيداع المذكور ينقضي حق الشفيع وليس تاريخ تقييد المبيع بالرسم العقاري... فإنهم يكونون قد طبقوا الفصل 32 من ظهير 2 يونيو 1915 تطبيقا خاطئا ولم يركزوا قضاءهم على أساس قانوني مما يعرضه للنقض".
 
كما أكدت نفس المحكمة في قرار آخر  أن "التقييد الذي يحرك أجل الشفعة هو التقييد النهائي للحق الذي يتخذه المحافظ بمقتضى نص الفصل 75 من ظهير التحفيظ العقاري لإشهار الحق العيني. أما التقييد الاحتياطي للحق فلا يعطي لصاحبه إلا حقا محتملا ولهذا فلا يلزم الشفيع بممارسة حق الشفعة ضده، ولا أن يستصدر تقييدا احتياطيا بحق الشفعة".
وبصرف النظر عن الجدل الفقهي  القائم حول هذا الاتجاه القضائي، فإننا نعتقد أن التقييد النهائي للحق هو المعتبر قانونا لسريان أجل الشفعة في مواجهة الشفيع استنادا إلى قرينة العلم بالتقييد المنصوص عليها في الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري، وأن الحكم النهائي الصادر بشأن المقال موضوع التقييد الاحتياطي والمعترف بالحق لفائدة المستفيد من التقييد المذكور لا يحتج به ضد الشفيع إلا من تاريخ تقييده وفقا لمقتضيات الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري، لأن الأثر الرجعي للتقييد الاحتياطي قد شرع لصالح المستفيد منه، في مواجهة أصحاب التقييدات الاحتياطية، ولا يمكن أن يمتد هذا الأثر إلى إسقاط حق الشفعة عن الشفيع الذي لا ينشأ قانونا إلا بعد صيرورة الحكم القاضي بإتمام إجراءات البيع بين المشتري والشريك مكتسبا لقوة الشيء المقضي به وتقييده بالرسم العقاري عملا بمبدأ الأثر الإنشائي للتقييد.
 
المحور الثاني: الطبيعة العقارية للمياه ومدى اعتبار المشفوع منه غيرا حسن النية
 
الفقرة الأولى : الطبيعة العقارية للمياه
 
نظرا للطبيعة العقارية للمياه طرح الإشكال حول مدى جواز ممارسة حق الشفعة في حقوق الماء؟
يجيبنا العمل لقضائي في هذا السياق بما يلي: 
 
"حيث إن المدعي يطلب الحكم باستحقاقه للشفعة في النصف من حق الماء الطالع من ساقية أسكجور جنان أبلا وعلى المدعى عليه بتمكينه منه. وحيث إن المدعي لم يدل بأية حجة تثبت أن العين المطلوب استحقاقها بالشفعة توجد بالعقار الذي تنازل له عنه أخوه هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشفعة تنصب على الأصول والحال أن المدعي لا يملك سوى التصرف في العقار دون حق الرقبة الذي هو الأصل. وحيث إنه مادام أن الماء موضوع طلب الشفعة هو تابع، ومادام أن الشفعة لا تجوز في المتبوع لتعلقه بحقوق تصرفية وليست بحقوق تنصب على حقوق الرقبة فإنه لا يمكن شفعته لأن التابع يتبع المتبوع وجودا وعدما" .
 
ويلاحظ أن حيثيات هذا الحكم، قد اعتبرت أن ملكية الماء تابعة لملكية للعقار، وتدور وجودا وعدما مع هذا الأخير، لذلك تم رفض طلب استحقاق الشفعة على أساس أن المدعي لا يملك سوى حق التصرف في العقار دون حق الرقبة الذي هو الأصل، وبالتالي فما دامت الشفعة لا تجوز في المتبوع فمن باب أولى وأحرى أنها لا تجوز في التابع.
 
كما أن الشفعة في حق الماء يجوز ممارستها من طرف الشركاء في الماء ولو قام الشريك بتفويت نصيبه في الماء وحده دون الأرض، طالما أن هذه الأخيرة التي يتم سقيها بذلك الماء مشتركة، على اعتبار أن حق الماء وحده حق عقاري، وأن بيع حصة مشاعة منه من طرف مالكها على الشياع يخول لباقي الشركاء ممارسة حق الشفعة في الحصة المذكورة.
وقد أكدت محكمة الاستئناف بمراكش ذلك في أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي:
 
"الشفعة تثبت للشركاء في الماء سواء باع الشريك نصيبه في الماء وحده دون الأرض، مادامت الأرض التي تسقى بذلك الماء مشتركة، ولا خلاف بين المالكية في هذا الحكم" .
ويتضح من خلال ما ذكر أعلاه، أن الحقوق الخاصة المكتسبة على المياه العامة تشكل استثناء من مبدأ الأثر الإنشائي للتقييد، إذ إن وجودها القانوني يثبت باعتراف الإدارة بها بمقتضى قرار إداري بصرف النظر عن القيام بإجراء تقييدها بالرسم العقاري أو عدمه.
 
الفقرة الثانية: مدى اعتبار المشفوع منه غيرا حسن النية
 
تجدر الملاحظة في البداية، أن هناك غيابا للانسجام بين الحق في ممارسة الشفعة وبين الحجية المطلقة للتقييد في مواجهة الغير حسن النية . إذ إن الشخص الذي يشتري حصة مشاعة في عقار محفظ يعلم علم اليقين أن العقار هو مملوك على الشياع، وأن تصرف أي شريك في حصته يعطي لباقي الشركاء الحق في استشفاعها وانتزاعها من المشتري، وبالتالي فلا يمكن القول إن هذا الأخير هو حسن النية .
ولكن ما الحكم إذا ما بادر المشفوع منه إلى التصرف في حصته إلى شخص آخر من الغير ؟
 
فهل يمكن لهذا الأخير أن يواجه الشفيع بحسن نيته، وبالتالي التمسك بحقه المسجل على الرسم العقاري، ويمنعه من ممارسة حق الشفعة بدعوى أن شراءه قد حصل من مالك مسجل قانونا في الرسم العقاري الذي لم يتضمن أي إشارة تفيد أن الشفيع قد عبر عن نيته في ممارسة حق الشفعة ضد هذا البائع له ؟
 
جوابا عن ذلك، اعتبر محكمة النقض أن للشفيع الحق  في ممارسة الشفعة ضد المشتري ولو باع الحصة المبيعة، وسجل البيع على الرسم العقاري، إذ يكون له في هذه الحالة الخيار في الأخذ بالشفعة من يد المشتري الأول أو الثاني . بل وحتى ولو قام المشتري الثاني بإعلام الشريك على الشياع بشرائه، فإن ذلك لا يحول دون سقوط الحق في الأخذ بالشفعة ضد المشتري داخل الأجل القانوني، تكريسا لحق الخيار المخول إياه ؟
ويتضح من خلال مضمون القرار أعلاه، أن المشتري الثاني لحصة شائعة لا يمكنه مواجهة الشفيع بحسن نيته لرد دعوى ممارسة الشفعة، الأمر الذي يتعارض مع نصوص القانون العقاري الخاصة بحجية تقييد الحقوق في الرسم العقاري، والتي تقتضي عدم التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير حسن النية الذي اكتسب حقه بالاستناد على مضمون الرسم العقاري . ومن ثم فإن الغير حسن النية الذي اكتسب حقوقا على عقار شائع يكون معرضا لزوال حقه ويحل محله الشفيع الذي يصبح هو المشتري وينتج البيع الذي كان سببا في ممارسة الشفعة كل آثاره فيما بين البائع والشفيع ويلتزمان في مواجهة بعضهما.
 
وترتيبا على ذلك، يطرح التساؤل عما إذا كان يمكن الاعتماد على مقتضيات الفصل 13 من مدونة الحقوق العينية من أجل إلزام الشفيع بتقييد الدعوى الرامية إلى استحقاقه الشفعة تقييدا احتياطيا ؟
 
نعتقد أن الغاية التي شرع من أجلها التقييد الاحتياطي منتفية في ممارسة حق الشفعة من طرف الشريك على الشياع طالما أن هذا الأخير له الخيار في الأخذ بالشفعة من أي مشتر ضمن الأجل القانوني. وعليه فقد اعتبر محكمة النقض  أن طالب الشفعة غير ملزم بأي تقييد احتياطي لحفظ حقوقه إذ إن حقه في ممارسة الشفعة ينشأ عند البيع ويمكنه أن يمارسه ضمن الآجال التي حددها القانون. ومن ثم فإن هذا القرار قد أطلق يد الشفيع في ممارسة الشفعة من يد المشتري دون تقييده بأي إجراء تحفظي طالما أنه حق مقرر بحكم القانون. بل إن محكمة النقض قد اعتبر موافقة الشريك على عملية تقسيم العقار المشاع، وقيام أحد الشركاء بتفويت حصته، ومبادرة المشتري إلى استخراج رسم عقاري فرعي من الرسم الأم، لا يحول دون مطالبة المحافظ قضائيا بإلغاء الرسم الفرعي المستخرج من الرسم الأصلي حتى يتمكن الشريك من ممارسة حقه في الشفعة .
 
 
 
 



الثلاثاء 28 أبريل 2020
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter