إنطلق المشرع في القانون رقم 32.09 كعادته في تنصيص على الأحكام العامة, بإدراجه في المادة الأولى تعريفه لمهنة التوثيق على أنها مهنة حرة تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في القانون المنظم مع تقيده في المادة الثانية المهنة بالمبادئ الأمانة والنزاهة والتجرد والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف التقليدية للمهنة.
لينتقل بعد ذلك إلى وصف حالات التنافي من خلال المادة 4 و5 وإقران مخالفة ذلك بعقوبات التأديبية لكل موثق مارس نشاط ينافي طبيعة المهنة أما بالنسبة لمدة التمرين وكيفية التعيين فقد أوردها المشرع في المواد 6 و7 و8 و9 وقد عرفت هذه المواد جدالا واسعا بين الممارسين لكونها تضم مستجدات مكنت البعض القانونين من إمكانية ولوج المهنة شريطة تحقق بعض المواصفات القانونية،وهي الإمكانية التي منحتللمحافظون ومفتشو إدارة الضرائب وقدماالقضاة والمحامون والأساتذة التعليم العالي لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الهيئة المكلفة بالتعين الموثق وكيفية ممارسة للمهنة على مستوى التراب الوطني (المادة 11) .
ولأهمية الحقوق والواجبات الملقات على الموثق فقد أورد المشرع باب خاصا بذلك تضمن (19 مادة) تناول فيها حق الموثق في الأتعاب وأقرن هدا الحق بنص تنظيمي سيوضح طريقة استفائها دون أن يتناسى عن حقه في الإنتقال و طلبه حول الإعفاء من مزاولة المهنة (م 22) وإلزامه بالمحافظة على السر المهني (م 24)وتحمله للمسؤولية الناتجة عن أضرار التي يلحقها نتيجة أخطائه المهنية (المادة 26) وقد أفرد القسم الثاني بإختصاصات الموثق وحجية العقود وحفظها وتسليم النظائر والنسخ تجسيدا بذلك لدعامات قانونية لعقد التوثيقي سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الموضوع كما تحدث عن مقتضيات الزجرية التي يعاقب عليها القانون من قبيل الوساطة بالغير أو السمسرة مع تمكينه من الحماية القانونية التي نص عليها المشرع في الفصلين 263 و267 في القانون الجنائي.
فهي إذا مقتضيات جديدة جائت لحماية الموثق والمتعاقدين، في نوع من الشفافية التي دكرها الدستور الجديد، وهو أيضا ضمانة للمعاملة والإستثمار ومدخل لتأهيل المهنة وتخليقها مع مقتضيات العصر الحديث وهي الأسس التي اعتمدها المشرع في تجسيده للقواعد المنضمة للمهنة والتي عرفت عديد من النقشات بين الممارسين معترفين بتلك الأهمية التي يكتسيها هدا القانون,رغم وجود مجموعة من الإكراهات العملية التي تتير عديد من التساؤلات حول التطبيق السليم للقانون.
- ـ-فهل القانون الجديد جسد مقتضيات تراعي التطبيق السليم لنصوص ؟
- ـ هل هذا القانون يحقق الأمن التعاقدي ؟
- ـ ما هي القيمة الحجية التي أعطاها المشرع للعقد التوثيقي ؟
- ـ ما هي مسؤولية القانونية للموثق ؟
النقطة الأولى: التطبيق السليم لنصوص القانون الجديد:
إن الحديث عن ممارسة المهنية يستلزم الحديث عنكثير من الاختلالات مهنية فبتركيز النقاش حول مخالفات أوجرائم التي يتورط فيها بعض الموثقين والتي في أغلبها تكون نتيجة عن إغفال المشرع لعديد من النقط الحساسة بالمهنة، وتركيزا في هذا الجانب نجد أن القانون الحالي لم يراعي بعض النقط وخاصة تلك المتعلقة بتسليم وإيداع الأموال المودعة لدى الموثق والتي تفوق 100 ألف درهم خلال شهر من تاريخ إيداع بحساب المكتب صندوق الإيداع والتدبير فهذا النص لا يتلائم مع النصوص الواردة في مدونة تحصيل الديون العمومية على أساس أن عديد من الأعمال التي يقوم بها الموثق تدخل في نطاق أداء الضرائب ومختلف القروض التي يتحملها عقار أو أصل تجاري معين.
وقد اعتبر القانون 32.09 الموثق مسؤولا متضامنا مع المدينين وبالتالي فإن الحصول على الإبراء الضريبي الذي تنص عليه مدونة الضرائب، يصعب في كثير من الحالات الحصول عليه داخل 30 يوما، لأن تعقد المساطر الإدارية وتعدد الإدارات وتنوع الضرائب التي يجب التأكد منها، كل ذلك يصعب عمل الموثق، بل قد يجعله مستحيل التحقق في 30 يوما مع صعوبة التعامل مع المؤسسات البنكية الخاصة في ما يتعلق بالحصول على المديونية ورفع الرهون الأمر الذي يجعل من مدة 30 يوما مدة غير ملائمة لمسايرة الإكراهات الواقعية للمهنة.
النقطة الثانية: قانون 32.09 والأمن التعاقدي:
في إحصائيا الواردة بندوة مراكش الأخيرة حول الموثقون والقضاء ثم الإشارة إلى أن عدد الشكايات المقدمة في مواجهة بعض الموثقين خلال خمس سنوات الماضية إلى غاية نهاية يونيو الماضي قد بلغ 233 شكاية حفظ منها 37 فيما أحيل على التحقيق 11 موثقا، و158 شكاية أحيلت على البحث، وقد أكد عبد الله البلغيثي الوكيل العام لاستئنافية البيضاءفي مدخلته على أن النيابة العامة سجلت ارتفاعا مهولا في المخالفات التأديبية المتعلقة بالاحتفاظ بمبالغ مالية التي تضاعفت خمس مرات ونصف في 2012 مقارنة بسنة 2007 كما تضاعف الإخلال بالواجب المهني خمس مرات مقارنة بالسنة نفسها، أما فيما يخص المتابعات الزجرية المتعلقة بجرائم التزوير في المحررات الرسمية فارتفعت بنسبة قائمة أربع أضعاف سنة 2011 مقارنة بسنة 2007 وجرائم النصب والاحتيال تضاعفت بنسبة فاقت خمس مرات سنة 2011 مقارنة بسنة 2007.
فمن خلال هذه الإحصائيات يمكن الفهم بأن الرقابة القضائية على مهنة التوثيق تبقى في موضع تأثير سلبي على ضمان تحقيق الأمن التعاقدي واستقرار المعاملات وماهذا إلا تجسيد للإكراهات المادية وعوامل الموضوعية تستدعي ضرورة تلقيح هذا القانون بضمانات حقيقية تمكن المواطن من التعويض الفوري في حالة ضياع أمواله من طرف الموثق مع تدعيم المقاربة التشاركية والإستشارية للمهنة بخلق للجن مشتركة بين محكمة النقض والغرفة الوطنية لتوثيق قصد البحت و النقاش المستمر عن كل الإختلالات التي قد تعيق المهنة من أجل تقوية الرقابة القضائية تحقيقا للأمن التعاقدي.
النقطة الثالثة: القيمة الحجية التي أعطاها المشرع للعقد التوثيقي.
بالعودة إلى الفصلين 419-و420 من قانون الالتزامات والعقود يمكن تفسيرها على أن المشرع جعل من العقد ورقة رسمية وحجة قاطعة على الأطراف المتعاقدة، يجوز لكل طرف متعرض الطعن في بطلانها، وهي خصوصية التي لا يمكن نكرانها للعقد التوثيقي والتي تعطيه حجية ثبوتية على خلاف الورقة العرفية.
وقد أبان المشرع المغربي في هذا الصدد عن إرادته في تقوية القيمة القانونية ضمن قواعد الإثبات بغرض ضوابط جديدة للمجموعة من النصوص وإسناده لمهمة التوثيق لكفاءات عالية.
فالأصل في العقود التوثيقية بمختلف شروطها الشكلية تستمتع بحجية مطلقة في الإثبات على أساس أن المشرع المغربي لم يأخذ بفكرة السندات التنفيدية لقاعدة عامة في قانون المسطرة المدنية على غرار بعض التشريعات المقارنة التي ذهبت في منح المحررات حجية إضافية في التنفيذ ,إذا اعتبرت سندات تنفيذية بمتابة إمكانية تخول للأطراف المعبئة اللجوء إلى مصلحة التنفيذ لاستيفاء حقوقهم دون حاجة إلى استصدار أحكام قضائية وهو الأمر الذي أكده المشرع الفرنسي في إجازته للموثقبتسليم الصور التنفيذية وكذلك الأمر بالنسبة للقانون المصري بوضع الصيغة التنفيذية على صور المحررات الرسمية الواجبة التنفيذ, فبالعودة إلى قانون المسطرة المدنية، نجد أن المشرع لم يتعرض إلى التنفيذ التلقائي بواسطة المحررات الموثقين لذا فإن أصحاب هذه المحررات عليهم اللجوء إلى القضاء ومراجعته لاستصدار الأحكام من أجل التنفيذ. وهو ما ينسجم مع طبيعة هذه المحررات التي لم تعرف رقابة مسبقة من لدن قاضي التوثيق.
فالعقد التوثيقي هو وثيقة رسمية يكون من حق حامله رفع دعوى مسطرة الأمر بالأداء أمام القضاء التجاري إذا ما تعلق الأمر بالمعاملات التجارية طبقا للمادية 5 من قانون المحاكم التجارية وهي مسطرة إستثنائية تثم دون مرافعةوفي غياب الأطراف ومشمولة بالنفاذ المعجل.
النقطة الرابعة: مسؤولية القانونية للموثق:
يكتسب التوثيق أهمية بارزة في إثبات الحقوق واستقرار المجتمع تشجيع الاستثمار، لذا تحدث المشرع في قانون الجديد 32.09 عن مراقبة المجلس الجهوي للموثقين وأكد على واجب النصح الذي يقدمه الموثق للمتعاقدين مقرنا ذلك أن الإخلال يؤدي إلى المسؤولية القانونية, وقد تناولت المادة 69 ما يسمى بالمراقبة المفاجئة التي يمكن للوكيل العام القيام بها مع إمكانية مرافقته من طرف ممثل عن وزارة المالية أو أحد الخبراء المحاسبين أو رئيس المجلس الجهوي للموثقين وإستثناء من المادة 69 ينبغي إعداد برنامج سنوي للمراقية والتفتيش يبلغ رئيس المجلس الجهوي للموثقين في كل دائرة محكمة الاستئناف وأن يتعلى من يقوم بالمراقبة الموضوعية دون محاباة أو تأثير بالعلاقات الشخصية أو العائلية أو الحزبية.
أما بالنسبة للعقوبات التأديبية فتساؤل المطروح من مقتضيات القانون يتجلى في الإيقاف المؤقت الذي يقوم به الوكيل العام عند الاقتضاء وبين أنه مجرد تدبير احترازي ولا يعتبر عقوبة تأديبية وبين أنه يمكن الطعن في قرارات الوكيل العام للملك لدى اللجنة المنصوص عليها في المادة 11 من قانون 32.09 وفيما يتعلق بالضمانات المحاكمة العادلة بين دور المجالس الجهوية واستشارتها أقبل متابعة، وقبل إحالة الملف على اللجنة الإدارية.
فالغاية المشرع الحقيقية من المسؤولية التأديبية تتجلى في الحفاظ على قدسية المهنة من عبت بعض المتلاعبين الذين قد يحاولون تسخير القضاء لأغراضهم الخاصة وغير مشروعة، والتي تحدث عنها المشرع في القانون الجنائي والمادة 33 من القانون 09-32 والتي نصت على أن الموثق يمنع عليه أن يبرم عقودا تنصب على أموال يعلم أنها غير قابلة للتفويت، وأن تفويتها يتوقف على إجراءات غير مستوفاة ويلاحظ من هذه المادة أنها لم تفرق بين العقود النهائية التي لا يجوز إبرامها وبين العقود غير النهائية أو العقود الابتدائية.
من خلال هدهالنقط يمكننا القول بأن القانون الجديد للمهنة التوثيق لن يخلو من صعوبة التنزيل على المستوى العملي لما تتميز به هده المهنة من الإكرهات و تحديات, لكنه يبقى طفرة إيجابية في المجال التوثيق القانوني بالمغرب لايمكن نكران دورها في ترسيخ مبادئ وأسس المهنة التي ستمكن الفقه القانوني من التفكير وتنظير للمستقبل جيد للمهنة.