مقدمة:
ارتبطت ظاهرة الهجرة بالإنسان منذ وجوده على الأرض وكان لها تأثير في المجتمع الذي حرجت منه والمجتمع الذي انتهت إليه على حد السواء. والهجرة سلوك فطري في الإنسان، وهي في مفهومها العام، وفي سياقاتها التاريخية، حركية لتنقل الناس، بحثا عما يعتقدونه الأحسن في مجال العيش، من الجنوب إلى الشمال، وأيضا من الجنوب إلى الجنوب بل ومن الشمال إلى الشمال، فالأسباب الرئيسية للهجرة متعددة، نظرا للتقاطب الذي تعرفه العوامل المعقدة التي تدفع إليها. كما تعطينا في نفس الوقت فكرة عن مختلف القوى التي تعمل وراء ظاهرة الهجرة. كما كان لها دور ايجابي في عملية التنمية البشرية وجلب منافع للدول الفقيرة والغنية. فقد عملت على تدعيم النمو الاقتصادي العالمي وأسهمت في تطور الدول والمجتمعات، كما أغنت العديد من الثقافات والحضارات. ورغم تباين حجم واتجاهات وأثار الهجرة، عبر العصور المختلفة إلا انها في العصر الحديث وبصفة خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي قد تميز بالتزايد المستمر والانتقائية الشديد.
فرضت ظاهرة الهجرة الدولية وعلاقتها بالتنمية نفسها على المستوى الأكاديمي وعلى مستوى الأبحاث والمنظمات المتخصصة، وذلك بسبب اتساع الظاهرة، وزياد تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتشابكة والمؤثرة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، إن تأثيرات الهجرة في الأشخاص والمجتمعات والدول عميقة متعددة الأشكال، وأغلب هذه التأثيرات مرتبطة بعملية التنمية إما بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن هنا تأتي أهمية البحث المعمق لتحليل آليات عمل العلاقة بين الهجرة والتنمية.
في افريقيا مثلا توجد ظروف اجتماعية واقتصادية متردية، مثل انخفاض مستوى الاجور، وارتفاع معدلات البطالة، والفقر وانعدام الفرص، هو ما يشجع على الهجرة النظامية وغير النظامية، وهذه العوامل غالبا ما تتسبب في عدم تطابق بين النمو السكاني السريع والموارد المتاحة، بينما يؤدي انخفاض التكنولوجيا المطلوبة لخلق فرص شغل في البلدان الأصلية للمهاجرين، كل ذلك يقترن بأداء حكم غير جيد، مع غياب الديمقراطية، وانتشار الفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، وعدم الاستقرار السياسي، بفعل الحروب الأهلية والنزاعات المختلفة لدا تلك البلدان.
وتمثل الهجرة بما تحتويه من هجرة للمهارات والكفاءات التي تمثل أهم مقومات التنمية على المدى القصير والبعيد. والفرص التي تتيحها الهجرة للمجتمع تتمثل في تحويلات المهاجرين المالية، فهي ليست إلا ضريبة تأخذها الدولة مقابل التفريط في ثروات فشلت في تشغيلها بالشكل الأمثل.
يثير موضوع الهجرة اليوم الكثير من الحوارات والصراعات السياسية، حول الاندماج وفرص الشغل، ومع ذلك تتنافس الدول المتقدمة في تقديم الإغراءات لليد العاملة عالية التأهيل لجذبها. وقد بدأ مؤخرا الاهتمام بأثر الهجرة على البلدان المصدرة للعمالة من منظور التحويلات ودورها التنموي.
ويمكن القول بأن العولمة وثورة تقنيات المعلومات والاتصالات غير المسبوقة تاريخيا، أكدت إلى الاهتمام بشكل كبير برأس المال المعرفي. إذ يعد من أهم المجالات التي تتيح انتاج ميزة تنافسية للاقتصاد البلد الذي يمتلك رأس المال المعرفي شرط توفر ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، وقد أكدت أدبيات التنمية الاقتصادية على الدور الكبير والمهم الذي يلعبه رأس المال البشري والمواصفات والقدرات والمهارات العالية في تطور اقتصاد البلد.
في بداية الألفية شغلت العلاقة بين الهجرة والتنمية مكان الصدارة بصورة واضحة على الصعيد العالمي كموضوع كبير في السياسات. إن الإسهامات التي قام بها المهاجرون لصالح تنمية بلدانهم. وإذا ما أدركنا تعقيدات العلاقة بين الهجرة والتنمية فهناك مجهودات ليس فقط بسبب أن النتائج مختلطة وتتوقف على السياقات المحددة إلى حد كبير. ولكن أيضا بسبب إن الهجرة والتنمية كمجالين يغطيان طيفا واسعا لموضوعات فرعية.
لقد أصبحت الهجرة متصدرة وباستمرار للأجندة الشؤون القارية والدولية، وتتطلب في الوقت نفسه وبعجالة، عناية خاصة من كل الحكومات ومهما كانت طبيعة مشاركتها واهتمامها بإدارة عمليات الهجرة، لان هناك حاجة ماسة إلى نهج شامل ومتزن، ولماذا لا أن يكون استشرافيا يأخذ في الاعتبار واقع واتجاهات الهجرة، وكذلك الصلات بين الهجرة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية الرئيسية الأخرى. وهذا ما يستوجب على كل الدول الأطراف، في هذه العلاقة المتشابكة. ان تكون لديها قوانين وسياسات تدير الهجرة وتنظمها، وتحمي حقوق الإنسان للمهاجرين، وفي هذا السياق أكدت اللجنة المعنية لحقوق جميع المهاجرين وأفراد أسرهم، بأن الإنسان هو محور التنمية، وينبغي له أن يشارك بفعالية من الحق في التنمية. لذلك وجب النظر إلى الهجرة من زاوية حقوق الإنسان، بما يتفق مع أهداف ومرامي المواثيق الدولية، وكذا نزاعات الدول في هذا المجال، وهذا ما يدفع إلى اعتبار التنمية عملية مركبة، وليست قضية اقتصادية فحسب، بل هي تنمية ثقافية واجتماعية وسياسية، ومن تم فالهجرة تقتضي تبادلات ثقافية واقتصادية فيما بين الدول.
أولا: المقاربة الدولية للهجرة والتنمية
لعل الاهتمام الدولي بقضايا ارتباط الهجرة بالتنمية، ليست بالأمر الجديد، فالجمعية العامة للأمم المتحدة ومن خلال أدبياتها في هذا الموضوع، قد أشارت في برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، المعتمد بالقاهرة، ولاسيما الفصل العاشر منه والمتعلق بالهجرة الدولية، والى الأحكام ذات الصلة الواردة في إعلان كوبنهاجن بشأن التنمية الاجتماعية. حيث يعتبر هذا العصر عصر قابلية التنقل البشري الذي لم يسبق له مثيل. مع عدد من الذين يعيشون خارج بلدانهم أو مناطق نشأتهم في أي وقت مضى. اليوم الهجرة ذات صلة بجميع البلدان في جميع المناطق.[1] وبالنظر إلى الاتجاهات في التنمية والسكان واليد العاملة. فإن الهجرة على نطاق واسع في القرن 21 أمر لا مفر منه، والمرجح أن التنقل البشري يتوقع ان يتواصل. وتعترف الحكومات بصورة متزايدة، بأهمية التعاون في مسائل الهجرة وكذلك أهمية الهجرة على جميع الركائز الثلاث للتنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.[2]
وسنحاول من خلال هذا النقطة الوقوف على دور الأمم المتحدة في ربط الهجرة بالتنمية (1)، ثم الآثار الاقتصادية للهجرة (2).
1- دور الأمم المتحدة في ربط الهجرة بالتنمية:
للأمم المتحدة دور بالغ الأهمية، في تحقيق إمكانيات الهجرة الدولية وتنظيمها، تعزيزا للأسس النمو الاقتصادي والتنمية، فالصلة بين الهجرة والتنمية، ليست بالجديدة، بل إن الجديد فيها هو سرعة الانتقال من مكان إلى آخر في العالم.
وقد توجه الاهتمام الاممي بالموضوع، في 18 دجنبر 1998 حيث قامت الجمعية باعتماد الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع المهاجرين وأفراد أسرهم سنة 2002.
ففي عام 2006 قاد الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان لأول مرة الجمعية العامة للأمم المتحدة على الحوار الرفيع المستوى بشان الهجرة الدولية والتنمية. وفي وقت سابق من ذلك العام كان قد عين ممثلا خاصا للامين العام للهجرة الدولية والتنمية.كما تم في نفس العام توسيع القائمة حيث أضيفت مجموعة جنيف للهجرة لتصبح الآلية الرئيسية للتنسيق بين الوكالات بشأن الهجرة. [3]
بوصفها المنظمة الدولية الوحيدة ذات ولاية عالمية على الهجرة، المنظمة الدولية للهجرة تلتزم بالحوار واسع النطاق إلى الشراكة إلى الشراكة والتوافق.[4] وعلى مدى السنوات الستين الماضية، والمنظمة الدولية للهجرة في شراكة مع الدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى المجتمع المدني والقطاع الخاص لتحسين نتائج التنمية البشرية للمهاجرين مع تعزيز مستويات المجتمعات للتنمية العامة في دول المنشأ والعبور والمقصد. بالإضافة إلى ذلك، فقد أصدر مجلس الرؤساء التنفيذيين للأمم المتحدة قرارا في أبريل 2012 طلب من المنظمة الدولية للهجرة وصندوق الأمم المتحدة، بالتعاون مع الفريق العالمي المعني بالهجرة، لتحصيل مجموعة من النتائج والتوصيات بشان مشروع الهجرة في إطار التحضير للحوار الرفيع المستوى 2013.[5] تنظر المنظمة العالمية للهجرة إلى الحوار الرفيع المستوى لسنة 2013 بأنه شكل منتدى ضروري ومفيد لزيادة و تعزيز التشاور والشراكة الدوليين بشأن الهجرة والتنمية.
تعترف المنظمة الدولية للهجرة وتشيد بالمساهمة الهامة التي يقدمها الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة للهجرة الدولية والتنمية في تعزيز التعاون داخل المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، والفريق العالمي المعني بالهجرة وتشجيع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على إيلاء أولوية أعلى للهجرة والتنمية.[6]
كما تدعو المنظمة الدولية للهجرة إلى إدراج الهجرة في جدول أعمال التنمية لسنة 2015، من باب أن الهجرة هي أولا عامل مهم يمكن للتنمية المستدامة وثانيا هي جزء لا يتجزأ من الشراكة العالمية للتنمية وثالثا هي عنصر أساسي من المشاورات الموضوعاتية بشأن الدينامكية السكانية، والصحة، وعدم المساواة، والنمو والعمالة.[7] كما وضعت المنظمة الأدوات والدوارات التدريبية والبرامج لخلق فهم أفضل للصلات المحتملة بين الهجرة والتنمية وتعزيز قدرة صانعي السياسات على تحديد فرص ومجالات أكثر.
2
- الآثار الاقتصادية للهجرة
رغم ما يلاحظ من نقص في المعلومات عن كثير من جوانب الصلة بين الهجرة والتنمية، ففي بلدان العمالة، غالبا ما ينظر إلى المهاجر على أنه عبئ اقتصادي واجتماعي، وأيضا وفي بعض الأحيان تهديد ديني ثقافي، بل وحتى سياسي[8]. إلا أن واقع الحال، هو أن المهاجرين عامل ايجابي لاغني عنه، في اقتصاديات معظم الدول المرتفعة النمو، من خلال قضايا سد نقص سوق الشغل، وتجديد شباب سكان بلدان الاستقبال.
اتجه الاهتمام إلى اعتماد مقاربات أكثر شمولية لمعالجة الهجرة وظهرت طروحات مثل الدعوة إلى معالجتها كنظام اجتماعي أو كجزء من النظام الاجتماعي.[9] ومن ناحية أخرى تؤكد نظرية الأنظمة العالمية أن الهجرات العابرة للحدود تتجه نحو المدن العالمية التي توجه الاستثمارات الأجنبية وتسيطر عليها وشهد تدفق رؤوس الأموال تتميز بكونها مقرا لمكاتب مؤسسات تجارية عابرة للحدود. وتتأثر الهجرات الدولية بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية لفترة ما بعد الحداثة.[10]
تتميز اغلب الدول النامية بكونها دول مصدرة لليد العاملة بنوعيها المؤهلة وغير المؤهلة فاختلفت أراء الاقتصاديين في هذا المجال منذ الستينات ويمكن تصنيفهم إلى ثلاث:
التيار الأول والذي أطلق عليه اسم الاقتصاديين والذين يعتقدون في كون الهجرة الدولية ذات اثر ايجابي على الدول المصدرة لليد العاملة. بالنسبة لهم، المهاجرون يقومون بتحويل الأموال إلى البلد الأصلي كما أنه في حالة عودة المهاجرين فإنهم يعدون بخبرات اكتسبوها في الخارج.[11]
ومع بداية السبعينات ظهر تيار جديد ذو نزعة تشاؤمية قادة الاقتصادي Bhgwati والذي قال أن الهجرة الدولية بصفة عامة وهجرة الأدمغة بصفة خاصة مضرة باقتصاديات الدول النامية. كما ولد تيار جديد في بداية التسعينات في إطار ما يسمى بالاقتصاد الجديد لهجرة العمل والذي حاول الوصول على الموازنة بين التيارين، بالنسبة لهذا التيار فإن تحويل الأموال، وعودة المهاجرين ورأس المال البشري هي عوامل يمكن لها تعويض الدول النامية والمصدرة لليد العاملة عن الخسائر الناجمة عن هجرة اليد العاملة الأكثر كفاءة.[12]
وأخيرا ومن خلال تشخيص معالم هذه الظاهرة الدولية المعقدة سواء من حيث جوانبها، أو من خلال نتائجها، يمكن رصد تمظهراتها كما يلي:
إن الآثار الاقتصادية للهجرة على بلدان الاستقبال مفيدة في مجملها، خصوصا ان الوافدين الجدد يساهمون في إعادة الشباب إلى التركيبة السكانية، ويحفزون على النمو الاقتصادي دون تضخم. كما يؤمن المهاجرون تدفقات مهمة من التحويلات النقدية إلى بلدانهم، والتي تصل أحيانا حوالي 80 مليار دولار أمريكي سنويا. بالإضافة إلى ذلك أصبحت النساء يشكلن 49% من حجم الهجرة.[13]
إلا انه بالإضافة ايجابيات الهجرة غير أنه غالبا ما تنشأ عنها عواقب ضارة، بالنسبة للبلدان الأصلية، لا سيما ما يخص تشتت الأسر والمجتمعات المحلية، وكذا هجرة الكفاءات.
ثانيا: الهجرة والتنمية أي مسار؟
تمثل الهجرة إحدى أهم القضايا التي تحتل صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية في الوقت الحالي، لا سيما في ظل التوجه العالمي نحو العولمة الاقتصادية وتحرير قيود التجارة التي تقتضي فتح الحدود وتخفيف القيود على السلع. وحركة رؤوس الأموال وما نتج عن ذلك من آثار اقتصادية على الدول النامية.[14]
وفي هذا السياق عقدت المفوضية الدولية لشؤون الهجرة واللجوء مؤتمرا لها في العاصمة برلين لمناقشة التحديات المرتبطة بظاهرة الهجرة العالمية في القرن 21 وكذلك بحث الفرص الرامية إلى التوصل إلى سياسة عالمية للهجرة تأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان وعملية التنمية في البلدان المصدرة للمهاجرين. إضافة إلى الآثار المترتبة على موجات الهجرة على الدول الصناعية المستقبلة للمهاجرين.[15]
وقد احتل موضوع التنمية الاقتصادية والسياسية ومكافحة الفقر في الدول المصدرة للمهاجرين محورا أساسيا في أشغال المؤتمر وركزت النقاشات على التحديات والمشكلات الناجمة عن الهجرة الدولية في كل من الدول المصدرة والمستقبلة. كما تم التطرق إلى الآثار المترتبة عن إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية و لا سيما عملية التنمية.[16]
1- دور المهاجرين في الاقتصاد العالم
إن الهجرة تستمد أهميتها من أن هناك 232 مليون مهاجر دولي يشكلون 3,4% من جملة سكان العالم وقد نم هذا العدد بشكل منتظم منذ عام 1990 وفي العديد من الدول النامية تمثل تحويلات المهاجرين مصدرا للدخل أكثر من مساعدات التنمية الرسمية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفي معظم أنحاء العالم لا يستخدم المهاجرون لتأدية الوظائف التي يمتنع على أصحاب البلد الأصليون عن تأديتها. وإنما يستخدمون أيضا في أنشطة عالية القمة والتي يفتقد السكان الأصليون المهارات اللازمة لتأديتها. بالإضافة إلى دورهم المهم في تدعيم التنمية و الحد من الفقر في بلدان المنشأ.[17] وهو ما يؤكد على ضرورة أن تصبح الهجرة الدولية مكملا للاستراتيجيات الوطنية والعالمية للنمو الاقتصادي في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.[18]
ويعد تعدد الفعاليات الدولية ذات العلاقة بالهجرة والتنمية، يعبر عن مدى الاهتمام الدولي المتزايد بهذه القضايا.
تتمثل أهمية تحويلات المهاجرين وأثرها على التنمية في كونها أحد أهم التدفقات على المستوى العالمي. وهي بذلك يمكن أن تساهم إيجابا وبفعالية في تنمية اقتصاديات البلدان المستقبلة لها إذا ما توافرت البيئة المناسبة والسياسات الحكومية المحفزة التي تمكنها من أداء هذا الدور.[19] ومن الآثار الايجابية للتحويلات على مستوى الاقتصادي الكلي في الدول المستقبلة ولها الدور الهام الذي تلعبه في مساندة ميزان المدفوعات في تلك الدول واتسامها بالاستقرار النسبي. كما أكدت الدراسات ان قيام بعض المهاجرين بدعم جهود التنمية في بلد المنشأ بإقامة مشروعات متطورة أو القيام بجهود تطوعية في مختلف المجالات تمثل حلا وسطا بين صعوبة العودة الرغبة في رد الجميل لبلد المنشأ.[20]
يشير تقرير منظمة العمل الدولية، إلى أن حوالي نصف المهاجرين واللاجئين في العالم، هم رشداء، وناشطون اقتصاديا، يعملون ويمارسون أنشطة مقابل اجر، وأضاف التقرير إلى أن عدد المهاجرين الذين يعبرون الحدود، بحثا عن العمل والأمن الإنساني، مرشح للارتفاع بشكل كبير في العقود المقبلة.[21]
لذا فأن التحدي الذي سيواجه المجتمع الدولي، سيتمثل في إدارة الهجرة، لتصبح آلية للنمو والتنمية، وليس إلى حركات سرية.
إذا فالهجرة الدولية للعاملين، مرشحة للازدياد في المستقبل، ومع وجود تنظيمات ومؤسسات ملائمة، ستعود ولاشك هذه الديناميكية المنظمة بالنفع على البلدان المصدرة وبلدان المقصد على حد سواء، بالإضافة إلى فائدتها على المهاجرين.[22]
2
- معانات المهاجرين:
على مدى السنوات القليلة الماضية ركزت العديد من الجمعيات الوطنية والدولية العاملة في مسارات الهجرة على احتياجات المهاجرين وأسرهم في مراحل مختلفة من مسيرة هجرتهم. وفي بعض الأقاليم تم إنشاء شبكات للنهوض بتبادل المعرفة في مجال المسائل المتصلة بالهجرة. حيث يشهد وضع المهاجرين المستضعفين في جميع أنحاء العالم تدهورا بفعل تأثير جملة من العوامل المتغيرة، فهم يتأثرون بظروف مختلفة أثناء عملية الهجرة ، بما في ذلك إعادتهم بالقوة إلى موطنهم الأصلي او على بلد العبور.[23]
إن الهجرة مسألة عالمية تجتذب اهتماما عالميا يوما بعد يوم، وهي جديرة بذلك الاهتمام. ويتسم الاهتمام بحقوق المهاجرين بأهمية خاصة في وقت يشهد فيه العامل شدائد اقتصادية ومالية. و مع تقييد الميزانيات، تدابير تقشفية وتمييزا ضد العمال المهاجرين، مشاعر مفعمة بكراهية الأجانب تشجع على العنف ضد من يهاجرون بغير الطريق الشرعي، وقوانين مقترحة للهجرة تتيح لأفراد الشرطة دون مساءلة وصم هؤلاء المهاجرين بالإجرام بسبب وضعهم.[24] وخلال فترات الكساد الاقتصادي، يجدر التذكير بأن قطاعات الاقتصاد كافة تعتمد على العمال المهاجرين، وأن أصحاب الأعمال الحرة المهاجرين يساعدون على إيجاد الوظائف.
ومن تم أمكن أن يكون للهجرة أثر عميق على التنمية، وخاصة إذا ما سخرت لأغراض بناءة بحيث يمكن لرصيد المهاجرين المادي والبشري، خاصة التحويلات المادية ان تخفض مستوى الفقر إلى حد كبير في بلدانهم، عن طريق زيادة إمكانيات الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وهذا ما يجعلها تصب في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة.[25]
خاتمة:
في العقود الأخيرة، تقدمت السياسات والأبحاث بصورة كبيرة في تفهم الروابط الحاسمة بين الهجرة والتنمية. ان الهجرة والتنمية ستلزمان إطارات عمل من التعاون للاقرارها بين الفاعلين وبين ( شمال-جنوب،شمال-شمال، وجنوب-جنوب). وذلك طالما أن للجميع نظرة تعطي أولوية للهجرة وتنمية.
عند وضع نهج عالمي بشان الهجرة، يجب على جميع الأطراف المعنية أن تراعي التزاماتها بالموجب القانون الدولي الإنساني، وقانون اللاجئين، كما يجب عليها أن تحترم مبدأ المشاركة الدولية في تقاسم الأعباء عند التصدي للمشكلات المتعلقة بحماية اللاجئين والمهاجرين.
أن المقوم الاساسي للهجرة الدولية، هو مساهمتها في تنمية البلدان الاصلية، والعمالة والعبور، فجميع الدول تتقاسم المسؤولية عن ضمان حقوق العمال المهاجرين واسرهم، لذا فمن الواجب توسيع مجالات التشاور والتعاون بين هذه الدول، لتوفير ظروف صحية إنسانية ومتكاملة ومتكافئة امام عمال الدولية وأفراد أسرهم، وعلى الدول التي لم تصادق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق هذه الفئات بالانضمام اليها.
لائحة المراجع:
-صابر، حماد، الهجرة والتنمية: التحدي العالمي في الألفية الثالثة، مجلة القانون والاقتصاد. العدد 24، دجنبر 2009. مطبعة البلابل البطحاء، فاس. ص.ص.61،63،65، 67.
-سعيد صالح فائقة، التقرير الإقليمي للهجرة الدولية العربية الهجرة الدولية، 2014.
- فياض نعمة، هجرة العمالة من المغرب إلى أوروبا هولندا نموذجا: دراسة تحليلية مقارنة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، دسمبر2011.
- الجمعية العامة للأمم المتحدة 2013 الحوار الرفيع المستوى بشان الهجرة الدولية والتنمية، ورقة موقف المنظمة الدولية للهجرة.
- دربال عبد القادر، الهجرة الدولية، البطالة والتنمية المستدامة، جامعة بسكرة.
فاطمة لمحرحر
باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس
-الجمعية العامة للامم المتحدة، الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية، 2013.[1]
-المرجع نفسه.[2]
- المرجع نفسه.[3]
- المرجع نفسه.[4]
-الجمعية العمة للامم المتحدة، مرجع سابق.[5]
- هاشم نعمة فياض،هجرة العمالة من المغرب الى اوروبا: هولندا نموذجا: دراسة تحليلة مقارنة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات،الدوحة، 2011. ص. 1.[6]
- المرجع نفسه، ص.2.[7]
- فائقة سعيد صالح،القرير الاقليمي للهجرة العربية، الهجرة الدولية والتنمية، جامعة الدول العربية، 2014، ص.1.[8]
- المرجع نفسه، ص.2.[9]
- فائقة سعيد صالح، مرجع سابق،ص.3. [10]
- عبد القادر دربال،الهجرة الدولية والتنمية المستدامة،ص.2.[11]
-المرجع نفسه، ص.3.[12]
- حماد صابر، الهجرة والتنمية: التحدي العالمي في الالفية الثالثة، مجلة القانون والاقتصاد،عدد 24، دجنبر 2009، ص.61.[13]
-حماد صابر، مرجع سابق، ص.63.[14]
-المجع نفسه،ص.64.[15]
- الجمعية العامة للامم المتحدة، الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية. [16]
- فائقة سعيد صالح،القرير الاقليمي للهجرة العربية، الهجرة الدولية والتنمية،ص.4.[17]
-حماد صابر،مرجع سابق،ص.63.[18]
- فائقة سعيد صالح،القرير الاقليمي للهجرة العربية، الهجرة الدولية والتنمية،ص.4. [19]
-المرجع نفسه.[20]
-حماد صابر، الهجرة والتنمية: التحدي العالمي في الالفية الثالثة،ص.65. [21]
- فائقة سعيد صالح، مرجع سابق،ص.5.[22]
- حماد صابر،ص.66. [23]
فائقة سعيد صالح،القرير الاقليمي للهجرة العربية، الهجرة الدولية والتنمية،ص.6. -[24]
-حماد صابر، الهجرة والتنمية: التحدي العالمي في الالفية الثالثة،ص،66. [25]