في إطار اهتمامه بالمستجدات والتطورات التشريعية التي تعرفها الترسانة القانونية في المغرب، خاصة منذ المراجعة الدستورية لسنة 2011، فيما يتعلق بالسلطة القضائية، ورغبة منه في المشاركة في النقاشات العلمية والعمومية التي تصاحب الإصلاحات التشريعية القائمة وإغنائها من خلال تدارس مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية، نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمكناس، بشراكة مع المركز المغربي للدراسات القانونية والقضائية، ندوة وطنية يوم السبت 13 يونيو المنصرم بفندق تافيلالت بمكناس حول موضوع " أي موقع للنجاعة القضائية على ضوء مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة".
وقد شهدت الندوة المؤطرة من طرف الدكتور عبد الرحمان السباعي، مستشار بمحكمة الاستئناف بمكناس، مشاركة مجموعة من القضاة والممارسين والباحثين في الميدان، حيث حرص المنظمين على مقاربة الموضوع من مختلف جوانبه. وقد انصبت المداخلات على محاور عديدة ومتنوعة كدور الجمعيات العامة للمحاكم في تحقيق النجاعة القضائية، ووضعية المحاكم المتخصصة (الإدارية والتجارية) و قسم قضاء الأسرة في مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة، والتحديات التي يطرحها التفتيش القضائي والقضاء العسكري بالمغرب.
افتتحت الندوة الوطنية هاته بكلمة للسيد حميد بلمكـي، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب وكلمة لنائبة رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والقضائية، حيث شكلت مناسبة لكلا المتدخلين للتعريف بالندوة ووضع الحاضرين في سياقها، كما كانت فرصة لتقديم الشكر للجهتين المنظمتين وللجنة التنظيم التي سهرت على إنجاح فعاليات الندوة.
بعد ذلك تفضل المتدخلون بولوج المنصة، وتناول الكلمة الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بمكناس السيد عبد الرحمان السباعي، كرئيس الجلسة، أشار من خلالها إلى أهمية مشروع ميثاق إصلاح منظومة العدالة لكونه حاول تجاوز المشاكل التي تعتري القانون القديم وتدارك نواقصه، ويقوم على مبدأ استقلال القضاء؛ مذيلا كلمته بمجموعة من التساؤلات من قبيل هل فعلا بإمكان مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة أن يجعل القضاء أكثر قربا من المتقاضين؟ وهل بإمكانه أن يحقق الأمن القضائي في المغرب؟
وفي سياق المداخلات، تناولت السيدة حجيبة البخاري الكلمة لتلقي عرضها حول " دور الجمعيات العامة للمحاكم في تحقيق النجاعة القضائية"، إذ تقدمت بادئ الأمر بتعريف مبسط للنجاعة القضائية واعتبرتها بمثابة "السلوك الأيسر للمساطر القضائية"، قبل أن تأتي على التذكير بالإطار النظري لهذا الجهاز، أي الجمعية العامة، حيث اعتبرته آلية للنجاعة القضائية لكونه يقرر في كيفية سير الأشغال بالمحكمة وفي العراقيل التي يواجهها، ويقوم بتوزيع القضايا على القضاة، بالإضافة إلى كونه الفضاء الذي تمارس فيه الديمقراطية من داخل المحاكم باعتباره يجمع كل القضاة بالمحكمة، ونافذة لتكريس انفتاح المحاكم على محيطها الخارجي. وهنا انتهت السيدة البخاري إلى وجوب إخضاع الجمعية العامة للمحكمة للقانون وتكريس الديمقراطية والتشاركية بداخلها، إذ أقرت أنه " لا وجود لجمعية عامة للمحكمة إذا كان القرار بيد شخص واحد، وإذا كانت لا تتخذ القرارات بصفة جماعية وقانونية".
وفي حديثها عن واقع الجمعيات العامة للمحاكم، أشارت المتدخلة إلى أن مرسوم 6 يوليوز لسنة 1974 هو القاعدة القانونية لهذا الجهاز، وأن المادة 4 منه هي التي تحدد اختصاصاته (تحديد عدد الغرف والأقسام في المحكمة وتوزيع القضايا عليها )، مؤاخذة عليه كونه يحصر دور الجمعية في ما هو تقني، مما يتوجب على المشرع أن يوسع من صلاحياتها في هذا المشروع. ولم تفوت السيدة البخاري المناسبة لتذكر بأن واقع الممارسة بالمحاكم أخرج الجمعية العامة من موقعها المفترض، وأن هذه الممارسات قد انحرفت عن مسارها، ومما يزيد الوضع سوءا هو سكوت وزارة العدل والحريات والمجلس الأعلى للقضاء عنها. وقبل أن تُنهي مداخلتها توجهت المتدخلة إلى القائمين على مشروع القانون، ودعت إلى مراجعة المقتضيات المتعلقة بالجمعية العامة، وذلك بتوسيع مجال تدخلها وتمكين القضاة من الدعوة إلى انعقادها وكشف الغموض عن الدعوة إلى الجمعية الممنوح للرئيس وذلك بتحديد شكلها، لأن النسخة الحالية من المشروع قد جعل من دور الجمعية دورا استشاريا لا غير.
أما المداخلة الثانية فقد تطرقت إلى " القضاء العسكري بالمغرب بين منطق الاستثناء وهاجس التخصص" حيث أبرز المتدخل الأستاذ سعيد موقـوش/ الباحـث بكلية الحقوق بطنجة جامعة عبد المالك السعدي، أن مشروع قانون التنظيم القضائي يخلو من أي إشارة إلى هذا النوع من القضاء ولو ضمنيا، فإذا كـانت المحكمة العسكرية وفق المادة الأولى من القانون رقم 108.13 محكمة متخصصة، وأحكامها تخضع لقواعد المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، فلمـاذا لم يتـمّ التنصيص عليها في مشروع التنظيـم القضـائي للمملكـة، شأنها شأن المحاكم المتخصصة الأخـرى (المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية) ؟ كما أبان عن تبعية هذا الصنف من القضاء، في ظل ظهير 10 نونبر 1956، لمجموعة من المتدخلين الذين ينتمون إلى السلطة التنفيذية مما يظهر عدم استقلاليته، إضافة إلى افتقار الظهير المنظم له لمقتضيات تهمّ تعليل الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية. وفي السياق ذاته، أكد المتدخل على أن منطق الاستثناء لا يزال يطفو على القضاء العسكري، حيث أنه، وخلافا لما رُوج له، لا يزال المدنيين يحاكمون أمام القضاء العسكري بمقتضى المادة 8 من القانون 108.13(الجرائم المرتكبة من قبل أسرى الحرب، أيا كانت صفة مرتكبيها، الجرائم المرتكبة في حالة حرب، ضد مؤسسات الدولة أو المرتكبة ضد أمن الأشخاص أو الأموال إذا ارتكبت لفائدة العدو أو كان لها تأثير على القوات المسلحة، وجرائم الإعداد لتغيير النظام أو الاستيلاء على جزء من التراب الوطني باستعمال السلاح، والجرائم المرتكبة ضد النظم المعلوماتية والاتصالاتية والتطبيقات الإلكترونية...)، كما أشار كذلك إلى أن ما يزكي منطـق الاستثناء الذي يكتنف القانون رقم 108.13، وهو أن المشرع يتحدث عن " المحاكم العادية"، وبإعمال مفهوم المخالفة، يعني أن المحكمة العسكرية هي " محكمة غير عادية"، أي محكمة استثنائية، وليست محكمة متخصصة، على اعتبار أن المحاكم المتخصصة لا تخرج من نطاق المحاكم العادية. وقبل أن يختم السيد سعيد موقـوش مداخلته، توجه بتوصية إلى المشرع بضرورة إدراج مقتضيات قانون القضاء العسكري في مشروع قانون التنظيم القضائي، وتجنب ازدواجية التنظيم القضائي بالبلاد.
أما المحور المتعلق بالقضاء المتخصص، فقد خُصصت له مداخلتين رئيسيتين. أولهما كانت تحت عنوان "المحاكم المتخصصة بين الإلغاء والإبقاء" من إلقـاء السيدة لبنى فريالي/ نائبة رئيس المحكمة التجارية بمكناس، والثانية حول " المحاكم الإدارية بالمغرب أية نجاعة في ضوء مشروع التنظيم القضائي؟" من إلقاء السيد خالد التومي رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والقضائية. وبعد إطلالة مختزلة على أهمية القضاء المتخصص في المنظومة القضائية ككل، أشار هذا الأخير إلى ضرورة تبني ميكانيزمات وآليات تحقيق النجاعة في القضاء الإداري، وذكر منها: تبني استراتيجية ورؤية واضحتين بخصوص القضاء الإداري والعمل على إحداث هيئة عليا متخصصة على غرار مجموعة من الدول كمجلس الدولة مثلا أو المحكمة الإدارية العليا، إضافة إلى تفعيل دور مؤسسة المفوض الملكي. وختم السيد رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والقضائية مداخلته مؤكدا على أن تعاطي المشرع مع القضاء الإداري يعتريه نوع من الارتباك، وكتوصية بهذا الشأن أشار إلى ضرورة إعادة النظر في هذا الأمر والاحتفاظ بمكتسبات القضاء المتخصص، خاصة الإداري، بل وتطويرها بدل العودة إلى الوراء.
أما بخصوص قضاء الأسرة، فقد كانت المداخلة من إلقاء السيد حدو معسو/ قاضي بقسم قضاء الأسرة بمكناس، تحت عنوان " مركز أقسام قضاء الأسرة في مشروع التنظيم الجديد"، حيث تفضل المتدخل بالتذكير بسياق إحداث هذه الأقسام الذي تم بموازاة مع صدور مدونة الأسرة لسنة 2004، وأكد على ضرورة تنظيم قضاء استعجالي أسري خاص وتخويل حق البت في القضايا الاستعجالية لرئيس القسم في إطار القضاء الفردي، كم أشار إلى تبسيط المساطر بخصوص قضاء الأسرة من خلال تكريس شفهية المسطرة في أغلب قضايا الأسرة باعتبارها قضايا اجتماعية تروم صيانة حقوق طبقات اجتماعية هشة، إذ لا يُعقل فرض شرط الكتابة وتوكيل المحام في مثل هذه القضايا.
كما لم يفوت السيد حدو معسو المناسبة للتذكير بضرورة تخصيص قضاء الأسرة ببنايات خاصة وبقضاة متخصصين في المادة. وعلى نفس المنوال، أثار المتدخل كما من الإشكالات المطروحة خاصة بشأن الطعن في الأحكام الأسرية والتمييز بين الشكل والموضوع في هذه القضايا والنصوص القانونية التي يجب أن يخضع لها (النصوص العامة أم الخاصة) وتنازع الاختصاص بين أقسام الأسرة وباقي الأقسام المتخصصة، منتهيا إلى ضرورة إحداث محكمة لتنازع الاختصاص.
أما على مستوى التدبير الإداري لأقسام قضاء الأسرة، فقد أكد السيد حدو معسو أن التنظيم والتدقيق غائبان على مستوى هذه الأقسام بالرغم مما يمثلانه من الأهمية، وأرجع هذا الغياب إلى سببين رئيسيين أولهما غياب رئيس لكتابة الضبط بأقسام الأسرة حيث يُكلف المنتدبون القضائيون بهذا الأمر، وثانيهما ضعف وغياب تنظيم دقيق لمؤسسة رئيس قسم الأسرة.
أما بالنسبة للتفتيش القضائي، فقد كانت المداخلة تحت عنوان " التفتيش القضائي في ضوء مشروع قانون التنظيم القضائي " للأستاذ ياسيـن مخلـي/ الرئيس السابق لنادي قضاة المغرب، حيث أن المتدخل أعاب على المشرع استعماله لكلمة "تفتيش" على غرار ما يعمل به إزاء أمر الرقابة بخصوص السلطة التنفيذية، مبرزا أن التفتيش هو آلية للتقييم، محبذا كلمة التقييم على حساب التفتيش. بالإضافة إلى ذلك آخذ المتدخل على المشرع الإبقاء على الضبابية التي تعتري مسطرة التفتيش القضائي و إهماله لدور التقييم على محكمة النقض التي ظلت خارج مجال التفتيش. وعلى هذا الأساس خلص المتدخل إلى كون مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة لم يأت بأي جديد بخصوص هذه المسألة، أي تقييم منظومة العدالة.
وجدير بالذكر أن المتدخلين قد حرصوا على إبراز العلاقة بين النجاعة القضائية وأسئلة إصلاح الإطار القانوني المنظم للقضاء، حيث لم يفوتوا الفرصة لتوجيه بعض التوصيات الفردية إلى القائمين على مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة من أجل تدارك مكامن النقص فيه، بما يضمن استقلال السلطة القضائية ونزاهتها وفعاليتها. ونجمل هذه التوصيات فيما يلي :
وقد شهدت الندوة المؤطرة من طرف الدكتور عبد الرحمان السباعي، مستشار بمحكمة الاستئناف بمكناس، مشاركة مجموعة من القضاة والممارسين والباحثين في الميدان، حيث حرص المنظمين على مقاربة الموضوع من مختلف جوانبه. وقد انصبت المداخلات على محاور عديدة ومتنوعة كدور الجمعيات العامة للمحاكم في تحقيق النجاعة القضائية، ووضعية المحاكم المتخصصة (الإدارية والتجارية) و قسم قضاء الأسرة في مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة، والتحديات التي يطرحها التفتيش القضائي والقضاء العسكري بالمغرب.
افتتحت الندوة الوطنية هاته بكلمة للسيد حميد بلمكـي، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب وكلمة لنائبة رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والقضائية، حيث شكلت مناسبة لكلا المتدخلين للتعريف بالندوة ووضع الحاضرين في سياقها، كما كانت فرصة لتقديم الشكر للجهتين المنظمتين وللجنة التنظيم التي سهرت على إنجاح فعاليات الندوة.
بعد ذلك تفضل المتدخلون بولوج المنصة، وتناول الكلمة الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بمكناس السيد عبد الرحمان السباعي، كرئيس الجلسة، أشار من خلالها إلى أهمية مشروع ميثاق إصلاح منظومة العدالة لكونه حاول تجاوز المشاكل التي تعتري القانون القديم وتدارك نواقصه، ويقوم على مبدأ استقلال القضاء؛ مذيلا كلمته بمجموعة من التساؤلات من قبيل هل فعلا بإمكان مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة أن يجعل القضاء أكثر قربا من المتقاضين؟ وهل بإمكانه أن يحقق الأمن القضائي في المغرب؟
وفي سياق المداخلات، تناولت السيدة حجيبة البخاري الكلمة لتلقي عرضها حول " دور الجمعيات العامة للمحاكم في تحقيق النجاعة القضائية"، إذ تقدمت بادئ الأمر بتعريف مبسط للنجاعة القضائية واعتبرتها بمثابة "السلوك الأيسر للمساطر القضائية"، قبل أن تأتي على التذكير بالإطار النظري لهذا الجهاز، أي الجمعية العامة، حيث اعتبرته آلية للنجاعة القضائية لكونه يقرر في كيفية سير الأشغال بالمحكمة وفي العراقيل التي يواجهها، ويقوم بتوزيع القضايا على القضاة، بالإضافة إلى كونه الفضاء الذي تمارس فيه الديمقراطية من داخل المحاكم باعتباره يجمع كل القضاة بالمحكمة، ونافذة لتكريس انفتاح المحاكم على محيطها الخارجي. وهنا انتهت السيدة البخاري إلى وجوب إخضاع الجمعية العامة للمحكمة للقانون وتكريس الديمقراطية والتشاركية بداخلها، إذ أقرت أنه " لا وجود لجمعية عامة للمحكمة إذا كان القرار بيد شخص واحد، وإذا كانت لا تتخذ القرارات بصفة جماعية وقانونية".
وفي حديثها عن واقع الجمعيات العامة للمحاكم، أشارت المتدخلة إلى أن مرسوم 6 يوليوز لسنة 1974 هو القاعدة القانونية لهذا الجهاز، وأن المادة 4 منه هي التي تحدد اختصاصاته (تحديد عدد الغرف والأقسام في المحكمة وتوزيع القضايا عليها )، مؤاخذة عليه كونه يحصر دور الجمعية في ما هو تقني، مما يتوجب على المشرع أن يوسع من صلاحياتها في هذا المشروع. ولم تفوت السيدة البخاري المناسبة لتذكر بأن واقع الممارسة بالمحاكم أخرج الجمعية العامة من موقعها المفترض، وأن هذه الممارسات قد انحرفت عن مسارها، ومما يزيد الوضع سوءا هو سكوت وزارة العدل والحريات والمجلس الأعلى للقضاء عنها. وقبل أن تُنهي مداخلتها توجهت المتدخلة إلى القائمين على مشروع القانون، ودعت إلى مراجعة المقتضيات المتعلقة بالجمعية العامة، وذلك بتوسيع مجال تدخلها وتمكين القضاة من الدعوة إلى انعقادها وكشف الغموض عن الدعوة إلى الجمعية الممنوح للرئيس وذلك بتحديد شكلها، لأن النسخة الحالية من المشروع قد جعل من دور الجمعية دورا استشاريا لا غير.
أما المداخلة الثانية فقد تطرقت إلى " القضاء العسكري بالمغرب بين منطق الاستثناء وهاجس التخصص" حيث أبرز المتدخل الأستاذ سعيد موقـوش/ الباحـث بكلية الحقوق بطنجة جامعة عبد المالك السعدي، أن مشروع قانون التنظيم القضائي يخلو من أي إشارة إلى هذا النوع من القضاء ولو ضمنيا، فإذا كـانت المحكمة العسكرية وفق المادة الأولى من القانون رقم 108.13 محكمة متخصصة، وأحكامها تخضع لقواعد المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، فلمـاذا لم يتـمّ التنصيص عليها في مشروع التنظيـم القضـائي للمملكـة، شأنها شأن المحاكم المتخصصة الأخـرى (المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية) ؟ كما أبان عن تبعية هذا الصنف من القضاء، في ظل ظهير 10 نونبر 1956، لمجموعة من المتدخلين الذين ينتمون إلى السلطة التنفيذية مما يظهر عدم استقلاليته، إضافة إلى افتقار الظهير المنظم له لمقتضيات تهمّ تعليل الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية. وفي السياق ذاته، أكد المتدخل على أن منطق الاستثناء لا يزال يطفو على القضاء العسكري، حيث أنه، وخلافا لما رُوج له، لا يزال المدنيين يحاكمون أمام القضاء العسكري بمقتضى المادة 8 من القانون 108.13(الجرائم المرتكبة من قبل أسرى الحرب، أيا كانت صفة مرتكبيها، الجرائم المرتكبة في حالة حرب، ضد مؤسسات الدولة أو المرتكبة ضد أمن الأشخاص أو الأموال إذا ارتكبت لفائدة العدو أو كان لها تأثير على القوات المسلحة، وجرائم الإعداد لتغيير النظام أو الاستيلاء على جزء من التراب الوطني باستعمال السلاح، والجرائم المرتكبة ضد النظم المعلوماتية والاتصالاتية والتطبيقات الإلكترونية...)، كما أشار كذلك إلى أن ما يزكي منطـق الاستثناء الذي يكتنف القانون رقم 108.13، وهو أن المشرع يتحدث عن " المحاكم العادية"، وبإعمال مفهوم المخالفة، يعني أن المحكمة العسكرية هي " محكمة غير عادية"، أي محكمة استثنائية، وليست محكمة متخصصة، على اعتبار أن المحاكم المتخصصة لا تخرج من نطاق المحاكم العادية. وقبل أن يختم السيد سعيد موقـوش مداخلته، توجه بتوصية إلى المشرع بضرورة إدراج مقتضيات قانون القضاء العسكري في مشروع قانون التنظيم القضائي، وتجنب ازدواجية التنظيم القضائي بالبلاد.
أما المحور المتعلق بالقضاء المتخصص، فقد خُصصت له مداخلتين رئيسيتين. أولهما كانت تحت عنوان "المحاكم المتخصصة بين الإلغاء والإبقاء" من إلقـاء السيدة لبنى فريالي/ نائبة رئيس المحكمة التجارية بمكناس، والثانية حول " المحاكم الإدارية بالمغرب أية نجاعة في ضوء مشروع التنظيم القضائي؟" من إلقاء السيد خالد التومي رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والقضائية. وبعد إطلالة مختزلة على أهمية القضاء المتخصص في المنظومة القضائية ككل، أشار هذا الأخير إلى ضرورة تبني ميكانيزمات وآليات تحقيق النجاعة في القضاء الإداري، وذكر منها: تبني استراتيجية ورؤية واضحتين بخصوص القضاء الإداري والعمل على إحداث هيئة عليا متخصصة على غرار مجموعة من الدول كمجلس الدولة مثلا أو المحكمة الإدارية العليا، إضافة إلى تفعيل دور مؤسسة المفوض الملكي. وختم السيد رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والقضائية مداخلته مؤكدا على أن تعاطي المشرع مع القضاء الإداري يعتريه نوع من الارتباك، وكتوصية بهذا الشأن أشار إلى ضرورة إعادة النظر في هذا الأمر والاحتفاظ بمكتسبات القضاء المتخصص، خاصة الإداري، بل وتطويرها بدل العودة إلى الوراء.
أما بخصوص قضاء الأسرة، فقد كانت المداخلة من إلقاء السيد حدو معسو/ قاضي بقسم قضاء الأسرة بمكناس، تحت عنوان " مركز أقسام قضاء الأسرة في مشروع التنظيم الجديد"، حيث تفضل المتدخل بالتذكير بسياق إحداث هذه الأقسام الذي تم بموازاة مع صدور مدونة الأسرة لسنة 2004، وأكد على ضرورة تنظيم قضاء استعجالي أسري خاص وتخويل حق البت في القضايا الاستعجالية لرئيس القسم في إطار القضاء الفردي، كم أشار إلى تبسيط المساطر بخصوص قضاء الأسرة من خلال تكريس شفهية المسطرة في أغلب قضايا الأسرة باعتبارها قضايا اجتماعية تروم صيانة حقوق طبقات اجتماعية هشة، إذ لا يُعقل فرض شرط الكتابة وتوكيل المحام في مثل هذه القضايا.
كما لم يفوت السيد حدو معسو المناسبة للتذكير بضرورة تخصيص قضاء الأسرة ببنايات خاصة وبقضاة متخصصين في المادة. وعلى نفس المنوال، أثار المتدخل كما من الإشكالات المطروحة خاصة بشأن الطعن في الأحكام الأسرية والتمييز بين الشكل والموضوع في هذه القضايا والنصوص القانونية التي يجب أن يخضع لها (النصوص العامة أم الخاصة) وتنازع الاختصاص بين أقسام الأسرة وباقي الأقسام المتخصصة، منتهيا إلى ضرورة إحداث محكمة لتنازع الاختصاص.
أما على مستوى التدبير الإداري لأقسام قضاء الأسرة، فقد أكد السيد حدو معسو أن التنظيم والتدقيق غائبان على مستوى هذه الأقسام بالرغم مما يمثلانه من الأهمية، وأرجع هذا الغياب إلى سببين رئيسيين أولهما غياب رئيس لكتابة الضبط بأقسام الأسرة حيث يُكلف المنتدبون القضائيون بهذا الأمر، وثانيهما ضعف وغياب تنظيم دقيق لمؤسسة رئيس قسم الأسرة.
أما بالنسبة للتفتيش القضائي، فقد كانت المداخلة تحت عنوان " التفتيش القضائي في ضوء مشروع قانون التنظيم القضائي " للأستاذ ياسيـن مخلـي/ الرئيس السابق لنادي قضاة المغرب، حيث أن المتدخل أعاب على المشرع استعماله لكلمة "تفتيش" على غرار ما يعمل به إزاء أمر الرقابة بخصوص السلطة التنفيذية، مبرزا أن التفتيش هو آلية للتقييم، محبذا كلمة التقييم على حساب التفتيش. بالإضافة إلى ذلك آخذ المتدخل على المشرع الإبقاء على الضبابية التي تعتري مسطرة التفتيش القضائي و إهماله لدور التقييم على محكمة النقض التي ظلت خارج مجال التفتيش. وعلى هذا الأساس خلص المتدخل إلى كون مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة لم يأت بأي جديد بخصوص هذه المسألة، أي تقييم منظومة العدالة.
وجدير بالذكر أن المتدخلين قد حرصوا على إبراز العلاقة بين النجاعة القضائية وأسئلة إصلاح الإطار القانوني المنظم للقضاء، حيث لم يفوتوا الفرصة لتوجيه بعض التوصيات الفردية إلى القائمين على مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة من أجل تدارك مكامن النقص فيه، بما يضمن استقلال السلطة القضائية ونزاهتها وفعاليتها. ونجمل هذه التوصيات فيما يلي :
- مراجعة المقتضيات المتعلقة بالجمعية العامة للمحكمة، وذلك بتوسيع مجال تدخلها وتمكين القضاة من الدعوة إلى انعقادها ؛
- كشف الغموض عن الدعوة إلى الجمعية العامة للمحكمة الممنوح للرئيس وتحديد شكلها ؛
- إدراج مقتضيات قانون القضاء العسكري رقم 108.13، في إطار مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة و مراجعة مجموعة من مقتضيات هذا القانون، الذي ما زال يغلب عليه منطق الاستثناء.
- تبني استراتيجية ورؤية واضحتين بخصوص القضاء الإداري ؛
- العمل على إحداث هيئة عليا متخصصة على غرار مجموعة من الدول كمجلس الدولة مثلا أو المحكمة الإدارية العليا ؛
- تفعيل دور مؤسسة المفوض الملكي ؛
- تنظيم قضاء استعجالي أسري خاص وتخويل حق البت في القضايا الاستعجالية لرئيس القسم في إطار القضاء الفردي ؛
- تبسيط المساطر بخصوص قضاء الأسرة من خلال تكريس شفهية المسطرة في أغلب قضايا الأسرة؛
- إحداث محكمة لتنازع الاختصاص ؛
- استبدال كلمة "التفتيش" ب "التقييم" و تعميمه على جميع درجات التقاضي بما فيها محكمة النقض.