MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الناظور: مناقشة أطروحة للباحث أسامة حميدون تحت عنوان النُّخْبَة الدِّينِيَة بالمغرب

     



شهدت الكلية المتعددة التخصصات بالناظور التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة يومه الخميس فاتح رجب 1446هـ م الموافق 2 يناير 2025 مناقشة أطروحة جامعية موسومة بعنوان: «النُّخْبَة الدِّينِيَة بالمغرب» من إعداد الطالب الباحث أسامة حميدون بإشراف الأستاذ الدكتور عكاشة بن المصطفى بمختبر الدّراسات القانونية والسياسية لدُول البحر الأبيض المتوسط.  وتكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:

د. محمد الرّضواني، أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، (رئيسا)
د. عكاشة بن المصطفى، أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور (مُشرِفاً)
د. عثمان الزّياني، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة، (عُضوا)
د. عبد الحفيظ ماموح، أستاذ محاضر مؤهل بجامعة محمد الخامس كلية الحقوق - السويسي-الرباط، (عُضوا).
د. الحسين أسويق" أستاذ محاضر مؤهل بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، (عُضوا)

وبعد المناقشة العِلمية والمداولة من الساعة الحادية عشر والنصف إلى الساعة الثانية والنصف بعد الزوال قرّرت اللجنة منح الطالب الباحث أسامة حميدون درجة الدكتوراه في القانون العام بمِيزة مُشَرِّفْ جِداًّ، مع تنويه اللجنة بالعمل.

 


تقرير مركز حول الأطروحة:

أهمية الموضوع


 

تتجلى أهمية  موضوع النخبة الدينية بالمغرب أساسا في تأثير هذه النخب على المجتمع والسياسة، الأمر الذي يضفي على الموضوع راهنية وأهمية بالغتين، على اعتبار أن النظام السياسي المغربي في علاقته بالمجال الديني ما زال لصيقا عكس ما اتجهت اليه دول إسلامية وعربية أخرى، فعلاقة الدين والسياسة بالمغرب تميزت منذ تأسيس الدولة بالتداخل والتمازج، بل وأن الفلسفة السياسية لحكم الملوك المتعاقبة لم تستغن عن توظيف البعد الديني في إدارة وتدبير شؤون الدولة، ويجد هذا التوصيف ضالته في التوظيف السياسي الواسع لمفاهيم البيعة والنسب الشريف وإمارة المؤمنين باعتبارها مرجعيات ترسخ سمو المؤسسة الملكية على باقي الفاعلين الدينيين والسياسيين في المغرب.

وتأتي أطروحة النخبة الدينية بالمغرب ضمن سياق محلي وعالمي ثري بالتغيرات والتحولات المرتبطة بكافة جوانب الحياة الاجتماعية، ولما كان الجانب الديني من أبرز المجالات التي اكتسحها هذا التحول والتغير، كانت النخب هي المنعوت الأول لسلطتها ولتواجدها البارز والملفت على صعيد الحقل الديني، ومن ثمة ترتبط أهمية هذه الدراسة من جهة بالسياق الاجتماعي والسياسي الجديد الذي تشهده كافة المجتمعات المعاصرة خصوصا منها الإسلامية والمغرب واحد منها، ومن جهة أخرى بالفئة أو الشريحة التي تتوجه اليها والمتمثلة في فئة الرموز والشخصيات الدينية، والتي تمثل نخبا دينية مغربية، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لمعرفة العمل الهام الذي تمارسه هذه النخب اليوم والكشف على مستوى التمثيل الذي تقوم به داخل المجتمع ومدى تأثيرها على الحياة السياسية.

ويرجع سبب اختياري لعنوان الأطروحة بـ النخبة الدينية المغربية عوض النخبة الإسلامية المغربية لعاملين:

الأول، كون أن ذكر مجتمع البحث الذي هو المجتمع المغربي هو مجتمع مسلم في أغلبه والدين الرسمي للدولة المغربية هو دين الإسلام.

والثاني، لتفادي كل ما يمكن أن تحدثه كلمة "الإسلامية" من تأويلات أو فهوم مجانبة.

 


دوافع الأطروحة

 

ولم يكن اختياري لموضوع النخبة الدينية بالمغرب مستقلا عن بعض الدوافع الذاتية والموضوعية، والتي أثارته وبلورته، ولعل من أهم ما دفعني لذلك هو اهتمامي الكبير بالمجال السياسي-الديني، والذي أتمثله المجال المحرك والمهيمن على العديد، بل جميع المجالات الأخرى، وقد زاد اختيار هذا رغبتي القوية في محاولة الاطلاع على العمل الذي تقوم به النخبة الدينية اليوم في الساحة الاجتماعية، ومدى تأثيرها في الحياة السياسية، بالإضافة إلى أن النخب الدينية هي الوجه المختصر للمشهد الديني في أي مجتمع، ولذلك ينبغي معرفة هذا الوجه معرفة دقيقة تمكننا من رسم ملامح المشهد الديني-السياسي الكامل للمجتمع المغربي الراهن.

ولما كانت الدوافع نقطة البدء، كانت الأهداف والمقاصد نقطة الوصول، وعليه تهدف هذه الدراسة إلى تتبع الفعل السياسي للنخب الدينية داخل المجتمع، ومحاولة معرفة فعلها من خلال عيّنة من الرّموز والشخصيات تمثل الحقل الديني، وتسليط الضوء على تأثيرها وتأثرها.

كما نهدف من خلال هذه الأطروحة إلى المساهمة في إغناء البحوث العلمية في مجال القانون العام والعلوم السياسية، والتنقيب عن الأدوار التي تلعبها النخب الدينية بالمغرب ومدى تأثيرها على النسق السياسي المغربي، ناهيك عن تأكيد وتقوية الوعي العلمي والقانوني لدى هذه النخب بالأدوار المنوطة بهم وتأثيرهم المفترض على المجتمع والدولة.

أما الصعوبات التي واجهتها خلال انجازي لهذه الأطروحة، فتتجلى في صعوبة تقنية تتعلق باتساع الموضوع ودوائره التنظيمية، من خلال تعدد المؤسسات الدينية واختلافها من مؤسسات رسمية، زوايا، مساجد، جمعيات دينية...، وصعوبة مرتبطة بالمادة العلمية المتخصصة في موضوع النخبة الدينية نظرا لندرتها،  حيث أنه وبالرجوع الى الدراسات السابقة حول موضوع النخبة الدينية بالمغرب نجد بعضا منها عالجها كجزء من الدراسة فنذكر، دراسة عبد الرحيم العطري حول صناعة النخبة بالمغرب، والتي خصص فصلا منها للنخبة الدينية واشكالية سعي المخزن لترويضها بعد تفجيرات 2003 بالدار البيضاء.    والبعض الآخر تحدث عن النخبة الدينية مقتصرا على نخبة العلماء، فنجد، دراسة عبد الرحمان الشعيري منظور، والتي ناقش من خلالها موضوع النخبة الدينية في النسق السياسي المغربي، العلماء نموذجا 1999ـ2013.

كما واجهت عقبات أثناء تنظيم لقاءات ومقابلات مع رجالات الدين المؤثرين على الساحة السياسية وتفاعلهم مع أسئلة المقابلة الموجهة.

 
 

  إشكالية الموضوع:

 

    إن السؤال الجوهري الذي انطلقنا منه في هذه الأطروحة يرتبط بمكانة وموقع النخب الدينية داخل منظومة السياسة الدينية بالمغرب، ومدى تأثير هذه النخب على الواقع المجتمعي والسياسي.إذا كان المغرب يُعدُّ من الدول التي تمتاز بتقاليد دينية عريقة، ويحتل فيه الدين مكانة محورية في المجتمع، فان النخبة الدينية كان لها دورًا هامًا في تشكيل الحياة الاجتماعية والثقافية، وأيضا في الشأن السياسي. حيث تطور هذا الدور عبر التاريخ، فارتبط بالسلطة الحاكمة في فترات، ونازعها في فترات أخرى. أصبحت العلاقة بين النخبة الدينية والمؤسسات السياسية بالمغرب تتسم بخصوصية نابعة من التاريخ والهوية الثقافية والدينية للبلاد، ما جعل من هذه النخبة تقوم بدور الوسيط بين الدولة والمجتمع، فضلاً عن مشاركتها في توجيه الرأي العام وتقديم الفتاوى والمواقف حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. يتفرع عن هذا السؤال الجوهري مجموعة من الأسئلة التي تشغل بال الباحث العلمي في مجال النخبة الدينية بالمغرب.

ما المقصود بالنخبة الدينية؟ وما هي تجلياتها في النظام السياسي المغربي؟

ما هي مرتكزات السياسة الدينية الجديدة بالمغرب؟ ومن هم الفاعلون في صياغتها؟

ما مدى تأثير النخبة الدينية على المجتمع المغربي؟ وأين يتجلى فعلها التأثيري في حياته السياسية؟


 
 
 

فرضيات الأطروحة:


 
 

تتأسس الهندسة النظرية لهذه الأطروحة على مستوى استشراف المآلات والخلاصات البحثية على فرضية أولية أساسية، تتشعب عنها بالضرورة العلمية فرضيات فرعية.

فقد انطلقت الدراسة من فرضية مركزية تنبني على تأثير النخب الدينية المغربية وموقعها الاعتباري والرمزي ووظائفها الدينية والسياسية على بنى المجتمع ومؤسسات الدولة، بفعل التحولات القانونية والمؤسساتية بالمغرب، والتطور التحديثي لمؤسسات الدولة الوطنية ونسقها السياسي إداريا ودينيا وحركيا. ومن ثمة تتحدد الفرضيات الفرعية للأطروحة، فيما يلي:

تفوق نخبة إمارة المؤمنين على سائر النخب الدينية الأخرى نظرا لمركزها المحوري والرئيسي سواء على مستوى صناعة النخب الأخرى أو على مستوى التأثير عليها، وكذا فعلها التأثيري على المجتمع والسلطة.

 حضور باقي النخب الدينية تنظيميا في النسق السياسي المغربي، ولو على مستويات متفاوتة في الوظائف والتأثير، وامتثالها لمقتضيات ضبط وهيكلة الحقل الديني، مما جعلهم يؤدون وظائف مقننة ضمن بنية مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة بالمغرب.


 

-المناهج المعتمدة في الأطروحة:


 

 اعتمدت في هذا العمل  على المنهج النسقي كمنهج أساسي لدراسة مركز النخبة الدينية بالمغرب وحجم تأثير فعلها الديني في النسق السياسي المغربي، وفي مجريات وأولويات النقاش العمومي الوطني، مع اعتماد المنهج التاريخي لسرد مختلف المحطات التي مرت عبرها النخب الدينية بالمغرب، ثم تشخيص واقع النّخب الدينية بالمغرب وتحليل مدى تأثيرها على مختلف الشؤون المجتمعية والسياسية.

    علاوة على ذلك، وظفت الأطروحة بشكل أساسي تقنيات تحليل المضمون والمقابلة والملاحظة بالمشاركة، وذلك ضمن قناعة أساسية تتبنى مقاربة النزول إلى واقع الحقل الديني اليومي، من خلال مقابلة عينة فاعلة من النخب الدينية، على اختلاف مركزهم التنظيمي في الدولة وسلوكهم السياسي والحركي وكشف رؤاهم وتصوراتهم، إذ من شأن هذه المقاربة الميدانية رصد وتحليل مركز ووظيفة أية مؤسسة مهما كانت طبيعتها الاجتماعية،  أن تساعد الباحث على امتلاك تقنيات وخبرات بحثية عديدة، وأن تطور تصوره النظري الخام، وتنضج فرضياته على محكّ الواقع من خلال ما يكتسبه من ثمار التواصل والاحتكاك المباشر والميداني بمختلف الفاعلين المهتمين بمجال العمل.

ولمعالجة موضوع الأطروحة وضعنا خطة منهجية تتكون من قسمين، خصصنا القسم الأول منها لدراسة مفهوم النخبة الدينية وموقعها ضمن السياسة الدينية بالمغرب، وذلك من خلال استعراض الإطار المفاهيمي لموضوع النخبة الدينية وبعض المفاهيم المرتبطة به، وكذا بسط المرجعيات والمرتكزات التي تقوم عليها السياسة الدينية الجديدة واسهاماتها في تنمية الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال التوجه نحو اعمال الحكامة في تدبير الحقل الديني المغربي.

أما في القسم الثاني (النخبة الدينية بالمغرب وفعل التأثير) فقد حاولت من خلاله الحديث عن النخبة الدينية الرسمية وغير الرسمية، وإبراز فعلها في صناعة السياسة الدينية الجديدة بالمغرب، ناهيْك عن رصد القوة التأثيرية لإمارة المؤمنين لكونها النخبة المركزية التي اعتمدت عليها هذه الأطروحة.


 

وفي الختام


 

حاولت في هذه الأطروحة، ومن خلال الأهداف التي انطلقت منها التعرف على الإطار المفاهيمي للنخبة ونظرياتها بالإضافة لمفهوم النخبة الدينية المغربية، كما حاولت تقديم رؤية واضحة عن السياسة الدينية بالمغرب والفاعلين في صناعتها، وأيضا واقع المشهد العام للنخبة الدينية المغربية وارتباطها بفعل التأثير.

إن دراسة موضوع النخبة والبحث بشكل مباشر في أدوارها وحضورها وفعاليتها وربطها بمجتمعاتها من الدراسات المهمة التي تحتاج إلى كشف الغبار عنها، في ظل عدم القدرة على تصور مجتمع بشري دون نُخب تسعى إلى المساهمة في تطوير ورفع شؤونه، ولأن هذه المجتمعات تشهد حركية مستمرة تساهم في بروز نخب جديدة واختفاء أخرى أو انصهارها مع القديمة كوضع طبيعي فرضته وتفرضه المستجدات الحاصلة على الساحة السياسية والاجتماعية تصل أحيانا إلى خلق نخب جديدة، فإن تحليل وضعها وآليات عملها يتطلب الدراسات المستمرة في هذا المجال.

 وبعيدا عن جدلية النخبة كمفردة أو نخب كجماعة فإنه لابد من التأكيد على ضرورة وجود العلاقة التكاملية بين مختلف أنواع النخب والتي تضطلع كل واحدة منها بوظيفة معينة تكفل للمجتمع وأفراده الاستقرار والمساهمة في تطويره واستمراريته، وأن هذه النخب ليست نخبا منعزلة، وانما هي نخب فاعلة في مجتمعاتها.


 

الخلاصات

 

وقد توصلت إلى مجموعة من الخلاصات أهمها:

مركزية نخبة إمارة المؤمنين وتفوقها على باقي النخب الدينية الأخرى.

قصور أدوار النخب الدينية التنظيمية وخضوعها للنخبة الدينية المركزية، وكذا توظيفها وجعلها أداة لتنفيذ السياسة الدينية المعمول بها.

إدماج النخب الحركية الموالية في العملية السياسية من غير العباءة الدينية.

تهميش النخب الحركية المضادة، وحضْرها من الممارسات التي تبرز فعلها الديني داخل المجتمع.

 منع المزاوجة بين الديني والسياسي على جميع النخب الدينية، باستثناء نخبة إمارة المؤمنين (رئيس الدولة وأمير المؤمنين).

توْجيه نُخبة العلماء للتصدي لمُواجهة الأفكار والتوجهات المتطرفة والمعادية للسياسة الدينية الرسمية بالمغرب.

ضبط الحقل الديني بالمغرب تنظيرا وممارسة.

عولمة التأطير الديني من خلال الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة في عملية تأطير المجتمع المغربي دينيا وثقافياً.

وجدير بالذكر أنه، وبعد دخول الحكومة المغربية مؤخرا غمار موجة من التعديلات التشريعية، والتي همت مختلف القوانين المرتبطة بالأسرة والسياسة الجنائية..، ظهرت على الساحة العمومية، وبقوة،  مسألة التوفيق بين التقليدية والحداثة، بل أضحت هذه المسألة تشغل بال النخب الفاعلة في تدبير الحقل الديني، نظرا لبروز فئة واسعة من المجتمع المغربي تطالب بحداثة الدولة وفصل مجموعة من الممارسات الدينية (التقليدية) عن تدبير الحياة العامة للمواطنين، أو بالأحرى تيارات تنتمي الى التوجهات العلمانية ، والتي تقوم على فكرة فصل الدين عن الدولة وتعزيز الحقوق والحريات الفردية داخل المجتمع، وفي المقابل نجد فئة غالبة من المجتمع لا زالت متشبتة بالتقليدية و"إسلامية الدولة"، نظرا لتغلغل الإسلام في وجدانها وممارساتها وتعلقها بثوابت الأمة المغربية الإسلامية.





الجمعة 3 يناير 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter