-1*بماذا تفسرون تكليف الملك لرئيس الحكومة بشأن الإشراف على ورش إعداد مدونة الأسرة وصياغته كمشروع قانون ؟
ان مخاطبة الملك لرئيس الحكومة بشأن ورش اعداد مدونة الأسرة وصياغته كمشروع قانون ،يثبت أن الملك يعتبر المشروع مشروع مجتمعي وقد ارتاى نظره السديد العمل على تفعيل دور جميع السلطات الدستورية في هذا الشأن تطبيقا لعدة مقتضيات دستورية كالفصل الأول من الدستور الذي يعتبر نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية ،مع التأكيد على مبدأ فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية،مما يفسر ان الرسالة الملكية حرصت على مرعاة بعد المشاركة الجماعية والموسعة في الإصلاح .ومن المهم الإشارة ان الملك كان يمكنه وفقا للفصل 41 من الدستور بصفته أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن للحقوق والحريات واستنادا لصلاحياته الدينية الحصرية تولي مسألة إعادة النظر في مدونة الأسرة في شكل ظهير،لكن الملك ايمانا منه بدولة المؤسسات اتجهت ارادته لتكليف رئيس الحكومة بقيادة المشروع كنوع من الثقة في رئاسة الحكومة كشخص وكسلطة تنظيمية مادام ان المشروع سيعرض بعد الانتهاء منه وعرضه على الملك احالته في شكل مشروع قانون على البرلمان مادام أنه طبقا للفصل 71 من الدستور يملك النظر في نظام الأسرة التي تندرج ضمن اختصاصاته التشريعية.
2-*تراجعت الحكومة في آخر لحظة على فكرة عرض المدونة أمام البرلمان بماذا تفسرون ذلك؟
اعتبر أن الأمر لا يتعلق بتاتا بتراجع بقدر ما هو أخذ الوقت الكافي للصياغة التشريعية لأنها هي عصب أي تشريع ،وهذا عمل الخبراء،وهو أمر ليس بالهين بتاتا باعتبار أن الصياغة تتطلب تدقيقات والاهتمام بالجزئيات والتنزيل السليم لأهداف الإصلاح ،لأن لجنة اعداد الورش كانت لجنة وضع مبادئ كلية للإصلاح باعتباره أهداف وغايات ليس إلا تحتاج لأجرة وتنزيل ،فالحكم على أهمية أهداف الإصلاح رغم أهميتها وقيمتها لن يكتمل بدون صياغة واضحة يفهمها الجميع لتفادي أي تأويل قد يعصف بالإصلاح ،وبالتالي فمعركة الصياغة هي معركة عظيمة وهي لب الإصلاح وجوهره وغايته،لتسهيل مهمة القضاء والدفاع وتبسيط فهم القانون والولوجية للمواطنين بكون القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وعلى الجميع الامتثال له
3-*هل من شروط دستورية لعمل الصياغة التشريعية ؟
إن عمل اعداد التشريع اذا كانت تتشارك فيه الحكومة في شكل "مشروع قانون" أو البرلمان في شكل "مقترح قانون "فإن هذا العمل مربوط بسياج المراقبة الدستورية ،وقد أتيحت للمحكمة الدستورية أن وضعت في اطار رقابتها مجموعة من قواعد الصياغة التشريعية كلها أجمعت على ضرورة مراعاة متطلبات تسهيل الولوج للقانون ومقروئيته ووضوحه وانسجامه تفاديا لتضارب تأويل مقتضياته وتعطيل نفاذ مضامينه وحسن تطبيقه ،وهي ضمانات ذات قيمة دستورية .
ونتوق إلى ضرورة مراعاة لجنة الخبراء سواء الحكومية أو المتعلقة بالمؤسسة التشريعية لهذه القواعد وتنزيلها على مستوى الصياغة ،وأتمنى شخصيا كرجل قانون أن تتم إحالة تعديلات مراجعة مدونة الأسرة بعد المصادقة التشريعية على المحكمة الدستورية لمراقبة دستوريتها ،لأن الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي يتعلق بمصائر المغاربة ومن العدل والقانون كما تمت احالته على المجلس العلمي الأعلى احالته أيضا على المحكمة الدستورية تعبيرا عن دولة المؤسسات والحق والقانون ،لكون المحكمة الدستورية هي سياج ضامن للحقوق والحريات وعنوان سيادة القانون والأمن التشريعي.
4-*أثار رد فعل الحكومة تخوفات من المجتمع المدني بشأن الاستحواذ على صياغة نصوص القانون، هل يشكل أمر خلل؟
اعتقد أنه لا مجال للتخوف مادام أن مبادئ الإصلاح باتت معروفة بعد النظر السامي فيها ،ومما لاشك فيه فإن متابعة الملك لهذا الورش الوطني والحقوقي الكبير لازال مستمرا باعتبار مكانة جلالته في الوضع الدستوري لبلادنا .ويمكن اعتبار أن الالتزام بأهداف الإصلاح ومراعاة ضوابط الصياغة التشريعية بأن تكون منسجمة وواضحة من شأنه التخفيف أو إزالة أي تخوف قد يكون مشروعا في بعض جوانبه المتصلة بالغيرة الوطنية والحقوقية ،لأن الأمر يتعلق بالأسرة كقاطرة للمجتمع والتنمية
كما أن متابعة المجتمع المدني والحقوقي ووسائل الإعلام لورش الصياغة كأجهزة رقابة مجتمعية من شأنه التنبيه لأي خلل أو تجاوز بنظرة انتقادية ووقائية تبتغي نجاعة مشروع المدونة وقدرته على الاستجابة لتطلعات المواطنين في مدونة متوازنة وفاعلة تحمي الأسرة والأطفال .
5-* مغالطات كثيرة تروج بشأن مشروع التعديلات المقترحة على بنود مدونة الأسرة، إلى ما يعزى ذلك؟
الحقيقة أن الدعوة للتواصل مع المواطنين حول ورش إصلاح مدونة الأسرة واطلاعهم على بنوده مسألة في غاية الأهمية والمشروعية الدستورية حتى لا يتم مفاجأتهم بمقتضيات لا يعرفون عنها شيئا ،فالإعلام والإخبار ركن أصيل في الشفافية بما يضمن مقروئية القانون وعلم المواطنين به ومشاركتهم في إعداده وصياغته ونقده لضمان أمن قانوني ،لكن هناك فئة قليلة عن علم أو غير علم حولت بعض مواده كمادة للسخرية أو الاستهزاء أو التعجب أو الاستنكار وتلكم من نتائج حرية التعبير بصرف النظر عن أهداف كل شخص ونيته ،ومع ذلك فالأمر ليس ظاهرة مقلقة وانما اعتبرها شخصيا ظاهرة يمكن استغلالها فنيا بشكل صحيح يخدم المشروع إن صلحت النوايا ،لأنه كم من عمل فني ساهم في اصلاح القوانين ومراجعتها بشكل أمثل
6-*أثارت مسألة النفقة والحضانة وزواج المطلقة إشكالات عدة، إلى أي حد يمكن اعتبار الأمر حق الطفل أم عبء على الأب؟ ،لأنه يرى العديد من النساء أن النضال الحقيقي لحماية حقوق المرأة ينبغي أن يكون متكافئ الفرص دون تحيز لصنف من النساء دون الآخر، إلى مدى يمكن أن تكون المدونة استجابت لذلك؟
الحقيقة أن هذه المواضيع هي التي استأترت باهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام ،والنقاش بشأنها ــأعتبره شخصيا ظاهرة صحية ،لأن النصوص الحالية تعتبر متخلفة بكل المقاييس الحقوقية والوطنية والدولية ،ويمكن الاعتراف أن لجنة الإعداد كانت موفقة الى حد كبير بخصوصها لحد احداث ثورة في الموضوع .
ونؤكد هنا أن تجربة أكثر من 19 سنة أي قرابة العقدين من الزمن في تطبيق مدونة الأسرة كشفت عن عيوب كثيرة لا حصر لها من مظاهر اللامساواة والتمييز ،ويمكن التدليل على ذلك بداية بفرض النفقة وتوابعها على الزوج دون الزوجة ولو كانت غنية أو موظفة أو مستخدمة أي لها دخل دون اقتسام نفقات ومصاريف العائلة والابناء ،في المقابل جعل الولاية الشرعية للاب ولا يمكن تخويلها للام الا في حالة فقد الاب او انعدام اهليته او وفاته .
ويتعين التأكيد أن التشريع المغربي متخلف عن الركب الحقوقي وطنيا ودوليا لكونه يتضمن تمييزا غير مقبول يمس بمبادئ المساواة بين الزوجين لأنه لا يعقل ان تكون المسؤولية مشتركة بين الزوجين في تسيير شؤون البيت والاطفال حسب الفقرة الثالثة من المادة 51 من مدونة الأسرة وفي المقابل احداث تمييز غير مقبول في النيابة الشرعية حسب المادة 233 وما بعدها من نفس المدونة ،لذلك حان الوقت لرفع هذا التمييز وفقا لما نادى به صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من إعادة النظر في مدونة الأسرة ،وجعل الولاية مشتركة وعلى قدم المساواة بين الزوجين حال قيام الزوجية وفي حالة انتهائها تخويلها لمن له حق الحضانة مع تمكين القضاء في جميع الحالات مهمة الفصل عند وجود أي تنازع تحقيقا للمصلحة الفضلى للمحجور،لأنه لا يعقل ان يتوقف انجاز جواز السفر للابناء او تسجيلهم بالمدرسة او نقلهم على موافقة الأب .
كما أن زواج المرأة المطلقة حق من حقوق الإنسان شأنها شأن الرجل ،ولا يعقل أن نسمح للزوج المطلق بالزواج دون قيد أو شرط وفي المقابل نقيد زواج المرأة المطلقة بقيود تتعلق بالحضانة،وكأنها ناقصة الأهلية،إنه ابتزاز تشريعي غير مقبول وغير إنساني وغير أدمي ،فيجب فصل أي علاقة بين زواج المرأة والحضانة ،وفي نفس الآن لا يجب تغليط البسطاء من المواطنين باحداث ابتزاز آخر وهو اسقاط نفقة المحضون مقابل الزواج ،كما سمعته من وزير سابق لا يفقه شيئا، وكأن الإبن ابن خاص لابيه دون أمه وكأن الطلاق جريمة والمرأة والمحضون عليهما التضحية والمخاطرة والتنازل عن حقوقهما الآدمية والإنسانية .
والطريف والمبكي للأسف هو تلكم الضجة التي أحدثها بعض ضعاف العقول والنفوس على اختلاف مشاربهم وثقافتهم بزعم أن الزوج الجديد سيعيش على نفقة ابن الزوج المطلق وسكنه أو مقابله ،وكأن الهدف من الزواج بالمرأة المطلقة كحق من حقوقها هو النفقة ،ولكن الحقيقة أنهم يعادون حق المرأة في الزواج والطلاق ويعادون حقوق الأطفال ويرغبون في اسقاط النفقة على أبنائهم وكأنهم أجانب وليسوا من صلبهم،ورغبتهم هي الاستفراد بالمرأة وتملكها كنوع من العبودية المقيتة واعتبار الأطفال توابع لأمهم وزوجها ،إنه الخواء الفكري وانعدام الضمير اليقظ والحقوقي والوطني الأصيل.
7-*لم يتقبل العديد في النقاشات الدائرة مسألة سكن بعد وفاة الزوج، فعل يمكن اعتبار الأمر حماية للأسرة أم إخلال بالميراث؟
يجب الاعتراف بأن هيمنة العقلية الذكورية لدى بعض المعارضين سيطرت عليهم وجعلتهم يتجنون على الحقيقة تماما كما حصل مع مواضيع زواج المطلقة والحضانة والنفقة،وهو أمر ليس بالغريب عمن يأخذ منهجه من التكفير وكره المرأة ومعاداة حقوق الإنسان ،والحقيقة أن تمكين الزوجة المتوفى عنها زوجها من السكن هو أمر مشروع وعادل لأنه لا يعقل أن نضع الزوجة في الشارع بمجرد وفاة زوجها وكأن آثار الحياة الزوجية تنتهي بالوفاة من تساكن الأسرة ورعاية الأبناء ،كما أن الأمر على خلاف ما هو متداول من أخطاء في الفهم والاستيعاب، فليس الأمر متعلقا بإرث لانه لا يعني تملك الزوجة للسكن وانما هو حق انتفاع بالعين لا علاقة له بالملكية لكونه يتناول حق الانتفاع وليس حق الرقبة ،وقد جرى عمل المغاربة على منح أبنائهم أو أزواجهم أو ذريتهم حق الانتفاع للعقارات والأصول دون الرقبة ،ولم يثر ذلك أي إشكال على مر التاريخ والأزمنة،ولم يشد أي فقيه معتبر على هذا الرأي او يسفهه حتى جاء بعض المتأخرين للأسف .
وبالنسبة لمن يثر مسألة حماية حقوق الوالدين فالمفترض في كل من يحترم والديه أن يوفر لهم سكنا في حياته قبل مماتته ،لأن المشرع يلزم الزوج يتوفير سكن مستقل عن والديه ،فلماذا لا يكون الانتفاع مستقل أيضا ؟هذا ما يبرر أن النقاش في جزء كبير منه مصطنع وفيه الكثير من الميوعة الفكرية .
8-*إلى أي حد يمكن أن يكون لهيأة الصلح والوساطة دور في تقديم بدائل قانونية مبتكرة لحل النزاعات الأسرية بطرق ودية؟
إن المتتبع لشؤون القضاء الأسري لا يمكن إلا أن يؤكد أن إدارة الصلح تحت إشراف القضاء صار معضلة كبيرة جدا،لأنه لا الفضاء ولا وقت القضاء ولا التجربة تسعف في ضمان نجاحه ،وأصبح مجرد إجراء مكتوب لا يغني ولا يسمن من جوع ،بحيث لا يقدم ولا يؤخر شيئا ،وآن الأوان لإبعاده عن القضاء وتكليف هيئة للصلح والوساطة تمتاز بالكفاءة والدراية في علم الاجتماع وعلم النفس،لأن إدارة الصلح علم وتخصص خاص وقائم بذاته ويتعين أن يجرى من لدن المختصين وخارج ساحة القضاء ،ومن شأن تفعيل التجربة كما هو سائد في الأنظمة المقارنة إنجاح تجربة الوساطة وتفعيلها وضمان أوسع السبل لضمان نتائج طيبة تعود بالنفع على الأسرة واستقرار العلاقات الزوجية .
9-*في نظركم ما هي النقاط المستعجلة التي تتطلب معالجة ضرورية وإعادة النظر بشكل مستعجل في صياغة التعديلات المرتقبة والتي لم تتطرق لها لجنة اعداد المدونة؟
إن العديد من مقتضيات مدونة الأسرة تمس بحقوق المرأة والأطفال ،رغم الدور الكبير الذي لعبه القضاء ولاسيما محكمة النقض في تفسير وتأويل ملائم للوضعية الحقوقية للأسرة ،لكن يبقى
دور القضاء تفسيريا ليس الا ،ولا يمكنه ان يجتهد في مواجهة نصوص محجفة لانه مقيد بقاعدة دستورية مؤداها استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية مادام ان التشريع من اختصاصها المطلق .
ومن بين المقترحات المستعجلة لاعادة النظر في مدونة الأسرة :
-إعادة النظر في أنواع الطلاق والتطليق وجعله نوعا واحدا تحت مسمى التطليق للشقاق لان هذا المقتضى يستجيب لجميع الحالات ويستغرق جميع الأسباب وحدف توثيقه لان الحكم بالطلاق او التطليق لا يحتاج الى وثيقة أخرى .
-إقرار الوكالة في الطلاق والتطليق سيرا على ما استقر عليه قضاء محكمة النقض
-الإقرار بحق الزوجين في الاسهام في الانفاق المشترك على الأسرة والأبناء متى كانا لهما عمل ،لانه لا يعقل امام ولوج المرأة للعمل ان نظل تحتفظ بالمفاهيم التقليدية للقوامة بالنظر لقواعد المسؤولية المشتركة للزوجين مادام ان الامر يتعلق بواقع يجب تقنينه .
-تمكين المرأة من الحق المطلق في ممارسة سلطة الولاية على الأبناء شأنها شأن الرجل في جميع الأمور الشخصية والمالية دون قيد او شرط
-إقرار حق الزوجين معا في معاش الآخر في حالة الوفاة ونفس الأمر بالنسبة للابناء بدون تمييز
-الغاء كل التقييدات المتعلقة بمدة الزواج في اطار الاستفادة من حقوق المعاش او غيره .-
-الاعتراف بالاقرار بالنسب مادام أن الأصل في الأمور هو أنها شرعية بالنظر لوجود أطفال،وهو يفوق أي ايجاب او قبول،وهو ما ينسجم مع قواعد الفقه التي لا تتطلب استفسار المقر عن سبب اقراره وحيثياته .
-اعتبار الخبرة الجينية وسيلة من وسائل اثبات النسب في جميع الأحوال لان الأصل هو شرعية العلاقة بالنظر لوجود أطفال ،وهو يفوق أي ايجاب او قبول ،انتصارا للمعطيات العلمية على مجرد الحجود والانكار،وهذا يتوافق مع قواعد الفقه التي تعتبر الخبرة من وسائل اثبات النسب .
-الاعتراف بنسب الأبناء في حالات الاغتصاب حماية للمراة والابناء ،لانه لا يمكن مجازاة الفاعل عن خطئه وحرمان الأطفال من الحق في النسب الذي يعلو على أي حق آخر .
-الاعتراف للمرأة بحق الإجهاض في جميع الأحوال لحماية صحتها ونفسيتها
ومن هنا وجه التنبيه الى أنه لا يمكن إعادة النظر في مدونة الأسرة وحدها دون مراعاة ارتباطها بالقانون الجنائي وقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية وقوانين التقاعد والضمان الاجتماعي وغيرهم مما يحتم تعديل للنصوص المرتبطة بها في مثل هذه القوانين لضمان انسجامها مع المحيط التشريعي لإزالة أي عقبات في التفسير مستقبلا .
ان مخاطبة الملك لرئيس الحكومة بشأن ورش اعداد مدونة الأسرة وصياغته كمشروع قانون ،يثبت أن الملك يعتبر المشروع مشروع مجتمعي وقد ارتاى نظره السديد العمل على تفعيل دور جميع السلطات الدستورية في هذا الشأن تطبيقا لعدة مقتضيات دستورية كالفصل الأول من الدستور الذي يعتبر نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية ،مع التأكيد على مبدأ فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية،مما يفسر ان الرسالة الملكية حرصت على مرعاة بعد المشاركة الجماعية والموسعة في الإصلاح .ومن المهم الإشارة ان الملك كان يمكنه وفقا للفصل 41 من الدستور بصفته أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن للحقوق والحريات واستنادا لصلاحياته الدينية الحصرية تولي مسألة إعادة النظر في مدونة الأسرة في شكل ظهير،لكن الملك ايمانا منه بدولة المؤسسات اتجهت ارادته لتكليف رئيس الحكومة بقيادة المشروع كنوع من الثقة في رئاسة الحكومة كشخص وكسلطة تنظيمية مادام ان المشروع سيعرض بعد الانتهاء منه وعرضه على الملك احالته في شكل مشروع قانون على البرلمان مادام أنه طبقا للفصل 71 من الدستور يملك النظر في نظام الأسرة التي تندرج ضمن اختصاصاته التشريعية.
2-*تراجعت الحكومة في آخر لحظة على فكرة عرض المدونة أمام البرلمان بماذا تفسرون ذلك؟
اعتبر أن الأمر لا يتعلق بتاتا بتراجع بقدر ما هو أخذ الوقت الكافي للصياغة التشريعية لأنها هي عصب أي تشريع ،وهذا عمل الخبراء،وهو أمر ليس بالهين بتاتا باعتبار أن الصياغة تتطلب تدقيقات والاهتمام بالجزئيات والتنزيل السليم لأهداف الإصلاح ،لأن لجنة اعداد الورش كانت لجنة وضع مبادئ كلية للإصلاح باعتباره أهداف وغايات ليس إلا تحتاج لأجرة وتنزيل ،فالحكم على أهمية أهداف الإصلاح رغم أهميتها وقيمتها لن يكتمل بدون صياغة واضحة يفهمها الجميع لتفادي أي تأويل قد يعصف بالإصلاح ،وبالتالي فمعركة الصياغة هي معركة عظيمة وهي لب الإصلاح وجوهره وغايته،لتسهيل مهمة القضاء والدفاع وتبسيط فهم القانون والولوجية للمواطنين بكون القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وعلى الجميع الامتثال له
3-*هل من شروط دستورية لعمل الصياغة التشريعية ؟
إن عمل اعداد التشريع اذا كانت تتشارك فيه الحكومة في شكل "مشروع قانون" أو البرلمان في شكل "مقترح قانون "فإن هذا العمل مربوط بسياج المراقبة الدستورية ،وقد أتيحت للمحكمة الدستورية أن وضعت في اطار رقابتها مجموعة من قواعد الصياغة التشريعية كلها أجمعت على ضرورة مراعاة متطلبات تسهيل الولوج للقانون ومقروئيته ووضوحه وانسجامه تفاديا لتضارب تأويل مقتضياته وتعطيل نفاذ مضامينه وحسن تطبيقه ،وهي ضمانات ذات قيمة دستورية .
ونتوق إلى ضرورة مراعاة لجنة الخبراء سواء الحكومية أو المتعلقة بالمؤسسة التشريعية لهذه القواعد وتنزيلها على مستوى الصياغة ،وأتمنى شخصيا كرجل قانون أن تتم إحالة تعديلات مراجعة مدونة الأسرة بعد المصادقة التشريعية على المحكمة الدستورية لمراقبة دستوريتها ،لأن الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي يتعلق بمصائر المغاربة ومن العدل والقانون كما تمت احالته على المجلس العلمي الأعلى احالته أيضا على المحكمة الدستورية تعبيرا عن دولة المؤسسات والحق والقانون ،لكون المحكمة الدستورية هي سياج ضامن للحقوق والحريات وعنوان سيادة القانون والأمن التشريعي.
4-*أثار رد فعل الحكومة تخوفات من المجتمع المدني بشأن الاستحواذ على صياغة نصوص القانون، هل يشكل أمر خلل؟
اعتقد أنه لا مجال للتخوف مادام أن مبادئ الإصلاح باتت معروفة بعد النظر السامي فيها ،ومما لاشك فيه فإن متابعة الملك لهذا الورش الوطني والحقوقي الكبير لازال مستمرا باعتبار مكانة جلالته في الوضع الدستوري لبلادنا .ويمكن اعتبار أن الالتزام بأهداف الإصلاح ومراعاة ضوابط الصياغة التشريعية بأن تكون منسجمة وواضحة من شأنه التخفيف أو إزالة أي تخوف قد يكون مشروعا في بعض جوانبه المتصلة بالغيرة الوطنية والحقوقية ،لأن الأمر يتعلق بالأسرة كقاطرة للمجتمع والتنمية
كما أن متابعة المجتمع المدني والحقوقي ووسائل الإعلام لورش الصياغة كأجهزة رقابة مجتمعية من شأنه التنبيه لأي خلل أو تجاوز بنظرة انتقادية ووقائية تبتغي نجاعة مشروع المدونة وقدرته على الاستجابة لتطلعات المواطنين في مدونة متوازنة وفاعلة تحمي الأسرة والأطفال .
5-* مغالطات كثيرة تروج بشأن مشروع التعديلات المقترحة على بنود مدونة الأسرة، إلى ما يعزى ذلك؟
الحقيقة أن الدعوة للتواصل مع المواطنين حول ورش إصلاح مدونة الأسرة واطلاعهم على بنوده مسألة في غاية الأهمية والمشروعية الدستورية حتى لا يتم مفاجأتهم بمقتضيات لا يعرفون عنها شيئا ،فالإعلام والإخبار ركن أصيل في الشفافية بما يضمن مقروئية القانون وعلم المواطنين به ومشاركتهم في إعداده وصياغته ونقده لضمان أمن قانوني ،لكن هناك فئة قليلة عن علم أو غير علم حولت بعض مواده كمادة للسخرية أو الاستهزاء أو التعجب أو الاستنكار وتلكم من نتائج حرية التعبير بصرف النظر عن أهداف كل شخص ونيته ،ومع ذلك فالأمر ليس ظاهرة مقلقة وانما اعتبرها شخصيا ظاهرة يمكن استغلالها فنيا بشكل صحيح يخدم المشروع إن صلحت النوايا ،لأنه كم من عمل فني ساهم في اصلاح القوانين ومراجعتها بشكل أمثل
6-*أثارت مسألة النفقة والحضانة وزواج المطلقة إشكالات عدة، إلى أي حد يمكن اعتبار الأمر حق الطفل أم عبء على الأب؟ ،لأنه يرى العديد من النساء أن النضال الحقيقي لحماية حقوق المرأة ينبغي أن يكون متكافئ الفرص دون تحيز لصنف من النساء دون الآخر، إلى مدى يمكن أن تكون المدونة استجابت لذلك؟
الحقيقة أن هذه المواضيع هي التي استأترت باهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام ،والنقاش بشأنها ــأعتبره شخصيا ظاهرة صحية ،لأن النصوص الحالية تعتبر متخلفة بكل المقاييس الحقوقية والوطنية والدولية ،ويمكن الاعتراف أن لجنة الإعداد كانت موفقة الى حد كبير بخصوصها لحد احداث ثورة في الموضوع .
ونؤكد هنا أن تجربة أكثر من 19 سنة أي قرابة العقدين من الزمن في تطبيق مدونة الأسرة كشفت عن عيوب كثيرة لا حصر لها من مظاهر اللامساواة والتمييز ،ويمكن التدليل على ذلك بداية بفرض النفقة وتوابعها على الزوج دون الزوجة ولو كانت غنية أو موظفة أو مستخدمة أي لها دخل دون اقتسام نفقات ومصاريف العائلة والابناء ،في المقابل جعل الولاية الشرعية للاب ولا يمكن تخويلها للام الا في حالة فقد الاب او انعدام اهليته او وفاته .
ويتعين التأكيد أن التشريع المغربي متخلف عن الركب الحقوقي وطنيا ودوليا لكونه يتضمن تمييزا غير مقبول يمس بمبادئ المساواة بين الزوجين لأنه لا يعقل ان تكون المسؤولية مشتركة بين الزوجين في تسيير شؤون البيت والاطفال حسب الفقرة الثالثة من المادة 51 من مدونة الأسرة وفي المقابل احداث تمييز غير مقبول في النيابة الشرعية حسب المادة 233 وما بعدها من نفس المدونة ،لذلك حان الوقت لرفع هذا التمييز وفقا لما نادى به صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من إعادة النظر في مدونة الأسرة ،وجعل الولاية مشتركة وعلى قدم المساواة بين الزوجين حال قيام الزوجية وفي حالة انتهائها تخويلها لمن له حق الحضانة مع تمكين القضاء في جميع الحالات مهمة الفصل عند وجود أي تنازع تحقيقا للمصلحة الفضلى للمحجور،لأنه لا يعقل ان يتوقف انجاز جواز السفر للابناء او تسجيلهم بالمدرسة او نقلهم على موافقة الأب .
كما أن زواج المرأة المطلقة حق من حقوق الإنسان شأنها شأن الرجل ،ولا يعقل أن نسمح للزوج المطلق بالزواج دون قيد أو شرط وفي المقابل نقيد زواج المرأة المطلقة بقيود تتعلق بالحضانة،وكأنها ناقصة الأهلية،إنه ابتزاز تشريعي غير مقبول وغير إنساني وغير أدمي ،فيجب فصل أي علاقة بين زواج المرأة والحضانة ،وفي نفس الآن لا يجب تغليط البسطاء من المواطنين باحداث ابتزاز آخر وهو اسقاط نفقة المحضون مقابل الزواج ،كما سمعته من وزير سابق لا يفقه شيئا، وكأن الإبن ابن خاص لابيه دون أمه وكأن الطلاق جريمة والمرأة والمحضون عليهما التضحية والمخاطرة والتنازل عن حقوقهما الآدمية والإنسانية .
والطريف والمبكي للأسف هو تلكم الضجة التي أحدثها بعض ضعاف العقول والنفوس على اختلاف مشاربهم وثقافتهم بزعم أن الزوج الجديد سيعيش على نفقة ابن الزوج المطلق وسكنه أو مقابله ،وكأن الهدف من الزواج بالمرأة المطلقة كحق من حقوقها هو النفقة ،ولكن الحقيقة أنهم يعادون حق المرأة في الزواج والطلاق ويعادون حقوق الأطفال ويرغبون في اسقاط النفقة على أبنائهم وكأنهم أجانب وليسوا من صلبهم،ورغبتهم هي الاستفراد بالمرأة وتملكها كنوع من العبودية المقيتة واعتبار الأطفال توابع لأمهم وزوجها ،إنه الخواء الفكري وانعدام الضمير اليقظ والحقوقي والوطني الأصيل.
7-*لم يتقبل العديد في النقاشات الدائرة مسألة سكن بعد وفاة الزوج، فعل يمكن اعتبار الأمر حماية للأسرة أم إخلال بالميراث؟
يجب الاعتراف بأن هيمنة العقلية الذكورية لدى بعض المعارضين سيطرت عليهم وجعلتهم يتجنون على الحقيقة تماما كما حصل مع مواضيع زواج المطلقة والحضانة والنفقة،وهو أمر ليس بالغريب عمن يأخذ منهجه من التكفير وكره المرأة ومعاداة حقوق الإنسان ،والحقيقة أن تمكين الزوجة المتوفى عنها زوجها من السكن هو أمر مشروع وعادل لأنه لا يعقل أن نضع الزوجة في الشارع بمجرد وفاة زوجها وكأن آثار الحياة الزوجية تنتهي بالوفاة من تساكن الأسرة ورعاية الأبناء ،كما أن الأمر على خلاف ما هو متداول من أخطاء في الفهم والاستيعاب، فليس الأمر متعلقا بإرث لانه لا يعني تملك الزوجة للسكن وانما هو حق انتفاع بالعين لا علاقة له بالملكية لكونه يتناول حق الانتفاع وليس حق الرقبة ،وقد جرى عمل المغاربة على منح أبنائهم أو أزواجهم أو ذريتهم حق الانتفاع للعقارات والأصول دون الرقبة ،ولم يثر ذلك أي إشكال على مر التاريخ والأزمنة،ولم يشد أي فقيه معتبر على هذا الرأي او يسفهه حتى جاء بعض المتأخرين للأسف .
وبالنسبة لمن يثر مسألة حماية حقوق الوالدين فالمفترض في كل من يحترم والديه أن يوفر لهم سكنا في حياته قبل مماتته ،لأن المشرع يلزم الزوج يتوفير سكن مستقل عن والديه ،فلماذا لا يكون الانتفاع مستقل أيضا ؟هذا ما يبرر أن النقاش في جزء كبير منه مصطنع وفيه الكثير من الميوعة الفكرية .
8-*إلى أي حد يمكن أن يكون لهيأة الصلح والوساطة دور في تقديم بدائل قانونية مبتكرة لحل النزاعات الأسرية بطرق ودية؟
إن المتتبع لشؤون القضاء الأسري لا يمكن إلا أن يؤكد أن إدارة الصلح تحت إشراف القضاء صار معضلة كبيرة جدا،لأنه لا الفضاء ولا وقت القضاء ولا التجربة تسعف في ضمان نجاحه ،وأصبح مجرد إجراء مكتوب لا يغني ولا يسمن من جوع ،بحيث لا يقدم ولا يؤخر شيئا ،وآن الأوان لإبعاده عن القضاء وتكليف هيئة للصلح والوساطة تمتاز بالكفاءة والدراية في علم الاجتماع وعلم النفس،لأن إدارة الصلح علم وتخصص خاص وقائم بذاته ويتعين أن يجرى من لدن المختصين وخارج ساحة القضاء ،ومن شأن تفعيل التجربة كما هو سائد في الأنظمة المقارنة إنجاح تجربة الوساطة وتفعيلها وضمان أوسع السبل لضمان نتائج طيبة تعود بالنفع على الأسرة واستقرار العلاقات الزوجية .
9-*في نظركم ما هي النقاط المستعجلة التي تتطلب معالجة ضرورية وإعادة النظر بشكل مستعجل في صياغة التعديلات المرتقبة والتي لم تتطرق لها لجنة اعداد المدونة؟
إن العديد من مقتضيات مدونة الأسرة تمس بحقوق المرأة والأطفال ،رغم الدور الكبير الذي لعبه القضاء ولاسيما محكمة النقض في تفسير وتأويل ملائم للوضعية الحقوقية للأسرة ،لكن يبقى
دور القضاء تفسيريا ليس الا ،ولا يمكنه ان يجتهد في مواجهة نصوص محجفة لانه مقيد بقاعدة دستورية مؤداها استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية مادام ان التشريع من اختصاصها المطلق .
ومن بين المقترحات المستعجلة لاعادة النظر في مدونة الأسرة :
-إعادة النظر في أنواع الطلاق والتطليق وجعله نوعا واحدا تحت مسمى التطليق للشقاق لان هذا المقتضى يستجيب لجميع الحالات ويستغرق جميع الأسباب وحدف توثيقه لان الحكم بالطلاق او التطليق لا يحتاج الى وثيقة أخرى .
-إقرار الوكالة في الطلاق والتطليق سيرا على ما استقر عليه قضاء محكمة النقض
-الإقرار بحق الزوجين في الاسهام في الانفاق المشترك على الأسرة والأبناء متى كانا لهما عمل ،لانه لا يعقل امام ولوج المرأة للعمل ان نظل تحتفظ بالمفاهيم التقليدية للقوامة بالنظر لقواعد المسؤولية المشتركة للزوجين مادام ان الامر يتعلق بواقع يجب تقنينه .
-تمكين المرأة من الحق المطلق في ممارسة سلطة الولاية على الأبناء شأنها شأن الرجل في جميع الأمور الشخصية والمالية دون قيد او شرط
-إقرار حق الزوجين معا في معاش الآخر في حالة الوفاة ونفس الأمر بالنسبة للابناء بدون تمييز
-الغاء كل التقييدات المتعلقة بمدة الزواج في اطار الاستفادة من حقوق المعاش او غيره .-
-الاعتراف بالاقرار بالنسب مادام أن الأصل في الأمور هو أنها شرعية بالنظر لوجود أطفال،وهو يفوق أي ايجاب او قبول،وهو ما ينسجم مع قواعد الفقه التي لا تتطلب استفسار المقر عن سبب اقراره وحيثياته .
-اعتبار الخبرة الجينية وسيلة من وسائل اثبات النسب في جميع الأحوال لان الأصل هو شرعية العلاقة بالنظر لوجود أطفال ،وهو يفوق أي ايجاب او قبول ،انتصارا للمعطيات العلمية على مجرد الحجود والانكار،وهذا يتوافق مع قواعد الفقه التي تعتبر الخبرة من وسائل اثبات النسب .
-الاعتراف بنسب الأبناء في حالات الاغتصاب حماية للمراة والابناء ،لانه لا يمكن مجازاة الفاعل عن خطئه وحرمان الأطفال من الحق في النسب الذي يعلو على أي حق آخر .
-الاعتراف للمرأة بحق الإجهاض في جميع الأحوال لحماية صحتها ونفسيتها
ومن هنا وجه التنبيه الى أنه لا يمكن إعادة النظر في مدونة الأسرة وحدها دون مراعاة ارتباطها بالقانون الجنائي وقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية وقوانين التقاعد والضمان الاجتماعي وغيرهم مما يحتم تعديل للنصوص المرتبطة بها في مثل هذه القوانين لضمان انسجامها مع المحيط التشريعي لإزالة أي عقبات في التفسير مستقبلا .